المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الابتداء 113 - مبتدأ زيد وعاذر خبر … إن قلت زيد - شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك

[بدر الدين ابن مالك]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌الكلام وما يتألف منه

- ‌المعرب والمبني

- ‌النكرة والمعرفة

- ‌العلم

- ‌اسم الإشارة

- ‌الموصول

- ‌المعرف بأداة التعريف

- ‌الابتداء

- ‌كان وأخواتها

- ‌فصل فيما ولا ولات وإن المشبهات بليس

- ‌أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها

- ‌لا: التي لنفي الجنس

- ‌ ظن وأخواتها

- ‌أعلم وأرى

- ‌الفاعل

- ‌النائب عن الفاعل

- ‌اشتغال العامل عن المعمول

- ‌تعدي الفعل ولزومه

- ‌التنازع في العمل

- ‌المفعول المطلق

- ‌المفعول له

- ‌المفعول فيه ويسمى (ظرفاً)

- ‌المفعول معه

- ‌الاستثناء

- ‌الحال

- ‌التمييز

- ‌حروف الجر

- ‌الإضافة

- ‌المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌إعمال المصدر

- ‌إعمال اسم الفاعل

- ‌أبنية المصادر

- ‌أبنية أسماء الفاعلين والمفعولينوالصفات المشبهة لها

- ‌الصفة المشبهة باسم الفاعل

- ‌التعجب

- ‌نعم وبئسوما جرى مجراهما

- ‌أفعل التفضيل

- ‌النعت

- ‌التوكيد

- ‌العطف

- ‌عطف النسق

- ‌البدل

- ‌النداء

- ‌المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌أسماء لازمت النداء

- ‌الاستغاثة

- ‌الندبة

- ‌الترخيم

- ‌الاختصاص

- ‌التحذير والإغراء

- ‌أسماء الأفعال والأصوات

- ‌نونا التوكيد

- ‌ما لا ينصرف

- ‌إعراب الفعل

- ‌عوامل الجزم

- ‌فصل لو

- ‌أما ولولا ولوما

- ‌ الإخبار بالذي والألف واللام

- ‌العدد

- ‌كم وكأين وكذا

- ‌الحكاية

- ‌التأنيث

- ‌المقصور والممدود

- ‌جمع التكسير

- ‌التصغير

- ‌النسب

- ‌الوقف

- ‌الإمالة

- ‌التصريف

- ‌فصل في زيادة همزة الوصل

- ‌الإدغام

الفصل: ‌ ‌الابتداء 113 - مبتدأ زيد وعاذر خبر … إن قلت زيد

‌الابتداء

113 -

مبتدأ زيد وعاذر خبر

إن قلت زيد عاذر من اعتذر

114 -

وأول مبتدأ والثاني

فاعل اغنى في أسارٍ ذان

115 -

وقس وكاستفهامٍ النفي وقد

يجوز نحو فائز أولو الرشد

116 -

والثان مبتدأ وذا الوصف خبر

إن في سوى الإفراد طبقًا استقر

المبتدأ: هو الاسم المجرد عن العوامل اللفظية، غير المزيدة، مخبرًا عنه، أو وصفًا رافعًا لمكتفىً به.

والابتداء: هو كون الاسم كذلك.

فقولي: (الاسم) جنس للمبتدأ، يعم الصريح منه، نحو: زيد قائم، والمؤول. نحو:(وأن تصوموا خير لكم)[البقرة: 184] و (المجرد عن العوامل اللفظية) مخرج [41] للاسم في // بابي كان، وإن، وللمفعول الأول في باب ظن، و (غير المزيدة) مدخل لنحو:(بحسبك زيد)(وما من إله إلا الله)[المائدة / 73] مما جاء مبتدأ مجرورًا بحرف جر زائد، وقولي (مخبرًا عنه، أو وصفًا) مخرج لأسماء الأفعال نحو: تزال، ودراك، و (رافعًا لمكتفى به) مخرج لنحو قائم من قولك: أقائم أبوه زيد؟ فإن مرفوعه ليس مكتفًى به معه.

