المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحال 332 - الحال وصف فضلةً منتصب … مفهم في حال - شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك

[بدر الدين ابن مالك]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌الكلام وما يتألف منه

- ‌المعرب والمبني

- ‌النكرة والمعرفة

- ‌العلم

- ‌اسم الإشارة

- ‌الموصول

- ‌المعرف بأداة التعريف

- ‌الابتداء

- ‌كان وأخواتها

- ‌فصل فيما ولا ولات وإن المشبهات بليس

- ‌أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها

- ‌لا: التي لنفي الجنس

- ‌ ظن وأخواتها

- ‌أعلم وأرى

- ‌الفاعل

- ‌النائب عن الفاعل

- ‌اشتغال العامل عن المعمول

- ‌تعدي الفعل ولزومه

- ‌التنازع في العمل

- ‌المفعول المطلق

- ‌المفعول له

- ‌المفعول فيه ويسمى (ظرفاً)

- ‌المفعول معه

- ‌الاستثناء

- ‌الحال

- ‌التمييز

- ‌حروف الجر

- ‌الإضافة

- ‌المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌إعمال المصدر

- ‌إعمال اسم الفاعل

- ‌أبنية المصادر

- ‌أبنية أسماء الفاعلين والمفعولينوالصفات المشبهة لها

- ‌الصفة المشبهة باسم الفاعل

- ‌التعجب

- ‌نعم وبئسوما جرى مجراهما

- ‌أفعل التفضيل

- ‌النعت

- ‌التوكيد

- ‌العطف

- ‌عطف النسق

- ‌البدل

- ‌النداء

- ‌المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌أسماء لازمت النداء

- ‌الاستغاثة

- ‌الندبة

- ‌الترخيم

- ‌الاختصاص

- ‌التحذير والإغراء

- ‌أسماء الأفعال والأصوات

- ‌نونا التوكيد

- ‌ما لا ينصرف

- ‌إعراب الفعل

- ‌عوامل الجزم

- ‌فصل لو

- ‌أما ولولا ولوما

- ‌ الإخبار بالذي والألف واللام

- ‌العدد

- ‌كم وكأين وكذا

- ‌الحكاية

- ‌التأنيث

- ‌المقصور والممدود

- ‌جمع التكسير

- ‌التصغير

- ‌النسب

- ‌الوقف

- ‌الإمالة

- ‌التصريف

- ‌فصل في زيادة همزة الوصل

- ‌الإدغام

الفصل: ‌ ‌الحال 332 - الحال وصف فضلةً منتصب … مفهم في حال

‌الحال

332 -

الحال وصف فضلةً منتصب

مفهم في حال كفردًا أذهب [124] //

333 -

وكونه منتقلا مشتقًا

يغلب لكن ليس مستحقًا

الحال: هو الوصف، المذكور فضلة لبيان هيئة ما هو له.

(فالوصف) جنس، يشمل الحال المشتقة، نحو: جاء زيد راكبًا، والحال المؤولة بالمشتق، كقوله تعالى:(فانفروا ثباتٍ)[النساء /71]، ومخرج نحو:(القهقري) من قولك: رجعت القهقري، و (المذكور فضلة) يخرج الخبر من نحو: زيد قائم، وعمرو قاعد، و (لبيان هيئة ما هو له) يخرج التمييز من نحو:(لله دره فارسًا) والنعت من نحو: مررت برجلٍ راكبٍ، فإن التمييز في ذلك، والنعت في ذا ليس واحد منهما مذكورا لقصد بيان الهيئة، بل التمييز مذكور لبيان جنس المتعجب منه، والنعت مذكور لتخصيص الفاعل، ووقع بيان الهيئة بهما ضمنًا.

وقوله:

الحال وصف فضلة منتصب

مفهم في حال

.

أي: في حال كذا فيه، مع إدخال حكم في الحد بقوله:(منتصب) إنه حد غير مانع، لأنه يشمل النعت، ألا ترى أن قولك: مررت برجلٍ راكبٍ في معنى: مررت برجل في حال ركوبه، كما أن قولك جاء زيد ضاحكًا، في معنى: جاء زيد في حال ضحكه.

ص: 227

فلأجل ذلك عدلت عن هذه العبارة إلى قولي: (المذكور فضلةً لبيان هيئة ما هو له). وحق الحال النصب، لأنها فضلة، والنصب إعراب الفضلات.

والغالب في الحال أن تكون منتقلة مشتقة، أي: وصفًا غير ثابت، مأخوذًا من فعل مستعمل.

وقد تكون وصفًا ثابتًا، وقد تكون جامدة، فتكون وصفًا ثابتًا إذا كانت مؤكدة، نحو قوله تعالى:(هو الحق مصدقًا)[فاطر /31]، وزيدًا أبوك عطوفًا، أو كان عاملها دالا على تجدد صاحبها، كقولهم:(خلق الله الزرافة: يديها أطول من رجليها) ومنه قوله تعالى: (وخلق الإنسان ضعيفًا)[النساء /28] وقوله تعالى: (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا)[الأنعام /114] وقوله تعالى: (ويوم أبعث حيًا)[مريم /33].

وإذا لم يكن كذلك فلابد من كونها منتقلة، لا تقول: جاء زيد طويلا، ولا جاء زيدً أبيض، ولا ما أشبه ذلك، لأنه بعيد عن الإفادة.

وتكون الحال جامدة إذا كانت في تأويل المشتق، كقوله تعالى:(فما لكم في المنافقين فئتين)[النساء /88]، وقوله تعالى:(فتم ميقات ربه أربعين ليلةً)[الأعراف /142]، وقوله تعالى:(هذه ناقة الله لكم آية)[الأعراف /73]، وقولهم:(هذا خاتمك حديدًا) و (هذه جبتك خزا).

