الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفعل التفضيل
496 -
صغ من مصوغٍ منه للتعجب
…
أفعل للتفضيل واب اللذ أبي
يبني الوصف على (أفعل) للدلالة على التفضيل، وذلك مقيس في كل ما يبنى منه فعل التعجب، تقول: هو أفضل من زيدٍ، وأعلم منه، وأحسن، كما تقول: ما أفضل زيدًا! وما أعلمه وما أحسنه!.
وقوله:
..........................
…
....... واب اللذ أبي
يعني: أن ما لا يجوز أن يبني منه فعل التعجب لا يجوز أن يبني منه (أفعل) التفضيل.
فلا يبني من وصف لا فعل له كـ (غير وسوى) ولا من فعل زائد على ثلاثة أحرف، نحو: استخرج، ولا معبر عن اسم فاعله بـ (أفعل) كعور، ولا مبني للمفعول، كضرب، ولا غير متصرف كـ (عسى ونعم وبئس) ولا غير متفاوت المعنى، كمات، وفني. فإن سمع بناؤه من شيء من ذلك عد شاذا، وحفظ، ولم يقس عليه، كما في التعجب. تقول: هو أقمن بكذا، أي: أحق به، وإن لم يكن له فعل، كما قلت: أقمن به، وقالوا:(هو ألص من شظاظٍ) فبنوه من لص، ولا فعل له.
وتقول من اختصر الشيء: هو أخصر من كذا، كما يقال: ما أخصره! وقالوا: هو أعطاهم للدراهم! وأولاهم للمعروف! وأكرم لي من زيد! أي: أشد إكرامًا، وهذا
المكان أقفر من غيره! وفي المثل: (أفلس من ابن المذلق)، وفي الحديث الشريف:(فهو لما سواها أضيع).
وهذا النوع عند سيبويه مقيس، لأنه من (أفعل) وهو عنده كالثلاثي في جواز بناء فعل التعجب منه، وأفعل التفضيل.
وتقول: هو أهوج منه!، وأنوك منه؟، وإن كان اسم فاعله على (أفعل) كما يقال: ما أهوجه، وما أنوكه! وفي المثل:(هو أحمق من هبنقة)! (وأسود من حلك الغراب).
وأما قولهم: (أزهى من ديك) و (أشغل من ذات النحيين)، و (أعني بحاجتك) فلا تعد شاذة، وإن كانت من فعل ما لم يسم فاعله، لأنه لا لبس فيها، إذ لم يستعمل لها فعل فاعل. [187] //
497 -
وما به إلى تعجبٍ وصل
…
لمانعٍ به إلى التفضيل صل
يعني: أن ما لا يجوز التعجب من لفظه لمانع فيه يتوصل إلى الدلالة على التفضيل فيه بمثل ما يتوصل إلى التعجب منه؟ فيبنى (أفعل) التفضيل من (أشد) أو ما جرى مجراه، ويميز بمصدر ما فيه المانع، وذلك نحو قولك: هو أكثر استخراجًا، وأقبح عورًا، وأفجع قوتًا.
498 -
وأفعل التفضيل صله أبدا
…
تقديرًا أو لفظًا بمن إن جردا
أفعل التفضيل في الكلام على ثلاثة أضرب: مضاف، ومعرف بالألف واللام، ومجرد من الإضافة والألف واللام.
فإن كان مجردًا لزم اتصاله بـ (من) التي لابتداء الغاية، جارة للمفضل عليه، كقولك: زيد أكرم من عمروٍ، وأحسن من بكرٍ.
وقد يستغنى بتقدير (من) عن ذكرها لدليل، ويكثر ذلك إذا كان أفعل التفضيل خبرًا، كقوله تعالى:(والآخرة خير وأبقى)[الأعلى /17] ويقل ذلك إذا كان صفة أو حالا، كقول الراجز:[من الرجز]
443 -
تروحي أجدر أن تقيلي
…
غدًا بجنبي باردٍ ظليل
أي: تروحي، وائتي مكانًا أجدر أن تقيلي فيه من غيره.
