المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المعرب والمبني 15 - والاسم منه معرب ومبني … لشبهٍ من - شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك

[بدر الدين ابن مالك]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌الكلام وما يتألف منه

- ‌المعرب والمبني

- ‌النكرة والمعرفة

- ‌العلم

- ‌اسم الإشارة

- ‌الموصول

- ‌المعرف بأداة التعريف

- ‌الابتداء

- ‌كان وأخواتها

- ‌فصل فيما ولا ولات وإن المشبهات بليس

- ‌أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها

- ‌لا: التي لنفي الجنس

- ‌ ظن وأخواتها

- ‌أعلم وأرى

- ‌الفاعل

- ‌النائب عن الفاعل

- ‌اشتغال العامل عن المعمول

- ‌تعدي الفعل ولزومه

- ‌التنازع في العمل

- ‌المفعول المطلق

- ‌المفعول له

- ‌المفعول فيه ويسمى (ظرفاً)

- ‌المفعول معه

- ‌الاستثناء

- ‌الحال

- ‌التمييز

- ‌حروف الجر

- ‌الإضافة

- ‌المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌إعمال المصدر

- ‌إعمال اسم الفاعل

- ‌أبنية المصادر

- ‌أبنية أسماء الفاعلين والمفعولينوالصفات المشبهة لها

- ‌الصفة المشبهة باسم الفاعل

- ‌التعجب

- ‌نعم وبئسوما جرى مجراهما

- ‌أفعل التفضيل

- ‌النعت

- ‌التوكيد

- ‌العطف

- ‌عطف النسق

- ‌البدل

- ‌النداء

- ‌المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌أسماء لازمت النداء

- ‌الاستغاثة

- ‌الندبة

- ‌الترخيم

- ‌الاختصاص

- ‌التحذير والإغراء

- ‌أسماء الأفعال والأصوات

- ‌نونا التوكيد

- ‌ما لا ينصرف

- ‌إعراب الفعل

- ‌عوامل الجزم

- ‌فصل لو

- ‌أما ولولا ولوما

- ‌ الإخبار بالذي والألف واللام

- ‌العدد

- ‌كم وكأين وكذا

- ‌الحكاية

- ‌التأنيث

- ‌المقصور والممدود

- ‌جمع التكسير

- ‌التصغير

- ‌النسب

- ‌الوقف

- ‌الإمالة

- ‌التصريف

- ‌فصل في زيادة همزة الوصل

- ‌الإدغام

الفصل: ‌ ‌المعرب والمبني 15 - والاسم منه معرب ومبني … لشبهٍ من

‌المعرب والمبني

15 -

والاسم منه معرب ومبني

لشبهٍ من الحروف مدني

تقدير الكلام: أن الاسم منه معرب ومنه مبني، أي أن الاسم منحصر في قسمين: أحدهما المعرب، وهو: ما سلم من شبه الحرف، ويسمى متمكنًا.

[7]

والثاني المبني، وهو ما أشبه الحرف // شبهًا تاما، وهو المراد بقوله:

.....................

لشبهٍ من الحروف مدني

أي يبني الاسم لشبه بالحرف، مقرب منه. ثم بين جهات الشبه، فقال:

16 -

كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا

والمعنوي في متى وفي هنا

17 -

وكنيابةٍ عن الفعل بلا

تأثرٍ وكافتقار أصلا

يبني الاسم لشبهه بالحرف في الوضع، أو في المعنى، أو في الاستعمال، أو في الافتقار.

أما بناؤه لشبهه بالحرف في الوضع، فإذا كان الاسم على حرف واحد، أو حرفين، فإن الأصل في الأسماء أن تكون على ثلاثة أحرف، فصاعدًا، والأصل في الحروف أن تكون على حرف واحد (كباء الجر، أو لامه) أو حرفين كـ (من، وعن).

فإذا وضع الاسم على حرف واحد، أو حرفين بني حملا على الحرف، فالتاء في قوله:(جئتنا) اسم، لأنه مسند إليه، وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع على حرف واحد، و (نا) أيضًا من (جئتنا) اسم، لأنه يصح أن يسند إليه، كقولك:(جئتنا) ويدخله حرف الجر، نحو: مررت بنا، وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع على حرفين.

ص: 12

فإن قلت: يد، ودم على حرفين، ونراه معربًا. قلت لأنه موضوع في الأصل على ثلاثة أحرف، والأصل فيهما يدي، ودمي، بدليل قولهم؛ الأيدي، والدماء، واليديان، والدميان، فما لم يكن موضوعًا في الأصل على حرفين لم يكن قريب الشبه من الحرف، فلم يعتبر.

وأما بناء الاسم لشبهه بالحرف في المعنى، فإذا تضمن الاسم معنى من معاني الحروف تضمنًا لازمًا للفظ أو المحل، غير معارض بما يقتضي الإعراب، يبني كـ (متى وهنا) وكالمنادى المفرد المعرفة، نحو: يا زيد.

أما (متى وهنا) فهما اسمان لدخول حرف الجر عليهما، نحو: إلى متى تقيم؟ ومن هنا تسير، وهما مبنيان لشبههما بالحرف في المعنى، للزوم (متى) تضمن معنى همزة الاستفهام ولزوم (هنا) تضمن معنى الإشارة، فإنه معنى من معاني الحروف، وإن لم يوضع له لفظ يدل عليه، ولكنه كالخطاب والتنبيه، فمن حق اللفظ المتضمن معنى الإشارة أن يبني، كما يبني سائر ما تضمن معنى الحرف، فلما لازمت (متى وهنا) تضمن معنى الحرف بلا معارض تعين بناؤهما.