والأكثر في كلامهم أن تكون الحال مشتقة، لأنه لابد أن تدل على حدث وصاحبه، وإلا لم تفد بيان هيئة ما هي له.

والأكثر فيما يدل على حدث، وصاحبه أن يكون مشتقًا، نحو: ضارب، وعالم، وكريم. وقد يكون جامدًا في تأويل المشتق، كقولهم:(مررت بقاع عرفج) أي: خشن، وبناقة علاة، أي: قوية.

ص: 228

وكقول الشاعر: [من الوافر]

265 -

فلولا الله والمهر المفدى

لرحت وأنت غربال الإهاب

[125]

// أي: ممزق الجلد.

فلما كان مجيء الوصف مشتقًا أكثر من مجيئه جامدًا كان مجيء الحال مشتقة أكثر من مجيئها جامدة.

وقد كثر جمودها في مواضع، فنبه عيها بقوله:

334 -

وتكثر الجمود في سعرٍ وفي

مبدي تأولٍ بلا تكلف

335 -

كبعه مدا بكذا يدًا بيد

وكر زيد أسدًا أي كأسد

أكثر ما يكون الجامد حالا إذا كان مؤولا بالمشتق، تأويلا غير متكلف. كما إذا كان موصوفًا، كقوله تعالى:(فتمثل لها بشرًا سويًا)[مريم /17]، أو كان دالا إما على سعر نحو: بعت الشاء شاةً بدرهمٍ، وبعت البر قفيزًا بدرهم، وإما على مفاعلة، نحو: كلمته فاه إلى في، وبايعته يدًا بيد، كأنك قلت: كلمته مشافهًا، وبايعته مناجزًا، وإما على تشبيه، نحو: كر زيد أسدًا، أي كر مثل أسد. ومنه قولهم:(وقع المصطرعان عدلي عير).

وقول الشاعر: [من الطويل]

266 -

أفي السلم أعيارًا جفاءً وغلظةً

وفي الحرب أمثال النساء العوارك

ص: 229

وقول الآخر: [من الكامل]

267 -

مشق الهواجر لحمهن مع السرى

حتى ذهبن كلاكلا وصدورا

وإما على غير ذلك، كما إذا دل على ترتيب، نحو: ادخلوا رجلا رجلا، وتعلمت الحساب بابًا بابًا، أو على أصالة الشيء كقوله تعالى:(قال أأسجد لمن خلقت طينًا)[الإسراء /61]، ونحوه: هذا خاتمك حديدًا، أو على فرعيته، نحو: هذا حديدك خاتمًا، أو على نوعه نحو: هذا مالك ذهبًا، أو على كون واقع فيه تفضيل، نحو:(هذا بسرًا أطيب منه رطبًا).

336 -

والحال إن عرف لفظًا فاعتقد

تنكيره معنًى كوحدك اجتهد

لما كان الغرض من الحال إنما هو بيان هيئة الفاعل والمفعول، أو الخبر، كما في نحو: جاء زيد راكبًا، وضربت اللص مكتوفًا، و (هو الحق مصدقًا)[فاطر /31]. وكان ذلك البيان حاصلا بالنكرة التزموا تنكير الحال احترازًا عن العبث والزيادة لا لغرض وأيضًا فإن الحال ملازم للفضلية، فاستثقل واستحق التخفيف بلزوم التنكير، فإن غيره من الفضلات إلا التمييز يفارق الفضلية، ويقوم مقام الفاعل، كقولك في ضربت زيدًا: ضرب زيد، وفي اعتكفت يوم الجمعة: اعتكف يوم الجمعة، وفي سرت سيرًا طويلا: سير سير طويل، وفي قمت إجلالا لك: قيم لإجلالك: فلصلاحية ما سوى الحال، والتمييز من الفضلات لصيرورته عمدة جاز تعريفه بخلاف الحال والتمييز.

وقد يجيء الحال معرفًا بالألف واللام، أو بالإضافة فيحكم بشذوذه، وتأويله [126] بنكرة. فمن المعرف بالألف واللام قولهم:(ادخلوا // الأول فالأول) أي: مرتبين، و (جاؤوا الجماء الغفير) أي: جميعًا، و:[من الوافر]

267 م أرسلها العراك

.

ص: 230

أي: معتركة. وقرأ بعضهم قوله تعالى: (لنخرجن الأعز منها الأذل)[المنافقون /8].

ومن المعرف بالإضافة قولهم: (جلس زيد وحده) أي: منفردًا، ومثله:(رجع عوده على بدئه)، و (فعل ذلك جهده وطاقته) و (جاؤوا جميعًا، وتفرقوا متبددين تبددًا، لا بقاء معه.

ومن هذا القبيل قول أهل الحجاز: جاؤوا ثلاثتهم، والنساء ثلاثهن إلى عشرتهم، وعشرهن: النصب عند الحجازيين على تقدير: جميعًا، ورفعه التميميون توكيدًا على تقدير: جميعهم وجميعهن.

337 -

ومصدر منكر حالا يقع

بكثرةٍ كبغتةً زيد طلع

الحال وصاحبها خبر، ومخبر عنه في المعنى، فحق الحال أن تدل على ما يدل عليه نفس صاحبها، كالخبر بالنسبة إلى المبتدأ.

ومقتضى هذا ألا يكون المصدر حالا، لئلا يلزم الإخبار بمعنى عن عين، فإن ورد شيء من ذلك حفظ، ولم يقس عليه، إلا فيما أذكره لك.

