الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعراب الفعل
676 -
إرفع مضارعًا إذا يجرد
…
من ناصب وجازك كتسعد
قد تقدم في باب الإعراب أن المعرب من الأفعال هو المضارع الذي لم يباشره نون التوكيد ولا نون الإناث. فأغنى ذلك عن تقييد الفعل المعرب هنا بخلوه عن سبب البناء، فلذلك أطلق العبارة وقال:
إرفع مضارعًا إذا يجرد
…
من ناصب وجازم كتسعد
يعني أنه يجب رفع المضارع المعرب، إذا لم يدخل عليه ناصب ولا جازم، كقولك:(أنت تسعد).
والرافع له إذ ذاك إما وقوعه مع الاسم، وهو قول البصريين، وإما تجريده من الناصب والجازم وهو قول الكوفيين، وهو الصحيح، لأن قول البصريين: رافع المضارع وقوعه موقع الاسم، لا يخلو إما أن يريدوا به أن رافع المضارع وقوعه موقعًا هو للاسم بالأصالة، سواء جاز وقوع الاسم فيه، كما في نحو: يقوم زيد، أو منع منه الاستعمال، كما في نحو: جعل زيد يفعل. وإما أن يريدوا به أن رافع المضارع وقوعه موقعًا هو للاسم مطلقًا.
فإن أرادوا الأول فهو باطل برفع المضارع بعد (لولا) وحروف التحضيض، لأنه موقع ليس للاسم بالأصالة.
وإن أرادوا الثاني فهو باطل أيضًا لعدم رفع المضارع بعد (إن) الشرطية، لأنه موضع صالح للاسم بالجملة، كما في نحو قوله تعالى:{وإن أحد من المشركين استجارك} [261] // [التوبة/6]. فلو كان الرافع للمضارع وقوعه موقع الاسم مطلقًا لما كان بعد (إن) الشرطية إلا مرفوعًا، واللازم منتف، فالملزوم كذلك.
فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بأن ما قاله الكوفيون باطل لأن التجريد من الناصب والجازم أمر عدمي، والرفع أمر وجودي، فكيف يصح أن يكون الأمر العدمي علة لأمر وجودي؟
فجوابه: لا نسلم أن التجريد من الناصب والجازم عدمي لأنه عبارة عن استعمال المضارع على أول أحواله، مخلصًا عن لفظ يقتضي تغييره، واستعمال الشيء والمجيء به على صفة ما ليس بعدمي.
677 -
وبلن أنصبه وكي كذا بأن
…
لا بعد علم والتي من بعد ظن
678 -
فانصب بها والرفع صحح واعتقد
…
تخفيفها من أن فهو مطرد
679 -
وبعضهم أهمل أن حملا على
…
ما أختها حيث استحقت عملا
680 -
ونصبوا بإذن المستقبلا
…
إن صدرت والفعل بعد موصلا
681 -
أو قبله اليمين وانصب وارفعا
…
إذا إذن من بعد عطف وقعا
الأدوات التي تنصب المضارع هي: (لن وكي وأن وإذن).
فأما (لن) فحرف نفي مختص بالمضارع ويخلصه للاستقبال وينصبه، كما تنصب (لا) الاسم، وذلك كقولك: لن يقوم زيد ولن يذهب عمرو، ونحو ذلك.
وأما (كي) فتكون اسمًا مخففًا من (كيف) فتدخل على الاسم، والفعل الماضي والمضارع المرفوع، كقول الشاعر:[من البسيط]
601 -
كي تجنحون إلى سلم وما ثئرت
…
قتلاكم ولظى الهيجاء تضطرم
وتكون حرفًا، فتدخل على (ما) الاستفهامية أو المصدرية، أو على فعل مضارع منصوب. فإذا دخلت على (ما) فهي حرف جر، لمساواتها معها للام التعليل معنى واستعمالا، وذلك قولهم في السؤال عن العلة (كيمه) كما يقولون:(لمه)، وكقول الشاعر:[من الطويل]
602 -
إذا أنت لم تنفع فضر فإنما
…
يراد الفتى كيما يضر وينفع
فجعل (ما) مصدرية، وأدخل عليها (كي) كما تدخل عليها اللام، والمعنى: إنما يراد الفتى للضر والنفع.