وقد وضح من هذا أن المبتدأ إما ذو خبر، كزيد: من قولك: زيد عاذر، وإما وصف مسند إلى الفاعل، أو نائبه، كسار، ومكرم: من قولك: أسار هذان؟ وما مكرم العمران، فهذا الضرب قد استغنى بمرفوعه عن الخبر، لشدة شبهه بالفعل، ولذلك

ص: 74

لا يحسن استعماله، ولا يطرد في الكلام حتى يعتمد على ما يقربه من الفعل، وهو الاستفهام، أو النفي، كما في قوله:[من البسيط]

62 -

أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنًا

إن يظعنوا فعجيبً عيش من قطنا

وقال الآخر: [من الطويل]

63 -

خليلي ما وافٍ بعهدي أنتما

إذا لم تكونا لي على من أقاطع

أما إذا لم يعتمد على الاستفهام، أو النفي كان الابتداء به قبيحًا، وهو جائز على قبحه.

ومن الشواهد عليه قول الشاعر: [من الطويل]

64 -

خبيرً بنو لهبٍ فلا تك ملغيًا

مقالة لهبي إذا الطير مرت

فهذا مثل قوله:

.......................

............ فائز أولو الرشد

ص: 75

فإن قلت: فلم لم يجعل الوصف في مثل هذا المثال خبرًا مقدمًا، وما بعده مبتدأ؟ قلت: لعدم المطابقة؛ فإن الوصف في هذا لو كان خبرًا مقدمًا لتحمل ضمير ما بعده، وطابقه في التثنية، والجمع، فلما لم يطابقه علم أنه لم يتحمل ضميره، بل أسند إليه إسناد الفعل إلى الفاعل، ألا ترى إلى قوله:

والثان مبتدأ وذا الوصف خبر

إن في سوى الإفراد طبقًا استقر

يعني أن الوصف إذا كان لما بعده من مثنى، أو مجموع، وطابقه، كما في نحو: أقائمان الزيدان؟ وأقائمون الزيدون؟ كان خبرًا مقدمًا، وما بعده مبتدأ له، لأن المطابقة في الوصف تشعر بتحمل الضمير، وتحمله الضمير يمنع كونه مبتدأ.

فيفهم من هذا أن الوصف متى كان لمثنى، أو مجموع، ولم يطابقه وجب كونه مبتدأ، لأنه قد علم أنه لم يتحمل الضمير، ومتى كان لمفرد، كما في قوله تعالى:(أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم)[مريم / 46]، جاز أن يكون مبتدأ، وما بعده فاعل، وجاز أن يكون خبرًا مقدمًا، متحملا للضمير.

117 -

ورفعوا مبتدأ بالابتدا

كذاك رفع خبرٍ بالمبتدأ

المبتدأ والخبر مرفوعان.

[42]

ولا خلاف عند البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء، وأما // الخبر: فالصحيح أنه مرفوع بالمبتدأ.

قال سيبويه: (فأما الذي يبني عليه شيء هو هو فإن المبني عليه يرتفع به، كما ارتفع هو بالابتداء، وذلك كقولك: عبد الله منطلق).

وقيل: رافع الجزأين هو الابتداء، لأنه اقضتاهما، فعمل فيهما، وهو ضعيف، لأن أقوى العوامل، وهو الفعل لا يعمل رفعين بدون إتباع، فما ليس أقوى أولى ألا يعمل ذلك.

وعند المبرد: أن الابتداء رافع للمبتدأ، وهما رافعان للخبر، وهو قول بما لا نظير له.

ص: 76

وذهب الكوفيون: إلى أن المبتدأ والخبر مترافعان. ويبطله أن الخبر يرفع الفاعل، كما في نحو: زيد قائم أبوه، فلا يصلح لرفع المبتدأ، لأن أقوى العوامل، وهو الفعل لا يعمل رفعين بدون إتباع، فما ليس أقوى لا ينبغي له ذلك.

118 -

والخبر الجزء المتم الفائده

كالله بر والأيادي شاهده

119 -

ومفردًا يأتي جمله

حاويةً معنى الذي سيقت له

120 -

وإن تكن إياه معنى اكتفى

بها كنطقى الله حسبي وكفى

خبر المبتدأ: ما به تحصل الفائدة مع المبتدأ (كبر، وشاهدة) من قولك: الله بر، والأيادي شاهدة. والأصل في الخبر أن يكون اسمًا مفردًا، وقد يكون جملة بشرط أن تكون مرتبطة بالمبتدأ، وإلا لم تحصل الفائدة بالإخبار بها عنه، ولو قلت: زيد قام عمرو لم يكن كلامًا.