فمن ورود المصدر حالا قولهم: (طلع زيد علينا بغتةً و (قتلته صبرًا) و (لقيته فجاءةً) و (كلمته شفاهًا) و (أثبته ركضًا ومشيًا).

وذهب الأخفش والمبرد إلى أن المصادر الواقعة موقع الأحوال مفعولات مطلقة، العامل في كل منها فعل محذوف، هو الحال.

وليس بمرضي لأنه لا يجوز الحذف إلا لدليل. ولا يخلو إما أن يكون لفظ المصدر

ص: 231

المنصوب، أو عامله، فإن كان لفظ المصدر فينبغي أن يجوز ذلك في كل مصدر له فعل، ولا يقتصر على السماع، ولا يمكن أن يكون عامل المصدر؛ لأن القتل لا يشعر بالصبر، ولا اللقاء بالفجاءة، ولا الإتيان بالركض. وقد أطرد ورود المصدر حالا في أشياء:

منها قولهم: (أنت الرجل علمًا وأدبًا ونبلا) أي: الكامل في حال علم وأدب ونبل.

ومنها قولهم: (زيد زهير شعرًا، وحاتم جودًا، والأحنف حلمًا) أي: مثل زهير في حال شعر، ومثل حاتم في حال جود، ومثل الأحنف في حال حلم. ومنها قولهم:(أما علمًا فعالم) والأصل في هذا: أن رجلا وصف عنده رجل بعلم وغيره، فقال للواصف:(أما علمًا فعالم) يريد: مهما يذكر إنسان في حال علم فالذي ذكرت عالم، كأنه منكر ما وصفه به من غير العلم، فصاحب الحال على هذا التقدير المرفوع بفعل الشرط المحذوف، وهو ناصب الحال. ويجوز أن يكون ناصبه ما بعد الفاء، والحال على هذا مؤكدة، والتقدير: مهما يكن من شيء، فالمذكور عالم في حال علم.

وبنو تميم يلتزمون رفع المصدر بعد (أما) إذا كان معرفة، ويجيزون رفعه، ونصبه إذا كان نكرة. والحجازيون: نصب المعرف ورفعه، ويلتزمون نصب المنكر.

[127]

وسيبويه: // يجعل المنصوب المعرف مفعولا له.

والأخفش: يجعل المنصوب مصدرًا، مؤكدًا في التعريف والتنكير، ويجعل العامل فيه ما بعد الفاء. والتقدير: مهما يكن من شيء فالمذكور عالم علمًا. ولم يطرد مجيء المصدر حالا في غير ما ذكر.

ورواه المبرد مطردًا فيما هو نوع من العامل، نحو: أتيته سرعةً، وقوله:

ومصدر منكر حالا يقع

بكثرةٍ .......................

فيه تنبيه على وقوع المصدر المعرفة حالا بقلة، كقولهم:(أرسلها العراك). وهو على التأويل بمعتركة، كما تقدم.

338 -

ولم ينكر غالبًا ذو الحال إن

لم يتأخر أو يخصص أو يبن

339 -

من بعد نفيٍ أو مضاهيه كلا

يبغ امرؤ على امرئٍ مستسهلا

قد تقدم أن الحال وصاحبها خبر، ومخبر عنه في المعنى، فأصل صاحبها أن يكون معرفة، كما أن أصل المبتدأ أن يكون معرفة.

ص: 232

وكما جاز أن يبتدأ بالنكرة بشرط وضوح المعنى، وأمن اللبس كذلك يكون صاحب الحال نكرة بشرط وضوح المعنى، وأمن اللبس. ولا يكون ذلك غالبًا إلا بمسوغ.

فمن المسوغات: تقدم الحال عليه، كقولك: هذا قائمًا رجل، ونحوه ما أنشده سيبويه:[من الطويل]

268 -

وفي الجسم مني بينا لو علمته

شحوب وإن تستشهدي العين تشهد

ومنها أن يتخصص: إما بوصف، كقوله تعالى:(فيها يفرق كل أمرٍ حكيمٍ * أمرًا من عندنا)[الدخان /4 - 5]. وكقول الشاعر: [من البسيط]

269 -

نجيت يا رب نوحًا واستجبت له

في فلكٍ ماخرٍ في اليم مشحونا

وإما بإضافة كقوله تعالى: (وقدر فيها أقواتها في أربعة أيامٍ سواء للسائلين)[فصلت /11]. ومنها أن يتقدم قبل صاحب الحال نفي أو نهي أو استفهام، وإلى ذلك الإشارة بقوله:

........................

.................. أو يبن

أي يظهر.

من بعد نفي ..................

................

أو كنفي.

ص: 233

فمثال تقدم النفي قولك: ما أتاني أحد إلا راكبًا، ونحوه قوله تعالى:(وما أهلكنا من قريةٍ إلا ولها كتاب معلوم)[الحجر /4].

ومثال تقدم النهي قولك: (لا يبغ امرؤ على امرئٍ مستسهلا) ونحوه قول الطرماح: [من الكامل]

270 -

لا يركنن أحد إلى الإحجام

يوم الوغى متخوفًا لحمام

مثال تقدم الاستفهام قولك: أجاءك رجل راكبًا؟.

قال الشاعر: [من البسيط]

271 -

يا صاح هل حم عيش باقيًا فترى

لنفسك العذر في إبعادها الأملا

وقوله:

ولم ينكر غالبًا ذو الحال .........

....................