وإذا دخلت على الفعل المضارع فلا يكون ذلك إلا على معنى التعليل كقولك: جئت كي تحسن إلى، فالوجه أن تكون مصدرية ناصبة للمضارع، ولام الجر قبلها مقدرة، وذلك لكثرة وقوع اللام قبلها كقوله تعالى:{لكيلا تأسوا على ما فاتكم} [الحديد/23] وحرف الجر لا يدخل على مثله، ولا يباشره إلى في ضرورة قليلة، وإنما يدخل على اسم:[262] إما صريح أو // مؤول به.
فلولا أن (كي) هنا مع الفعل بمنزلة المصدر ما جاز أن تدخل عليها اللام. ويجوز في (كي) مع الفعل إذا كانت مجردة عن اللام أن تكون الجارة، والفعل بعدها منصوب بـ (أن) مضمرة، كما ينتصب بعد اللام، بدليل ظهور (أن) بعد (كي) في الضرورة كقول الشاعر:[من الطويل]
603 -
فقالت أكل الناس أصبحت مانحًا
…
لسانك كيما أن تغر وتخدعا
وأما (أن) فتكون زائدة ومفسرة ومصدرية.
فالزائدة، هي التالية لـ (لما) التوقيتية، كما هي في قوله تعالى:{فلما أن جاء البشر} [يوسف/96].
والمفسرة: هي الداخلة على جملة مبينة حكاية ما قبلها من دال على معنى القول بغير حروفه. كالتي في قوله تعالى: {فأوحينا إليه أن اصنع الفلك} [المؤمنون/27] وفي قوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} [ص/6] أي: انطلقت ألسنتهم بهذا القول.
والمصدرية: هي التي مع الفعل في تأويل مصدر. وتنقسم إلى مخففة من (أن) وناصبة للمضارع. فإن كان العامل فيها من أفعال العلم وجب أن تكون المخففة، وتعين في المضارع بعدها الرفع، إلا أن يكون العلم في معنى غيره، ولذلك أجاز سيبويه: ما علمت إلا أن تقوم (بالنصب) قال: لأنه كلام خرج مخرج الإشارة، فجرى مجرى قولك: أشير عليك أن تفعل.
وإن كان العامل في (أن) من غير أفعال العلم والظن وجب أن تكون غير المخففة، وتعين في المضارع بعدها النصب، كقولك: أريد أن تقوم.
وإن كان العامل فيها من أفعال الظن جاز فيه الأمران، وصح في المضارع بعدها النصب والرفع، إلا أن النصب هو الأكثر، ولذلك اتفق عليه في قوله تعالى:{أحسب الناس أن يتركوا} [العنكبوت/2] واختلف في قوله تعالى: {وحسبوا ألا تكون فتنة} [المائدة/71] فقرأ برفع (تكون) أبو عمرو وحمزة والكسائي، وقرأ الباقون بنصبه.
ومن العرب من يجيز إهمال غير المخففة، حملا على (ما) المصدرية، فيرفع المضارع بعدها، كقول الشاعر:[من البسيط]
604 -
أن تقرآن على أسماء ويحكما
…
مني السلام وألا تشعرا أحدا
فـ (أن) الأولى والثانية مصدريتان غير مخففتين وقد أعملت إحداهما وأهملت الأخرى.
ومن إهمالها قراءة بعضهم قوله تعالى: {لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة/233] وقول الشاعر: [من الطويل]
605 -
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة
…
تروي عظامي في الممات عروقها
ولا تدفنني في افلاة فإنني
…
أخاف إذا ما مت ألا أذوقها
وأما (إذن) فحرف جواب يختص بجملة واقعة جوابًا لشرط مقدر.
[263]
وقد يكون مذكورًا، كقول الشاعر: // [من الطويل]
606 -
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها
…
وأمكنني منها إذن لا أقيلها
وينصب بها المضارع بشرط كونه مستقبلا، وكون (إذن) مصدرة، والفعل متصل بها أو منفصل بقسم، كقولك لمن قال: أزورك غدًا: إذن أكرمك، وإذن والله أكرمك.
فلو كان المضارع بمعنى الحال وجب رفعه، لأن الحال لا يكون إلا مرفوعًا، وذلك قولك لمن قال أنا أحبك: إذن أصدقك، وكذا لو كانت (إذن) غير مصدرة، فتوسطت بين ذي خبر وخبره، أو بين ذي جواب وجوابه، لأنها هناك تشبه الظن المتوسط بين المفعولين فوجب إلغاؤها فيه، كما جاز إلغاء الظن في مثله. وأما قول الراجز:[من الرجز]
607 -
لا تتركني فيهم شطيرا
…
إني إذن أهلك أو أطيرا
فشاذ لا يقاس عليه.