وأما المنادى المفرد المعرفة نحو: (يا زيد)، فهو مبني للزوم محله تضمن معنى الخطاب، فإن كل منادى مخاطب غير مظهر معه حرف الخطاب، فلما لازم محله تضمن معنى الحرف؛ بلا معارض؛ بني ولو لم يكن تضمن الاسم لمعنى الحرف لازمًا للفظ، أو المحل، الذي وقع فيه لم يؤثر، كما في نحو: سرت يومًا وفرسخًا، فإن يومًا وفرسخًا مما يستعمل ظرفًا تارةً، وغير ظرف أخرى، ولو عارض شبه الحرف ما يقتضي الإعراب

[8]

// استصحب، لأنه الأصل في الاسم، وذلك نحو (أي) في الاستفهام نحو: أيهم رأيت؟ وفي الشرط، نحو: أيهم تضرب أضرب، فإنها بالنظر إلى تضمنها معنى الحرف تستحق البناء، لكن عارض لزوم الإضافة إلى الاسم المفرد، التي هي من خواص الأسماء، فأعربت.

وأما بناء الاسم لشبهه بالحرف في الاستعمال، فإذا لازم طريقة هي للحرف، كأسماء الأفعال، والأسماء الموصولة.

أما أسماء الأفعال نحو: (صه، ومه، ودراك، وهيهات) فإنها مبنية لشبهها بالحرف في الاستعمال.

ص: 13

وهذا، لأن أسماء الأفعال ملازمة للإسناد إلى الفاعل فهي أبدًا عاملة، ولا يعمل فيها شيء فأشبهت في استعمالها الحروف العاملة كـ (إن وأخواتها) فبنيت لذلك.

وأما الأسماء الموصولة، نحو (الذي والتي) مما يفتقر إلى الوصل بجملة خبرية، مشتملة على ضمير عائد فإن حقها البناء، لأنها تلازم الجمل، فهي كالحروف في الاستعمال، فإن الحروف بأسرها لا تستعمل إلا مع الجمل: إما ظاهرة، أو مقدرة، ولو عارض شبه الحرف في الاستعمال ما يقتضي الإعراب عمل به، ولذلك أعرب (اللذان واللتان) وإن أشبها الحرف في الاستعمال، لأنه قد عارض ذلك ما فيهما من التثنية التي هي من خواص الأسماء.

18 -

ومعرب الأسماء قد سلما

من شبه الحرف كأرض وسما

المعرب من الأسماء ما سلم من شبه الحرف على الوجه المذكور. فمثل للمعرب من الأسماء بمثال من الصحيح، وهو (أرض)، وبمثال من المعتل وهو (سما) على وزن هدى، لغة في الاسم، تنبيهًا على أن المعرب على ضربين: أحدهما يظهر إعرابه، والآخر يقدر فيه.

19 -

وفعل أمرٍ ومضي بنيا

وأعربوا مضارعًا إن عريا

20 -

من نون توكيدٍ مباشرٍ ومن

نون إناثٍ كير عن من فتن

الأصل في الأفعال البناء، لاستغنائها عن الإعراب باختلاف صيغها، لاختلاف المعاني التي تعتور عليها، فجاء مثال الماضي والأمر على وفق الأصل فبني الماضي على الفتح، نحو: قام، وقعد، وبني الأمر على السكون، نحو: قم، واقعد.

وأما المضارع فأعرب حملا على الاسم، لشبهه به في الإبهام والتخصيص، ودخول لام الابتداء، والجريان على حركات اسم الفاعل وسكناته.

لكن إعرابه مشروط بألا يتصل به نون توكيد ولا نون إناث، فإن اتصل به نون التوكيد بني على الفتح، نحو: لا تفعلن، لأنه تركب مع النون تركيب خمسة عشر، فبني

ص: 14

بناءه، ولهذا لو حال بين الفعل، والنون ألف الاثنين، أو واو الجمع، أو ياء المخاطبة، نحو: هل تضربان وهل تضربن وهل تضربن، لم يحكم عليه بالبناء، لتعذر الحكم عليه

[9]

// بالتركيب إذ لم يركبوا ثلاثة أشياء، فيجعلوها شيئًا واحدًا. والأصل في نحو: هل تضربان، هل تضربانن، فاستثقلت النونات، فحذفت نون الرفع تخفيفًا، وبقي الفعل مقدر الإعراب.

وإلى هذا أشار بقوله:

من نون توكيدٍ مباشرٍ ......

....................

وإذا اتصل بالمضارع نون الإناث بني على السكون، لأنه اتصل به ما لا يتصل هو، ولا نظيره بالأسماء، فضعف شبهه بالاسم، فرجع إلى أصله من البناء، وحمل على نظيره من الماضي المسند إلى النون فبني على السكون، فقالوا: هن يقمن، ويرعن، ونحو ذلك، فأسكنوا ما قبل النون في المضارع، كما قالوا: قمن، ورعن، بإسكان ما قبلها في الماضي.

21 -

وكل حرف مستحق للبنا

والأصل في المبني أن يسكنا

22 -

ومنه ذو فتح وذو كسرٍ وضم

كأين أمس حيث والساكن كم

الحروف كلها مبنية، لاحظ لها في الإعراب، لأنها لا تتصرف، ولا يعتور عليها من المعاني ما يحتاج إلى الإعراب لبيانها، فبنيت لذلك.

وقد ظهر من قوله:

والاسم منه معرب ومبني

...................

إلى هنا؛ أن الكلمات منحصرة في قسمين: معرب ومبني:

وأن المعرب هو الاسم المتمكن، والفعل المضارع غير المتصل بنون التوكيد، أو بنون الإناث.

وأن المبني منها هو الاسم المشبه بالحرف، والفعل الماضي، وفعل الأمر، والمضارع المتصل بنون التوكيد، أو نون الإناث، وكل الحروف.

فإن قلت: من الكلمات ما هو محكي، كقولك: من زيد؟ لمن قال: مررت بزيد، ومنها ما هو متبع، كقراءة بعضهم (الحمد لله رب العالمين)[الفاتحة /2]، وذلك ينافي الانحصار في القسمين.