احترز بـ (غالبًا) من مجيء صاحب الحال نكرة، بدون شيء من المسوغات المذكورة، كقولهم:(مررت بماءٍ قعدة رجل) و (عليه مائة بيضًا).

[128]

حكي ذلك // سيبويه وأجاز: فيها رجل قائمًا، وجاء في الحديث:(فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدًا، وصلى وراءه رجال قيامًا).

ص: 234

340 -

وسبق حالٍ ما بحرفٍ جر قد

أبوا ولا أمنعه فقد ورد

الأصل تأخير الحال عن صاحبها، ويجوز تقديمها عليه، نحو: جاء مسرعًا زيد، كما يجوز تقدم الخبر على المبتدأ. وقد يعرض ما يوجب هذا التقديم، أو يمنع منه. فيوجب تقديم الحال على صاحبها أسباب:

منها: كون صاحبها مقرونًا بـ (إلا)، أو ما في معناها، نحو: ما قام مسرعًا إلا زيد، وإنما قام مسرعًا زيد.

ومنها: إضافة صاحبها إلى ضمير ما لابس الحال، نحو: جاء زائرًا هندًا أخوها وانطلق منقادًا لعمرو صاحبه. ويمنع من تقديم الحال على صاحبها أسباب:

منها: اقتران الحال بـ (إلا) لفظًا، أو معنى نحو: ما قام زيدً إلا مسرعًا، وإنما قام زيد مسرعًا.

ومنها أن يكون صاحبها مجرورًا بالإضافة، نحو: عرفت قيام زيدٍ مسرعًا، وهذا شارب السويق ملتوتًا.

لا يجوز في نحو هذا تقديم الحال على صاحبها، واقعة بعد المضاف، لئلا يلزم الفصل بين المضاف والمضاف إليه، ولا قبله، لأن نسبة المضاف إليه من المضاف كنسبة الصلة من الموصول، فكما لا يتقدم ما يتعلق بالصلة على الموصول، كذلك لا يتقسم ما يتعلق بالمضاف إليه على المضاف.

ومنها: أن يكون صاحب الحال مجرورًا بحرف جر: نحو: مررت بهندٍ جالسة. قال أكثر النحويين: لا يجوز مررت جالسةً بهندٍ. وغلى ذلك الإشارة بقوله:

وسبق حالٍ ما بحرفٍ جر قد

أبوا ................

وعللوا منع ذلك: بأن تعلق العامل بالحال ثان لتعلقه بصاحبه، فحقه إذا تعدى لصاحبه بواسطة أن يتعدى إليه بتلك الواسطة، لكن منع من ذلك أن الفعل لا يتعدى بحرف واحد إلى شيئين، فجعلوا عوضًا من الاشتراك في الواسطة التزام التأخير.

ومنهم من علله بالحمل على حال المجرور بالإضافة.

ومنهم من علله بالحمل على حال عمل فيه حرف جر، متضمن استقرارًا، نحو: زيد في الدار متكئًا.

ص: 235

وخالفهم الشيخ رحمه الله في هذه المسألة، وأجاز تقديم الحال على صاحبها المجرور بحرف، كما هو مذهب أبي علي، وابن كيسان، حكاه عنهما ابن برهان. والحجة في ذلك قول الشاعر:[من الطويل]

272 -

فإن تك أدواد أصبن ونسوة

فلن يذهبوا فرغًا بقتل حبال

أراد: فلن يذهبوا بدم حبال فرغًا. و (حبال) اسم رجل. ومثل ذلك قول الشاعر: [من الطويل]

273 -

لئن كان برد الماء هيمان صاديًا

إلى حبيبًا إنها لحبيب

[129]

أراد: لئن كان برد الماء حبيبًا إلى هيمان صاديًا. وقول الآخر: // [من الطويل]

274 -

تسليت طرًا عنكم بعد بينكم

بذكراكم حتى كأنكم عندي

وقول الآخر: [من الخفيف]

275 -

غافلا تعرض المنية للمر

ء فيدعى ولات حين إباء

وقول الآخر: [من الكامل]

276 -

مشغوفة بك قد شغفت وإنما

حم الفراق فما إليك سبيل

ص: 236

341 -

ولا تجز حالا من المضاف له

إلا إذا اقتضى المضاف عمله

342 -

أو كان جزء ما له أضيفا

أو مثل جزئه فلا تحيفا

العامل في الحال هو العامل في صاحبها حقيقة، كما في نحو: جاء زيدٌ راكبًا، أو حكمًا، كما في نحو: هذا زيد قائمًا، فإن (قائمًا) حال من (زيد) والعامل فيها ما في هذا من معنى أشير، وليس بعامل في زيد حقيقة، بل حكمًا.

ألا ترى أن قولك: هذا زيد قائمًا: في معنى قولك: أشير إليه في حال قيامه، ولا يجوز أن يكون العامل في الحال غير العامل في صاحبها حقيقة، أو حكمًا ألبتة.

وإذا عرفت هذا ظهر لك أنه لا يجوز أن يكون الحال من المضاف إليه، إلا إذا كان المضاف إليه عاملا في الحال، أو جزء ما أضيف إليه، أو مثل جزئه، فإن لم يكن شيئًا من ذلك امتنع مجيء الحال من المضاف إليه، لا تقول: جاء غلام هندٍ جالسةً، لأن الحال لابد لها من عامل فيها، وليس في الكلام إلا الفعل، والمضاف، ولا يصح في واحد منهما أن يكون عاملا في الحال.

أما المضاف، فلأنه لو كان عاملا فيها للزم كون المعنى: جاء غلام استقر، وحصل لهندٍ جالسة، وليس بمراد قطعًا.