ولو توسطت (إذن بين عاطف ومعطوف جاز إلغاؤها وإعمالها، وإلغاؤها أجود وبه قرأ القراء السبعة في قوله تعالى: {وإذن لا يلبثون خلفك إلا قليلا} [الإسراء/76]. وفي بعض الشواذ: (إذن لا يلبثوا) بالنصب على الإعمال.
ولو كان الفعل منفصلا من (إذن) بغير قسم، كقولك: إذن أنا أكرمك، وجب إلغاؤها، لأن غير القسم جزء من الجملة، فلا تقوى (إذن) معه على العمل فيما بعده، بخلاف القسم، فإنه زائد مؤكد، فلم يمنع الفصل به من النصب هنا، كما لم يمنع من الجر، في قولهم:(إن الشاة لتجتر فتسمع صوت والله ربها) حكاه أبو عبيدة، وفي قولهم:(هذا غلام والله زيد) و (اشتريته بوالله ألف درهم) حكاه ابن كيسان عن الكسائي.
وحكى سيبويه عن بعض العرب: إلغاء (إذن) مع استيفاء شروط العمل، وهو القياس، لأنها غير مختصة.
وإنما أعملها الأكثرون حملا على (ظن) لأنها مثلها في جواز تقدمها على الجملة وتأخرها عنها وتوسطها بين جزأيها، كما حملت (ما) على (ليس) لأنها مثلها في نفي الحال.
682 وبين لا ولام جر التزم
…
إظهار أن ناصبة وإن عدم
683 -
لا فأن اعمل مظهرًا أو مضمرا
…
وبعد نفي كان حتما أضمرا
أولى نواصب الأفعال بالعمل (أن) لاختصاصها بالفعل، وشبهها في اللفظ، والمعنى بما يعمل النصب في الأسماء، وهو (أن) المصدرية.
فلذلك جاز في (أن) دون أخواتها أن تعمل في الفعل مظهرة ومضمرة، فتعمل مضمرة باطراد بعد ستة أحرف:(لام الجر)، و (أو) بمعنى إلى، أو (إلا وحتى) بمعنى إلى، أو كي، وفاء الجواب، وواو المصاحبة، والعاطف على اسم لا يشبه الفعل. ولا تعمل مضمرة فيما سوى ذلك إلا وجه الشذوذ، وسيأتي التنبيه عليه إن شاء الله تعالى.
[264]
// أما لام الجر: (فلأن) مع الفعل بعدها ثلاثة أحوال: وجوب الإظهار، ووجوب الإضمار، وجواز الأمرين.
فيجب الإظهار مع الفعل، المقرون بـ (لا) كقوله تعالى:{لئلا يعلم أهل الكتاب} [المجادلة/29].
ويجب الإضمار مع الفعل إذا كانت اللام قبله زائدة، لتوكيد نفي (كان) كقوله تعالى:{وما كان الله ليظلمهم} [العنكبوت/40] وتسمى لام الجحود.
ويجوز الإضمار والإظهار مع الفعل الواقع بخلاف ذلك سواء كانت اللام للتعليل، كقولك: جئتك لتحسن، وما فعلت ذلك لتغضب، وتسمى لام (كي) أو
للعاقبة كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا} [القصص/48]. أو زائدة كقوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم} [النساء/26].
فالفعل في هذه الموضع منصوب ب (أن) مضمرة ولو أظهرتها في أمثال ذلك لحسن. وأما (أو) فقد أشار إلى إضمار (أن) بعدها بقوله:
684 -
كذاك بعد أو إذا يصلح في
…
موضعها حتى أو الا أن خفي
يعني: أنه كما أضمرت (أن) الناصبة حتما، بعد لام الجر المؤكدة لنفي (كان) كذلك تضمر حتما، وتخفى بعد (أو) إذا صلح في مكانها (حتى أو إلا). يريد (حتى) التي بمعنى (إلى) لا التي بمعنى (كي). والحاصل أنه ينصب المضارع ب (أن) لازمة الإضمار، بعد (أو) بمعنى (إلى) أو (إلا).
فإن كان ما قبلها مما ينقضي شيئا فشيئا فهي بمعنى (إلى) وإلا فهي بمعنى (إلا). مثال الأول قولك: لأنتظرنه أو يجيء، تقديره: لأنتظرنه إلى أن يجيء. ونحوه قول الشاعر: [من الطويل].