والارتباط بأحد أمرين:

الأول: أن تكون الجملة مشتملة على معنى المبتدأ، إما لأن يكون فيها ضميره، مذكورًا، نحو: زيد قام أبوه، أو مقدرًا، نحو: البر الكر بستين، تقديره: البر الكر منه بستين درهمًا، ومثله: السمن منوان بدرهم.

وإما لأن فيها مشارًا به إليه ظاهرًا هو المبتدأ كما في قوله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير)[الأعراف /26]، أو متضمنًا للمبدأ، كما في قوله تعالى:(والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين)[الأعراف: 170]. ومنه قولهم: زيد نعم الرجل.

وإما لأن فيها المبتدأ معادًا، نحو قوله تعالى:(الحاقة * ما الحاقة)[الحاقة / 1 - 2] و (القارعة * ما القارعة)[القارعة / 1 - 2].

والثاني أن تكون الجملة نفس المبتدأ في المعنى، كقولك: نطقي الله حسبي وكفي، فنطقي: مبتدأ، واله: مبتدأ ثان، وحسبي: خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول،

ص: 77

والرابط لها به هو كون مفهومهما هو المراد بالمبتدأ، ومن ذلك قوله تعالى:(دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام)[يونس / 10] وقوله: (فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا)[الأنبياء /97] وقوله: (قل هو الله أحد)[الإخلاص /1][43] على أظهر الوجهين، والله أعلم. //

121 -

والمفرد الجامد فارغ وإن

يشتق فهو ذو ضميرٍ مستكن

122 -

وأبرزنه مطلقًا حيث تلا

ما ليس معناه له محصلا

الخبر المفرد: لا يخلو إما أن يكون جامدًا، أو مستقًا، فإن كان جامدًا لم يتحمل ضمير المبتدأ، خلافًا للكوفيين، لأن الجامد لا يصلح لتحمل الضمير إلا على تأويله بالمشتق، كقولك: زيد أسد، والجارية قمر، على تأويل، هو شجاع، وهي منيرة، والجامد إذا كان خبرًا لا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه يكفي في صحة الإخبار به كونه صادقًا على ما صدق عليه المبتدأ، وذلك كقولك: زيد أخوك، وهذا عبد الله، وما أشبه ذلك.

وإن كان مشتقا: فإن لم يرفع ظاهرًا رفع ضمير المبتدأ، لأن المشتق بمنزلة الفعل في المعنى، فلابد له من فاعل: إما ظاهر، كما في نحو: زيد ضارب غلامه، وإما مضمر، كما في نحو: زيد منطلق، تقديره: زيد منطلق هو، وهذا الضمير يجب استتاره، إلا إذا جرى الخبر على غير من هو له، فيرفع ضميره فإنه حينئذ يجب عند البصريين بروزه مطلقًا، أي سواء خيف اللبس مع الاستتار، أو أمن، تقول: زيد عمرو ضاربه هو، فزيد مبتدأ، وعمرو مبتدأ ثان، وضاربه خبر عمرو، والهاء له، وهو فاعل عائد على زيد، ووجب إبرازه، لئلا يتوهم أن عمرًا هو فاعل الضرب، وتقول: هند زيد ضاربته هي، تبرز الفاعل، لأن الخبر جرى على غير من هو له، وإن كان اللبس مع الاستتار مأمونًا، إجراء لهذا النوع من الخبر على نسق واحد.

وعند الكوفيين أن إبراز الضمير إنما يجب عند خوف اللبس. ومما يدل على صحة قولهم قول الشاعر: [من البسيط]

65 -

قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت

بصدق ذلك عدنان وقحطان

ص: 78

إذ لم يقل: بانوها هم، وقال:

123 -

وأخبروا بظرفٍ أو بحرف جر

ناوين معنى كائنٍ أو استقر

124 -

ولا يكون اسم زمانٍ خبرا

عن جثةٍ وإن يفد فأخبرا

مما يخبر به عن المبتدأ: الجار والمجرور، نحو: الحمد لله، والظرف، وهو كل اسم زمان أو مكان متضمن معنى في نحو: السفر غدًا، وزيد أمامك.