وأما الفعل فلأنه لو كان عاملا فيها للزم كون العامل في الحال غير العامل في صاحبها حقيقة، وحكمًا، وإنه محال.

فلو صح كون المضاف عاملا في الحال: بأن كان فيه معنى الفعل، كما في نحو:(عرفت قيام زيدٍ مسرعًا) جازت المسألة، إذ لا محذور، قال الله تعالى:(إلى الله مرجعكم جميعًا)[المائدة /48]، وقال الشاعر:[من الطويل]

277 -

تقول ابنتي إن انطلاقك واحدًا

إلى الروع يومًا تاركي لا أبا ليا

وكذلك لو كان المضاف جزء ما أضيف إليه، كقوله تعالى:(ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا)[الحجر /47]، أو مثل جزئه في صحة الاستغناء عنه بالمضاف إليه، كقوله تعالى:(ملة إبراهيم حنيفًا)[النحل /123].

ص: 237

وإنما جاز مجيء الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف إليه جزأه، أو كجزئه لأنه إذا كان كذلك يصح في العامل في المضاف أن يعمل في الحال، لأنه عامل في صاحبها [130] // حكمًا بدليل صحة الاستغناء به عن المضاف، ألا ترى أنه لو قيل في الكلام: ونزعنا ما فيهم من غل إخوانًا، واتبعوا إبراهيم حنيفًا لكان سائغًا حسنًا، بخلاف الذي يضاف إليه ما ليس جزءًا، ولا كجزء مما ليس بمعنى الفعل، فإنه لا سبيل إلى جعله صاحب حال بلا خلاف.

343 -

والحال إن ينصب بفعل صرفا

أو صفةٍ أشبهت المصرفا

344 -

فجائز تقديمه كمسرعا

ذا راحل ومخلصًا زيد دعا

345 -

وعامل ضمن معنى الفعل لا

حروفه مؤخرًا لن يعملا

346 -

كتلك ليت وكأن وندر

نحو سعيد مستقرًا في هجر

347 -

ونحو زيد مفردًا أنفع من

عمرو معانًا مستجاز لن يهن

يجوز تقدم الحال على عاملها إذا كان فعلا متصرفًا، كقوله:(مخلصًا زيد دعا) ومثله قولهم: (شتى تؤوب الحلبة).

وإذا كان صفة تشبه الفعل المتصرف بتضمن معناه، وحروفه، وقبول علامات الفرعية مطلقًا فهو في قوة الفعل، ويستوي في ذلك اسم الفاعل، كقوله:(مسرعًا ذا راحل) واسم المفعول، والصفة المشبهة باسم الفاعل، كقول الشاعر:[من الطويل]

278 -

لهنك سمح ذا يسار ومعدمًا

كما قد ألفت الحلم مرضىً ومغضبا

فلو قيل في الكلام: إنك ذا يسارٍ، ومعدمًا سمح لجاز، لأن (سمحًا) عامل قوي بالنسبة إلى أفعل التفضيل، لتضمنه حروف الفعل ومعناه، مع قبوله لعلامة التأنيث والتثنية والجمع، وأفعل التفصيل متضمن حروف الفعل ومعناه، ولا يقبل علامات

ص: 238

الفرعية مطلقًا، فضعف، وانحط درجة عن اسم الفاعل، والصفة المشبهة به، فجعل موافقًا للجوامد غالبًا، كما سيأتي ذكره.

وقوله:

فجائز تقديمه .................

.......................

يعني: إن لم يمنع مانع، ولكنه طوى ذكره اعتمادًا على قرينة ما تقدم من نظائره.

فمن موانع التقدم على العامل المتصرف كونه نعتًا، نحو: مررت برجلٍ ذاهبةً فرسه، مكسورًا سرجها، أو مصدرًا مقدرًا بالحرف المصدري نحو: سرني ذهابك غازيًا، أو فعلا مقرونًا بلام الابتداء، نحو: لأعظنك ناصحًا، أو القسم، نحو: لأقومن طائعًا، أو صلة للألف واللام، أو صلة حرف مصدري، نحو: أنت المصلي فذا، ولك أن تنتفل قاعدًا.

ومن موانع تقديم الحال على عاملها كونه فعلا غير متصرف، أو جامدًا، مضمنًا معنى الفعل، دون حروفه، أو صفة تشبه الفعل غير المتصرف، وهي أفعل التفضيل.

[131]

أما // الفعل غير المتصرف فنحو: ما أحسن زيدًا ضاحكًا، وأما الجامد المضمن معنى الفعل، دون فكاسم الإشارة، وحرف التمني، أو التشبيه، وكالظرف،

أو حرف الجر، المضمن استقرارًا، نحو: تلك هند منطلقة، وليته مقيمًا عندنا، وكأنك طالعًا البدر، وزيد عندك قاعدًا، وخالد في الدار جالسًا.

فـ (منطلقة) حال من (هند) والعامل فيها ما في (تلك) من معنى: أشير، و (مقيمًا) حال من (الهاء) والعامل فيها ما في (ليت) من معنى:(أتمنى)، و (طالعًا) حال من (الكاف) والعامل فيها ما في (كأن) من معنى: أشبه، و (قاعدًا) حال من الضمير في الظرف، والعامل فيها ما في الظرف من معنى الاستقرار، و (جالسًا) حال من الضمير في الجار، والعامل فيها ما فيه من معنى الفعل وهكذا جميع ما تضمن معنى الفعل دون حروفه، (كأما) وحرف التنبيه، والترجي، والاستفهام المقصود به التعظيم، نحو:[من م. الكامل]

279 -

يا جارتا ما أنت جاره

ص: 239

فإنه لا يجوز تقديم الحال على شيء منها.

