الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما لا ينصرف
الاسم بالنسبة إلى شبهه بالحرف وعرائه عن شبهه به ينقسم إلى معرب ومبني. والمعرب منه بالنسبة إلى شبهه الفعل وعرائه عن شبهه به ينقسم إلى منصرف وغير منصرف.
فما كان من الأسماء المعربة غير شيبه بالفعل فهو المنصرف، ويسمى الامكن، وعلامته: أنه يجر بالكسرة مطلقا، ويدخله التنوين، للدلالة على خفته، وزيادة تمكنه. وما كان منها شبيها بالفعل فهو غير المنصرف، وعلامته أنه يجر بالفتحة، إلا في حالتي الإضافة ودخول الألف واللام، وأنه لا يدخله التنوين في غير روي، إلا للمقابلة كما في (أدرعات)، أو للتعويض كما في (جوار).
ولما أراد أن يعرف ما ينصرف من الأسماء عرف صفته المختصة به، وهي الصرف فقال:
649 -
الصرف تنوين اتى مبينا .... معنى به يكون الاسم أمكنا
أي: الصرف تنوين يبين كون الاسم المعرب خاليا من شبه الفعل، فيستحق بذلك أن يعبر عنه بالأمكن، أي الزائد في التمكين.
وعلامة هذا التنوين أن يلحق الاسم المعرب لغير مقابلة ولا تعويض. والاسم الداخل عليه هذا التنوين هو المنصرف.
[245]
واشتقاقه من الصريف، // يقال: صرف البعير بنابه، وصريفه بغنة كالتنوين، والعرب تقول، صرفت الاسم: إذا نونته، وقيل هو مأخوذ من الانصراف في جهات الحركات، ولذلك قال سيبويه: أجريته في معنى صرفته.
وقد فهم من بيان ما ينصرف من الأسماء بيان ما لا ينصرف، لأنه قد علم أن الاسم المعرب ينقسم إلى منصرف وغير منصرف، فإذا قيل: الاسم المنصرف ما يدخله التنوين الدال على الأمكنية، علم أن ما لا ينصرف هو الاسم المعرب، الذي لا يدخله ذلك التنوين. وفي هذا التعريف مسامحة: فإن من جملة ما لا يدخله التنوين، الدال على الأمكنية باب (مسلمات) قبل التسمية به، وليس من الممكن أن يقال: إنه غير منصرف، لما ستعرفه بعد.
واعلم أن المعتبر من شبه الفعل في منه الصرف هو كونه الاسم فيه إما فرعيتان مختلفتان مرجع إحداهما إلى اللفظ، ومرجع الاخرى إلى المعنى، وإما فرعية تقوم مقام الفرعيتين، وذلك لأن في الفعل فرعية على الاسم في اللفظ، وهي اشتقاقه من المصدر، وفرعية في المعنى، وهي احتياجه إلى الفاعل ونسبته إليه، والفاعل لا يكون إلا اسما فالاسم من هذا الوجه أصل للفعل لاحتياجه إليه، فالفعل إذا من هذا الوجه فرع عليه، فلا يكمل شبه الاسم بالفعل بحيث يحمل عليه في الحكم، إلا إذا كانت فيه الفرعية، كما في الفعل.
ومن ثم صرف من الأسماء ما جاء على الأصل كالمفرد الجامد النكرة، كرجل وفرس، لأنه خفف فاحتمل زيادة التنوين وألحق به ما فرعية اللفظ والمعنى فيه من جهة واحدة كـ (دريهم) وما تعددت فرعيته من جهة اللفظ كـ (أجيمال) أو من جهة المعنى، كـ (حائض وطامث) لأنه لم يصر بتلك الفرعية كامل الشبه بالفعل. ولم يصرف نحو:(أحمد) لأن فيه فرعيتين مختلفتين مرجع إحداهما اللفظ، وهي وزن الفعل، ومرجع الأخر المعنى وهي التعريف، فلما كمل شبهه بالفعل ثقل فيه ما يثقل في الفعل، فلم يدخله التنوين، وكان في موضع الجر مفتوحا.
جميع ما لا ينصرف اثنا عشر نوعا: خمسة لا تنصرف مع أنها نكرة، وهي: ما فيه ألف التأنيث كـ (حلبى وصحراء) وما فيه الوصفية، مع وزن (فعلان) غير صالح للهاء، كـ (سكران) أو مع وزن (أفعل) غير صالح للهاء أيضا، كـ (أحمر) أو مع العدل كـ (ثلاث) وما وازن (مفاعل أو مفاعيل) بلفظ لم يغير كـ (دراهم ودنانير).
وسبعة لا تنصرف في المعرفة وهي: ما فيه العلمية مع التركيب كـ (بعلبك) أو زيادة الألف والنون كـ (مروان) أو التأنيث كـ (طلحة وزينب) أو العجمة كـ (إبراهيم) أو وزن الفعل كـ (يزيد ويشكر) أو زيادة ألف الإلحاق كـ (أرطى) علما أو العدل كـ (عمر).
[246]
ولما أخذ في بيان هذه الموانع بشروطها قال//:
650 -
فألف التأنيث مطلقا منع .... صرف الذي حواه كيفما وقع
ألف التأنيث مطلقا أي: سواء كانت مقصورة، أو ممدودة تمنع صرف ما هي فيه، كيفما وقع، من كونه نكرة أو معرفة، وكونه مفردا أو جمعا، اسما أو صفة كـ (ذكرى وحجلى وسكرى ومرضى ورضوى)، وكـ (صحراء وأشياء وحمراء وأصدقاء وزكرياء). فهذا، ونحوه لا ينصرف البتة، لأن فيه ألف التأنيث.
وإنما كانت وحدها سببا مانعا من الصرف، لأنها زيادة لازمة لبناء ما هي فيه، ولم تلحقه إلا باعتبار تأنيث معناه: تحقيقا أو تقديرا.
ففي المؤنث بها فرعية في اللفظ، وهي لزوم الزيادة، حتى كأنها من أصول الاسم، فإنه لا يصح انفكاكها عنه، وفرعية في المعنى، وهي دلالته على التأنيث، ولا شبهة أنه فرع على التذكير، لاندراج كل مؤنث تحت مذكر من غير عكس. فلما اجتمع في المؤنث بالألف الفرعيتان أشبه الفعل فمنع من الصرف.
فإن قلت: لم انصرف نحو قائمة وقاعدة، وهلا كانت الهاء فيه بمنزلة الألف؟
قلت: لأنها زيادة عارضة، وهي في تقدير الانفصال، إلا في مواضع قليلة نحو:(شقاوة وعرقوة) فلم يكن لها من اللزوم ما كان للألف فلم يعتد بها.