والمصحح للإخبار بهذين تضمنهما معنى صادقًا على المبتدأ، ولك أن تقدره بمفرده، نحو: كائن، أو مستقر، ولك أن تقدره بجملة، نحو: كان أو استقر، كما في الصلة، ويترجح الأول بأمرين:

[44]

الأول: وقوع الظرف، والجار // والمجرور خبرًا في موضع لا يصلح للجملة، كقولهم: أما في الدار فزيد، تقديره: مستقر في الدار فزيد، ولا يجوز أن يكون تقديره: أما استقر في الدار فزيد، لأن (أما) لا تفصل عن (الفاء) إلا باسم مفرد، نحو: أما زيد فقائم، أو بجملة شرط، دون جوابه، نحو قوله تعالى:(فأما إن كان من القربين * فروح وريحان وجنة نعيمٍ)[الواقعة / 88 - 89].

الثاني: وقوع الظرف، والجار والمجرور خبرًا في موضع لا يصلح للفعل، كقوله تعالى:(إذا لهم مكر في آياتنا)[يونس / 21] تقديره: إذا حاصل لهم مكر، ولا يجوز أن يكون تقديره: إذا حصل لهم مكر، لأن إذا الفجائية لا تليها الأفعال. واعلم أن اسم المكان يجوز أن يخبر به عن اسم المعنى، واسم العين، وأما اسم الزمان فإنما يخبر به في الغالب عن اسم المعنى، نحو: القتال غدًا، أو يوم الجمعة، وقد يخبر به عن اسم العين، إذا كان مثل اسم المعنى في وقوعه وقتًا دون وقت، نحو: الرطب في تموز، والورد في أيار، أو دل دليل على تقدير حذف مضاف، كقول الشاعر:[من الرجز]

66 -

أكل عامٍ نعم تحوونه

يلقحه قومً وتنتجونه

ص: 79

تقديره: أكل عام إحراز نعم، أو نهب نعم؟ ونحوه: الليلة الهلال، لأن معناه: الليلة حدوث الهلال، أو رؤية الهلال، أو كان المبتدأ عامًا، واسم الزمان خاصًا، كقولك: نحن في شهر كذا، وما عدا ذلك فلا يصح فيه الإخبار عن اسم العين باسم الزمان، لأنه لا يفيد، والله أعلم.

125 -

ولا يجوز الابتدا بالنكره

ما لم تفد كعند زيدٍ نمره

126 -

وهل فتى فيكم فما خل لنا

ورجل من الكرام عندنا

127 -

ورغبة في الخير خير وعمل

بر يزين وليقس ما لم يقل

الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة، لأن الغالب في النكرة ألا يفيد الإخبار عنها. والأصل في الخبر أن يكون نكرة، لأنه محصل للفائدة، وقيد التعريف فيه الأصل عدمه. وقد يعرفان، نحو: الله ربنا وربكم، وقد ينكران بشرط حصول الفائدة، وذلك في الغالب: بأن يكون المبتدأ نكرة محصنة، والخبر ظرفًا، أو جارًا ومجرورًا مقدمًا، نحو: عند زيد نمرة، وفي الدار رجل، أو يعتمد على استفهام نحو: هل فتى فيكم؟ أو نفي، نحو: ما أحد أفضل منك، ومثله: ما خل لنا، أو يختص فيقرب من المعرفة: إما بوصف، نحو:(ولعبد مؤمن خير من مشركٍ)[البقرة 221]. ومثله: (رجل من الكرام عندنا) وإما بعمل نحو: (أمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة). ومثله: رغبة في الخير [45] خير، وإما بإضافة، نحو:(خمس صلواتٍ كتبهن // الله على العباد).

ومثله: (عمل بر يزين).

وقد يبتدأ بالنكرة في غير ما ذكرنا لأن الإخبار عنها مفيد وذلك نحو قول الشاعر:

ص: 80

[من المتقارب]

67 -

فيوم علينا ويوم لنا

ويوم نساء ويوم نسر

وقول الآخر: [من الطويل]

68 -

سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا

محياك أحفى ضوؤه كل شارق

وقول ابن عباس رضي الله عنه: (تمرة خير من جرادة)، وقولهم:(شر أهر ذا نابٍ)(وشيء جاء بك). والله أعلم بالصواب.