وإن كان (أفعل) التفضيل مضافًا، نحو: زيد أفضل القوم، أو معرفًا بالألف واللام، نحو: زيد الأفضل، لم يجز اتصاله بـ (من) فأما قوله:[من السريع]
444 -
ولست بالأكثر منهم حصى
…
وإنما العزة للكاثر
ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن (من) فيه ليست لابتداء الغاية بل لبيان الجنس، كما هي في نحو: أنت منهم الفارس والشجاع، أي من بينهم.
الثاني: أنها متعلقة بمحذوف، دل عليه المذكور.
الثالث: أن الألف واللام زائدتان. فلم يمنعا من وجود (من) كما لم يمنعا من الإضافة في قول الشاعر: [من الكامل]
445 -
تولي الضجيع إذا تنبه موهنًا
…
كالأقحوان من الرشاش المستقي
قال أبو علي: أراد من رشاش المستقي.
499 -
وإن لمنكور يضف أو جردا
…
ألزم تذكيرًا وأن يوحدا
500 -
وتلو أل طبق وما لمعرفه
…
أضيف ذو وجهين عن ذي معرفه
501 -
هذا إذا نويت معنى من وإن
…
لم تنو فهو طبق ما به قرن
إذا كان أفعل التفضيل مجردًا لزمه التذكير والإفراد بكل حال، كقولك: هو [188] أفضل، // وهي أفضل، وهما أفضل، وهم أفضل، وهن أفضل، وإذا كان معرفًا بالألف واللام لزمه مطابقة ما هو له في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع، وهو المراد بقوله: وتلو (أل) طبق.
تقول: هو الأفضل، وهي الفضلى، وهما الأفضلان، وهم الأفضلون، هن الفضليات، أو الفضل. وإذا كان مضافًا.
فإن أضيف إلى نكرة لزمه التذكير والإفراد، كالمجرد، تقول: هو أفضل رجل، وهي أفضل امرأةٍ، وهما أفضل رجلين، وهم أفضل رجالٍ، وهن أفضل نساءٍ.
وإن أضيف إلى معرفة: جاز أن يوافق المجرد في لزوم الإفراد، والتذكير، فيقال: هي افضل النساء، وهما أفضل القوم، وجاز أن يوافق المعرف بالألف واللام في لزوم المطابقة لما هو له، فيقال: هي فضلى النساء، وهما أفضلا القوم، وقد اجتمع الوجهان في قوله صلى الله عليه وسلم:(ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون).
وإلى جواز موافقة المضاف المجرد، والمعرف بالألف واللام الإشارة بقوله:
......... وما لمعرفه
…
أضيف ذو وجهين ...............
وقوله:
هذا إذا نويت معنى من ..............
…
.......................
يعني: أن جواز الأمرين في المضاف مشروط بكون الإضافة فيه بمعنى (من) وذلك إذا كان (أفعل) مقصودًا به التفضيل، وأما إذا لم يقصد به التفضيل فلابد فيه من المطابقة لما هو له، كقولهم:(الناقص والأشج أعدلا بني مروان) أي: عادلاهم.
وكثيرًا ما يستعمل (أفعل) غير مقصود به تفضيل، وهو عند المبرد مقيس، ومنه قوله تعالى:(ربكم أعلم بما في نفوسكم)[الإسراء /25] وقوله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه)[الروم /27] أي ربكم عالم بما في نفوسكم، وهو هين عليه.
وقول الشاعر: [من الكامل]
446 -
إن الذي سمك السماء بنى لنا
…
بيتا دعائمه أعز وأطول
أراد: عزيزة طويلة.
