الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التنازع في العمل
278 -
إن عاملان اقتضيا في اسمٍ عمل
…
قبل فللواحد منهما العمل
279 -
والثاني أولى عند أهل البصره
…
واختار عكسًا غيرهم ذا أسره
إنما قال عاملان، ولم يقل فعلان: ليشمل تنازع الفعلين، نحو قوله تعالى:(آتوني أفرغ عليه قطرًا)[الكهف /96]، أو تنازع الاسم والفعل نحو قوله تعالى:(هاؤم أقرؤوا كتابيه)[الحاقة /19]، وتنازع الاسمين، كقول الشاعر:[من الطويل]
227 -
عهدت مغيثًا مغنيًا من أجرته
…
فلم أتخذ إلا فناءك موئلا
وقال: (اقتضيا) ليخرج العاملان، المؤكد أحدهما بالآخر، كقول الشاعر:[من الطويل]
228 -
فأين إلى أين النجاء ببغلتي
…
أتاك أتاك اللاحقون احبس احبس
(فأتاك أتاك) عاملان في اللفظ، والثاني منهما لا اقتضاء له إلا التوكيد، ولو [99] اقتضى // عملا لقيل: أتوك أتاك، أو أتاك أتوك.
وقال: (قبل) تنبيهًا على أن التنازع لا ياتي بين عاملين متأخرين نحو: زيد قام وقعد، لأن كلا منهما مشغول بمثل ما شغل به الآخر من ضمير الاسم السابق، فلا تنازع بينهما، بخلاف المتقديمن نحو: قام وقعد زيد، فإن كلا منهما متوجه في المعنى إلى زيد، وصالح للعمل في لفظه، فيعمل أحدهما فيه، والآخر في ضميره.
وإلى هذا أشار بقوله:
.............................
…
........... فللواحد منهما العمل
والتنازع إما في الفاعلية، أو في المفعولية، أو فيهما على وجهين.
أمثلة ذلك على إعمال الثاني: قاما وقعد أخواك، ورأيت وأكرمت أبويك، وضرباني وضربت الزيدين، وضربت وضربني الزيدون: تضمر في الأول الفاعل، وتحذف منه المفعول، لأنه فضلة، فلا يصح إضماره قبل الذكر.
وأمثلته على إعمال الأول: قام وقعد أخواك، ورأيت وأكرمتهما أبويك، وضربني وضربتهما الزيدان، وضربت وضربوني الزيدين: تضمر في الثاني ضمير الفاعل وضمير المفعول.
والمختار عند البصرين إعمال الثاني، وعند الكوفيين إعمال الأول.
280 -
وأعمل المهمل في ضمير ما
…
تنازعاه والتزم ما التزما
281 -
كيحسنان ويسيء ابناكا
…
وقد بغى واعتديا عبداكا
282 -
ولا تجئ مع أولٍ قد أهملا
…
بمضمرٍ لغير رفعٍ أوهلا
المهملٍ: هو الذي لم يسلط على الاسم الظاهر، وهو يطلبه في المعنى، فيعمل في ضميره، مطابقًا له في الإفراد، والتذكير، وفروعهما.
وإلى ذلك أشار بقوله:
........................
…
............ والتزم ما التزما
ثم المهمل لا يخلو إما أن يكون الفعل الأول أو الثاني، فإن كان الأول، فإما أن يقتضي الرفع أو النصب، فإن اقتضى الرفع أضمر فيه قبل الذكر إضمارًا على شريطة التفسير، نحو:(يحسنان ويسيء ابناكا) وإن اقتضى النصب امتنع أن يضمر فيه، لأن المنصوب فضلة، يجوز الاستغناء عنها، فلا حاجة إلى إضمارها قبل الذكر، ووجب الحذف إلا في باب (ظن)، وفي باب (كان) وفيما أوقع حذفه في لبس، على ما سيأتي بيانه.
تقول: ضربت وضربني زيد، ومررت وأكرمني عمرو. ولا يجوز: ضربته وضربني زيد، ولا مررت به فأكرمني عمرو. وقول الشاعر:[من الطويل]
229 -
إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب
…
جهارًا فكن في الغيب أحفظ للود
ضرورة نادرة لا يعتد بمثلها. وأما المرفوع فعمدة، لا يجوز الاستغناء عنها، فأضمرت قبل الذكر، لما أريد إعمال أقرب الفعلين إلى المتنازع فيه، وكان إضمارًا على شريطة التفسير [100] // فيه، فجاز للحاجة إليه جوازه في نحو (ربه رجلا) و (نعم رجلا زيد).
ومنع الكوفيون الإضمار قبل الذكر في هذا الباب، فلم يجيزوا نحو: يحسنان ويسيء ابناك، وضرباني وضربت الزيدين، بل هم في مثل ذلك على مذهبين.
فذهب الكسائي: أنه يعمل الأول، فيقول: يحسن ويسيئان ابناك، وضربني وضربتهما الزيدان، أو بحذف فاعله للدلالة عليه، فيقول: يحسن ويسيء ابناك، وضربني وضربت الزيدين.
ومذهب الفراء: إعمال الأول، أو إعمال الثاني، وتأخير ضمير الأول، إن كان رافعًا، نحو: يحسن ويسيء ابناك هما، وضربني وضربت الزيدين هما، أو إعمال المتنازعين جميعًا في الاسم الظاهر، إن كانا رافعين فيجوز: يحسن ويسيء ابناك، ولا يجوز: ضربني وضربت الزيدين.