ص: 15

قلت: لا ينافيه؛ لأن المحكي، والمتبع داخلان في قسم المعرب، بمعنى القابل للإعراب، والأصل في البناء أن يكون على السكون؛ لأنه أخف من الحركة، فاعتباره أقرب، فإن منع من البناء على السكون مانع ألجئ إلى البناء على الحركة، وهي: فتح، أو كسر، أو ضم.

فالبناء على السكون يكون في الاسم، نحو: من، وكم، وفي الفعل، نحو: قم، واقعد، وفي الحرف، نحو: هل، وبل.

والبناء على الفتح يكون في الاسم، نحو: أين، وكيف، وفي الفعل، نحو: قام، وقعد، وفي الحرف، نحو: إن، وليت.

والبناء على الكسر يكون في الاسم، نحو: أمسن، وهؤلاء، وفي الحرف، نحو: جير، بمعنى نعم، وفي نحو باء الجر، ولامه، ولا كسر في الفعل.

والبناء على الضم يكون في الاسم، نحو: حيث، وقبل، وبعد، وفي الحرف، نحو: منذ على لغة من جر بها، ولا ضم في الفعل.

23 -

والرفع والنصب اجعلن إعرابا

لاسم وفعل نحو لن أهابا [10] //

24 -

والاسم قد خصص بالجر كما

قد خصص الفعل بأن ينجزما

الإعراب أثر ظاهر، أو مقدر يجلبه العامل في آخر المعرب.

والمراد بالعامل، ما كان معه جهة، مقتضية لذلك الأثر، نحو: جاءني، ورأيت، من قولك: جاءني زيدً، ورأيت زيدًا، أو دعا الواضع إلى ذلك، كالحروف الجارة، فإن الواضع لما رآها ملازمة للأسماء، وغير منزلة منها منزلة الجزء، ورأي أن كل ما لازم شيئًا، ولم ينزل منزلة الجزء أثر فيه غالبًا استحسن أن يجعلها مؤثرة في الأسماء، وعاملة فيها عملا، ليس للفعل، وهو الجر، كالباء من قولك: مررت بزيدٍ، وسنوضح هذا في موضع آخر إن شاء الله تعالى.

وأنواع الإعراب أربعة: رفع، ونصب، وجر، وجزم.

فالرفع والنصب يشترك فيهما الاسم والفعل، والجر يختص بالأسماء، والجزم يختص بالأفعال.

وأنواع الإعراب في الاسم ثلاثة: رفع، ونصب، وجر، لا رابع لها؛ لأن المعاني التي جيء بها في الاسم لبيانها بالإعراب ثلاثة أجناس: معنى هو عمدة في الكلام، لا

ص: 16

يستغنى عنه، كالفاعلية، وله الرفع، ومعنى هو فضلة، يتم الكلام بدونه، كالمفعولية، وله النصب، ومعنى هو بين العمدة والفضلة، وهو المضاف إليه، نحو: غلام زيد، وله الجر.

وأما الفعل المضارع فمحمول في الإعراب على الاسم، فكان له ثلاثة أنواع من الإعراب، كما للاسم، فأعرب بالرفع والنصب إذا لم يمنع منهما مانع، ولم يعرب بالجر، لأنه لا يكون إلا للإضافة، والأفعال لا تقبلها، لأن الإضافة إخبار في المعنى، والفعل لا يصح أن يخبر عنه أصلا، فلما لم يعرب بالجر عوض عنه بالجزم. فالرفع بضمة نحو: زيد يقوم، والنصب بفتحة نحو: لن أهاب زيدًا، والجر بكسرة نحو: مررت بزيدٍ، والجزم بسكون نحو: لم يقم زيد.

وقد يكون الإعراب يغير ما ذكر؛ على طريق النيابة؛ كما قال:

25 -

فارفع بضم وانصبن فتحًا وجر

كسرًا كذكر الله عبده يسر

26 -

واجزم بتسكينٍ وغير ما ذكر

ينوب نحو جا أخو بني نمر

مثل للرفع، والنصب، والجر بقوله:

........................

............... كذكر الله عبده يسر

ومثل لما يعرب بغير ما ذكر على طريق النيابة بقوله:

.........................

................ أخو بني نمر

(فأخو) مرفوع وعلامة رفعه الواو نيابة عن الضمة، و (بني) مجرور، وعلامة جره الياء نيابة عن الكسرة.

ثم أخذ في بيان مواضع النيابة، فقال:

27 -

وارفع بواو وانصبن بالألف

واجرر بياء ما من الأسما أصف

28 -

من ذاك ذو إن صحبة أبانا

والفم حيث الميم منه بانا [11] //

29 -

أب أخ حم كذاك وهن

والنقص في هذا الأخير أحسن

30 -

وفي أب وتالييه يندر

وقصرها من نقصهن أشهر

31 -

وشرط ذا الإعراب أن يضفن لا

لليا كجا أخو أبيك ذا اعتلا

في الأسماء المتمكنة ستة أسماء يكون رفعها بالواو، ونصبها بالألف، وجرها بالياء، بشرط الإضافة إلى غير ياء المتكلم.

ص: 17

وهي (ذو) بمعنى صاحب، و (الفم) بغير الميم، والأب، والأخ، والحم، والهن، فإن قلت لم اعتبر كون (ذو) بمعنى صاحب؛ و (الفم) بغير الميم، قلت: احترازًا من (ذو) بمعنى الذي، فإن الأعراف فيه البناء كقوله:[من الطويل]

6 -

فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا

وإعلامًا بأن الفم ما دامت ميمه باقية يعرب بالحركات، وأنه لا يعرب بالحروف، إلا إذا زالت ميمه، نحو: هذا فوك، ورأيت فاك، ونظرت إلى فيك.