651 -
وزائدا في وصف سلم .... من أن يرى بتاء تأنيث ختم
أي: ويمنع صرف الاسم أيضا الألف والنون المزيدتان في مثال (فعلان) والمؤنث منه على وزن (فعلى) نحو: سكرى وعطشى وغضبى.
وإنما كان كذلك فيه مانعا لتحقق الفرعيتين به، أعني: فرعية المعنى وفرعية اللفظ.
أما فرعية المعنى فلأن فيه الوصفية، وهي فرع على الجمود، لأن الصفة تحتاج إلى موصوف ينسب معناها إليه، والجامد لا يحتاج إلى ذلك.
وأما فرعية اللفظ، فلأن فيه الزيادتين المضارعتين لألفي التأنيث، من نحو:(حمراء) في أنهما في بناء يخص المذكر، كما أن ألفي (حمراء) في بناء يخص المؤنث، وأنهما لا تلحقهما التاء، فلا يقال:(سكرانة) كما لا يقال: (حمراءة) مع أن الأول من كل الزيادتين ألف، والثاني حرف يعبر به عن المتكلم في (أفعل وتفعل) ويبدل أحدهما من صاحبه، نحو:(صنعاني وبهرائي) في النسبة إلى صنعاء وبهراء. فلما اجتمع في (فعلان) المذكور الفرعيتان امتنع من الصرف.
فإن قلت: لم لم تكن الوصفية في (فعلان) وحدها مانعة من الصرف، فإن في الصفة فرعية في المعنى كما ذكرتم وفرعية في اللفظ، وهي الاشتقاق في المصدر؟
[247]
قلت: لأنا رأيناهم صرفوا نحو (عالم وشريف) مع تحقق الوصفية// فيه، وما ذاك إلا لضعف فرعية اللفظ في الصفة، لأنها كالمصدر في البقاء على الاسمية والتنكير، ولم يخرجها الاشتقاق إلى أكثر من نسبة معنى الحدث فيها إلى الموصوف، والمصدر بالجملة صالح لذلك، كما (رجل عدل) و (درهم ضرب الأمير) فلم يكن اشتقاقها من المصدر مبعدا لها عن معناه، فكان كالمفقود، فلم يؤثر.
فإن قلت: فقد رأينا بعض ما هو صفة على (فعلان) مصروفا كـ (ندمان وسيفان وإليان) فم لم تجروه مجرى سكران؟
قلت: لأن فرعية اللفظ فيها أيضا ضعيفة، من قبل أن الزيادة فيه لا تخص المذكر وتلحقه التاء في المؤنث، نحو: ندمانة وسيفانة وإليانة، فأشبهت الزيادة فيه بعض الحروف الأصول في لزومها في حالتي التذكير والتأنيث، وقبول علامته، فلم يعتد بها.
ويشهد لذلك أن قوما من العرب وهم بنو أسد يصرفون كل صفة على (فعلان) لأنهم يؤنثونه بالتاء، ويستغنون فيه (فعلانة) عن (فعلى) فيقولون: سكرانة وغضبانة وعطشانة، فلم تكن الزيادة عندهم في (فعلان) شبيهة بألفي حمراء، فلم تمنع من الصرف.
واعلم أن ما كان صفة على (فعلان) فلا خلاف في منع صرفه إن كان له مؤنث على (فعلى) ولا في صرفه، إن كان له مؤنث على (فعلانة).
وأما ما لا مؤنث له أصلا كـ (لحيان) فبين النحويين فيه خلاف:
فمن ذاهب إلى أنه مصروف، لانتفاء (فعلى) فلم يكمل فيه شبه الزيادة بألفي التأنيث، إ لم يصدق عليه أن بناء مذكره على غير بناء مؤنثه.
ومن ذاهب إلى أنه ممنوع من الصرف، لانتفاء (فعلانة) وهو المختار، لأنه وإن لم يكن له (فعلى) وجودا فله (فعلى) تقديرا، لانا لو فرضنا له مؤنثا لكان (فعلى) أولى به من (فعلانة) لأنه الأكثر، والتقدير في حكم الوجود بدليل الإجماع على منع صرف نحو:(أكمر وآدر) مع أنه لا مؤنث له.
وحكي أن من العرب من يصرف (لحيان) حملوه على (ندمان وسيفان) على أنه لو كان له مؤنث لكان بالتاء.
652 -
ووصف أصلي ووزن أفعلا .... ممنوع تأنيث بتا كأشهلا
653 -
وألغين عارض الوصفية .... كأربع وعارض الاسمية
654 -
فالأدهم القيد لكونه وضع .... في الأصل وصفا انصرافه منع
655 -
وأجدل وأخيل وأفعى .... مصروفة وقد ينلن المنعا
مما يمنع من الصرف أن تكون الكلمة وصفا أصليا على وزن (أفعل) بشرط ألا تلحقه تاء التأنيث نحو: (أشهل وأحمر وأفضل من زيد).
[248]
فهذا ونحوه لا ينصرف لأنه كما ترى صفة// على وزن (أفعل) والمؤنث منه على (فعلاء) أو (فعلى) نحو: (شهلاء وحمراء والفضلى) وليست الوصفية فيه عارضة عروضها في نحو: مررت برجل أرنب، بمعنى: ذليل، وإنما لم ينصرف ما كان وصفا أصليا، على وزن (أفعل) لأن فيه فرعية المعنى بكونه صفة، وفرعية اللفظ بكونه على وزن الفعل به أولى من قبل أن (أفعل) أوله زيادة تدل على معنى في الفعل دون الاسم، وما زيادته لمعنى أصل لما زيادته لغير معنى.
وإنما اشترط ألا تلحقه تاء التأنيث لأن ما تلحقه من الصفات كـ (أرمل) وهو الفقير، و (أباتر) وهو: القاطع رحمه، و (أدابر) وهو: الذي لا يقبل نصحا، في قولهم:
امرأة أرملة وأباترة وأدابرة ضعيف بفظ الفعل المضارع، لأن تاء التأنيث لا تلحقه، بخلاف ما لا مؤنث له كـ (آدر وأكمر) وما مؤنثه على غير بناء مذكره كـ (أشهل) ومن ذلك:(أحمر وأصفر) فإنه لا ينصرف لأنه صفة لا تلحقه التاء، وهو على وزن الفعل كـ (أبيطر).