128 -

والأصل في الأخبار أن تؤخرا

وجوزوا التقديم إذ لا ضررا

129 -

فامنعه حين يستوي الجزآن

غرفًا ونكرًا عادمي بيان

130 -

كذا إذا ما الفعل كان الخبرا

أو قصد استعماله منحصرا

131 -

أو كان مسند الذي لام ابتدا

أو لازم الصدر كمن لي منجدا

الأصل تقديم المبتدأ وتأخير الخبر؛ لأنه وصف في المعنى للمبتدأ، فحقه أن يتأخر عنه وضعًا، كما هو متأخر عنه طبعًا، وقد يعدل عن الأصل. فيقدم الخبر، كقولهم:(تميمي أنا) و (مشنوء من يشنؤك).

ص: 81

وقد يمنع من تقديمه أسباب، كما قد يمنع من تأخيره أسباب.

أما أسباب منع التقديم فمنها:

أن يكون المبتدأ والخبر معرفتين أو نكرتين، وليس معهما قرينة تبين المخبر عنه من المخبر به، كقولك: زيد صديقك، وأفضل منك أفضل مني.

فلو قلت: صديقك زيد، وأفضل مني أفضل منك كان المقدم هو المبتدأ، بخلاف نحو: أبو يوسف أبو حنيفة، فإنك لو قلت فيه: أبو حنيفة أبو يوسف كان أبو حنيفة خبرًا مقدمًا، لأنه قد علم أن المراد تشبيه أبي يوسف بأبي حنيفة، وأن المعنى: أبو يوسف مثل أبي حنيفة، قال الشاعر:[من الطويل]

69 -

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

المعنى: بنو أبنائنا مثل بنينا، فقدم الخبر، وحذف المضاف.

ومنها أن يكون الخبر فعلا، بشرط كون المبتدأ مفردًا، والفعل مسندًا إلى ضميره نحو: زيد قام، وهند خرجت، فهذا النوع لا يجوز فيه تقديم الخبر، لعدم القرينة الدالة على إرادته، فإنك لو قلت قام زيد، وخرجت هند كان من باب الفعل والفاعل، لأن اعتباره أقرب.

[46]

ولو كان المبتدأ // مثنى أو مجموعًا، كما في نحو: أخواك قاما، وإخوتك قاموا، جاز تأخيره، نحو: قاما أخواك، وقاموا إخوتك، لأن إسناد الفعل إلى ألف الضمير، أو واوه أمارة على الإخبار بالجملة عن الاسم بعدها.

وكذا لو كان المبتدأ مفردًا، والفعل مسندًا إلى غير ضميره، نحو: زيد قام أبوه فإنه يجوز تأخيره، نحو: قام أبوه زيد.

ومنها قصد بيان انحصار الخبر، أعني انحصار جملة ما للمبتدأ من الأخبار التي يصح فيها النزاع فيما ذكر، كما إذا لت: إنما زيد شاعر، في الرد على من يعتقد أنه كاتب وشاعر، أو كاتب لا شاعر، وقد يستفاد الحصر بإنما، كما قد ذكرنا، وقد يستفاد بـ (إلا) بعد النفي، نحو: ما زيد إلا شاعر، فالخبر المحصور بإنما يجب تأخيره لأن تقديمه يوهم

ص: 82

انحصار المبتدأ، كما إذا قلت: إنما شاعر زيد في الرد على من قال: أما شاعر فزيد، وعمرو، أو فعمرو، لا زيد، وأما الخبر المحصور بإلا بعد النفي فتقديمه مع إلا لا يضر بمعنى الكلام، ومع ذلك ألزموه التأخير حملا على الحصر بإنما إلا فيما ندر من نحو قوله:[من الطويل]

70 -

فيا رب هل إلا بك النصر يرتجي

عليهم وهل إلا عليك المعول

ومنها أن يكون الخبر مسندًا إلى مبتدأ مقرون بلام الابتداء، نحو: لزيد قائم، أو واجب التقديم، نحو ما تضمن استفهامًا، كقوله:(من لي منجدًا): (من) المبتدأ، و (لي) الخبر، و (منجدًا): حال من الضمير الذي في الخبر.

ولا يجوز في نحو ذلك التقديم لا تقول: قائم لزيد، ولا لي منجدًا من، لأن لام الابتداء، والاستفهام لهما صدر الكلام.

