المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النكرة والمعرفة 52 - نكرة قابل أل مؤثرا … أو واقع - شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك

[بدر الدين ابن مالك]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌الكلام وما يتألف منه

- ‌المعرب والمبني

- ‌النكرة والمعرفة

- ‌العلم

- ‌اسم الإشارة

- ‌الموصول

- ‌المعرف بأداة التعريف

- ‌الابتداء

- ‌كان وأخواتها

- ‌فصل فيما ولا ولات وإن المشبهات بليس

- ‌أفعال المقاربة

- ‌إن وأخواتها

- ‌لا: التي لنفي الجنس

- ‌ ظن وأخواتها

- ‌أعلم وأرى

- ‌الفاعل

- ‌النائب عن الفاعل

- ‌اشتغال العامل عن المعمول

- ‌تعدي الفعل ولزومه

- ‌التنازع في العمل

- ‌المفعول المطلق

- ‌المفعول له

- ‌المفعول فيه ويسمى (ظرفاً)

- ‌المفعول معه

- ‌الاستثناء

- ‌الحال

- ‌التمييز

- ‌حروف الجر

- ‌الإضافة

- ‌المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌إعمال المصدر

- ‌إعمال اسم الفاعل

- ‌أبنية المصادر

- ‌أبنية أسماء الفاعلين والمفعولينوالصفات المشبهة لها

- ‌الصفة المشبهة باسم الفاعل

- ‌التعجب

- ‌نعم وبئسوما جرى مجراهما

- ‌أفعل التفضيل

- ‌النعت

- ‌التوكيد

- ‌العطف

- ‌عطف النسق

- ‌البدل

- ‌النداء

- ‌المنادى المضاف إلى ياء المتكلم

- ‌أسماء لازمت النداء

- ‌الاستغاثة

- ‌الندبة

- ‌الترخيم

- ‌الاختصاص

- ‌التحذير والإغراء

- ‌أسماء الأفعال والأصوات

- ‌نونا التوكيد

- ‌ما لا ينصرف

- ‌إعراب الفعل

- ‌عوامل الجزم

- ‌فصل لو

- ‌أما ولولا ولوما

- ‌ الإخبار بالذي والألف واللام

- ‌العدد

- ‌كم وكأين وكذا

- ‌الحكاية

- ‌التأنيث

- ‌المقصور والممدود

- ‌جمع التكسير

- ‌التصغير

- ‌النسب

- ‌الوقف

- ‌الإمالة

- ‌التصريف

- ‌فصل في زيادة همزة الوصل

- ‌الإدغام

الفصل: ‌ ‌النكرة والمعرفة 52 - نكرة قابل أل مؤثرا … أو واقع

‌النكرة والمعرفة

52 -

نكرة قابل أل مؤثرا

أو واقع موقع ما قد ذكرا

53 -

وغيره معرفة كهم وذي

وهند وابني والغلام والذي

الاسم على ضربين: معرفة ونكرة، وهي الأصل، لاندراج كل معرفة تحت كل نكرة من غير عكس.

والمعرفة منحصرة؛ بالاستقراء؛ في سبعة أقسام: ستة نبه عليها، وهي:

المضمر، نحو: هم وأنت، والعلم، نحو: زيد وهند، واسم الإشارة، نحو: ذا وذي، والموصول، نحو: الذي والتي، والمعرف بالألف واللام، نحو: الغلام والفرس، والمعرف بالإضافة، نحو: ابني وغلام زيدٍ. وواحد أهمله المصنف، وهو المعرف بالنداء، نحو: يا رجل.

فهذه السبعة هي المعارف، وما عداها من الأسماء فنكرة. وقد ضبط النكرة بقوله:

نكرة قابل أل مؤثرا

.......................

يعني: أن النكرة ما تقبل التعريف بالألف واللام، أو تكون بمعنى ما يقبله، فالأول: كرجل وفرس، فإنه يدخل عليهما الألف واللام للتعريف، نحو: الرجل والفرس، والثاني (ذو) بمعنى صاحب، فإنه نكرة، وإن لم يقبل التعريف بالألف واللام، فهو في معنى ما يقبله، وهو صاحب.

واحترز بقوله: (مؤثرا) من العلم الداخل عليه الألف واللام للمح الصفة، كقولهم في حارث وعباس: الحارث والعباس.