وأما (أربع) من قولهم: (مررت بنسوة أربع) فهو أحق بالصرف من (أرمل) لأن فيه مع قبول تاء التأنيث كونه عارض الوصفية، ولعدم الاعتداد بالعارض لم يؤثر عروض الاسمية فيما أصله الوصفية كقولهم:(أدهم) للقيد، فإنهم لم يصرفوه، وإن كان قد خرج إلى الاسمية نظرا إلى كونه صفة في الأصل.
وأما قولهم (أجدل): للصقر، و (أخيل): لطائر ذي خيلان، و (أفعى): ضرب من الحيات، فأكثر العرب يصرفونه لأنه مجرد عن الوصفية في أصل الوضع. ومنهم من لم يصفه، لأنه لاحظ فيه معنى الوصفية، وهي في (أفعى) أبعد منه في أجدل وأخيل، لأنهما مأخوذان من الجد وهو الشدة، ومن المخيول وهو الكثير الخيلان.
وأما (أفعى) فلا مادة له في الاشتقاق، ولكن ذكره يقارن تصور إيذائها، فأشبهت المشتق، وجرت مجراه على هذه اللغة.
ومما استعمل فيه (أجدل وأخيل) غير مصروفين قول الشاعر: [من الطويل]
585 -
كأن العقيليين يوم لقيتهم .... فراخ القطا لاقين أجدل يازيا
وقول الآخر: [من الطويل]
586 -
ذريني وعلمي بالأمور وشيمتي .... فما طائري يوما عليك بأخيلا
وكما شذ الاعتداد بعروض الوصفية في (أجدل وأختل وأفعى) كذلك شذ الاعتداد بعروض الاسمية في (أبطح) فصرفه بعض العرب، واللغة المشهورة منعه من الصرف.
656 -
ومنع عدل مع وصف معتبر .... في لفظ مثنى ثلاث وأخر
657 -
ووزن مثنى وثلاث كهما .... من واحد لأربع فليعلما
[249]
// مما يمنع من الصرف اجتماع العدل والوصف، وذلك في موضعين: أحدهما: المعدول في العدد. والثاني: (أخر) المقابل لآخرين.
فالمعدول في العدد سماعا موازن (فعال) من واحد واثنين وثلاثة وأربعة وعشرة، وموازن (مفعل) منها ومن خمسة نحو: أحاد وموحد وثناء ومثنى وثلاث ومثلث ورباع ومربع وخماس ومخمس وعشار ومعشر. وأقل هذه الأمثلة استعمالا الثلاثة الأواخر، ولذلك لم ينبه عليها، إنما نبه على ما قبلها بقوله:
ووزن مثنى وثلاث وكهما .... من واحد لأربع ............
أي: إلى أربع.
فعلم أن الألفاظ الأربعة يبنى منها للعدل مثال (فعال ومفعل).
وأجاز الكوفيون والزجاج: قاسيا على ما سمع: (خماس ومخمس وسداس ومسدس وسباع ومسبع وثمان وتساع ومتسع).
ولم يرد ما سمع من ذلك إلا نكرة، ولم يقع إلا خبرا، كقوله صلى الله عليه وسلم:(صلاة الليل مثنى مثنى)، أو حالا كقوله تعالى:} فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} [النساء/ 3]، أو نعتا كقوله تعالى:{أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} [فاطر/ 1] ومثل ذلك عند سيبويه قول الشاعر: [من الطويل]
587 -
ولكنما أهلي بواد أنسه .... ذئاب تبغى الناس مثنى وموحد
ولك أن تحمله على معنى بعضها مثنى وبعضها موحد.
والمانع من صرف الأعداد المذكورة الوصفية والعدل عن واحد واحد، واثنين اثنين وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، وخمسة خمسة، وعشرة عشرة، بدليل أنها تغير فائدة التكرار.
والمراد بالعدل: تغيير اللفظ بدون تغيير المعنى ولذلك صرف نحو: (ضروب، وشراب ومنحار) لأنها وإن كانت صفات محولة من فاعل فهي غير معدولة، لأنها انتقلت بالتحويل إلى معنى المبالغة والتكثير.
فإن قلت/ فهلا منع صرف (فعيل) بمعنى (مفعول) نحو: جريح وذبيح قلت: لأنه قبل النقل من (مفعول) كان يقبل معناه الشدة والضعف، وبعد النقل إلى (فعيل) لم يصلح إلا حيث يكون معنى الحدث فيه أشد، ألا ترى من أصيب في أنملته بمدية يسمى (مجروحا) ولا يسمى (جريحا)، فلما كان النقل مخرجا له عما كان يصلح له قبل لم يكن عدلا، لأنه يتغير اللفظ بتغيير المعنى، فلم يستحق المنع من الصرف. على أنا نمنع أن (فعيلا) بمعنى (مفعول) مأخوذ من فظ المفعول على وجه العدول، بل مما أخذ المفعول منه.
وذهب الزجاج إلى أن المانع من الصرف في (أحاد وأخواته) العدل في اللفظ والمعنى.
أما في اللفظ: فظاهر.
وأما في المعنى: فلكونها تغيرت عن مفهومها في الأصل إلى إفادة معنى التضعيف. وهذا فاسد من وجهين.
أحدهما: أن (أحاد) مثلا لو كان المانع من صرفه عدله عن لفظ واحد، ومن [250] معناه إلى معنى التضعيف للزم أحد الامرين، وهو إما منع صرف كل اسم// مغير عن أصله لتجدد معنى فيه، كأبنية المبالغة وأسماء الجموع، وإما ترجيح أحد المتساويين على الآخر، واللازم منتف باتفاق.
والثاني: أن كل ممنوع من الصرف فلا بد أن يكون فيه فرعية في اللفظ، وفرعية في المعنى، ومن شرطها أن تكون من غير جهة فرعية اللفظ، ليكمل بذلك الشبه بالفعل، ولا يتأتى ذلك في (أحاد) إلا أن تكون فرعيته في اللفظ بعدله عن واحد المتضمن معنى التكرار، وفي المعنى بلزومه الوصفية، وكذا القول في أخواته فاعرفه.
وأما (أخر) المعدول فهو المقابل لـ (آخرين) وهو جمع (أخرى) أنثى آخر، لا جمع (أخرى) بمعنى آخرة، كالتي في قوله تعالى:{وقالت أولاهم لأخراهم} [الأعراف/ 39] فإن هذه تجمع على أخر: مصروفا، لأنه غير معدول. ذكر ذلك الفراء.
والفرق بين (أخرى وأخرى): أن التي هي أنثى (آخر) لا تدل على انتهاء، كما لا يدل عليه مذكرها، فذلك يعطف عليها مثلها من صنف واحد، كقولك: عندي رجل وآخر وأخر، وعندي امرأة وأخرى وأخرى، وليس كذلك بمعنى آخرة، بل تدل على الانتهاء، كما يدل عليه مذكرها، ولذلك لا يعطف عليها مثلها من صنف واحد.