وما منعه الكوفيون من الإضمار في هذا الباب قبل الذكر ثابت عن العرب، فلا يلتفت إلى منعهم. حكي سيبويه: ضربوني وضربت قومك، وأنشد:[من الطويل]
230 -
وكمتا مدماةً كأن متونها
…
جرى فوقها واستشعرت لون مذهب
وقال بعض الطائيين: [من الطويل]
231 -
جفوني ولم أجف الأخلاء إنني
…
لغير جميل من خليلي مهمل
وقال الآخر: [من البسيط]
232 -
هوينني وهويت الغانيات إلى
…
أن شبت فانصرفت عنهن آمالي
وإن كان المهمل هو الثاني من المتنازعين، فإما أن يقتضي الرفع أو النصب، فإن اقتضى الرفع وجب فيه الإضمار، وجاز استعماله باتفاق، لأنه إضمار متأخر، رتبته التقديم، فليس إضمارًا قبل الذكر، وذلك نحو:(بغى واعتديا عبداكا)، و (ضربت وأكرماني الزيدين).
وإن اقتضى النصب أضمر فيه غالبًا، نحو: ضربني وضربتهم قومك، ونحوه قول الشاعر:[من الطويل]
233 -
إذا هي لم تستك بعود أراكةٍ
…
تنخل فاستاكت به عود إسحل
لما أعمل (تنخل) في العود، أعمل (استاكت) في ضميره، فقال:(استاكت به).
وقد يحذف من الثاني ضمير المفعول، لأنه فضلة، فيقال: ضربني وضربت قومك، وأكرمني وأكرمت الزيدان.
283 -
بل حذفه الزم إن يكن غير خبر
…
أخرنه إن يكن هو الخبر
284 -
وأظهر إن يكن ضمير خبرا
…
لغير ما يطابق المفسرا
285 -
نحو أظن ويظناني أخا
…
زيدًا وعمرًا أخوين في الرخا
إذا أهمل الأول من المتنازعين، ومطلوبه غير رفع لم يجأ معه بضمير المتنازع فيه، [101] بل // لابد من حذفه إن استغني عنه، كما في نحو: ضربت وضربني زيد، وإن لم يستغن عنه بأن كان أحد المفعولين في باب (ظن) فإن لم يمنع من إضماره مانع جيء به مؤخرًا، ليؤمن حذف ما لا يجوز حذفه، وتقديم ضمير منصوب على مفسر، لا تقدم له بوجه.
مثاله: مفعولا أولا: ظننت منطلقة، وظننتني منطلقًا هند إياها، فإياها مفعول أول لـ (ظننت)، ولا يجوز تقديمه عند الجميع، ولا حذفه عند البصريين، أما عند الكوفيين فيجوز حذفه، لأنه مدلول عليه بفاعل الفعل الثاني.
ومثاله مفعولا ثانيًا: ظننتني وظننت زيدًا عالمًا إياه، فإياه مفعول ثان لـ (ظننتني)، وهو كالمفعول الأول في امتناع تقديمه وحذفه.
وقد يتوهم من قول الشيخ رحمه الله:
بل حذفه الزم إن يكن غير خبر
…
وأخرنه إن يكن هو الخبر
إن ضمير المتنازع فيه، إذا كان مفعولا في باب (ظن) يجب حذفه إن كان المفعول الأول، وتأخيره إن كان المفعول الثاني، وليس الأمر كذلك، بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف ولزوم التأخير، ولو قال بدله:
واحذفه إن لم يك مفعولً حسب
…
وإن يكن ذاك فأخره تصب
لخلص من ذلك التوهم.
وإن منع من إضمار المفعول في باب (ظن) مانع تعين الإظهار، وذلك إذا كان خبرًا عما يخالف المفسر، بإفراد، أو تذكير، أو بغيرهما، كقولك على إعمال الثاني: ظناني عالمًا، وظننت الزيدين عالمين، فإن الزيدين، وعالمين مفعولا (ظننت) و (عالمًا) ثاني مفعولي (ظناني) وجيء به مظهرًا؛ لأنه لو أضمر، فإما أن يجعل مطابقًا للمفسر، وهو ثاني مفعولي (ظننت) وإما أن يجعل مطابقًا لما أخبر به عنه، وهو الياء من (ظناني). وكلاهما عند البصريين غير جائز.
أما الأول: فلأن فيه إخبارًا بمثنى عن مفرد. وأما الثاني: فلأن فيه إعادة ضمير مفرد على مثنى.
وأجاز فيه الكوفيون الإضمار، مراعى به جانب المخبر عنه، فيقولون: ظناني وظننت الزيدين عالمين إياه، وأجازوا أيضًا ظناني فظننت الزيدين عالمين، بالحذف.
وتقول على إعمال الأول: ظننت وظننتني منطلقًا هندًا منطلقة، (فهندًا منطلقة) مفعولا ظننت، و (منطلقًا) ثاني مفعولي (ظننتني) وجيء به مظهرًا، لأنه لو أضمر، فإما أن يذكر، فيخالف مفسره، وإما أن يؤنث، فيخالف المخبر به عنه، وكل ذلك ممتنع عند البصريين. ومثل هذا المثال قوله:
...... أظن ويظناني أخا
…
زيدًا وعمرًا أخوين في الرخا
فاعرفه.