ص: 33

ولما فرغ من الكلام على المعرفة إجمالا، أخذ في الكلام عليها تفصيلا، فقال:

54 -

فما لذي غيبةٍ أو حضور

كأنت وهو سم بالضمير

المضمر: ما دل على نفس المتكلم أو المخاطب أو الغائب، كأنا وأنت وهو.

وقد أدرج قسمي المتكلم، والمخاطب تحت ذي الحضور، لأن المتكلم حاضر للمخاطب، والمخاطب حاضر للمتكلم، لكن فيه إبهام إدخال اسم الإشارة في المضمر، لأن الحاضر ثلاثة: متكلم، ومخاطب، ولا متكلم، ولا مخاطب، وهو المشار إليه. على أن هذا الإبهام يرفعه إفراد اسم الإشارة بالذكر.

55 -

وذو اتصال منه ما لا يبتدا

ولا يلي إلا اختيارًا أبدا

[21]

// المضمر أولا: ينقسم إلى بارز ومستتر، وهو ما لا صورة له في اللفظ، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

والبارز ينقسم إلى متصل، ومنفصل:

فالمنفصل: هو ما يصح وقوعه في أول الكلام.

والمتصل: ما لا يصح أن يقع في أول الكلام، كتاء قمت، وكاف أكرمك، ولا يقع بعد إلا اختيارًا، فإنك لا تقول: ما قام إلات، وما رأيت إلاه، وإنما تقول: ما قام إلا أنت، وما رأيت إلا إياه.

ولا يقع الضمير المتصل بعد إلا، إلا في الضرورة، كقوله:[من البسيط]

15 -

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا

ألا يجاورنا إلاك ديار

ولما ذكر ضابط الضمير المتصل مثله بقوله:

56 -

كالياء والكاف من ابني أكرمك

والياء والها من سليه ما ملك

اعلم أن الضمير المتصل على ثلاثة أقسام: مختص بمحل الرفع، ومشترك بين النصب والجر، وواقع في الإعراب كله.

ص: 34

وقد يفهم هذا من قوله:

57 -

وكل مضمرٍ له البنا يجب

ولفظ ما جر كلفظ ما نصب

58 -

للرفع والنصب وجرنا صلح

كاعرف بنا فإننا نلنا المنح

59 -

وألف والواو والنون لما

غاب وغيره كقاما واعلما

المضمرات كلها مبنية لشبهها بالحروف في المعنى، لأن كل مضمر متضمن معنى التكلم، أو الخطاب، أو الغيبة، وهو من معاني الحروف، مدلول عليه بالياء، ونا، والكاف، والهاء: حروفا في نحو: إياي، وإيانا، وإياك، وإياه.

وقيل: بنيت المضمرات استغناء عن إعرابها باختلاف صيغها، لاختلاف المعاني.

ولعل هذا هو المعتبر عند الشيخ في بناء المضمرات، ولذلك عقبه بتقسيمها بحسب الإعراب كأنه قصد بذلك إظهار علة البناء، فقال:

......................

ولفظ ما جر كلفظ ما نصب

أي الصالح للجر من الضمائر المتصلة هو الصالح للنصب، لا غير.

والمتصل الصالح للنصب ضربان: صالح للرفع، وغير صالح له، فالصالح منه للرفع هو (نا) وحدها، ولذلك أفردها: بهذا الحكم، فقال:

للرفع والنصب وجرنا صلح

كاعرف بنا فإننا نلنا المنح

فموضع (نا) جر بعد الباء، ونصب بعد إن، ورفع بعد الفعل.

ولما بين أن الواقع من الضمائر المتصلة في الإعراب كله هو (نا) علم أن ما عداها من المتصل المنصوب لا يتعدى النصب إلا إلى الجر، وذلك ياء المتكلم، وكاف الخطاب، وهاء الغائب.

ويعرف هذا من التمثيل في قوله قبل:

........ من ابني أكرمك

............ سليه ما ملك

[22]

فأوقع الياء في موضع // الجر بالإضافة، فعلم أنها صالحة للنصب، نحو: أكرمني زيد، وأوقع الكاف والهاء في موضع النصب بالمفعول. فعلم أنهما صالحان للجر، نحو: رغبت فيك، وعنه.