608 -
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
…
فما انقادت الآمال إلا لصابر
ومثال الثاني قولك: لأقتلن الكافر أو ليسلم، تقديره لأقتلن الكافر إلا أن يسلم. ونحوه قول الشاعر:[من الوافر]
609 -
وكنت إذا غمزت قناة قوم
…
كسرت كعوبها أو تستقيما
وقول الآخر: [من الكامل]
610 -
لأجدلنك أو تملك فتيتي
…
بيدي صغار طارفا وتليدا
فإن قلت: (أو) المذكورة حرف عطف واقع بعد فعل، فكيف نصب الفعل بعدها بإضمار (أن) مع كون (أن) والفعل في تأويل الاسم، فكيف صح عطف الاسم على الفعل؟.
قلت: صح ذلك على تأويل الفعل قبل (أو) بمصدر معمول لكونه مقدر.
فإذا قلت: لأنتظرنه أو يجيء، أو لأقتلن الكافر أو يسلم، فهو محمول على تقدير: ليكون انتظار مني أو مجيء منه، وليكون قتل مني للكافر أو إسلام منه، وكذا جميع ما جاء من هذا القبيل.
فإن قلت: فلم نصبوا الفعل بعد (أو) حتى احتاجوا إلى هذا التأويل؟
[265]
قلت: ليفرقوا بين (أو) التي // تقتضي مساواة ما قبلها لما بعدها في الشك فيه، وبين (أو) التي تقتضي مخالفة ما قبلها لما بعدها في ذلك، فإنهم كثيرًا ما يعطفون الفعل المضارع على مثله بـ (أو) في مقام الشك في الفعلين تارة، وفي مقام الشك في الثاني منهما أخرى فقط.
فإذا أرادوا بيان الأول رفعوا ما بعد (أو) فقالوا: أفعل كذا أو أترك، ليؤذن الرفع بأن ما قبل (أو) مثل ما بعدها في الشك.
وإذا أرادوا بيان المعنى الثاني نصبوا ما بعد (أو) فقالوا: لأنتظرنه أو يجيء ولأقتلن الكافر أو يسلم، ليؤذن النصب بأن ما قبل (أو) ليس مثل ما بعدها في الشك، لكونه محقق الوقوع أو راجحه، فلما احتيج إلى النصب ليعلم هذا المعنى احتيج له إلى عامل، ولم يجز أن تكون (أو) لعدم اختصاصها، فتعين أن تكون (أن) مضمرة، واحتيج لتصحيح الإضمار إلى التأويل المذكور.
وأما (حتى) فقد أشار إلى نصب الفعل بعدها بإضمار (أن) بقوله:
685 -
وبعد حتى هكذا إضمار أن .... حتم كجد حتى تسر ذا حزن
686 -
وتلو حتى حالا أو مؤولا .... به أرفعن وانصب المستقبلا
(حتى) حرف غاية، وتأتي في الكلام على ثلاثة أضرب: عاطفة وابتدائية وجارة.
فالعاطفة: تعطف بعضًا على كله، كقولك: أكلت السمكة حتى رأسها.
والابتدائية: تدخل على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها، وقد تكون اسمية كقول
الشاعر: [من الطويل]
611 -
فما زالت القتلى تمج دماءها .... بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
وقد تكون فعلية كقولهم: شربت الإبل حتى يجيء البعير يجر بطنه.
والجارة: تدخل الاسم على معنى (إلى) والفعل أيضًا على معنى (إلى)، وقد تدخله على معنى (كي)، ويجب حينئذ أن تضمر (أن) لتكون مع الفعل في تأويل مصدر مجرور بـ (حتى) ولا يجوز أن تظهر.
فإذا دخلت (حتى) على الفعل المضارع فهي إما جارة وإما ابتدائية، فإن كان الفعل مستقبلًا أو في حكم المستقبل بـ (أن) المضمرة، وذلك نحو قولك: لأسيرن حتى تغرب الشمس، ولأتوبن حتى يغفر لي، والمعنى: لأسيرن إلى أن تغرب الشمس، ولأتوبن كي يغفر لي.
وإن كان الفعل بعد (حتى) حالًا أو في تقدير الحال فهي حرف ابتداء، والفعل بعدها لازم الرفع، لخلوه عن ناصب أو جازم.