وأجاز الأخفش إذا كان العامل في الحال ظرفًا، أو حرف جر، مسبوقًا باسم ما الحال له توسط الحال: صريحة كانت، نحو:(سعيد مستقرًا في هجر) أو بلفظ الظرف، أو حرف الجر، كقولك: زيد من الناس في جماعةٍ، تريد زيد في جماعة من الناس، ولا شك أن مثل هذا قد وجد في كلامهم، ولكن لا ينبغي أن يقاس عليه، لأن الظروف المضمنة استقرارًا بمنزلة الحروف في عدم التصرف، فكما لا يجوز تقديم الحال على العامل الحرفي، كذا لا يجوز تقديمها على العامل الظرفي، وما جاء منه مسموعًا يحفظ، ولا يقاس عليه.

ومن شواهده قول الشاعر: [من الكامل]

279 م رهط ابن كوز محقبي أدراعهم

فيهم ورهط ربيعة بن حذار

وقول الآخر: [من الطويل]

280 -

بنا عاد عوف وهو بادئ ذلةٍ

لديكم فلم يعدم ولاءً ولا نصرا

وقول الآخر: [من الطويل]

281 -

ونحن منعنا البحر أن تشربوا به

وقد كان منكم ماؤه بمكان

فأما قراءة من قر (والسموات مطوياتٍ بيمينه)[الزمر /67] فلا حجة فيه لإمكان جعل (السموات) عطفًا على الضمير في (قبضته) و (مطويات) منصوب بها، و (بيمينه) متعلق بمطويات.

ص: 240

وأما أفعل التفضيل فإنه، وإن انحط درجة عن اسم الفاعل، والصفة المشبهة به فله مزية على العامل الجامد، لأن فيه ما في الجامد من معنى الفعل، ويفوقه بتضمن حروف الفعل، ووزنه، فجعل موافقًا للعامل الجامد، في امتناع تقديم الحال عليه، إذا لم يتوسط بين حالين، نحو:(هو أكفؤهم ناصرًا). وجعل موافقًا لاسم الفاعل في جواز [132] التقديم عليه إذا توسط حالين // نحو: (زيد مفردًا أنفع من عمروٍ معانًا) ومثله: (هذا بسرًا أطيب منه رطبًا).

وليس هذا على إضمار إذا كان فيما يستقبل، أو إذا كان فيما مضى، كما ذهب إليه السيرافي، ومن وافقه، لأنه خلاف قول سيبويه، وفيه تكلف إضمار ستة أشياء من غير حاجة، ولأن أفعل هنا كأفعل في قوله تعالى:((هم للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان)[آل عمران /167] في أن القصد بهما تفضيل شيء على نفسه باعتبار متعلقين، فكما اتحد هنا المتعلق به كذا يتحد فيما ذكرنا، وبعد تسليم الإضمار بلزوم إعمال أفعل في إذا، أو إذ فيكون ما وقع فيه شبيهًا بما فر منه.

والحذاق من النحويين يخالفون السيرافي فيما ذهب إليه.

قال أبو علي في التذكرة: (مررت برجل خير ما يكون خيرٍ منك خير ما تكون) العامل (في خير ما يكون)(خير منك) لا (مررت) بدلالة: (زيد خير ما يكون خير منك خير ما تكون).

وصحح أبو الفتح قول أبي علي في ذلك.

وقال ابن كيسان: تقول: زيدً قائمًا أحسن منه قاعدًا، والمراد بزيد حسنه في قيامه على حسنه في قعوده، فلما وقع التفضيل في شيء على شيء وضع كل واحد منهما في الموضع الذي يدل فيه على الزيادة، ولم يجمع بينهما.

ومثل هذا أن تقول: حمل نخلتنا بسرًا أطيب منه رطبًا.

348 -

والحال قد يجيء ذا تعدد

لمفردٍ فاعلم وغير مفرد

الحال شببهة بالخبر والنعت، فيجوز أن تتعدد وصاحبها مفرد، وأن تتعدد وصاحبها متعدد.

ص: 241

فالأول: نحو: جاء زيدٌ راكبًا ضاحكًا. ومنع ابن عصفور جواز تعدد الحال في هذا النحو قياسًا على الظرف، وليس بشيء.

والثاني: نحو: جاء زيد وعمرو مسرعين، ولقيته مصعدًا منحدرًا، قال الله تعالى:(وسخر لكم الشمس والقمر دائبين)[إبراهيم /33] وقال الشاعر: [من الوافر]

282 -

متى ما تلقني فردين ترجف

روانف إليتيك وتستطارا

وقال الآخر: [من الوافر]

283 -

عهدت سعاد ذات هوى معنى

فزدت وزاد سلوانًا هواها

(ذات هوى) حال من (سعاد) و (معنى) حال من الفاعل.

349 -

وعامل الحال بها قد أكدا

في نحو لا تعث في الأرض مفسدا

350 -

وإن تؤكد جملةً فمضمر

عاملها ولفظها يؤخر

الحال نوعان: مؤكدة، وغير مؤكدة، والمؤكدة على ضربين: أحدهما ما يؤكد عامله، والثاني ما يؤكد مضمون جملة.

[133]

أما ما يؤكد عامله فالغالب فيه أن يكون وصفًا موافقًا للعامل // معنى لا لفظًا نحو قوله تعالى: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين)[البقرة /60] وقوله تعالى: (ولى مدبرًا ولم يعقب)[النمل /10] وقوله تعالى: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا)[يونس /99].