وإذا عرفت هذا فتقول: المانع من صرف (أخر) المقابل لآخرين الوصفية والعدل. أما الوصفية فظاهرة، وأما العدل فلأنه غير عما كان يستحقه من استعماله بلفظ ما للواحد المذكر بدون تغيير معناه. وذلك أن (آخر) من باب (أفعل) التفضيل، فحقه أن لا يثنى ولا يجمع، ولا يؤنث إلا مع الألف واللام، أو الإضافة، فعدل في تجرده منها، واستعماله لغير الواحد المذكر عن لفظ آخر إلى لفظ التثنية والجمع والتأنيث، بحسب ما يراد به من المعنى فقيل: عندي رجلان آخران ورجال آخرون، وامرأة أخرى، ونساء أخر.
فكل هذه الأمثلة صفة معدولة عن (آخر) إلا أنه لم يظهر أثر الوصفية والعدل إلا في (أخر) لأنه معرب بالحركات بخلاف آخران وآخرون، وليس فيه ما يمنع من الصرف غيرهما، بخلاف (أخرى). فلذلك خص بنسبة اجتماع الوصفية والعدل إليه، إحالة منع الصرف عليه.
وقد ظهر مما ذكرنا أن المانع من صرف (أخر) كونه صفة معدولة عن (آخر) مرادا به جمع المؤنث، ولو سمي به بقي على منعه من الصرف للعملية والعدل عن مثال إلى مثال.
658 -
وكن لجمع مشبه متفاعلا .... أو المفاعيل بمنع كافلا
659 -
وذا اعتلال منه كالجواري .... رفعا وجرا أجره ساري
660 -
ولسراويل بهذا الجمع .... شبه اقتضى عموم المنع [251] //
661 -
وإن به سمي أو بما لحق .... به فالانصراف منعه يحق
مما يمنع من الصرف الجمع المشبه (مفاعل أو مفاعيل) في كون أوله حرفا مفتوحا، وثالثه ألفا غير عوض، يليها كسر غير عارض ملفوظ به، أو مقدر على أول حرفين بعدها كـ (مساجد ودراهم وكواعب ومدارى ودواب) أصلهما: مداري ودوايب، أو ثلاثة أوسطها ساكن غير منوي به، وبما بعده الانفصال كـ (مصابيح ودنانير) فإن الجمع متى كان بهذه الصفة كان فيه فرعية في اللفظ، بخروجه عن صيغ الآحاد العربية، وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية، فاستحق المنع من الصرف.
وإنما قلت: إن هذا الجمع خارج عن صيغ الآحاد العربية لأنك لا تجد مفردا ثالثه ألف بعدها حرفان أو ثلاثة إلا وأوله مضموم كعذافر، أو الألف عوض عن إحدى ياءي النسب كـ (يمان وشام)، أو ما يلي الألف ساكن كـ (عبال) جمع عبالة، يقال:(ألقى عليه عبالته) أي ثقله، أو مفتوح كـ (براكاء)، أو مضموم كـ (تدارك)، أو عارض الكسر لأجل اعتلال الآخر كـ (توان وتدان)، أو ثاني الثلاثة محرك كطواعية وكراهية.
ومن ثم صرف نحو: ملائكة وصياقلة، أو هو والثالث عارضان للنسب، منوي بهما الانفصال. وضابطه أن لا يسبقا الألف في الوجود سواء كانا مسبوقين بها كرياحي وظفاري، أو غير منفكين عنها كحواري وهو الناصر، وحوالي وهو المحتال، بخلاف نحو: قماري وبخاتي، فإنه بمنزلة مصابيح.
وقد ظهر من هذا أن رنة: (مفاعل ومفاعيل) ليست إلا لجمع أو منقول من جمع. فلذلك اعتبرت فرعيتهما على زنة الآحاد، وأثرت في منع الصرف.
ولاختصاص الزنتين بالجمع لم يشبهوا شيئا مما جاء عليهما بالآحاد، ولم يكسروه وإن كانوا كسروا غيره من أبنية الجموع كأقوال وأقاويل وأكلب وأصل وآصال.
فإن قلت: قد ذكرت أن المعتبر في الزنة المانعة كون الألف غير عوض، فلم امتنع من الصرف ثمان، كما في قول الشاعر:[من الكامل]
588 -
يحدو ثماني مولعا بلقاحها .... حتى هممن بزيغة الإرتاج
قلت: لأنه سبه بـ (دراهم) لكونه جمعا في المعنى، وليس هو على النسب حقيقة، فكأن الألف فيه غير عوض، على أنه نادر، والمعروف فيه الصرف نحو: رأيت ثمانيا، على حد: يمانيا.
فإن قلت: إن كان المانع من صرف مثال (مفاعل ومفاعيل) عدم النظير في الآحاد، فلم صرفوا من الجموع ما جاء على (أفعل وأفعال وأفعلة)، كـ (أفلس وأفراس وأسلحة).
قلت: لأن لها نظائر في الآحاد، أي أمثلة، توازنها في الهيئة وعدة الحروف: فـ (أفعل) نظيره في فتح أوله، وضم ثالثه (تفعيل) نحو: تنضب وتنقل، و (مفعل) نحو:[252] مكرم ومهلك، و (أفعال) نظيره في فتح// أوله، زيادة ألف رابعة صلصال وخزعال، و (أفعلة) نظيره في فتح أوله وكسر ثالثه، وزيادة هاء التأنيث في آخره (تفعلة) نحو: تذكرة وتبصرة، و (مفعلة) نحو محمدة ومعذرة.
فلما كان لهذه الأمثلة نظائر في الآحاد بالمعنى المذكور فارقت باب (مفاعل ومفاعيل) فلم يلزمها حكمها فصرفت وكسرت، نحو: أكلب وأكاليب، وإنعام وأناعيم، وآنية وأوان.
وإذ قد عرفت هذا فاعلم أن موازن (مفاعل) من المعتل الآخر على ضربين. أحدهما: تبدل فيه الكسرة فتحة وما بعدها ألفا، ويجري مجرى الصحيح فلا ينون بحال، وذلك نحو: مدارى وعذارى وصحارى.
والآخر: تقر فيه الكسرة، ويلزم آخره لفظ الياء، فإن خلا من الألف واللام والإضافة جرى في الرفع والجر مجرى (سار) في التنوين وحذف الياء، نحو: هؤلاء جوار، ومررت بجوار، وفي النصب مجرى (دراهم) في فتح آخره من غير تنوين نحو: رأيت جواري.
