الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البدل
اعلم أن الغرض من الإبدال أن يذكر الاسم مقصودًا بالنسبة، كالفاعلية والمفعولية والإضافة، بعد التوطئة لذكره بالتصريح بتلك النسبة إلى ما قبله، لإفادة توكيد الحكم وتقريره، لأن الإبدال في قوة إعادة الجملة، ولذلك تسمع النحويين يقولون: البدل في حكم تكرار العامل.
ولما أخذ الشيخ في تعريف البدل قال:
565 -
التابع المقصود بالحكم بلا
…
واسطةٍ هو المسمى بدلا
فصدر التعريف بجنس البدل، وهو (التابع) ثم تممه بخاصة البدل، وهو:(المقصود بالحكم بلا واسطة).
فأخرج بـ (المقصود بالحكم) النعت والتوكيد وعطف البيان، لأنهن مكملات للمقصود بالحكم، و (بلا واسطة) المعطوف بـ (بل، ولكن) فإنهما مقصودان بالحكم، لكن بواسطة.
ثم أخذ بيان أقسام البدل، فقال:[216]
566 -
مطابقًا أو بعضًا أو ما يشتمل
…
عليه يلفى أو كمعطوف ببل //
567 -
وذا للإضراب اعز إن قصدًا صحب
…
ودون قصدٍ غلط به سلب
فبين أن البدل يجيء على أربعة أضرب:
الأول: بدل كل من كل، وهو المطابق للمبدل منه، المساوي له في المعنى، كقولك: مررت بأخيك زيدٍ، ومثله قوله تعالى:(إلى صراط العزيز الحميد * الله)[إبراهيم /1 - 2].
والثاني: بدل بعض من كل، كقولك: أكلت الرغيف نصفه، ومثله قوله تعالى:(ثم عموا وصموا كثير منهم)[المائدة /71].
والثالث: بدل الاشتمال: وهو ما يدل على معنى في متبوعه، أو يستلزم معنى في متبوعه. فالدال على معنى في المتبوع، كقولك: أعجبني زيد حسنه، وكقول الراجز:[من الرجز]
519 -
وذكرت تقتد برد مائها
…
وعتك البول على أنسائها
والدال على ما يستلزم معنى في المتبوع كقولك: أعجبني زيد ثوبه، وكقوله تعالى:(يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه)[البقرة /217] لأن القتال في الشهر الحرام يستلزم معنى فيه، وهو ترك تعظيمه، وكقوله تعالى:(واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا)[مريم /16] فإن وقت الانتباذ، وما عقبه يستلزم معنى في مريم عليها السلام وهو كونها على غاية من التقى والبر والعفاف، فلذلك صح في (إذ) أن تكون بدل اشتمال من (مريم).
ولابد في بدل الاشتمال من رعاية أمرين:
أحدهما: إمكان فهم معناه مع الحذف، كما في قولك: أعجبني زيد علمه وأدبه، فإن ذكر زيدٍ يشتمل على علمه وأدبه اشتمالا يفهم معناه في الحذف، ومن ثم امتنع، نحو: عقلت زيدًا بعيره، لأن ذكر زيد لا يشتمل على البعير، ولا يشعر به.
والأمر الآخر: حسن الكلام على تقدير حذفه، ومن ثم امتنع نحو: أسرجت زيدًا فرسه، لأنه وإن فهم معناه في الحذف لا يحسن استعمال مثله، وإن جاء شيء منه حمل على الإضراب أو الغلط.
والغالب في بدل البعض والاشتمال مصاحبة ضمير عائد على المبدل منه، وقد يخلوان عنه، كقوله تعالى:(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)[آل عمران /97] على أظهر الاحتمالين.
والاحتمال الثاني: أن يكون الحج مصدرًا مضافًا إلى المفعول، و (من) فاعل المصدر، على معنى: ولله على الناس أن يحج البيت المستطيع، وقوله تعالى:(قتل أصحاب الأخدود * النار ذات الوقود)[البروج /4 - 5] وقول الشاعر: [من الكامل]
520 -
هل تدنينك من أجارع واسطٍ
…
أوبات يعملة اليدين حضار
من خالدٍ أهل السماحة والندى
…
ملك العراق إلى رمال وبار
فـ (من خالد) بدل من (أجارع واسط) لاشتمالها عليه، وهو خالٍ عن ضمير المبدل منه.