فالحال المحقق: كقولك سرت البارحة حتى أدخلها الآن، ومرض فلان حتى لا يرجونه. وسألت عنه حتى لا أحتاج إلى سؤال.
[266]
والحال المقدر: أن يكون الفعل قد // وقع، فيقدر المخبر به اتصافه بالدخول فيه، فيرفع، لأنه حال بالنسبة إلى تلك الحال، وقد يقدر اتصافه بالعزم عليه، فينصب لأنه مستقبل بالنسبة إلى تلك الحال، ومنه قوله تعالى:{وزلزلوا حتى يقول الرسول} . [البقرة/214]، قرأ نافع بالرفع والباقون بالنصب.
وأما (فاء الجواب وواو المصاحبة) فقد أشار إلى نصب الفعل بعدهما بإضمار (أن) بقوله:
687 -
وبعد فا جواب نفي أوطلب .... محضين أن وسترها حتم نصب
688 -
والواو كالفا إن تفد مفهوم مع .... كلا تكن جلدًا وتظهر الجزع
(أن) مبتدأ، و (نصب) خبره، و (سترها حتم) حال من فاعل (نصب) و (بعد) حال من مفعوله المحذوف، التقدير: أن تنصب الفعل مضمرة إضمارًا لازمًا، وذلك إذا كان الفعل بعد الفاء المجاب بها نفسي أو طلب، وهو أمر أو نهي أو دعاء أو استفهام أو عرض أو تحضيض أو تمن.
فالنفي نحو: ما تأتينا فتحدثنا، ونحوه قوله تعالى:{لا يقضى عليهم فيموتوا} [فاطر/36]. والأمر نحو: زرني فأزورك، وكقوله الراجز:[من الرجز]
612 -
يا ناق سيري عنقًا فسيحًا .... إلى سليمان فنستريحا
والنهي نحو قوله تعالى: {ولا تطغوا فيه فيحل} [طه/81]. والدعاء كقول الشاعر: [من الرمل]
613 -
ربي وفقني فلا أعدل عن .... سنن الساعين في خير سنن
والاستفهام كقول الآخر: [من البسيط]
614 -
هل تعرفون لباناتي فأرجو أن .... تقضى فيرتد بعض الروح في الجسد
والعرض نحو: ألا تنزل عندنا فتصيب خيرًا بقول الشاعر: [من البسيط]
615 -
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما .... قد حدثوك فما راء كمن سمعا
والتحضيض نحو قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق} [المنافقون/10]. والتمني نحو قوله تعالى: {يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا} [النساء/73]، كقول الشاعر:[من البسيط]
616 -
يا ليت أم خليد واعدت فوفت .... ودام لي ولها عمر فنصطحبا
ولا ينصب الفعل بعد الفاء مسبوقة بغير نفي أو طلب إلا لضرورة، كقول الشعر:[من الوافر]
617 -
سأترك منزلي لبني تميم .... وألحق بالحجاز فأستريحا
أو لتقدم ترج أو شرط أو جزائه، وسنقف على التنبيه عليه.
ولا يجوز النصب بعد شيء من ذلك إلا بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون النفي خالصًا من معنى الإثبات.
الثاني: ألا يكون الطلب اسم فعل ولا بلفظ الخبر، كما قد أشار إليهما بقوله:
.......................... .... محضين ..................
[267]
ولذلك// وجب رفع ما بعد الفاء في نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، وما تزال تأتينا فتحدثنا، وما قام فيأكل إلا طعامه، وقول الشاعر:[من الطويل]
618 -
وما قام منا قائم في ندينا .... فينطق إلا بالتي هي أعرف
وفي نحو: (صه) فاسكت، وحسبك الحديث فينام الناس.
وأجاز الكسائي نصب ما بعد الفاء في هذين، لأنه في معنى: اسكت فاسكت، واكتف بالحديث فينام الناس.
الشرط الثالث: أن يقصد بالفاء الجزاء والسببية، ولا يكون الفعل بعدها مبنيًّا على مبتدأ محذوف.
فلو قصد بالفاء مجرد العطف أو بالفعل بعدها بناؤه على محذوف وجب الرفع، فقيل: ما تأتينا فتحدثنا، على معنى: ما تأتينا فما تحدثنا، أو ما تأتينا فأنت تحدثنا، قال الله تعالى:{ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات/36] أي: فهم يعتذرون.