ص: 35

ويختلف حال الكاف بحسب أحوال المخاطب، فتكون مفتوحة للمخاطب، ومكسورة للمخاطبة، وموصولة بميم، وألف للمخاطبين، والمخاطبتين، وبميم ساكنة، أو مضمومة للمخاطبين، وبنون مشددة للمخاطبات، نحو: أكرمك، وأكرمك، وأكرمكما، وأكرمكم، وأكرمكن.

والهاء كذلك، فتضم للغائب، وتفتح للغائبة، وتوصل في التثنية والجمع بما توصل به الكاف، نحو: أكرمه، وأكرمها، وأكرمهما، وأكرمهم، وأكرمهن.

وما عدا ما ذكرنا من الضمائر المتصلة مختص بالرفع، وهي (تاء الضمير، وألفه، وواوه، وياء المخاطبة، ونون الإناث).

(فالتاء) تضم للمتكلم، وتفتح للمخاطب، وتكسر للمخاطبة، وتوصل في التثنية والجمع بما توصل به الهاء، نحو: فعلتُ، وفعلتَ، وفعلتِ، وفعلتما، وفعلتم، وفعلتن، والألف للاثنين، والواو لجماعة الذكور العقلاء، وياء المخاطبة كالفاعل من قوله:

...................

........... سليه ما ملك

ونون الإناث كقولك: الهندات يقمن، ويشترك الألف، والواو، والنون في المجيء للمخاطب تارة، والغائب أخرى، ولذلك أشار بقوله:

............. لما

غاب وغيره كقاما واعلما

تقول: افعلا، وافعلوا، وافعلن، فالألف ضمير للمخاطبين، والواو ضمير المخاطبين، والنون ضمير المخاطبات.

وتقول: فعلا، وفعلوا، وفعلن. فالألف هنا ضمير الغائبين، والواو ضمير الغائبين، والنون ضمير الغائبات.

60 -

ومن ضمير الرفع ما يستتر

كافعل أوافق نغتبط إذ تشكر

لما فرغ من الكلام على الضمير المتصل أخذ في الكلام على الضمير المستتر،

فقال:

ومن ضمير الرفع ما يستتر

....................

فعلم أن المستتر لا يكون ضمير جر، ولا ضمير نصب، لأن العمدة لما لم يستغن عنها في المعنى صح أن تقدر مع العامل في قوة المنطوق بها، ولا كذلك الفضلة.

ص: 36

والحاصل أن ضمير الرفع يستتر استغناء عن لفظه بظهور معناه، وذلك على ضربين: واجب الاستتار، وجائزه. فالواجب الاستتار: في خمسة أشياء:

فعل أمر الواحد، كافعل، والمضارع، ذو الهمزة، كأوافق، والنون كنغتبط، وتاء المخاطب، كتشكر، واسم الفعل لغير الماضي، كأوه، ونزال يا زيد، ونزال يا زيدان.

والجائز الاستتار: هو المرفوع بفعل الغائب، والغائبة، وبالصفات المحضة، نحو: زيد قام، وهند تقوم، وعبد الله منطلق.

ففي قام ضمير زيد، وفي تقوم ضمير هند، وفي منطلق ضمير عبد الله، وهي مستترة جوازًا، بمعنى أنه يجوز أن يخلفها الظاهر، نحو: قام زيد، وتقوم هند، والضمير

[23]

المنفصل في نحو زيد إنما قام هو، وزيد هند ضاربها هو، والله أعلم //.

61 // -وذو ارتفاعٍ وانفصالٍ أنا هو

وأنت والفروع لا تشتبه

62 -

وذو انتصابٍ في انفصالٍ جعلا

إياي والتفريع ليس مشكلا

الضمير المنفصل ضربان:

أحدهما مختص بالرفع، وهو (أنا) للمتكلم، و (نحن) له: مشاركًا، أو تعظيمًا، (وأنتَ، وأنتِ، وأنتما، وأنتم، وأنتن) للمخاطب، بحسب أحواله، و (هو، وهي، وهما، وهم، وهن) للغائب، بحسب أحواله.

وقد أشار إلى أمثلة فروع الإفراد، والتذكير بقوله:

.................