فإن قلت: لم كان شرطًا في إعراب هذه الأسماء بالحروف إضافتها إلى غير ياء المتكلم؟

قلت: لأن ما كان منها غير مضاف فهو معرب بالحركات، نحو: أب، وأخ، وحم، وما كان منها مضافًا إلى ياء المتكلم قدر إعرابه كغيره، مما يضاف إلى الياء، نحو: هذا أبي، ورأيت أبي، ومررت بأبي، وما كان منها مضافًا إلى غير ياء المتكلم أعرب بالواو رفعًا، وبالألف نصبًا، وبالياء جرا، كما في قوله:

.........................

.............. جا أخو أبيك ذا اعتلا

والسبب في أن جرت هذه الأسماء هذا المجرى، هو أن أواخرها حال الإضافة معتلة، فأعربوها بحركات مقدرة، وأتبعوا تلك الحركات حركة ما قبل الآخر، فأدى ذلك إلى كونه واوًا في الرفع، وألفًا في النصب، وياءً في الجر.

بيان ذلك: أن (ذو): أصله ذوى، بدليل قولهم في التثنية: ذويان، فحذفت الياء، وبقيت الواو حرف الإعراب، ثم ألزم الإضافة إلى اسم الجنس، والإتباع، تقول في الرفع: هاذ ذو مال، أصله ذو مال، بواو مضمومة للرفع، وذال مضمومة للإتباع، ثم استثقلت الضمة على الواو المضموم ما قبلها فكسنت، كما في نحو: يغزو، فصار ذو مال،

ص: 18

وتقول في النصب: رأيت ذا مال، أصله ذو مال بواو مفتوحة للنصب، وذال مفتوحة للإتباع، فتحركت الواو، وانفتح ما قبلها، فقلبت الواو ألفا، فصار ذا مال، وتقول في الجر: مررت بذي مال، أصله بذو مال، بواو مكسورة للجر، وذال مكسورة للإتباع، ثم استثقلت الكسرة على الواو المكسور ما قبلها، كما تستثقل على الياء المكسور ما قبلها، كما تستثقل على الياء المكسور ما قبلها، فحذفت، وقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها، فصار: بذي مال.

وأما (فم) فأصله فوه، بدليل قولهم في الجمع أفواه، وفي التصغير فويه، فحذفت منه الهاء، ثم إذا لم يضف يعوض عن واوه ميم؛ لأنها من مخرجها، وأقوى منها

[12]

على الحركة، فيقال: // هذا فم، ورأيت فمًا، ونظرت إلى فم، وإذا أضيف جاز فيه التعويض وتركه، وهو الأكثر، وإذا لم يعوض يلزم الإتباع، فيقال: هذا فوك، ورأيت فاك، ونظرت إلى فيك، والأصل: فوك، وفوك، وفوك، ففعل به ما فعل بـ (ذو).

وأما (أب، وأخ، وحم) فأصلها أبو، وأخو، وحمو، لقولهم في التثنية: أبوان، وأخوان، وحموان، ولكنهم حذفوا في الإفراد، والإضافة إلى ياء المتكلم أواخرها، وردوا المحذوف في الإضافة إلى غير ياء المتكلم، كما ردوه في التثنية، وأتبعوا حركة العين بحركة اللام، فصارت بواو في الرفع، وألف في النصب، وياء في الجر على ما تقدم.

ونظير هذه الأسماء في الإتباع فيها لحركة الإعراب امرؤ، وابنم، تقول: هذا امرؤ، وابنم، ورأيت امرأ وابنمًا، ومررت بامرئٍ وابنم.

وأما (هن) وهو الكناية عن اسم الجنس، فأصله هنو، بدليل قولهم في هنة: هنية، وهنوات. وله استعمالان:

أحدهما: أنه يجري مجرى أب، وأخ، كقولهم: هذا هنوك، ورأيت هناك، ومررت بهنيك.

والاستعمال الآخر، وهو الأفصح والأشهر أن يكون مستلزم النقص جاريًا مجرى يد ودم في الإضافة، وغيرها، كقوله صلى الله عليه وسلم:(من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه، ولا تكنوا).

وإلى هذا أشار بقوله:

.......................

والنقص في هذا الأخير أحسن

ص: 19

وقوله:

وفي أبٍ وتالييه يندر

..........................

يعني: أنه قد ندر في بعض اللغات التزام نقص أب، وأخ، وحم، كقولك: جاءني أبك، وأخك، وحمك. قال الشاعر:[من الرجز]

7 -

بأبه اقتدى عدي في الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

وقوله:

.........................

وقصرها من نقصهن أشهر

يعني: أن في أب، وأخ، وحم لغة ثالثة أشهر من لغة النقص، وهي القصر، نحو: جاءني الأبا، والأخا، والحما.

قال الشاعر: [من الرجز]

8 -

إن أباها وأبا أباها

قد بلغا في المجد غايتاها

وفي المثل: (مكره أخاك لا بطل).

ص: 20

32 -

بالألف ارفع المثنى وكلا

إذا بمضمر مصطفًا وصلا

33 -

كلتا كذاك اثنان واثنتان

كابنين وابنتين يجريجيان

34 -

وتخلف اليا في جميعها الألف

جرا ونصبًا بعد فتحٍ قد ألف

المثنى: هو الاسم الدال على اثنين بزيادة في آخره، صالحا للتجريد، وعطف مثله عليه، نحو: زيدان وعمران، فإنه يصح فيهما التجريد والعطف، نحو: زيد وزيد، وعمرو وعمرو.

فإن دل الاسم على التثنية، بغير الزيادة، نحو: شفع وزكا، فهو اسم للتثنية،

[13]

وكذا إذا كان // بالزيادة، ولم يصلح للتجريد والعطف، نحو: اثنان، فإنه لا يصح مكانه اثن واثن.

وإذ قد عرفت هذا فنقول: إعراب المثنى يكون بزيادة ألف في الرفع، وياء مفتوح ما قبلها في الجر والنصب، يليهما نون مكسورة، تسقط للإضافة.