ص: 242

وقال لبيد: [من الكامل]

284 -

وتضيء في وجه الظلام منيرةً

كجمانة البحري سل نظامها

وقال الآخر: [من الوافر]

285 -

سلامك ربنا في كل فجر

بريئًا ما تغنثك الذموم

(بريئًا) حال مؤكدة لـ (سلامك) ومعناه: البراءة مما لا يليق بجلاله.

وقد يكون المؤكد عامله موافقًا له معنى ولفظًا، كقوله تعالى:(وأرسلناك للناس رسولا)[النساء /79].

وقوله تعالى: (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره)[النحل /12].

ومنه قول امرأة من العرب: [من الرجز]

286 -

قم قائمًا قم قائما

صادقت عبدًا نائما

وعشراء رائما

ص: 243

وقول الآخر: [من البسط]

287 -

أصخ مصيخًا لمن أبدى نصيحته

والزم توقي خلط الجد باللعب

وأما الحال المؤكدة مضمون جملة فما كان وصفًا ثابتًا مذكورًا بعد جملة جامدة الجزءين، معرفتيهما لتوكيد بيان يتعين نحو: هو زيدٌ معلومًا، قال الشاعر:[من البسيط]

288 -

أنا ابن دارة معروفًا بها نسبي

وهل بدارة يا للناس من عار

أو فخر نحو: أنا فلان بطلا شجاعًا.

أو تعظيم نحو: هو فلان جليلا مهيبًا.

أو تحقير نحو: هو فلان مأخوذًا مقهورًا.

أو تصاغر نحو: أنا عبدك فقيرًا إليك.

أو وعيد نحو: أنا فلان متمكنًا منك.

أو معنى غير ذلك كما في نحو: هو الحق بينا، وزيد أبوك عطوفًا.

والعامل في هذه الحال من هذا النوع مضمر بعد الخبر، تقديره: أحقه، أو أعرفه، إن كان المبتدأ غير (أنا) وإن كان (أنا) فالتقدير: أحق، أو أعرف، أو اعرفني. وقال الزجاج: العامل هو الخبر، لتأوله بمسمى. وقال ابن خروف: العامل هو المبتدأ لتضمنه معنى تنبه.

وكلا القولين ضعيف، لاستلزام الأول المجاز، والثاني جواز تقديم الحال على الخبر، وأنه ممتنع.

فالعامل إذا مضمر، كما ذكرنا، وهو لازم الإضمار، لتنزيل الجملة المذكورة منزلة البدل من اللفظ به، كما التزم إضمار عامل الحال في غير ذلك على ما سيأتيك إن شاء الله تعالى.

ص: 244

351 -

وموضع الحال تجيء جمله

كجاء زيد وهو ناوٍ رحله

352 -

وذات بدءٍ بمضارع ثبت

حوت ضميرًا ومن الواو وخلت [134] //

353 -

وذات واو بعدها أنو مبتدا

له المضارع اجعلن مسندا

354 -

وجملة الحال سوى ما قدما

بواو أو بمضمرٍ أو بهما

تقع الجملة الخبرية حالا، لتضمنها معنى الوصف، كما تقع نعتًا، وخبرًا. ولابد في الجملة الحالية من ضمير يربطها بصاحبها، أو واو تقوم مقام الضمير، وقد يجمع فيها بين الأمرين، كما في (جاءزيد، وهو ناوٍ رحلة).

وقد يغني تقدير الضمير عن ذكره، كقولهم:(مررت بالبر قفيز بدرهم)، والجملة الحالية: إما فعلية أو اسمية، وكلتاهما إما مثبتة أو منفية، فإن كانت فعلية فصدرها إما مضارع أو ماض. فإن كانت مصدرة بفعل مضارع مثبت، خال من (قد) لزم الضمير وترك الواو، تقول: جاء زيد يضحك، وقدم عمرو تقاد الجنائب بين يديه، ولا يجوز: جاء زيد ويضحك، ولا قدم عمرو وتقاد الجنائب بين يديه.

وإن ورد ما يشبهه حمل على أن الفعل خبر مبتدأ محذوف، والواو داخلة على جملة اسمية.

فمن ذلك قول بعضهم: (قمت وأصك عينه) حكاه الأصمعي، تقديره: قمت وأنا أصك عينه، ومنه قول الشاعر:[من الكامل]

289 -

علقتها عرضًا وأقتل قومها

زعمًا لعمر أبيك ليس بمزعم

وقول الآخر: [من المتقارب]

290 -

فلما خشيت أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا

ص: 245

وإن كان المضارع مقرونًا بـ (قد) لزمته الواو، كما في قوله تعالى:(وقد تعلمون أني رسول الله إليكم)[الصف /5].

وإن كانت الجملة الحالية غير مصدرة بمضارع مثبت، فالغالب جواز مجيئها بالضمير، أو بالواو، أو بهما جميعًا.

فغن كانت مصدرة بمضارع منفي فالنافي إما (لا) أو (لم) فإن كان (لا) فالأكثر مجيئها بالضمير، وترك الواو، كما في قوله تعالى:(وما لنا لا نؤمن بالله)[المائدة /84] وقوله تعالى: (ما لي لا أري الهدهد)[النمل /20] وفي قول الشاعر: [من الطويل]

291 -

ولو أن قومًا لارتفاع قبيلةٍ

دخلوا السماء دخلتها لا أحجب

وقد يجيء بالواو، والضمير، كقول الشاعر:[من الوافر]

292 -

أماتوا من دمي وتوعدوني

وكنت ولا ينهنهني الوعيد

وقول الآخر: [من الرمل]

293 -

أكسبته الورق البيض أبًا

ولقد كان ولا يدعى لأب

وإن كان النافي (لم) كثر إفراد الضمير، والاستغناء عنه بالواو، والجمع بينهما.