.......... والفروع لا تشتبه

والثاني: مختص بالنصب، وهو (إيا) مردفًا بما يدل على المعنى، نحو:(إياي) للمتكلم، و (إياك) للمخاطب، و (إياه) للغائب، وفروع الإفراد والتذكير ظاهرة، نحو:(إيانا، وإياك، وإياكما، وإياكم، وإياكن، وإياه، وإياها، وإياهما، وإياهم، وإياهن).

63 -

وفي اختيارٍ لا يجيء المنفصل

إذا تأتي أن يجيء المتصل

الأصل أن الضمير المنفصل لا يستعمل في موضع يمكن فيه المتصل، لأن الغرض من وضع الضمير التوصل إلى الاختصار، ووضع المنفصل موضع المتصل يأبى ذلك.

ص: 37

فحق الضمير المنفصل ألا يكون إلا حيث يتعذر الاتصال، كما إذا تقدم على العامل، نحو (إياك نعبد)[الفاتحة /5] أو كان محصورًا، نحو: إنما قام أنا، فإنك لو قلت: إنما قمت انقلب الحصر من جانب الفاعل، وصار في جانب الفعل، أما إذا أمكن الاتصال فإنه يجب رعايته فيما ليس خبرًا لكان أو إحدى أخواتها، إن ولى العامل، نحو: أكرمنا وأكرمتنا، أو فضله منه ضمير رفع متصل نحو: أكرمتك، فإنه لا سبيل فيه إلى الانفصال إلا في ضرورة الشعر، كقوله:[في البسيط]

16 -

وما أصاحب من قومٍ فأذكرهم

إلا يزيدهم حبا إلى هم

وقال الآخر: [من البسيط]

17 -

بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت

إياهم الأرض في دهر الدهارير

وما سوى ما ذكر، مما يمكن فيه الاتصال يجوز فيه الوجهان. وقد نبه على هذا بقوله:

64 -

وصل أو افصل هاء سلنيه وما

أشبهه في كنته الخلف انتمى

65 -

كذاك خلتنيه واتصالا

أختار غيري اختار الانفصالا

المبيح لجواز اتصال الضمير، وانفصاله هو كونه: إما ثاني ضميرين، أولهما أخص، وغير مرفوع، وإما كونه خبرًا لكان أو إحدى أخواتها.

ص: 38

[24]

أما الأول فكالهاء من (سلنيه)، و (منعكها) في قوله: // [من الوافر]

18 -

فلا تطمع أبيت اللعن فيها

ومنعكها بشيءٍ يستطاع

فإن الهاء منهما ثاني ضميرين، أولهما أخص، لما علمت: أن المتكلم أخص من المخاطب، والمخاطب أخص من الغائب، وغير مرفوع أيضًا؛ لأنه في المثال الأول منصوب، وفي الثاني مجرور، فيجوز في الهاء المذكورة الوجهان، نحو: سلنيه، وسليني إياه، ومنعكها، ومنعك إياها، إلا أن الاتصال مع الفعل أحسن وأكثر، كما في قوله تعالى:(أنلزمكموها وأنتم لها كارهون)[هود /28].

والانفصال جائز في السعة، كقوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله ملككم إياهم، ولو شاء لملكهم إياكم).

ولو كان أول الضميرين غير أخص وجب في الثاني الانفصال، كما في (لملكهم إياكم). وسيأتي ذكره.

ولو كان أول الضميرين مرفوعًا وجب الاتصال، نحو: أكرمتك، وأعطيتك، وأما الثاني فكالهاء من قولك: أما الصديق فكنته، فإنه يجوز فيه الاتصال لشبهه بالمفعول، والانفصال؛ أيضًا؛ لأن منصوب كان خبر في الأصل، والخبر لا حظ له في الاتصال.

واختار أكثرهم الانفصال.

والصحيح اختيار الاتصال، لكثرته في النظم، والنثر الفصيح، كقوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: في ابن صياد: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإلا يكنه فلا خير لك في قتله).

وحكي سيبويه عمن يوثق به: (عليه رجلا ليسني).