وأما أسباب منع تأخير الخبر، فكما يأتي في قوله:

132 -

ونحو عندي درهم ولي وطر

ملتزم فيه تقدم الخبر

133 -

كذا إذا عاد عليه مضمر

مما به عنه مبينًا يخبر

134 -

كذا إذا يستوجب التصديرا

كأين من علمته نصيرا

135 -

وخبر المحصور قدم أبدا

كما لنا إلا إتباع أحمدا

يعني أنه يلزم تقديم الخبر لأسباب:

منها: أن يكون الخبر ظرفًا، أو حرف جر، والمبتدأ نكرة محضة، نحو: عندي درهم، ولي وطر، التزموا تقديم الخبر في نحو هذا، رفعًا لإيهام كونه نعتًا في مقام الاحتمال، وذلك أنك لو قلت: درهم عندي، احتمل أن يكون عندي خبرًا للمبتدأ، وأن يكون نعتًا له، لأنه نكرة محضة، وحاجة النكرة إلى التخصيص ليفيد الإخبار [47] // عنها فائدة يعتد بمثلها آكد من حاجتها إلى الخبر، ولهذا لو كان الخبر ظرفًا، أو حرف جر، والمبتدأ معرفة، أو نكرة مختصة، كما في نحو: زيد عندك، ورجل تميمي في الدار جاز فيه التقديم والتأخير.

ص: 83

ومنها: أن يكون مع المبتدأ ضمير عائد على ما اتصل بالخبر، كقولهم:(على التمرة مثلها زبدًا)، وكقول الشاعر:[من الطويل]

71 -

أهابك إجلالا وما بك قدرة

علي ولكن ملء عين حبيبها

(ملء عين) خبر مقدم، و (حبيبها) مبتدأ مؤخر، لأنه معرفة، وما قبله نكرة، وتأخير المبتدأ فيه واجب؛ لأنه لو قدم لعاد الضمير معه إلى متأخر في اللفظ والرتبة.

ومنها: أن يكون الخبر واجب التصدير لتضمنه معنى الاستفهام، كقوله:

..................

أين من علمته نصيرا

(أين) ظرف مكان، وهو خبر مقدم و (من) اسم موصول في موضع رفع بالابتداء، وما بعده صلته، وخبره واجب التقديم لتضمنه معنى الاستفهام، ومثل ذلك قولك: كيف زيد؟ ومتى اللقاء؟.

ومنها: أن يكون المبتدأ محصورًا، كقولك: إنما قائم زيد، وما قائم إلا زيد، ومثله نحو:

.................

وما لنا إلا إتباع أحمدا

صلى الله عليه وسلم.

وقد تقدم في هذه المسألة ما يغني عن الإطالة.

136 -

وحذف ما يعلم جائز كما

تقول زيد بعد من عندكما

137 -

وفي جواب كيف زيد قل دنف

فزيد استغني عنه إذ عرف

يجوز حذف كل من المبتدأ والخبر إذا علم ودل عليه دليل، كما إذا قلت زيد: في جواب من عندك؟ ودنف: في جواب كيف عمرو؟ فزيد مبتدأ محذوف الخبر، ودنف خبر محذوف المبتدأ، والتقدير: زيد عندي، وعمرو دنف، ولكن جاز فيهما الحذف لظهور المراد.

ص: 84

ومن ذلك حذف الخبر، نحو: خرجت فإذا السبع، وزيد قائم، وعمرو، وقول الشاعر:[من المنسرح]

72 -

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راضٍ والرأي مختلف

التقدير: خرجت فإذا السبع حاضر، وزيد قائم، وعمرو كذلك، ونحن بما عندنا رضوان، وأنت بما عندك راض.

ومن ذلك حذف المبتدأ في قوله تعالى: (من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها)[فصلت /46]. أي: فعمله لنفسه، وإساءته عليها، وقول الشاعر:[من الطويل]

73 -

أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم

دجى الليل حتى نظم الجزع ثاقبه

نجوم سماءٍ كلما انقض كوكب

بدا كوكب تأوي إليه كواكبه

أراد: هم نجوم سماء.

[48]

ومن ذلك حذف ما يحتمل كونه مبتدأ وخبرًا، كقوله تعالى:(طاعة // معروفة)[النور / 53]، فإن سياق الكلام قبله يصح كونه خبرًا لمبتدأ محذوف، أي: طاعتكم طاعة معروفة، لأنها بالقول. دون الفعل، وكونه مبتدأ خبره محذوف، أي: طاعة معروفة مقبولة هي أمثل بكم من هذا القسم الكاذب.

ص: 85

ومن ذلك حذف المبتدأ، والخبر معًا في قوله تعالى:(واللائي لم يحضن) تتمته (فعدتهن ثلاثة أشهر)[الطلاق / 4].