وحمل على المثنى من أسماء التثنية كلمات منها: (كلا وكلتا) بشرط إضافتهما إلى مضمر، كما ينبئ عنه قوله:

..................... وكلا

إذا بمضمر مضافًا وصلا

كلتا كذاك ............

.........................

أي كلتا مثل كلا: في أنها لا تعرب بالحروف إلا إذا وصلت مضافة بمضمر، تقول: جاءني كلاهما وكلتاهما، ورأيت كليهما وكلتيهما، ومررت بكليهما وكلتيهما: بالألف رفعًا، وبالياء نصبًا وجرًا، لإضافتهما إلى المضمر.

فلو أضيفا إلى الظاهر لم تقلب ألفهما ياء. وكانا اسمين مقصورين، يقدر فيهما الإعراب، نحو: جاءني كلا الرجلين، ورأيت كلا الرجلين، ومررت بكلا الرجلين.

ومنها: (اثنان واثنتان) مطلقًا، أي: سواء كانا مجردين أو مضافين، وهذا ما أراد بقوله:

....................... اثنان واثنتان

كابنين وابنتين يجريان

يعني: أن هذين الاسمين ليسا في إلحاقهما بالمثنى مثل: (كلا وكلتا) في اشتراط الإضافة إلى المضمر، بل هما كالمثنى من غير فرق.

فإن قيل: لم كان إعراب المثنى بالألف في الرفع، وبياء مفتوح ما قبلها في النصب والجر؟ ولم وليهما نون مكسورة؟ ولم حذفت للإضافة؟

ص: 21

قلت: أما إعراب المثنى بالحروف؛ فلأن التثنية لما كانت كثيرة الدوران في الكلام ناسب أن تستتبع أمرين:

خفة العلامة الدالة عليها، وترك الإخلال بظهور الإعراب، احترازًا عن تكثير اللبس، فجعلت علامة التثنية ألفًا، لأنها أخف الزوائد، ومدلول بها على التثنية مع الفعل: اسمًا في نحو: أفعلا، وحرفًا في نحو: فعلا أخواك، وجعل الإعراب بالانقلاب؛ لأن التثنية مطلوب فيها ظهور الإعراب.

والألف لا يمكن عليها ظهور الحركة، فلجئ إلى الإعراب بقرار الألف على صورتها في حالة الرفع.

فإذا دخل عليها عامل الجر قلبوا الألف ياء لمكان المناسبة، وأبقوا الفتحة قبلها، إشعارًا بكونها ألفًا في الأصل، وحملوا النصب على الجر، لأن قلب الألف في النصب إلى غير الياء غير مناسب، فلم يبق إلا حمل النصب على الرفع أو الجر، فكان حمله على الجر أولى؛ لأنه مثله في الورود فضلة في الكلام.

تقول في الرفع: جاءني الزيدان، فالألف علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر، لدلالتها على التثنية، وعلامة الرفع أيضًا من حيث هي على صورتها في أول الوضع.

وتقول في الجر: مررت بالزيدين، فالياء علامة التثنية من حيث هي زيادة في الآخر لمعنى التثنية، وعلامة الجر أيضًا من حيث هي منقلبة عن ألف.

وتقول في النصب: رأيت الزيدين، والقول فيه كالقول في الجر.

وأما النون فإنما لحقت المثنى عوضًا عما فاته من الإعراب بالحركات، ومن دخول

[14]

التنوين // عليه، وكسرت على الأصل في التقاء الساكنين.

وأما حذف النون في الإضافة، دون غيرها، فللتنبيه على التعويض، فحذفت في الإضافة نظرًا إلى التعويض بها عن التنوين، ولم تحذف مع الألف واللام، وإن كان التنوين يحذف معهما نظرًا إلى التعويض بها عن الحركة أيضًا.

فإن قيل: لم كان لـ (كلا وكلتا) حالان في الإعراب: الإجراء مجرى المثنى، والإعراب بالحركات المقدرة؟ ولم خص إجراؤها مجرى المثنى بحال الإضافة إلى المضمر؟

قلت: (كلا وكلتا) اسمان ملازمان للإضافة، ولفظهما مفرد، ومعناهما مثنى ولذلك أجيز في ضميريهما اعتبار المعنى فيثنى، واعتبار اللفظ فيفرد.

ص: 22

وقد اجتمع الاعتباران في قوله: [من البسيط]

9 -

كلاهما حين جد الجري بينهما

قد أقلعا وكلا أنفيهما رابي

إلا إن اعتبار اللفظ أكثر، وبه جاء التنزيل، قال الله عز وجل:(كلتا الجنتين آتت أكلها)[الكهف /33]. ولم يقل: آتتا.

فلما كان لـ (كلا وكلتا) حظ من الإفراد، وحظ من التثنية أجريا في إعرابهما مجرى المفرد تارة، ومجرى المثنى أخرى، وخص إجراؤهما مجرى المثنى بحال الإضافة إلى المضمر، لأن الإعراب بالحروف فرع عن الإعراب بالحركات، والإضافة إلى المضمر فرع عن الإضافة إلى الظاهر؛ لأن الظاهر أصل المضمر، فجعل الفرع مع الفرع، والأصل مع الأصل تحصيلا لكمال المناسبة.

35 -

وارفع بواو وبيا اجرر وانصب

سالم جمع عامرٍ ومذنب

36 -

وشبه ذين وبه عشرونا

وبابه الحق والأهلونا

37 -

أولو وعالمون عليونا

وأرضون شذ والسنونا

38 -

وبابه ومثل حينٍ قد يرد

ذا الباب وهو عند قومٍ يطرد

القول في هذه الأبيات يستدعي تقديم مقدمة، وهي أن الاسم الدال على أكثر من اثنين على ثلاثة أضرب: جمع، واسم جمع، واسم جنس.