ص: 39

وأنشد لأبي الأسود: [من الطويل]

19 -

فإلا يكنها أو تكنه فإنه

أخوها غذته أمه بلبانها

وأما الانفصال فجاء في الشعر، كقوله:[من الطويل]

20 -

لئن كان إياه لقد حال بعدنا

عن العهد والإنسان قد يتغير

ولم يجيء في النثر إلا في الاستثناء، نحو: أتوني ليس إياك، ولا يكون إياك، فإن الاتصال فيه من الضرورة، كقوله:[من الرجز]

21 -

عددت قومي كعديد الطيس

إذ ذهب القوم الكرام ليسي

وأما نحو: (خلتنيه) فمن باب سلنيه، ولكنه أفرده بالذكر، لينبه على ما فيه من

ص: 40

الخلاف، ويذكر رأيه فيه، فقال:

كذاك خلتنيه ......

................

فعلم أنه يجوز في الهاء منه الاتصال والانفصال.

ثم ذكر أنه يختار الاتصال، وأن منهم من يختار الانفصال، نظرًا إلى أنه خبر في الأصل، وليس بمرضي، لأن الاتصال قد جاء في الكتاب العزيز في قوله سبحانه وتعالى:(إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم)[الأنفال: 43].

والانفصال لا يكاد يعثر عليه إلا في الشعر، كقوله:[من البسيط]

22 -

أخي حسبتك إياه وقد ملئت

أرجاء صدرك بالأضغان والإحن

66 -

وقدم الأخص في اتصال

وقدمن ما شئت في انفصال [25] //

67 -

وفي اتحاد الرتبة الزم فصلا

وقد يبيح الغيب فيه وصلا

مقصوده من البيت الأول بيان أن المراد بما أشبهه من قوله:

وصل أو افصل هاء سلنيه وما

أشبهه ..............

هو كل ثاني ضميرين: الأول منهما أخص، فإنه أوجب تقديم الأخص، مع الاتصال، وخير بين تقديم الأخص، وتقديم غيره، مع الانفصال.

فعلم ضرورة أنه متى تقدم غير الأخص وجب الانفصال، لأنه مع الاتصال يجب تقديم الأخص.

وعلم أيضًا أن الأخص متى تقدم جاز في الثاني الاتصال، لأنه قد وجد شرط صحته، وجاز أيضًا الانفصال، لأنه قد خير في حال الانفصال بين تقديم الأخص، وغيره.

ثم إذا كان المقدم من الضميرين غير الأخص فإما أن يكون مخالفًا في الرتبة، أو مساويًا فيها، فإن كان مخالفًا في الرتبة لم يجز اتصال ما بعده بحال، وذلك نحو: الدرهم أعطيته إياك، وأعجبني إعطاؤك إياي.

وإن كان مساويًا في الرتبة: فإن كان لمتكلم أو مخاطب لم يكن بد من الانفصال، كقولك: ظننتني إياي، وعلمتك إياك، وإن كان لغائب، فإن اتحد لفظ الضميرين فهو كما إذا كان لمخاطب، تقول: زيد ظننته إياه، ولا يمكن فيه الاتصال.

ص: 41

وإن اختلف لفظهما فالوجه الانفصال، وقد يجيء فيه الاتصال كقول مغلس بن لقيط:[من الطويل]

23 -

وقد جعلت نفسي تطيب بضغمةٍ

لضغمهما ها يقرع العظم نابها

وقول الآخر: [من الطويل]

24 -

لوجهك في الإحسان بسط وبهجةً

أنا لهماه قفو أكرم والد

وحكي الكسائي: (هم أحسن الناس وجوهًا وأنضرهموها).

وقوله:

................

وقد يبيح الغيب فيه وصلا

بلفظ التنكير، على معنى نوع من الوصل، تعريض بأنه لا يستباح الاتصال مع الاتحاد في الغيبة مطلقًا، بل بقيد، وهو الاختلاف في اللفظ.

68 -

وقبل يا النفس مع الفعل التزم

نون وقايةٍ وليسي قد نظم

69 -

وليتني فشا وليتي ندرا

ومع لعل اعكس وكن مخيرا

70 -

في الباقيات واضطرارًا خففا

مني وعني بعض من قد سلفا

71 -

وفي لدني لدني قل وفي

قدني وقطني الحذف أيضًا قد

ياء المتكلم من الضمائر التي تتصل بالأسماء، وغيرها، وقد ألزمت كسر ما قبلها إتباعًا، ما لم يكن ألفًا، أو ياء متحركًا ما قبلها، نحو: فتاي مسلمي.