وجميع ما ذكر من الحذف سبيله في الكلام الجواز.

وقد يحذف المبتدأ وجوبًا إذا كان خبره:

إما نعتًا مقطوعًا نحو: الحمد لله الحميد، واللهم صل على محمد الرؤوف الرحيم.

وإما مصدرًا بدلا من اللفظ بالفعل في الأصل، كقولهم: سمع وطاعة، أي أمري سمع وطاعة.

قال سيبويه: (وسمعت ممن يوثق بعربيته، يقال له: كيف أصبحت؟ فقال: حمد الله، وثناءً عليه) أي حالي حمد الله، وأنشد:[من الطويل]

74 -

فقالت حنان ما أتى بك ها هنا

أذو نسبٍ أم أنت بالحي عارف

وإما صريحًا في القسم، كقولهم:(في ذمتي لأفعلن كذا) أي: في ذمتي يمين.

وقال: [من الطويل]

75 -

تساور سوارًا إلى المجد والعلا

وفي ذمتي لئن فعلت ليفعلا

ولا يحذف المبتدأ وجوبًا في سوى ذلك إلا في باب نعم، إذا قيل: إن المخصوص خبر، فإن المبتدأ لا يجوز ذكره.

ص: 86

وأما الخبر فيحذف أيضًا وجوبًا لكن بشرط العلم به، وسد غيره مسده، وذلك فيما نبه عليه بقوله:

138 -

وبعد لولا غالبًا حذف الخبر

حتم وفي نص يمينٍ ذا استقر

139 -

وبعد واوٍ عينت مفهوم مع

كمثل كل صانعٍ وما صنع

140 -

وقبل حالٍ لا يكون خبرا

عن الذي خبره قد أضمرا

141 -

كضربي العبد مسيئًا وأتم

تبييني الحق منوطًا بالحكم

وحاصله: أن ما يجب حذفه من الأخبار أربعة:

الأول: خبر المبتدأ بعد لولا الامتناعية، بشرط تعليق امتناع الجواب على نفس المبتدأ، وهو الغالب، كقولك، لولا زيد لزرتك، تقديره، لأجل ضرورة تصحيح الكلام: لولا زيد مانع لزرتك، ثم التزم فيه حذف الخبر للعلم به، وسد جواب لولا مسده.

وقد يعلق امتناع الجواب على نسبة الخبر إلى المبتدأ، فإن لم يدل على ذلك دليل وجب ذكره كقول الزبير رضي الله عنه:[من الطويل]

76 -

ولولا بنوها حولها لخبطتها

كخبطة عصفورٍ ولم أتلعثم

[49]

وقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا قومك حديثو عهدٍ بالإسلام لهدمت الكعبة فجعلت // لها بابين). وإن دل على ذلك دليل جاز ترك الخبر، وذكره، كقول أبي العلاء المعري:[من الطويل]

77 -

يذيب الرعب منه كل عضبٍ

فلولا الغمد يمسكه لسالا

ص: 87

ولو قيل في الكلام: لولا الغمد لسال لصح، ولكنه آثر ذكر الخبر، رفعًا لإيهام تعليق الامتناع على نفس الغمد بطريق المجاز.

الثاني: خبر المبتدأ الصريح في القسم، نحو: لعمرك لأفعلن، أي لعمرك قسمي، إلا أن هذا الخبر لا يتكلم به، لأنه معلوم، وجواب القسم ساد مسده.

ومثله: أيمن الله ليقومن، ولو كان المبتدأ مرادًا به القسم، وليس من الصريح فيه جاز حذف الخبر، وإثباته، نحو: عهد الله لأفعلن، فهذا على الحذف، وإن شئت قلت على عهد الله: بإثبات الخبر.

الثالث: خبر المبتدأ المعطوف عليه بواو المصاحبة، وهي الناصبة على المعنية نحو: كل رجل وضيعته، وكل صانع وما صنع، فالخبر في نحو هذا مضمر بعد المعطوف تقديره: مقرونان، إلا أنه لا يذكر للعلم به، وسد العطف مسده، ولو لم تكن الواو للمصاحبة، كما في نحو: زيد وعمرو مجتمعان، لم يجب الحذف، قال الشاعر:[من الطويل]

78 -

تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى

وكل امرئٍ والموت يلتقيان

الرابع: خبر المبتدأ إذا كان مصدرًا عاملا في مفسر صاحب حال، واقع بعده، نحو: ضربي العبد مسيئًا، أو أفعل تفضيل مضافًا إلى المصدر المذكور، نحو:

أتم

.. الحق منوطًا بالحكم

(فمسيئًا) حال من الضمير في (كان) المغير بمفعول المصدر، المقدر مع الفعل المضاف إلى الخبر، وكذلك منوطًا، والتقدير: ضربي العبد إذا كان مسيئًا، وأتم تبييني الحق إذا كان منوطًا بالحكم.