وسبب ذلك: أن في آخر نحو: (جوار) مزيد ثقل، لكونه ياء في آخر اسم لا ينصرف، فإذا أعل في الرفع والجر بتقدير إعرابه استثقالا للذمة والفتحة النائبة عن الكسرة على الياء المكسور ما قبلها، وخلا ما هي فيه من الألف واللام والإضافة تطرق إليه التغيير، وأمكن في التخفيف بالحذف مع التعويض، فخفف بحذف الياء، وعوض عنها بالتنوين، لئلا يكون في اللفظ إخلال بصيغة الجمع، ولم يخفف في النصب لعدم تطرق التغيير، ولا مع الألف واللام والإضافة، لعدم التمكن من التعويض.
وذهب الأخفش: إلى أن الياء لما حذفن تخفيفا بقي الاسم في اللفظ كـ (جناح) وزالت صيغة منتهى الجموع فدخله تنوين الصرف.
ويرد عليه: أن المحذوف في قوة الموجود، وإلا كان آخر ما بقي حرف إعراب، واللازم كما لا يخفى منتصفٍ.
وذهب الزجاج: إلى أن التنوين عوض من ذهاب الحركة على الياء، وأن الياء محذوفة لالتقاء الساكنين، وهو ضعيف، لأنه لو صح التعويض عن حركة الياء لكان التعويض عن حركة الألف، في نحو:(عيسى وموسى) أولى، لأنها لا تظهر فيه بحال، واللازم منتف، فالملزوم كذلك.
وذهب المبرد: إلى أن فيما لا ينصرف تنوينا مقدرا بدليل الرجوع إليه في الشعر، فحكموا له في (جوار) ونحوه بحكم الموجود، وحذفوا الياء لأجله في الرفع والجر، لتوهم التقاء الساكنين، ثم عوضوا عما حذف بالتنوين الظاهر، وهو بعيد، لأن الحذف لملاقاة ساكن متوهم الوجود مما لم يوجد له نظير، ولا يحسن ارتكاب مثله قوله:
ولسراويل بهذا الجمع
…
............................
(البيت).
يعني أن (سراويل) اسم مفرد أعجمي جاء على مثال (مفاعيل) فشبهوه به، [253] ومنعوه من الصرف وجها واحدا، خلافا لمن زعم أن فيه وجهين: // الصرف ومنعه.
وإلى التنبيه على هذا الخلاف أشار بقوله:
0000000000000000000000 -
شبه اقتضى عموم المنع
أي عموم منع الصرف في جميع الاستعمال، خلافا لمن زعم غير ذلك.
ومن النحويين من زعم أن (سراويل) جمع (سروالة) سمي به المفرد، وأنشد:
[من المتقارب]
589 -
عليه من اللؤم سروالة
…
فليس يرق لمستعطف
وقيل: هو مصنوع على العرب لا حجة فيه.
قوله:
وإن به سمي .......
…
...........
(البيت). يعني أن ما سمي به من مثال (مفاعل أو مفاعيل) فحقه منع الصرف، سواء كان منقولا عن جمع محقق كـ (مساجد): اسم رجل، أو مقدر كـ (شراحيل). والعلة في منع صرفه، ما فيه من الصيغة، مع أصالة الجمعية، أو قيام العملية مقامها. فلو طرأ تنكيره انصرف على مقتضى التعليل الثاني، دون الأول.
662 -
والعلم امنع صرفه مركبا
…
تركيب مزج نحو معدي كربا
لما فرغ من ذكر ما لا ينصرف في النكرة أخذ في بيان ذكر ما لا ينصرف في المعرفة.
فمن ذلك: العلم المركب تركيب المزج، نحو:(بعلبك وحضرموت ومعدي كرب) فإنه لا ينصرف: لاجتماع فرعية المعنى بالعلمية، وفرعية اللفظ بالتركيب.
والمراد بتركيب المزج: أن يجعل الاسمان اسما واحدا، لا بإضافة ولا بإسناد، بل بتنزيل عجزه من الصدر منزلة تاء التأنيث. ولذلك التزم فيه فتح آخر الصدر، إلا إذا كان معتلا، فإنه يسكن، نحو: معدي كرب، لأن ثقل التركيب أشد من ثقل التأنيث، فناسب أن يخص بمزيد التخفيف، فسكنوا ما كان منع معتلا، وإن كان نظيره من المؤنث يفتح نحو: رامية وغازية.
وقد يضاف صدر المركب إلى عجزه، فيعربان: يعرب صدره بما يقضيه العامل، ويعرب عجزه بالجر للإضافة.
فإن كان فيه مع العلمية سبب من أسباب منع الصرف كالعجمة في هرمز من: (رام هرمز) امتنع من الصرف، وإلا كان مصروفا كقولك: هذه حضرموت، ورأيت حضرموت، ومررت بحضرموت، وهذا معدي كرب، ورأيت معدي كرب، ومررت بمعدي كرب.
ومن العرب من يقول: هذا معدي كرب، يمنعه من الصرف لأنه عنده مؤنث.
663 -
كذاك حاوي زائدي فعلانا كغطفان وكأصبهانا
كل علم في آخره ألف ونون مزيدتان، على أي وزن كان، فإنه لا ينصرف للتعريف والزيادتين المضارعتين لألف التأنيث، وذلك نحو: مروان وعثمان وغطفان، [254] وأصبهان. //
664 -
كذا مؤنث بهاء مطلقا
…
وشرط منع العار كونه ارتقى
665 -
فوق الثلاث أو كجور أو سقر
…
أو زيد اسم امرأة لا اسم ذكر
666 -
وجهان في العادم تذكيرا سبق
…
وعجمة كهند والمنع أحق
مما يمنع من الصرف: اجتماع العلمية والتأنيث بالتاء لفظا أو تقديرا.
أما لفظا فنحو، طلحة وحمزة، وإنما لم يصرفوه، لوجود العلمية في معناه، ولزوم علامة التأنيث في لفظه، فإن العلم المؤنث لا تفارقه العلامة، فالتاء فيه بمنزلة الألف في نحو:(حبلى وصحراء) فأثرت في منع الصرف، بخلاف التاء في الصفة.
وأما تقديرا: ففي المؤنث المسمى في الحال كـ (سعاد وزينب) أو في الأصل كـ (عناق): اسم رجل، أقاموا في ذلك كله تقدير العلامة مقام ظهورها.