[26]

فإذا نصبها الفعل وجب أن يلحق // ما قبلها نون تقي الفعل كسرة الإتباع، لأنها شبيهة بالجر، لكثرة وقوعها في الأسماء، فلم تلحق بالفعل إلا معها نون الوقاية، أي

ص: 42

الياء، بخلاف الكسرة التي قبل ياء المخاطبة، نحو: تفعلين، فإنها لا تشبه الجر، لأن ياء المخاطبة مختصة بالفعل، فصانوا الأفعال عن الكسرة لياء المتكلم بإلحاق نون الوقاية، كقولك: أكرمني، ويكرمني، وأكرمني.

ولا تتصل الياء بالفعل بدون النون إلا فيما ندر من نحو: [من الرجز]

25 -

إذ ذهب القوم الكرام ليسي

والوجه: ليسني، أو ليس إياي.

أما إذا نصب الياء الحرف، أعني أن أو إحدى أخواتها ففيه تفصيل، فإن الناصب إن كان (ليت) وجب إلحاق النون، نحو:(يا ليتني كنت معهم)[النساء /73] ولم تترك إلا فيما ندر من نحو قوله: [من الوافر]

26 -

كمنية جابرٍ إذ قال ليتي

أصادفه وأفقد بعض مالي

وإن كان (لعل) فالوجه تجردها من النون، نحو قوله تعالى:(لعلي أطلع إلى إله موسي)[القصص /38]، وقوله تعالى:(لعلي أبلغ الأسباب)[غافر /36].

ولا تلحقها النون إلا في الضرورة، كقوله:[من الطويل]

27 -

فقلت أعيراني القدوم لعلني

أخط بها قبرًا لأبيض ماجد

وإن كان الناصب للياء (إن أو أن أو كأن أو لكن) جاز الوجهان على السواء.

ص: 43

وإلى هذا أشار بقوله:

.....................

وكن مخيرا ..............

في الباقيات ............

.....................

تقول: إني، وإنني، وكأنني، ولكني، ولكنني: بإثبات النون، وحذفها، لأن هذه الحروف قريبة الشبه من الفعل، فحسن فيها أن تصان عما صين عنه الفعل تارة إلحاقًا لها به، وألا تصان عنه أخرى، فرقًا بينهما، وبينه.

واستأثرت (ليت) بلزومها في الغالب إلحاق النون، قبل ياء المتكلم تنبيهًا على مزيتها على أخواتها في الشبه بالفعل، إذ كانت تغير معنى الابتداء، ولا يتعلق ما بعدها بما قبلها.

وخصت (لعل) بغلبة التجريد، لأنها أبعد من أخواتها عن الفعل لشبهها بحروف الجر في تعليق ما بعدها بما قبلها، كما في قولك: تب لعلك تفلح.

وإذا كانت الياء مجرورة لم تلحق قبلها النون، إلا أن يكون الجار من، أو عن، أو لدن، أو قد بمعنى حسب، أو قط أختها.

فأما (من، وعن) فلابد معهما من النون، نحو: مني وعني، إلا فيما ندر من إنشاد بعض النحويين:[من المديد]

28 -

أيها السائل عنهم وعني

لست من قيسٍ ولا قيس مني

وأما (لدن) فالأكثر فيها إلحاق النون، وقد لا تلحق، كقراءة نافع (من لدني عذرًا)[الكهف /76]. وكذا قرأ أبو بكر، إلا أنه أشم ضمة الدال.

وأما (قد، وقط) فبالعكس من (لدن)، لأن قدي، وقطي في كلامهم أكثر من قدني، وقطني.

ص: 44

ومن شواهدهما قول الشاعر: [من الطويل]

29 -

إذا قال قدني قال بالله خلفةً

لتغني عني ذا إنائك أجمعا

[27]

// وقال الآخر: [من الرجز]

30 -

قدني من نصر الخبيبين قدي

ليس الإمام بالشحيح الملحد

ص: 45

فجمع بين اللغتين. وفي الحديث: (قطِ قطِ بعزتك وكرمك). يروى بسكون الطاء، وكسرها، مع ياء ودونها، ويروى: قطني قطني وقطٍ قطٍ.

قال الشاعر: [من الرجز]

31 -

امتلأ الحوض وقال قطني

مهلا رويدًا قد ملأت بطني

ص: 46