أما إذا قصد بالفاء معنى السببية، ولا ينوى مبتدأ، فليس في الفعل بعدها إلا النصب وحده: ما تأتينا فتحدثنا بمعنى: ما تأتينا محدثًا، أو ما تأتينا فكيف تحدثنا، فلما أرادوا بيان هذا المعنى نصبوا بـ (أن) مضمرة، على أنها والفعل في تأويل مصدر معطوف على مصدر متأول من الفعل المتقدم، معمولًا لكون محذوف تقديره في نحو: ما تأتينا فتحدثنا، ما يكون منك إتيان فحديث مني، وفي نحو: زرني فأزورك، أي: لتكن زيارة منك فزيارة مني، وكذا ما أشبهه.
وجميع المواضع التي ينتصب فيها المضارع بإضمار (أن) بعد الفاء ينتصب فيها كذلك بعد (الواو) إذا قصد بها المصاحبة، وذلك في قوله تعالى:{ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} [آل عمران/142] وقول الشاعر: [من الوافر]
619 -
فقلت ادعي وأدعو إن أندى .... لصوت أن ينادي داعيان
وقوله الآخر: [من الكامل]
620 -
لا تنه عن خلق وتأتي مثله .... عار عليك إذا فعلت عظيم
وقوله الآخر: [من الوافر]
621 -
ألم أك جاركم ويكون بيني .... وبينكم المودة والإخاء
وقوله تعالى: {يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين} [الأنعام/27] في قراءة حمزة وابن عامر وحفص. وقرأ الباقون: (ونكون) بالرفع على معنى: (ونحن نكون).
قال ابن السراج: الواو تنصب ما بعدها في غير الموجب من حيث انتصب ما بعد الفاء.
وإنما تكون كذلك إذا لم ترد الاشتراك بين الفعل والفعل، وأردت عطف الفعل على مصدر الفعل الذي قبلها، كما كان في الفاء، وأضمرت (أن)، وتكون الواو [268] في هذا بمعنى (مع) // فقط.
ولا بد مع هذا الذي ذكره من رعاية ألا يكون الفعل بعد الواو مبنيًّا على مبتدأ محذوف، لأنه متى كان كذلك وجب رفعه.
ومن ثم جاز فيما بعد الواو في نحو: لا تأكل السمك وتشرب اللبن ثلاثة أوجه:
الجزم: على التشريك بين الفعلين في النهي.
والنصب: على النهي عن الجمع.
والرفع: على ذلك المعنى، ولكن على تقدير: لا تأكل السمك وأنت تشرب اللبن.
وأما العاطف على اسم لا يشبه الفعل، فقد أشار إلى نصب المضارع بعده بـ (أن) جائزة الإضمار، بعدما اعترض بذكر ما يجزم من الجواب عند حذف الفاء، وذكر النصب بعد الفاء في جواب الترجي في قوله:
689 -
وبعد غير النفي جزما اعتمد .... إن تسقط الفا والجزاء قد قصد
690 -
وشرط جزم بعد نهي أن تضع .... إن قبل لا دون تخالف يقع
691 -
والأمر إن كان بغير أفعل فلا .... تنصب جوابه وجزمه اقبلا
692 -
والفعل بعد الفاء في الرجا نصب .... كنصب ما إلى التمني ينتسب
693 -
وإن على اسم خالص فعل عطف .... تنصبه أن ثابتا أو منحذف
يجب في جواب غير النفي إذا خلا من الفاء، وقصد الجزاء أن يجزم، لأنه جواب شرط مضمر، دل عليه الطلب لقربه من الطلب، وشبهه به في احتمال الوقوع وعدمه، فصلح أن يدل على الشرط، ويجزم بعده الجواب، بخلاف النفي، فإنه يقتضي تحقق عدم الوقوع، كما يقتضي الإيجاب تحقق وجوده، فكما لا يجزم الجواب بعد الموجب، كذلك لا يجزم بعد النفي، وإنما يجزم بعد الأمر، ونحوه من الطلب، كقولك: زرني أزرك، تقديره: زرني فإن تزرني أزرك.
وقيل: لا حاجة إلى هذا التقدير، بل الجواب مجزوم بالطلب، لتضمنه معنى حرف الشرط، وهو مشكل، لأن معنى الشرط لا بد له من فعل شرط، ولا يجوز أن
يكون هو الطلب بنفسه، ولا مضمنًا له، مع معنى حرف الشرط لما في ذلك من التعسف، ولما فيه من زيادة مخالفة الأصل، ولا مقدرًا بعده لقبح إظهاره بدون حرف الشرط بخلاف إظهاره معه.