ثم العلم المؤنث المعين على ضربين:
أحدهما: يتحتم فيه منع الصرف وهو ما كان زائدا على ثلاثة أحرف كـ (سعاد) نزل الحرف الرابع منه منزلة هاء التأنيث، أو ثلاثيا متحرك الوسط كـ (سفر) لأنه أقيم فيه حركة الوسط مقام الحرف الرابع، أو ثلاثيا ساكن الوسط وهو أعجمي كـ (ماه وجور) في اسمي بلدتين، أو مذكر الأصل كـ (زيد): اسم امرأة، لأنه حصل له بنقله من التذكير إلى التأنيث ثقل، عادل خفة اللفظ. وعند عيسى بن عمر والجرامي والمبرد: أن المذكر الأصل ذو وجهين.
الضرب الثاني: يجوز فيه الصرف وتركه، وهو الثلاثي المسكن الوسط، غير أعجمي ولا مذكر الأصل كـ (هند ودعد).
فمن صرفه نظر إلى خفة اللفظ، وأنها قد قاومت أحد السببين، ومن لم يصرفه وهو المختار نظر إلى وجود السببين بالجملة، وهما: العلمية والتأنيث. وحكى السيرافي عن الزجاج وجوب صرفه.
667 -
والعجمي الوضع والتعريف مع
…
زيد على الثلاث صرفه امتنع
مما لا ينصرف: ما فيه فرعية المعنى بالعلمية وفرعية اللفظ بكونه من الأوضاع العجمية، لكن بشرطين:
أحدهما: أن يكون عجمي العلمية، نحو (إبراهيم وإسماعيل) فلو كان عربي العلمية كـ (لجام): اسم رجل، انصرف لأنه قد تصرف فيه بنقله عما وضعته العجم له، فألحق بالأمثلة العربية.
الثاني: أن يكون زائدًا على ثلاثة أحرف، فلو كان ثلاثيًا ضعف فيه فرعية اللفظ بمجيئه على أصل ما تبنى عليه الآحاد العربية، وصرف نحو:(نوح ولوط) ولا فرق في ذلك بين الساكن الوسط والمتحرك.
ومنهم من زعم أن الثلاثي الساكن الوسط ذو وجهين، والمتحرك الوسط متحتم [255] المنع، وهو رأي لا معول عليه، لأن استعمال العرب بخلافه، ولأن // العجمة أضعف من التأنيث لأنها متوهمة، والتأنيث ملفوظ به غالبًا، فلا يلزمها حكمه.
668 -
كذاك ذو وزن يخص الفعلا
…
أو غالب كأحمد ويعلى
مما يمنع الصرف: اجتماع العلمية ووزن الفعل الخاص به أو الغالب فيه، بشرط كونه لازمًا، غير مغير إلى مثال، هو للاسم، وذلك نحو:(أحمد ويعلى ويزيد ويشكر).
والمراد بالوزن الخاص بالفعل ما لا يوجد دون نذور في غير فعل أو علم أو أعجمي.
فالنادر نحو: (دئل) لدويبة، و (ينجلب) لخرزة، و (تبشر) لطائر، والعلم نحو:(خضم): لرجل، و (شمر): لفرس، والأعجمي نحو:(بقم) و (إستبرق) فلا يمنع وجدان هذه الأمثلة اختصاص أوزانها بالفعل، لأن النادر والأعجمي لا حكم لهما، ولأن العلم منقول من فعل، فالاختصاص فيه باق.
والمراد بالوزن الغالب ما كان الفعل به أولى، إما لكثرته فيه كـ (إثمد) و (إصبع) و (أبلم) فإن أوزانها تقل في الاسم، وتكثر في الأمر من الثلاثي، وإما لأن أوله زيادة تدل على معنى في الفعل، ولا تدل على معنى في الاسم كـ (أفكل) و (أكلب) فإن نظائرهما تكثر في الأسماء والأفعال، لكن الهمزة في (أفعل وأفعل) تدل على معنى في الفعل، ولا تدل على معنى في الاسم، وما هي فيه دالة على معنى أصل لما لم تدل فيه على معنى.
واشترط في وزن الفعل كونه لازمًا، لأن نحو (امرؤ) لو سمي به انصرف، لأن عينه تتبع حركة لامه، فهو وإن لم يخرج بذلك عن وزن الفعل مخالف له في الاستعمال، إذ الفعل لا إتباع فيه، فلم يعتبر في امرؤ الموازنة، ولم يجز فيه إلا الصرف.
واشترط أيضًا كون الوزن غير مغير إلى مثال هو للاسم، لأن نحو:(رد وقيلأ) لو سمي بهما انصرفا لأنهما وإن كان أصلهما: ردد وقول، قد خرجا بالإعلال والإدغام إلى مشابهة برد وعلم، فلم يعتبر فيهما الوزن الأصلي والتغيير العارض عند سيبويه كاللازم.
فلو سميت بـ (ضرب) مخفف ضرب، أو بـ (يعقر) مضموم الياء إتباعًا انصرف عنده، ولم ينصرف عند المبرد، لأن التغيير العارض عنده بمنزلة المفقود. ولو سميت رجلا بـ (ألبب) لم تصرفه، لأنه لم يخرج بالفك إلى وزن ليس للفعل. وحكى أبو عثمان عن أبي الحسن صرفه، لأنه باين الفعل بالفك.
ومتى سميت بفعل أوله همزة وصل قطعتها في التسمية، بخلاف ما إذا سميت باسم أوله همزة وصل، نحو:(اغتراب واقتراب واعتلاء) فإنك تبقي وصلها بعد التسمية، لأن المنقول من فعل قد بعد عن أصله، فيلحق بنظائره من الأسماء، ويحكم فيه بقطع الهمزة، كما هو القياس في الأسماء والمنقول من اسم لم يبعد عن أصله فلم يستحق [256] الخروج عما حوله، ولا يعتبر مع العلمية وزن الفعل حتى يكون خاصا به // أو غالبًا فيه كما سبق.
ولذلك لو سميت بـ (ضارب) أمرًا من ضارب يضارب صرفته لأنه على وزن الاسم به أولى، لأنه فيه أكثر، وكذا لو سميت بنحو: ضرب ودحرج، صرفته. وكان عيسى ابن عمر لا يصرف المنقول من فعل تمسكًا بنحو قول الشاعر:[من الوافر]
590 -
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
…
متى أضع العمامة تعرفوني
ولا حجة فيه لأنه محمول على إرادة: أنا ابن رجل جلا الأمور، وجربها. فـ (جلا) جملة من فعل وفاعل فهو محكي لا ممنوع من الصرف.
والذي يدل على صحة ذلك إجماع العربعلى صرف (كعسب) اسم رجل مع أنه منقول من (كعسب) إذا أسرع، والله أعلم.