وقد التزم في هذا النحو حذف الخبر للعلم به، وسد الحال مسده. وقد أشار إلى هذه المسألة بقوله:

وقبل حالٍ لا يكون خبرا

عن الذي خبره قد أضمرا

أي: ويجب حذف الخبر مقدرًا قبل حال، لا يصح جعلها خبرًا للمبتدأ، كما في المثالين المذكورين، وفيه إشارة إلى الحال، متى صح جعلها خبرًا للمبتدأ لم يجز أن تسد الحال

ص: 88

مسد خبره، بل تكون هي الخبر، وإن حذف معها فعلى وجه الجواز. حكي الأخفش: زيد قائمًا، وخرجت فإذا زيد جالسًا.

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ونحن عصبةً)[يوسف / 8، 14] أي: ونحن نرى عصبةً، أو نكون عصبةً.

وإنما يصح أن تسد الحال مسد الخبر، إذا باينت المبتدأ، كما في نحو: ضربي زيدًا قائمًا، وأكثر شربي السويق ملتوتًا، وأخطب ما يكون الأمير قائمًا.

فإن قلت: الحكم على هذا المنصوب بأنه حال مبني على أن كان المقدرة تامة فلم لم نجعلها ناقصة، وهذا المنصوب خبرًا؟

قلت: لوجهين:

أحدهما: التزام تنكيره، فإنهم لا يقولون ضربي زيدًا القائم، ولا أكثر شربي السويق الملتوت.

[50]

فلما // التزم تنكيره علم أنه حال، لا خبر.

والثاني: وقوع الجملة الاسمية مقرونة بالواو موقعه كقوله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد).

وقد منع الفراء وقوع هذه الحال فعلا مضارعًا، وأجازه سيبويه، وأنشد لرؤبه:[من الرجز]

79 -

ورأي عيني الفتى أباكا

يعطي الجزيل فعليك ذاكا

142 -

وأخبروا باثنين أو بأكثرا

عن واحدٍ هم سراة شعرا

قد يتعدد الخبر، فيكون المبتدأ الواحد له خبران فصاعدًا، وذلك في الكلام على ثلاثة أقسام:

قسم يجب فيه العطف، وقسم يجب فيه ترك العطف، وقسم يجوز فيه الأمران: فالأول: ما تعدد لتعدد ما هو له: إما حقيقة، نحو: بنوك، كاتب، وصانع، وفقيه،

ص: 89

قال الشاعر: [من المتقارب]

80 -

يداك يد خيرها يرتجى

وأخرى لأعدائها غائظه

وإما حكمًا، كقوله تعالى:(اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد)[الحديد / 20].

والثاني: ما تعدد في اللفظ دون المعنى، وضابطه ألا يصدق الإخبار ببعضه عن المبتدأ، كقولك: الرمان حلو حامض، بمعنى: مز، وزيد: أعسر يسر، بمعنى: أضبط.

وقد أجاز فيه أبو علي الفارسي العطف، وجعل منه قول نمر بن تولب:[من المتقارب]

81 -

لقيم بن لقمان من أخته

فكان ابن أختٍ له وابنما

وهو سهو.

والثالث: ما تعدد لفظًا ومعنى، دون تعدد ما هو له.

فهذا يجوز فيه الوجهان، نحو: هم سراة شعراء، وإن شئت قلت: هم سراة وشعراء، قال الله عز وجل:(وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيد * فعال لما يريد)[البروج / 14 - 16].

وقال حميد بن ثور الهلالي: [من الطويل]

82 -

ينام بإحدى مقلتيه ويتقي

بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع

ص: 90

وقال الآخر: [من المتقارب]

83 -

فكان ابن أختٍ له وابنما

ونحو قوله تعالى: (صم وبكم في الظلمات)[الأنعام /39].

ص: 91