الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} يعني: فِي أَدْنَى أرضهم، قيل: هو طرف الشام، وقيل: يريد الجزيرةَ، وهي أقرب الأرض من الروم إلى فارس، وقيل: هي الأردنُّ وفِلَسطين.
قوله: {وَهُمْ} يعني الرومِ {مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ} ؛ أي: غَلَبَتِهِمْ، فحذف التاء منها، كما حذف من قوله:{وَأَقَامَ الصَّلَاةَ}
(1)
، وإنما هو إقامةُ الصلاة
(2)
، وقرأ أبو حَيْوةَ الشّامِيُّ بسكون اللام
(3)
، وهما لغتان مثلَ: الظَّعْنِ والظَّعَنِ، وقوله:{سَيَغْلِبُونَ} يعني: الرومُ يَغلِبون فارِسًا {فِي بِضْعِ سِنِينَ} يعني: إلى سبع سنين.
وقرأ عبد اللَّه بن عُمر وأبو سعيد الخُدري والحسن وعيسى بن عمرَ:
(1)
الأنبياء 73، والنور 37.
(2)
هذا قول الفرَّاء في معاني القرآن 2/ 319، وقد رَدَّ عليه النَّحاسُ بقوله:"وهذا غلط لا يخفى على كثير من أهل النحو؛ لأن "إِقامَ الصَّلاةِ" مصدر حُذِفَ منه لاعتلال فِعْلِهِ، فجُعِلَت التاءُ عوضًا من المحذوف، و {غُلِبَتِ} ليس بِمُعْتَلٍّ، ولا حُذِفَ منه شيءٌ. وقد حَكَى الأصمعيُّ: طَرَدَ طَرَدًا وحَلَبَ حَلَبًا وغَلَبَ غَلَبًا، فأَيُّ حَذْفٍ في هذا؟!. إعراب القرآن 3/ 262.
فقول النَّحاس: "وقد حكى الأصمعي. . . إلخ" يعني أن الفعل "غَلَبَ" له مصدران: غَلَبٌ وغَلَبةٌ، وهذا ما حكاه الأزهري عن الليث، قال الأزهري:"قال الليث: يقال: غَلَبَ يَغْلِبُ غَلَبةً وغَلَبًا". التهذيب 8/ 137، وينظر: معاني القرآن للنَّحاس 5/ 243، الفريد 3/ 747، عين المعاني 100/ أ.
(3)
هذه قراءة عَلِيِّ بن أبي طالب وابن عُمَرَ وأبِي حيوة ومعاوية بن قرة ومحمد بن السميفع، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 117، تفسير القرطبي 14/ 6، البحر المحيط 7/ 157.
{غُلِبَتِ الرُّومُ} بفتح الغين واللام {سَيَغْلِبُونَ} بضم الياء وفتح اللام
(1)
.
والبضْعُ: ما بين الثلاث والسبع، وقيل: ما بين الثلاث إلى التسع، وقيل: ما بين الثلَاثة إلى العشَرة
(2)
، والنَّيِّفُ: أكثرُ العرب يجعله ما بين الواحد إلى الثلاثة في المذكر والمؤنث، وقال أبو زيد: وحَدُّ النَّيِّفِ ما بين الواحد إلى التسعة، فإذا قال: لهُ عَلَيَّ نَيِّفٌ وثلاثون، كان ما بين الواحد والثلاثين
(3)
إلى التسعة والثلاثين، وكذا قولهم: قد نيَّفَ على كذا.
قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ (4)} يعني: مِن قَبْلِ دَوْلة الرُّومِ على فارسٍ ومِن بَعْدِها، {قَبْلُ} و {بَعْدُ}: ظرفا زمان، وهما مبنيّان، وأصلهما الإعراب، وإنما بُنِيا لأنهما تَعَرَّفا بغير ما تتعرف به الأسماء، وذلك أن الأسماء تتعرَّف بالألف واللام، وبالإضافة إلى المعرفة، وبالإضمار، وبالإشارة، وبالعهد، وليس في {قَبْلُ} و {بَعْدُ} شيءٌ من ذلك، فلما تَعَرَّفا بخلاف ما تتعرَّفُ به الأسماءُ، وهو حَذْفُ ما أضِيفا إليه، خالَفا الأسماءَ، وشابَها الحروفَ، فبُنِيا كما يُبْنَى الحرفُ، وإنما بُنِيا على الضم دون الفتح والكسر؛ لأنهما أشبها المنادى المفردَ، إذ المنادى يُعْرَبُ إذا أُضِيفَ أو نُكِّرَ، كما يُفْعَلُ بهما، فبُنِيا على الضم كما بُنِيَ المنادى المفرد
(4)
، وهما مرفوعان
(1)
وهي أيضًا قراءة عَلِيِّ بن أبِي طالب وابن عباس ومعاوية بن قرة ونصر بن عَلِيٍّ وعُصْمةَ وهارون، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 319، مختصر ابن خالويه ص 117، تفسير القرطبي 14/ 4، 5، البحر المحيط 7/ 157.