[135]

فالأول // كقوله تعالى: (فانقلبوا بنعمةٍ من الله وفضلٍ لم يمسسهم سوء)[آل عمران /174].

وقول زهير: [من الطويل]

294 -

كأن فتاة العهن في كل منزلٍ

نزلن به حب الفنا لم يحطم

ص: 246

والثاني كقوله تعالى: (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم)[النور /6].

وقول عنترة: [من الكامل]

295 -

ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن

للحرب دائرةً على ابني ضمضم

والثالث كقوله تعالى: (أو قال أوحي إلى ولم يوح إليه شيء)[الأنعام /93]. وكقول الشاعر: [من الكامل]

296 -

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتقتنا باليد

وإن كانت مصدرة بفعل ماض، فإن كان بعد (إلا) أو قبل (أو) لزم الضمير وترك الواو، كقوله تعالى:(ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون)[يس /30].

وكقول الشاعر: [من البسيط]

297 -

كن للخليل نصيرًا جار أو عدلا

ولا تشح عليه جاد أو بخلا

وإن لم يكن بعد (إلا) ولا قبل (أو) فالأكثر اقترانه في الإثبات (بالواو وقد) مع الضمير، ودونه.

فالأول نحو قوله تعالى: (أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريقً منهم يسمعون كلام الله)[البقرة /75] والثاني كقولك: جاء زيد، وقد طلعت الشمس، ويقل تجريده من الواو، وقد، كما في نحو قوله تعالى:(أو جاؤوكم حصرت صدورهم)[النساء /90]، (وجاؤوا أباهم عشاءً يبكون)[يوسف /16].

قالوا: وأقل منه تجريده من (قد) وحدها، كقوله تعالى:(الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا)[آل عمران /168]. وأقل من تجريده من (قد) تجريده من الواو

ص: 247

وحدها كقول الشاعر: [من الطويل]

298 -

وقفت بربع الدار قد غير البلى

معارفها والساريات الهواطل

وإن كانت الجملة اسمية فإن لم تكن مؤكدة فالأكثر مجيئها بالواو مع الضمير ودونه. فالأول كقوله تعالى: (فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون)[البقرة /22]، وقوله تعالى:(ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت)[البقرة /243].

والثاني كقوله تعالى: (كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقًا من المؤمنين لكارهون)[الأنفال /5].

وقد يستغنى بالضمير عن الواو، كقوله تعالى:(وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو)[البقرة /36]، وقول الشنفرى الأزدي:[من الطويل]

299 -

وتشرب أسآر القطا الكدر بعدما

سرت قربًا أحناؤها تتصلصل

وقول الآخر: [من الرمل]

300 -

ثم راحوا عبق المسك بهم

يلحفون الأرض هداب الأزر

وأنشد أبو علي في الإغفال: [من الطويل]

301 -

ولولا جنان الليل ما آب عامر

إلى جعفرٍ سرباله لم يمزق

ص: 248

[136]

// وإن كانت الجملة الاسمية مؤكدة لزم الضمير، وترك الواو، نحو: هو الحق لا شبهة فيه، وكقوله تعالى:(ذلك الكتاب لا ريب فيه)[البقرة /2].

355 -

والحال قد يحذف ما فيها عمل

وبعض ما يحذف ذكره حظل

يحذف عامل الحال جوازًا ووجوبًا، وإليه الإشارة بقوله:

.............................

وبعض ما يحذف ذكره حظل

أي: منع.

فيحذف عامل الحال جوازًا لحضور معناه، أو تقدم ذكره.

فحضور معناه نحو قولك للراحل: راشدًا مهديا، وللقادم من الحج: مبرورًا، مأجورًا، بإضمار (تذهب، ورجعت).

وتقدم ذكره نحو قولك راكبًا: لمن قال كيف جئت؟ وبلى مسرعًا: لمن قال: لم تنطلق، قال الله تعالى:(بلى قادرين)[القيامة /4] أي: نجمعها قادرين.

ويحذف عامل الحال وجوبًا إذا جرت مثلا كقولهم: (حظيين بناتٍ صلفين كناتٍ) بإضمار: عرفتهم، أو بين بها ازدياد ثمن شيئًا فشيئًا، أو غير ذلك، كقوله: بعته بدرهم فصاعدًا، أي: فذهب الثمن صاعدًا، وتصدق بدينار فسافلا، أي: فانحط المتصدق به سافلا، أو وقعت بدلا من اللفظ بالفعل في توبيخ وغيره.

فالتوبيخ نحو: أقائمًا وقعد قعد الناس؟ وأقاعدًا وقد سار الركب؟ ومنه قولك لمن لا يثبت على حال: أتميميًا مرةً، وقيسيا أخرى؟ بإضمار أتتحول. وقولك لمن يلهو دون أقرانه: ألاهيًا وقد جد قرناؤك؟ بإضمار أتثبت.

وغير التوبيخ كقولك: هنيئًا مريئًا.

قال سيبويه: (وإنما نصبته، لأنه ذكر (لك) خير أصابه إنسان، فقلت: هينئًا مريئًا، كأنك قلت: ثبت [ذلك] له هنيئًا مريئًا، أو هنأه ذلك هنيئًا).

وقد يحذف وجوبًا في غير ما ذكرناه، كالمؤكدة مضمون جملة، والسادة مسد الخبر، نحو: ضربي زيدًا قائمًا.

ص: 249