وذلك، لأن الدال على أكثر من اثنين بشهادة التأمل: إما أن يكون موضوعًا للآحاد المجتمعة، دالا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف، وإما أن يكون موضوعًا لمجموع

ص: 23

الآحاد، دالاً عليها دلالة المفرد على جملة أجزاء مسماة، وإما أن يكون موضوعًا للحقيقة، ملغى فيه اعتبار الفردية والجمعية، إلا أن الواحد ينتفي بنفيه.

فالموضوع للآحاد المجتمعة هو الجمع، سواء كان له واحد من لفظه مستعمل، كرجال، وأسود، أو لم يكن كأبابيل، والموضوع لمجموع الآحاد، هو اسم الجمع سواء كان

[15]

له واحد // من لفظه كركب وصحب، أو لم يكن كقوم ورهط.

والموضوع للحقيقة بالمعنى المذكور، هو اسم الجنس، وهو غالب فيما يفرق بينه وبين واحده بالتاء، كثمرة وثمر، وعكسه: جبأة وكمأة.

ومما يعرف به الجمع كونه على وزن لم تبن عليه الآحاد، كأبابيل، وغلبة التأنيث عليه، ولذلك حكم على نحو: تخم أنه جمع تخمة، مع أن نظيره رطبة، ورطب محكوم عليه أنه اسم جنس، لأن تخمًا غلب عليه التأنيث، يقال: هذه تخم، ولا يقال: هذا تخم.

فعلم أنه في معنى جماعة، وليس مسلوكًا به سبيل رطب ونحوه.

ومما يعرف به اسم الجمع كونه على وزن الآحاد، وليس له واحد من لفظه، كقوم، ورهط، وكونه مساويًا للواحد في تذكيره، والنسبة إليه.

ولذلك حكم على نحو غزي: أنه اسمٍ لجمع غازٍ، وإن كان نحو: كليب، جمع لكلب، لأن غزيا ذكر، وكليبا مؤنث. وحكم أيضًا على نحو ركاب أنه اسم لجمع ركوب، لأنهم نسبوا إليه، فقالوا: زيت ركابي، والجموع لا ينسب إليها إلا إذا غلبت، كأنصاري.

وإذ قد عرفت هذا، فنقول: الجمع ينقسم إلى جمع تصحيح، وهو ما سلم فيه لفظ الواحد، وإلى جميع تكسير، وهو ما تغير فيه لفظ الواحد تحقيقًا أو تقديرًا.

ثم جمع التصحيح، ويسمى السالم ينقسم إلى مذكر ومؤنث.

فالمؤنث: هو ما زيد في آخره ألف وتاء، كمسلمات.

وأما جمع المذكر السالم فيلحق آخره واو مضموم ما قبلها رفعًا، وياء مكسور ما قبلها جرا ونصبًا، يليهما نون مفتوحة نحو: جاء المسلمون، ومررت بالمسلمين، ورأيت المسلمين.

ص: 24

والسبب في أن إعراب هذا الجمع بهذا الإعراب هو أنه كالمثنى في كثرة دوره في الكلام، فأجرى مجرى المثنى في خفة العلامة، وترك الإخلال بظهور الإعراب، فجعلت علامة الجمع المذكر السالم في الرفع واوًا، لأنها من أمهات الزوائد، ومدلول بها على الجمعية، مع الفعل: اسمًا في نحو قولهم: فعلوا، وحرفًا في نحو: أكلوني البراغيث، وضموا ما قبل الواو إتباعًا، وجعلوا الإعراب فيه بالانقلاب، لامتناع ظهور الحركات على الواو، المضموم ما قبلها فلجئ إلى الإعراب بقرار الواو في الرفع على صورتها في أول الوضع، فإذا دخل عامل الجر قلبوا الواو ياء، لمكان المناسبة، وكسروا ما قبل الياء، كما ضموا ما قبل الواو لئلا يلتبس الجمع بالمثنى في بعض الصور في حالة الإضافة، وحملوا النصب على الجر، كما في التثنية، ولأنك لو قلبت الواو ألفًا في النصب لأفضى ذلك إلى الالتباس بالمثنى المرفوع، ولحقت النون عوضًا عن الحركة والتنوين، ولذلك تحذف للإضافة، وفتحوها تخفيفًا. ولما أخذ في بيان ما يعرب بالواو رفعًا، وبالياء جرًا، ونصبًا قال:

وارفع بواو وبيا اجرر وانصب

سالم جمع عامرٍ ومذنب

فأضاف الجمع إلى مثال ما يطرد فيه.

[16]

// وذلك أن جمع المذكر السالم مطرد في كل اسم خالٍ من تاء التأنيث، لمذكر عاقل علمًا، كعامر وسعيد، أو صفة تقبل تاء التأنيث باطراد، إن قصد معناه، أو في معنى ما يقبلها، كضارب ومذنب، والأحسن والأفضل، فيقال: عامرون وسعيدون، وضاربون ومذنبون، والأحسنون والأفضلون، وكذلك ما أشبهها.

قوله:

................. وبه عشرونا

وبابه ....................

(الخ). معناه: أنه قد ألحق بجمع المذكر السالم المطرد أسماء جموع، وجموع تكسير وجموع تصحيح لم تستوف الشروط.

فمن أسماء الجموع عشرون وبابه، وهو ثلاثون إلى تسعين.

ومنه (عليون) مما ليس له واحد من لفظه، و (كعالمين) مما واحده أعم في الدلالة منه.

ص: 25

ومن جموع التكسير (أرضون، وستون) وبابه، وهو كل ثلاثي في الأصل قد حذفت لامه، وعوض عنها هاء التأنيث، كأرة وأرين، وظبةً وظبين، وقلة وقلين.

فهذه كلها جموع تكسير، لتغير لفظ الواحد فيها، ولكنها أجريت مجرى جمع الصحيح في الإعراب، تعويضًا عن المحذوف.