502 -
وإن تكن بتلو من مستفهما
…
فلهما كن أبدًا مقدما
503 -
كمثل ممن أنت خير ولدى
…
إخبارٍ التقديم نزرًا وردا
لأفعل التفضيل مع (من) شبه بالمضاف والمضاف إليه، فحقه ألا يتقدم عليه إلا لموجب، وذلك إذا كان المجرور بـ (من) اسم استفهام، فإنه لابد إذا ذاك من تقديمهما على (أفعل) التفضيل ضرورة أن الاستفهام له صدر الكلام، تقول:(ممن أنت خير) ومن كم دراهمك أكثر؟ ومن أيهم أنت أفضل؟.
وإذا كان المجرور بـ (من) غير الاستفهام لم يتقدم على (أفعل) التفضيل إلا [189] قليلا، كقول الشاعر: // [من الطويل]
447 -
فقالت لنا أهلا وسهلا وزودت
…
جنى النحل أو ما زودت منه أطيب
وقول الآخر: [من الطويل]
448 -
ولا عيب فيها غير أن سريعها
…
قطوف وألا شيء منه أكسل
ولشبه (أفعل) التفضيل مع (من) بالمضاف والمضاف إليه لم يفصل منه بأجنبي، تقول: زيد أحسن وجهًا من عمروٍ، وأنت أحظى عندي من ذاك.
وقد اجتمع فصلان في قول الراجز: [من الرجز]
449 -
لأكلة من إقطٍ وسمن
…
ألين مسا في حشايا البطن
من يثربياتٍ قذاذٍ خشن
504 -
ورفعه الظاهر نزر ومتى
…
عاقب فعلا فكثيرًا ثبتا
505 -
كلن ترى في الناس من رفيق
…
أولى به الفضل من الصديق
(أفعل) التفضيل من قبل أنه في حال تجرده لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، ضعيف الشبه باسم الفاعل، وبالصفة المشبهة به، فلم يرفع الظاهر عند أكثر العرب إلا إذا ولى نفيًا أو استفهامًا، وكان مرفوعه أجنبيًا، مفضلا على نفسه باعتبارين، نحو قولهم: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيد.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أحب إلى الله فيها الصوم منه في عشر ذي الحجة).
وقول الشاعر: [من الطويل]
450 -
مررت على وادي السباع ولا أرى
…
كوادي السباع حين يظلم واديا
أقل به ركب أتوه تئيةً
…
وأخوف إلا ما وقى الله ساريا
تقديره: لا أرى واديًا أقل به ركب أتوه تئيةً منه كوادي السباع، ولكن حذف لتقدم ما دل على المفضول. يقال: تأييت بالمكان، أي: تلبثت به.
وتقول: ما أحد أحسن به الجميل من زيدٍ، أصله: ما أحد أحسن به الجميل من الجميل بزيد، إلا أنه أضيف الجميل إلى زيد، لملابسته له في المعنى، فصار في التقدير: من جميل زيد، ثم حذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. ونظير ذلك قوله:
كلن ترى في الناس من رفيق
…
أولى به الفضل من الصديق
يعني: أبا بكر رضي الله عنه.
فهذه الصور ونحوها يرفع (أفعل) التفضيل فيها الظاهر باطراد، ويمكن أن يعلل ذلك بأمرين:
أحدهما: ما أشار إليه بقوله:
.................... ومتى
…
عاقب فعلا فكثيرًا ثبتا
يعني أنه متى حسن أن يقع موقع (أفعل) التفضيل فعل بمعناه صح رفعه الظاهر [190]، كما صح إعمال اسم الفاعل بمعنى المضي في صلة // الألف واللام، فقالوا:(ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيدٍ). لأنه في معنى: ما رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيدٍ.
فإن قلت: فكان ينبغي أن يقضي جواز مثل هذا بجواز رفع (أفعل) التفضيل السببي المضاف إلى ضمير الموصوف، نحو: ما رأيت رجلا أحسن منه أبوه، وفي الإثبات، نحو: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيدٍ، لأنه يصح في ذلك كله وقوع الفعل موقع (أفعل) التفضيل.