الرابع: (البدل المباين للمبدل منه، بحيث لا يشعر به ذكر المبدل منه بوجه. وهو نوعان:
[217]
الأول: // بدل الإضراب وهو: ما يذكر متبوعه بقصد، ويسمى بدل البداء، مثاله قولك: أكلت تمرًا زبيبًا. أخبرت أولا بأكل التمر، ثم أضربت عنه، وجعلته في حكم المتروك ذكره، وأبدلت منه الزبيب، على حد العطف بـ (بل) إذا قلت: أكلت تمرًا بل زبيبًا، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:(إن الرجل ليصلي الصلاة وما كتب له نصفها ثلثها ربعها ....... إلى عشرها). وإلى هذا الإشارة بقوله:
وذا للاضراب أعز إن قصدًا صحب
…
.................
والثاني: بدل الغلط والنسيان، وهو: ما لا يريد المتكلم ذكر متبوعه، بل يجري لسانه عليه من غير ما قصد، كقولك: لقيت رجلا حمارًا، أردت أن تقول: لقيت حمارًا، فغلطت أو نسيت، فقلت: رجلا، ثم تذكرت فأبدلت منه الحمار. ويصان عن هذا النوع الفصيح من الكلام. وإليه الإشارة بقوله:
.................
…
ودون قصدٍ غلط به سلب
أي: ببدل الغلط يستفاد سلب الحكم عن الأول، وإثباته للثاني.
568 -
كزره خالدًا وقبله اليدا
…
واعرفه حقه وخذ نبلا مدى
اشتمل هذا البيت على أمثلة أنواع البدل: (فزره خالدًا) بدل كل، و (قبله اليدا) بدل بعض، و (اعرفه حقه) بدل اشتمال، و (خذ نبلا مدى) يصلح أن يجعل بدل إضراب وبدل غلط على المأخذين المذكورين.
569 -
ومن ضمير الحاضر الظاهر لا
…
تبدله إلا ما إحاطةً جلا
570 -
أو اقتضى بعضًا أو اشتمالا
…
كأنك ابتهاجك استمالا
تبدل المعرفة من النكرة، نحو قوله تعالى:(وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيم * صراط الله)[الشورى /52 - 53]. والنكرة من النكرة نحو قوله تعالى: (إن للمتقين مفازًا * حدائق وأعنابًا)[النبأ /31 - 32]. والنكرة من المعرفة نحو قوله تعالى: (لنسفعًا بالناصية * ناصيةٍ كاذبةٍ)[العلق /15 - 16]. والمعرفة من المعرفة نحو قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم)[الفاتحة /6 - 7].
ويبدل المضمر من المظهر نحو: رأيت زيدًا إياه. ويبدل المظهر من المضمر؛ لكن في ذلك تفصيل؛ لأن الضمير إما للمتكلم، أو المخاطب، أو الغائب.
أما ضمير الغائب فيبدل منه كما يبدل من الظاهر، تقول: ضربته زيدًا، ومررت به عمرو، وقال الشاعر:[من الطويل]
521 -
على حالةٍ لو أن في القوم حاتمًا
…
على جوده لضن بالماء حاتم
بجر (حاتم) على البدل من الهاء في (جوده).
[218]
وقد قيل في قوله تعالى: (وأسروا النجوى الذين // ظلموا)[الأنبياء /3] وجوه: منها: أن يكون (الذين ظلموا) بدلا من الواو في (أسروا).
وأما الضمير المتكلم والمخاطب قد يبدل منه بدل كل إلا إذا أفاد البدل فائدة التوكيد من الإحاطة والشمول، كقولهم: جئتم كبيركم وصغيركم، وكقول عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب:[من الطويل]
522 -
فما برحت أقدامنا في مقامنا
…
ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا
ويصح إبداله بدل بعض واشتمال.
أما بدل البعض فكقولك: إني باطني وجل، قال الشاعر:[من الرجز]
523 -
أوعدني بالسجن والأداهم
…
رجلي فرجلي شثنة المناسم
وفي التنزيل العزيز: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر)[الأحزاب /21].