ومن جموع التصحيح، التي لم تستوف الشروط (أهلون) مما سلم فيه بناء واحده، فإنه جمع أهل، وهو لا علم، ولا صفة، فتصحيحه شاذ، كما شذ تصحيح الوابل في قول الهذلي:[من البسيط]

10 -

تلاعب الريح بالعصرين قسلطه

والوابلون وتهتان التجاويد

فإنه لما لا يعقل، فحقه ألا يصح، ولكنه ورد فوجب قبوله، وكما شذ تصحيح مرقة في قول بعضهم:(أطعمنا مرقة من مرقين) أي: أمراقًا من لحوم شتى.

وكثر هذا الاستعمال في باب (سنين) وهو كل مؤنث بالتاء، محذوف اللام، غير ثابت التكسير، فيجيء بسلامة ما أوله مكسور، كأرة وأرين، ومائة ومئين، وبتغير ما أوله مفتوح، كسنة وسنين، وبوجهين ما أوله مضموم، كقلة، وقلين.

ومثل هذا الاستعمال فيما ثبت تكسيره كظبة وظبين، وفيما يحذف منه غير اللام كلذة ولدين، ورقة ورقين.

قوله:

............ ومثل حين قد يرد

ذا الباب ..................

يعني: باب (سنين) قد يستعمل مثل (حين)، فيجعل إعرابه بالحركات على النون منونة، ولا تسقطها الإضافة نحو: هذه سنين، ورأيت سنينًا، ومررت بسنينٍ،

ص: 26

قال الشاعر: [من الطويل]

11 -

دعاني من نجدٍ فإن سنينه

لعبن بنا شيبًا وشيبننا مردا

وفي الحديث على بعض الروايات: (اللهم اجعلها عليهم سنينًا كسنين يوسف). قوله:

.........................

............ وهو عند قومٍ يطرد

يعني: أن إجراء (سنين) وبابه مجرى (حين) مطرد عند قوم من النحويين، منهم الفراء، وقد استعمله غيرهم على وجه الشذوذ، كما في الحديث المذكور.

39 -

ونون مجموعٍ وما به التحق

فافتح وقل من بكسره نطق [17] //

40 -

ونون ما ثني والملحق به

بعكس ذاك استعملوه فانتبه

قد تقدم الكلام على نوني التثنية، والجمع على حدة، ولم يبق فيه إلا ما نبه عليه من أن نون الجمع حقها الفتح، وقد تكسر، وأن نون التثنية حقها الكسر، وقد تفتح.

فأما كسر نون الجمع فإنه يجيء للضرورة، كقول جرير:[من الوافر]

12 -

عرين من عرينة ليس منا

برئت إلى عرينة من عرين

عرفنا جعفرًا وبني أبيه

وأنكرنا زعانف آخرين

ص: 27

وكقول الآخر: [من الوافر]

13 -

أكل الدهر حل وارتحال

أما يبقي على ولا يقيني

وماذا يبتغي الشعراء مني

وقد جاوزت حد الأربعين

وأما فتح نون التثنية فلغة قوم من العرب، حكي ذلك الفراء، وأنشد:[من الطويل]

14 -

على أحوذيين استقلت عشية

فما هي إلا لمحة وتغيب

بفتح نون التثنية.

ص: 28

41 -

وما بتا وألفٍ قد جمعا

يكسر في الجر وفي النصب معا

42 -

كذا أولات والذي اسمًا قد جعل

كأذرعاتٍ فيه ذا أيضًا قبل

الذي يجمع بالألف، والتاء هو جمع المؤنث السالم، وله إعرابٍ على حدة، وذلك لأن رفعه بالضمة، ونصبه وجره بالكسرة، نحو: هؤلاء مسلمات، ورأيت مسلماتٍ، ومررت بمسلماتٍ، أجروه في النصب مجراه في الجر، كما فعلوا ذلك في جمع المذكر السالم، وحمل على جمع المؤنث السالم في إعرابه أولات، وما سمي به كعرفاتٍ، وأذرعاتٍ.

فأما (أولات) فهو اسم جمع لا واحد له من لفظه، وهو بمعنى ذوات، ولكنهم أجروه مجرى الجمع، هؤلاء أولات فضل، ورأيت أولات فضل، ومررت بأولات فضل.

وأما ما سمي به فالأكثر فيه إجراؤه مجرى الجمع، نحو: هذه أذرعات، ورأيت أذرعاتٍ، ومررت بأذرعاتٍ.

ومنهم من يجعله كأرطاة: غير منصرف علمًا، فيقول: هذه أذرعات، ورأيت أذرعات، ومررت بأذرعات. فإذا وقف عليه قلبت التاء هاء.

ومنهم من يحذف التنوين، ويعربه بالضمة في الرفع، وبالكسرة في الجر والنصب.

43 -

وجر بالفتحة ما لا ينصرف

ما لم يضف أو يك بعد أل ردف

[18]

// الاسم المعرب على ضربين: منصرف، وغير منصرف. فالمنصرف ما لم يشابه الفعل كزيد وعمرو. وغير المنصرف ما يشابه الفعل كأحمد ومروان.

فالمنصرف ينون ويجر بالكسرة في كل حال، نحو: هذا زيد، ورأيت زيدًا، ومررت بزيدٍ.

وغير المنصرف لا ينون، ويجر بالفتحة، ما لم يضف، أو يدخله الألف واللام، نحو: هذا أحمد، ورأيت أحمد، ومررت بأحمد.

وذلك أن الاسم إذا شابه الفعل ثقل، فلم يدخله التنوين، لأنه علامة الأخف عليهم، والأمكن عندهم.