ولا يجوز أن يجعل للنهي جواب مجزوم، إلا إذا كان الشرط المقدر موافقًا للمطلوب فيصح أن يدل عليه.
وعلامة ذلك أن يصح المعنى بتقدير دخول (أن) على (لا) نحو: لا تدن من الأسد تسلم، فللنهي هنا جواب مجزوم، لأن المعنى يصح بقولك: إن لا تدن من الأسد [269] تسلم، بخلاف قولك: لا تدن من الأسد يأكلك، فإن الجزم فيه// ممتنع لعدم صحة المعنى بقولك: إن لا تدن من الأسد يأكلك.
وأجاز الكسائي: جزم جواب النهي مطلقًا، وما يحتج له به من نحو قول الصحابي:(يا رسول الله لا تشرف يصبك سهم) ومن رواية من روى قوله صلى الله عليه وسلم: (من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذنا بريح الثوم) فهو مخرج على الإبدال من فعل النهي لا على الجواب.
ويساوي فعل الأمر في صحة جزم الجواب بعده بدون الفاء ما دل على معناه من اسم فعل أو غيره، وإن لم يساوه في صحة النصب مع الفاء، فيقال: نزال أنزل معك، وحسبك ينم الناس، وإن لم يجز: نزال فانزل، وحسبك فينام الناس إلا عند الكسائي. والحق الفراء الرجاء بالتمني، فجعل له جوابًا منصوبًا.
ويجب قبوله لثبوته سماعًا، كقراءة حفص عن عاصم قوله تعالى:{لعلي أبلغ الأسباب * أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى} [غافر/36 - 37]، وكقول الراجز:
[من الرجز]
622 -
عل صروف الدهر أو دولاتها .... يدلننا اللمة من لماتها
فتستريح النفس من زفراتها
وينصب المضارع الواقع بعد عاطف، على اسم غير شبيه بالفعل، كالواو في قول الشاعر:[من الوافر]
623 -
للبس عباءة وتقر عيني .... أحب إلي من لبس الشفوف
أراد: للبس عباءة وأن تقر عيني، فحذف (أن) وأبقى عملها، ولو استقام له الوزن، فأثبتها لكان أقيس.
وكالفاء وثم واو في قول الشاعر: [من البسيط]
624 -
لولا توقع معتر فأرضيه .... ما كنت أوثر إترابًا على ترب
وقول الآخر: [من البسيط]
625 -
إني وقتلي سليكًا ثم أعقله .... كالثور يضرب لما عافت البقر
وفي قوله تعالى: {أو يرسل رسولًا} [الشورى/51] في قراءة السبعة، إلا نافعًا، بنصب (يرسل) عطفًا على (وحيا) والأصل: أن يرسل.
ولو كان المعطوف عليه وصفًا شبيهًا بالفعل لم يجز نصب الفعل المعطوف على ذلك الوصف، كما قد نبه عليه بقوله:
وإن على اسم خالص ..... .... ..........................
أي: غير مقصود به معنى الفعل.
واحترز بذلك من نحو: (الطائر فيغضب زيد الذباب)، فإن (يغضب) معطوف على اسم الفاعل، ولا يمكن أن ينصب، لأن اسم الفاعل مؤول بالفعل، لأن التقدير: الذي يطير، فيغضب زيد الذباب.
وقد يقع المضارع موقع المصدر في غير المواضع المذكورة، فيقدر بـ (أن) وقياسه مع ذلك أن يرفع، كقولهم:(تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) تقديره: أن تسمع بالمعيدي.
[270]
وكقول الشاعر من الطويل: // [من الطويل]
626 -
وما راعني إلا يسير بشرطة .... وعهدي به قينًا يفش بكير
أراد: إلا أن يسير.
وقد ينصب بـ (أن) المضمرة، وهو قليل ضعيف. وقد أشار إلى مجيئه بقوله:
694 -
وشذ حذف أن ونصب في سوى .... ما مر فاقبل منه ما عدل روى
ومما روي من ذلك قول بعض العرب: (خذ اللص قبل يأخذك) وقول الشاعر: [من الطويل]
627 -
فلم أر مثلها خباسة واحد .... ونهنهت نفسي بعدما كدت أفعله
قال سيبويه: أراد: بعد ما كدت أن أفعله.