وأما بدل الاشتمال فكقول الشاعر: [من الوافر]
524 -
ذريني إن أمرك لن يطاعا
…
وما ألفيتني حلمي مضاعا
فـ (حلمي) بدل من (ياء)(ألفيتني) وكقول الآخر: [من الطويل]
525 -
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا
…
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
فـ (مجدنا) بدل من فاعل (بغلنا).
وأجاز الأخفش الإبدال من ضمير الحاضر مطلقًا، واحتج له بقول الشاعر:[من الطويل]
526 -
وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى
…
بمستلئم مثل الفنيق المرحل
يريد: بمستلئم: متدرعًا، ولا يعني إلا نفسه. والأوجه عد هذا البيت من النوع المسمى في علم البيان بالتجريد، على معنى: تعدوني إلى صارخ الوغى ومعي من نفسي مستلئم، فجرد من نفسه مستلئمًا، وجعله مصاحبًا له.
ومثله قوله تعالى: (لهم فيها دار الخلد)[فصلت /28] فكأنه جرد من الدار دارًا. وقرأ علي كرم الله وجهه وابن عباس رضي الله عنهما: (فهب لي من لدنك وليا * يرثني وارث من آل يعقوب)[مريم /4 - 5] قال أبو الفتح؛ يريد: (فهب لي من لدنك وليا يرثني منه أو به وارث من آل يعقوب، وهو الوارث نفسه، فكأنه جرد منه وارثًا).
وأنشد الأخطل: [من الطويل]
527 -
بأشعث لا يفى ولا هو يقمل
…
بنزوة لص بعد ما مر مصعب
مصعب نفسه هو الأشعث، فكأنه استخلص منه (أشعث) ومثله بيت الأعشى:[من الخفيف]
528 -
لات هنا ذكرى جبيرة أو من
…
جاء منها بطائف الأهوال
وهي نفسها طائف الأهوال.
571 -
وبدل المضمن الهمز يلي
…
همزًا كمن ذا أسعيد أم علي
[219]
// يعني أن المبدل من اسم الاستفهام لابد من اقترانه بالهمزة، كقولك: من ذا أسعيد أم علي؟ وكم مالك أعشرون أم ثلاثون؟ وكيف أصبحت أفرحًا أم ترحًا؟ ومتى سفرك أغدًا أم بعد غد؟.
572 -
ويبدل الفعل من الفعل كمن
…
يصل إلينا يستعن بنا يعن
يبدل الفعل من الفعل فيشتركان في الإعراب كقوله:
.............. من
…
يصل إلينا يستعن بنا يعن
فالجزم في (يستعن) من (يصل).
فإن قلت: من أي أنواع البدل يعد هذا المثال؟. قلت من بدل الاشتمال، لأن الاستعانة تستلزم معنى في الوصول، وهو مجيئه.
ومن ذلك قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك يلق أثامًا * يضاعف له العذاب يوم القيامة)[الفرقان /68 - 69]، فـ (يضاعف) بدل من (يلق) ولذلك جزم.
وقول الراجز: [من الرجز]
529 -
إن علي الله أن تبايعا
…
تؤخذ كرهًا أو تجيء طائعا
فأبدل (تؤخذ) من (تبايع) ولذلك اشتركا في النصب.
وكثيرًا ما تبدل الجملة من الجملة إذا كانت الثانية أوفى بتأدية المعنى المقصود من
الأولى، كما قال الشاعر:[من الطويل]
530 -
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا
…
وإلا فكن في السر والجهر مسلما
فأبدل (لا تقيمن) من (ارحل) لأنه أوفى منه بتأدية معنى الكراهة لإقامته الدلالة عليه بالمطابقة، ودلالة (ارحل) عليه بالالتزام.
ومن أمثلة ذلك في التنزيل العزيز في قوله تعالى:} بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون {(المؤمنون/82)، وقوله تعالى:} أمدكم بما تعلمون* أمدكم بأنعامٍ وبنين* وجناتٍ وعيونٍ {[الشعراء/132 - 134]، وقوله تعالى:} قال يا قوم اتبعوا المرسلين* اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون {[يس/20 - 21]