669 -
وما يصير علمًا من ذي ألف
…
زيدت لإلحاق فليس ينصرف
ألف الإلحاق على ضربين: مقصورة كـ (علقي)، أو ممدودة كـ (علباء).
فما فيه ألف الإلحاق الممدودة لا يمنع من الصرف، سواء كان علمًا لمذكر، أو غير علم، وما فيه ألف الإلحاق المقصورة، إذا سمي به امتنع من الصرف للعلمية، وشبه ألفه بألف التأنيث في الزيادة، والموافقة لمثال ما هي فيه، فإن (علقى) على وزن (سكرى) و (عزهى) على وزن (ذكرى)، وشبه الشيء بالشيء كثيرًا ما يلحقه به كـ (حاميم) اسم رجل فإنه عند سيبويه ممنوع من الصرف لشبهه بـ (هابيل) في الوزن والامتناع من الألف واللام، وكـ (حمدون) فيما يراه أبو علي من أنه لا ينصرف للتعريف والعجمة، يعني شبه العجمة لمجيئه بالزيادة التي لا تكون للآحاد العربية، فلما أشبه الأعجمي عومل معاملته.
670 -
والعلم امنع صرفه إن عدلا
…
كفعل التوكيد أو كثعلا
671 -
والعدل والتعريف مانعا سحر
…
إذا به التعيين قصدًا يعتبر
يمنع من الصرف اجتماع التعريف والعدل في ثلاثة أشياء: أحدها: علم المذكر المعدول عن وزن (فاعل) إلى (فعل). الثاني: (جمع) المؤكد لجمع المؤنث وتوابعه. الثالث: (سحر) المراد به معين، و (أمس) في لغة بني تميم.
أما علم المذكر فنحو: (عمر وزفر وزحل) فهذا لا ينصرف لما فيه من العلمية والعدل عن: عامر وزافر وزاحل، ولولا ما فيه من العدل لكان مصروفًا كـ (أدد).
وطريق العلم بعدل نحو: (عمر) سماعه غير مصروف خاليًا من سائر الموانع، فيحكم عليه بالعدل، لئلا يلزم ترتيب الحكم على غير سبب.
وأما (جمع) فكقولك: مررت بالهندات كلهن جمع، فلا ينصرف للتعريف، والعدل.
أما التعريف: فلأنه مضاف في المعنى إلى ضمير المؤكد، وقد استغني بنية الإضافة [257] عن ظهورها، وصار (جمع) كالعلم في // كونه معرفة بغير قرينة لفظية، وأثر تعريفه في منع الصرف، كما تؤثر العلمية.
وأما العدل: فلأنه مغير عن صيغته الأصلية، وهي (جمعاوات) لأن (جمعاء) مؤنث أجمع، فكما جمع المذكر بالواو والنون، كذلك كان حق مؤنثه أن يجمع بالألف والتاء فلما جاؤوا به على (فعل) علم أنه معدول عما هو القياس فيه، وهو (جمعاوات). وقيل: هو معدول عن (جمع) على وزن (فعل) وقيل هو معدول عن (جماعي).
والصحيح ما قدمنا ذكره، لأنه (فعلاء) لا يجمع على (فعل) إلا إذا كان مؤنثًا لـ (أفعل) صفة كحمراء وصفراء، ولا على (فعالى) إلا إذا كان اسمًا محضًا، لا مذكر له كـ (صحراء وجمعاء) ليس كذلك.
ومثل (جمع) في منع الصرف للتعريف والعدل ما يتبعه من (كتع وبصع وبتع) وأما (سحر) فإذا أريد به سحر يوم بعينه عرف بالإضافة والألف واللام، كقولك: طاب سحر الليلة، وقمت عند السحر، ولا يعرى وهو معرفة عن أحدهما، إلا إذا كان ظرفًا، فيجوز حينئذ تجريده ممنوع الصرف، كقولك خرجت يوم الجمعة سحر، وكان الأصل فيه أن يذكر معرفًا بالألف واللام، وقصد به التعريف، فمنع من الصرف.
وزعم صدر الأفاضل: أن (سحر) المذكور مبني على الفتح لتضمنه معنى حرف التعريف. وهو باطل لوجوه:
أحدهما: أنه لو كان مبنيا لكان غير الفتح به أولى، لأنه في موضع نصب، فيجب اجتناب الفتح فيه، لئلا يوهم الإعراب، كما اجتنب في (قبل وبعد) والمنادي المفرد المعرفة.
الثاني: أن (سحر) لو كان مبنيا لكان جائز الإعراب جواز إعراب (حين) في قوله: [من الطويل]
591 -
على حين عاتبت المشيب على الصبا
…
وقلت ألما أصح والشيب وازع
لتساويهما في ضعف السبب المقتضي للبناء لكونه عارضًا.
الثالث: أن دعوى منع الصرف أسهل من دعوى البناء، لأنه أبعد عن الأصل، ودعوى الأسهل أرجح من دعوى غير الأسهل.
وإذا ثبت أن (سحر) غير مبني ثبت أنه غير متضمن معنى حرف التعريف، وإنما هو معدول عما فيه حرف التعريف ممنوع بذلك من الصرف.
والفرق بين التضمين والعدل: أن التضمين استعمال الكلمة في معناها الأصلي مزيدًا عليه معنى آخر، والعدل: تغيير صيغة اللفظ مع بقاء معناه. فـ (سحر) المذكور عندنا مغير عن لفظ (السحر) من غير تغيير لمعناه. وعند صدر الأفاضل وارد على صيغته الأصلية ومعناها مزيدًا عليه تضمن معنى حرف التعريف، وهو باطل بما قدمنا ذكره.
ولو نكر (سحر) انصرف كقوله تعالى: {نجيناهم بسحر. نعمة من عندنا} [القمر/ 34 - 35] وأما (أمس) فإذا أريد به اليوم الذي قبل يومك الذي أنت فيه، [258] فبنو تميم يعربونه ويمنعونه من الصرف للتعريف والعدل عما في الألف // واللام، وذلك في حال الرفع خاصة، فيقولون: ذهب أمس بما فيه. وفي النصب والجر ويبنونه على الكسر. وبعضهم يعربه مطلقا، ويمنعه من الصرف، وعلى ذلك قول الراجز:[من الرجز]
592 -
لقد رأيت عجبا مذ أمسا
…
عجائزًا مثل السعالي خمسا
وغير بني تميم يبنونه على الكسر في الإعراب كله، لأنه عندهم متضمن معنى الألف واللام. ولا خلاف في إعرابه إذا أضيف أو اقترن بحرف التعريف أو نكر أو صغر أو كسر.