ص: 29

ومنع الجر بالكسرة تبعًا لمنع التنوين، لتآخيهما في اختصاصهما بالأسماء، وتعاقبهما على معنى واحد في باب راقود خلا، وراقود خلٍ، فلما لم يجروه بالكسرة، عوضوه عنها بالفتحة، فإذا أضيف ما لا ينصرف، أو دخله الألف واللام فأمن فيه التنوين جر بالكسرة، نحو: مررت بأحمدكم، وبالحمراء.

44 -

واجعل لنحو يفعلان النونا

رفعًا وتدعين وتسألونا

45 -

وحذفها للجزم والنصب سمه

كلم تكوني لترومي مظلمه

المراد بنحو يفعلان، وتدعين، وتسألون: كل فعل مضارع اتصل به ألف الاثنين، أو واو الجمع، أو ياء المخاطبة، فإن المضارع إذا اتصل به أحد هذه الثلاثة كانت علامة رفعه نونًا مكسورة بعد الألف، مفتوحة بعد الواو والياء، وعلامة جزمه ونصبه حذف تلك النون، تقول في الرفع: يفعلان، ويفعلون، وتفعلين، فإذا دخل الجازم قلت: لم يفعلا، ولم يفعلوا، ولم تفعلي، بحذف النون للجزم، كما ثبت للرفع.

والنصب كالجزم، نحو: لن يفعلا، ولن يفعلوا، ولن تفعلي، حملوا النصب على الجزم هنا، كما حملوا النصب على الجر في التثنية، والجمع، لأن الجزم في الفعل نظير الجر في الاسم.

قوله:

.......................

كلم تكوني لترومي مظلمه

مثال لحذف نون الرفع في الجزم والنصب: (فتكوني) مجزوم بلم، وكان أصله ترومي، وأصله ترومين، فلما دخل الناصب حذفت النون، كما حذفت في الجزم.

46 -

وسم معتلا من الأسماء ما

كالمصطفي والمرتقي مكارما

47 -

فالأول الإعراب فيه قدرا

جميعه وهو الذي قد نصرا

48 -

والثاني منقوص ونصبه ظهر

ورفعه ينوى كذا أيضًا يجر

اعلم أن الاسم المعرب على ضربين: صحيح، ومعتل.

والمعتل على ضربين: مقصور، ومنقوص.

فالمقصور: هو الاسم المعرب الذي آخره ألف لازمة، نحو: الفتى، والعصا،

[19]

// والمصطفي، وقيدت الألف بكونها لازمة احترازًا من نحو الزيدان في الرفع، ومن نحو: أخاك، وإياك في النصب.

ص: 30

والمنقوص: هو الاسم المعرب الذي آخره ياء لازمة تلي كسرة، كالقاضي، والداعي، والمرتقي.

واحترزت باللزوم من نحو: الزيدين، وأخيك، وبقولي:(تلي كسرة) مما آخره ياء ساكن ما قبلها، نحو: نحي، وظبي، فإنه معدود من باب الصحيح.

وقد ظهر من هذا: أن الاسم المعرب ينقسم إلى صحيح، ومقصور، ومنقوص، ولكل منها حكم.

فالصحيح: يظهر فيه الإعراب كله، ولا يقدر فيه شيء منه، أي من الإعراب.

والمقصور: يقدر فيه الإعراب كله، لتعذر الحركة على الألف، تقول: جاءني الفتى، ورأيت الفتى، ومررت بالفتى، فالفتى أولا مرفوع بضمة مقدرة على الألف، وثانيًا منصوب بفتحة مقدرة على الألف، وثالثًا مجرور بكسرة مقدرة على الألف.

والمنقوص: يقدر فيه الرفع والجر لثقل الضمة، والكسرة على الياء المكسور ما قبلها، ويظهر فيه النصب بالفتحة لخفتها، تقول: جاءني القاضي، ورأيت القاضي، ومررت بالقاضي، فالقاضي أولا مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء، وثانيًا منصوب، وعلامة نصبه فتحة الياء، وثالثًا مجرور، وعلامة جره كسرة مقدرة على الياء. وعلى هذا يجري جميع المقصور والمنقوص في الكلام.

49 -

وأي فعل آخر منه ألف

أو واو أو ياء فمعتلا عرف

50 -

فالألف أنو فيه غير الجزم

وأبد نصب ما كيدعو يرمى

51 -

والرفع فيهما انو واحذف جازما

ثلاثهن تقض حكمًا لازما

الفعل المضارع كالاسم في كونه ينقسم إلى صحيح ومعتل، وهو ما آخره ألف كيخشى، أو ياء كيرمي، أو واو كيدعو.

فأما الصحيح فيظهر فيه الإعراب.

وأما المعتل: فإن كان بالألف لم يظهر فيه الرفع، والنصب، لتعذر الحركة على الألف، ويظهر فيه الجزم بحذف الألف، تقول في الرفع: هو يخشى، فعلامة الرفع فيه ضمة مقدرة على الألف، وفي النصب: لن يخشى، فعلامة النصب فيه فتحة مقدرة على الألف، وفي الجزم: لم يخش، فعلامة الجزم حذف الألف، أقاموا حذف الألف مقام السكون في الجزم، كما أقاموا ثبوتها ساكنة مقام الحركة.

ص: 31

وإن كان معتلا بالياء أو الواو لم يظهر فيه الرفع الثقل الضمة على الياء المكسور ما قبلها، وعلى الواو المضموم ما قبلها، ويظهر النصب بالفتحة لخفتها، والجزم بالحذف، كما فيما آخره ألف، تقول: هو يرمي، ويدعو، فعلامة الرفع ضمة مقدرة على الياء،

[20]

وعلى الواو، ولن يرمي ولن // يدعو، فعلامة النصب فتحة الياء، وفتحة الواو، ولم يرم، ولم يدع، فعلامة الجزم حذف الياء، وحذف الواو.

والحاصل: إن الفعل المعتل يقدر رفعه، ويظهر جزمه بالحذف. وأما النصب فيقدر في الألف، ويظهر في الياء والواو، والله أعلم.

ص: 32