قلت: المعتبر في اطراد (أفعل) التفضيل الظاهر جواز أن يقع موقعه الفعل الذي يبنى منه، مفيدًا فائدته، وما أوردته ليس كذلك.
ألا ترى أنك لو قلت: ما رأيت رجلا يحسن أبوه كحسنه، فأتيت موضعٍ أحسن بمضارع حسن فائت الدلالة على التفضيل، أو قلت: ما رأيت رجلا يحسنه أبوه، فأتيت موضع أحسن بمضارع حسنه، إذا فاقه في الحسن كنت قد جئت بغير الفعل، الذي يبنى منه أحسن، وكانت الدلالة على الغريزة المستفادة من (أفعل) التفضيل.
ولو رمت أن توقع الفعل موقع (أحسن) على غير هذين الوجهين لم تستطع، وكذا القول في نحو: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيدٍ، فإنك لو جعلت فيه يحسن مكان أحسن، فقلت: رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيدٍ، أو يحسن في عينه الكحل كحلا في عين زيد فأتت الدلالة على التفضيل في الأول، وعلى الغريزة في الثاني.
الأمر الثاني: أن (أفعل) التفضيل متى ورد على الوجه المذكور وجب رفعه الظاهر، لئلا يلزم الفصل بينه وبين (من) بأجنبي فإن ما هو له في المعنى لو لم يجعل فاعلا لوجب كونه مبتدأ، ولتعذر الفصل به.
فإن قلت: وأي حاجة إلى ذلك؟ ولم لم يجعل مبتدأ مؤخرًا عن (من)؟
فيقال: ما رأيت رجلا أحسن في عينيه منه في عين زيدٍ الكحل، أو مقدمًا على أحسن، فيقال: ما رأيت رجلا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيدٍ.
قلت: لم يؤخر تجنبًا عن قبح اجتماع تقديم الضمير على مفسره، وإعمال الخبر في ضميرين لمسمى واحد وليس هو من أفعال القلوب، ولم يقدم كراهية أن يقدموا لغير ضرورة ما ليس بأهم، فإن الامتناع من رفع (أفعل) التفضيل للظاهر ليس لعلة موجبة إنما هو لأمر استحساني، فيجوز التخلف عن مقتضاه، إذا زاحمه ما رعايته أولى، وهو تقديم ما هو أهم، وإيراده في الذكر أتم، وذلك صفة ما يستلزم صدق الكلام تخصيصه.
ألا ترى أنك لو قلت: ما رأيت رجلا كان صدق الكلام موقوفًا على تخصيص رجل بأمر يمكن أنه لم يحصل لمن رأيته من الرجال، لأنه ما من راءٍ إلا وقد رأى رجلا ما.
فلما كان موقوف الصدق على المخصص، وهو الوصف كان تقديمه مطلوبًا [191] فوق كل // مطلوب، فقدم، واغتفر ما ترتب على التقديم: من الخروج عن الأصل.
فإن قلت، فلم لم يجز على مقتضى ما ذكرتم أن يرفع (أفعل) التفضيل الظاهر في الإثبات، فيقال: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيدٍ.
قلت: لأن مطلوبية المخصص في الإثبات دون مطلوبيته في النفي، لأنه في الإثبات يزيد في الفائدة، وفي النفي يصون الكلام عن كونه كذبًا، فلما كان ذلك كذلك كان لهم عن تقديم الصفة، ورفعها الظاهر مندوحة، بتقديم ما هي له في المعنى، وجعله مبتدأ، فيقال: رأيت رجلا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيدٍ.
ولكون المانع من رفع أفعل التفضيل الظاهر ليس أمرًا موجبًا أطرد عند بعض العرب إجراؤه مجرى اسم الفاعل، فيقولون: مررت برجل أحسن منه أبوه، حكي ذلك سيبويه.
وإلى هذه المسألة الإشارة بقوله:
ورفعه الظاهر نزر ..................
…
.................
أي: رفعه الظاهر غير مقيد بصلاحيته لمعاقبة الفعل قليل في كلام العرب.