وكل معدول سمي به فعدله باق إلا (سحر وأمس) عند بني تميم فإن عدلهما يزول بالتسمية، وليس في اللفظ تغيير يشعر بالنقل عن معدول، فينصرفان بخلاف غيرهما من المعدولات، فإن في لفظه ما يشعر بعد التسمية به أنه منقول من معدول، فيمنع من الصرف للتعريف والعدل.
ولا فرق في ذلك عند سيبويه بين العدد وغيره. وذهب الأخفش وأبو علي وابن برهان إلى صرف العدد المعدول إذا سمي به.
672 -
وابن على الكسر فعال علما
…
مؤنثا وهو نظير جشما
673 -
عند تميم واصرفن ما نكرا
…
من كل ما التعريف فيه أثرا
ما كان على (فعال) علمًا مؤنثًا، فللعرب فيه مذهبان:
فأهل الحجاز يبنونه على الكسر لشبهه بـ (نزال) في التعريف والتأنيث والعدل والزنة. وبنو تميم يعربون منه ما ليس آخره راء كـ (حذام وقطام ورقاش) ولا يصرفونه للعدل والتعريف، فيقولون: هذه حذام ورأيت حذام ومررت بحذام. وإلى هذا أشار بقوله:
............
…
...... وهو نظير جشما
عند تميم ......
…
...............
وأما ما آخره راء نحو (ظفار ووبار وسفار: اسم ماء، وحضار: اسم كوكب)، فيوافق فيه التميميون أهل الحجاز غالبًا، فيقولون: هذه ظفار ورأيت ظفار ومررت بظفار.
وقد يجريه بعضهم مجرى (حذام) كما في قوله: [من م. البسيط]
593 -
ألم تروا إرما وعادًا
…
أودى بها الليل والنهار
ومر دهر على وبار
…
فهلكت جهرة وبار
وقوله:
........ واصرفن ما نكرا
…
من كل ما التعريف فيه أثرا
يعني: أن كل ما منع صرفه موقوفًا على التعريف، إذا نكر انصرف لذهاب جزء السبب، وذلك فيما المانع من صرفه التعريف مع التأنيث بالهاء لفظًا أو تقديرًا، أو مع العجمة أو العدل في (فعل)، أو وزن الفعل في غير باب (أحمر)، أو مع التركيب، أو زيادة الألف والنون أو ألف الإلحاق، تقول:(رب طلحة وسعاد وإبراهيم وعمر ويزيد [259] وعمران وأرطى لقيتهم) فتصرف لذهاب // الموجب لمنع الصرف.
وما سوى ما ذكر مما لا ينصرف وهو معرفة، نحو ما فيه العلمية مع وزن الفعل في باب أحمر، أو مع صيغة منتهى الجموع، أو مع العدل في (أخر) وأسماء العدد، فإنه إذا نكر بقى على منع الصرف، لأنه كان قبل التعريف ممنوعًا من الصرف، فإذا طرأ عليه التنكير أشبه الحال التي كان عليها قبل التعريف.
فلو سميت رجلا بـ (أحمر) لم تصرفه للعملية ووزن الفعل، فلو نكرته لم تصرفه أيضًا لأصالة الوصفية، ووزن الفعل، وكذا لو سميت بـ (أفضل منك) فلو سميت فـ (أفضل) بغير (من) ثم نكرته صرفته، لأنه لا يشبه الحال التي كان عليها، إذا كان صفة.
وذهب الأخفش في حواشيه على الكتاب إلى صرف نحو (أحمر) بعد التنكير. ورجع عنه في كتابه الأوسط.
وذهب أيضا إلى صرف نحو (شراحيل) بعد التنكير، واحتج عليه بمنع صرف نحو (سراويل) مع أنه مفرد نكرة.
674 -
وما يكون منه منقوصًا ففي
…
إعرابه نهج جوار يقتفي
المنقوص: مما نظيره من الصحيح غير مصروف إن لم يكن علمًا فلا خلاف أنه يجري مجرى (قاض) في الرفع والجر، ومجرى (دراهم) في النصب، تقول: هذا أعيم ومررت بأعيم ورأيت أعيمي، كما تقول: هؤلاء جوار ومررت بجوار ورأيت جواري، وإن كان علمًا فهو كذلك، تقول في (قاض) اسم امرأة: هذه قاض ومررت بقاض ورأيت قاض.
وذهب يونس وعيسى بن عمر الكسائي إلى أن نحو: (قاض) اسم امرأة، يجري مجرى الصحيح في ترك تنوينه وجره بفتحة ظاهرة، فيقولون: هذه قاضي ورأيت قاضي ومررت بقاضي. واحتجوا بنحو قول الشاعر: [من الرجز]
594 -
قد عجبت مني ومن يعيليا
…
لما رأتني خلقا مقلوليا
وهو عند الخليل وسيبويه محمول على الضرورة.
675 -
ولا اضطرار أو تناسب صرف
…
ذو المنع والمصروف قد لا ينصرف
صرف الاسم المستحق لمنع الصرف جائز في الضرورة بلا خلاف. ومنع صرف المستحق للصرف مختلف في جوازه في الضرورة. فأجاز ذلك الكوفيون والأخفش وأبو علي، ومنعه غيرهم. والحاكم في ذلك استعمال العرب. قال الكميت:[من الوافر]
595 -
يرى الراؤون بالشفرات منها
…
وقود أبي حباحب والظبينا
وقال الأخطل: [من الكامل]
596 -
طلب الأزراق بالكتابئب إذ هوت
…
بشبيب غائلة النفوس غدور
[260]
// وقال ذو الإصبع: [من الهزج]
597 -
وممن ولدوا عامـ
…
ر ذو الطول وذو العرض
وقال الآخر: [من المتقارب]
598 -
فما كان حصن ولا حابس
…
يفوقان مرداس في مجمع
وقال الآخر: [من الطويل]
599 -
وقائلة ما بال دوسر بعدنا
…
صحا قلبه عن آل ليلى وعن هند
وأنشد ثعلب: [من الوافر]
600 -
أؤمل أن أعيش وأن يومي
…
بأول أو بأهون أو جبار
أو التالي دبار فإن أفته
…
فمؤنس أو عروبة أو شيار
ويجوز أن يصرف ما لا يستحق الصرف للتناسب، كقراءة نافع والكسائي قوله تعالى:{سلاسلا} [الإنسان/4] و {قواريرا} [الإنسان/15] وكقراءة الأعمش قوله تعالى: {ولا يغوثا ويعوقا} [نوح/33] فصرفهما ليناسبا قوله تعالى: {ودا وسواعا ونسرا} .