(2)
ينظر في هذه الأقوال: مجاز القرآن 2/ 119، معاني القرآن وإعرابه 4/ 175، الزاهر لابن الأنباري 2/ 342، معاني القرآن للنَّحاس 5/ 243، تهذيب اللغة 1/ 488.
(3)
في الأصل: "والثلاثة".
(4)
من أول قوله: "وقبل وبعد: ظرفا زمان"، قاله مكِّي بنصه فِي مشكل إعراب القرآن 2/ 175، 176.
على الغاية، قاله الثعلبي
(1)
.
قوله تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} يعني: ما وَعَدَهُمْ من ظهور الروم على فارس، فكان كذلك، وهو نصبٌ على المصدر، قال الزَّجّاج
(2)
: ويجوز: "وَعْدُ اللَّهِ" بالرَّفع، بمعنى: ذلك وَعْدُ اللَّهِ، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ} يعني كفارَ مكة {لَا يَعْلَمُونَ} أن اللَّه لا يخلف وعده في إظهار الروم على فارس.
قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} ؛ أي: أشركوا {السُّوأَى} يعني: النارَ التي تَسُوؤُهُمْ، والسُّوأَى: اسمٌ لِجَهَنَّمَ، كما أن الحُسْنَى اسْمٌ للجنّة، وإنما سُمِّيَت النارُ سُوأَى لأنها تَسُوءُ صاحِبَها.
ويجوز رفع العاقبة ونصبها، نظيرها قوله تعالى:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ}
(3)
، وقوله:{أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ}
(4)
، قرأ الكوفيون وابنُ عامر بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع
(5)
.
(1)
الكشف والبيان 7/ 294، يعني أنهما مبنيان على الضم، ومعنى كونهما غايةً: أن كل واحد منهما قُطِعَ عن الإضافة، وجُعِلَتْ غاية الكلمة ما بقي بعد الحذف، ينظر: الكتاب 2/ 199، 3/ 286، 287، المقتضب 3/ 174، 175، 4/ 206، 207، 429، معاني القرآن وإعرابه 4/ 176، الأصول 1/ 333، إعراب القرآن 3/ 265، 5/ 257: 259، التهذيب 2/ 243، 9/ 162، شرح الكافية للرضي 3/ 254، 255، لسان العرب: بعد.
(2)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 177، 178، وهو معنى كلام الزُّجّاج، وليس نصه.
(3)
يونس 2.
(4)
الشعراء 197.
(5)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب واليزيدي والحسن: "عاقِبةُ" رفعًا، ورواها الكسائي وحسينٌ الجُعْفِيُّ عن أبي بكر عن عاصم، وقرأ الباقون وحفصٌ عن عاصم بالنصب، ينظر: السبعة ص 506، حجة القراءات ص 556، القرطبي 14/ 10، النشر 2/ 344، الإتحاف 2/ 354.
فمن نصب جَعَلها خبر "كانَ" ونصبها متقدِّمةً كقوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)}
(1)
، ويكون التقدير: ثم كان السوءُ عاقبةَ الذين أساءُوا، ويكون "أَنْ" فِي قوله:{أَنْ كَذَّبُوا} مفعولًا له؛ أي: لِأَنْ كذبوا بآيات اللَّه، {وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ (10)} ، ومَنْ رَفَعَ فعلى معنى: ثم كان عاقبةُ التكذيب آخِرَ أمْرِهِم أن ماتُوا على كفرهم.
قوله عز وجل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12)} ؛ أي: يَيْأَسُ المشركون من كل خير حين عاينوا العذاب، وقال الفراء
(2)
: ينقطع كلامهم وحُجّتهم، قال الشاعر:
109 -
يا صاحِ هل تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسا؟
…
قال: نَعَمْ أَعْرِفُهُ، وأَبْلَسا
(3)
وقرأ السلمي: {يُبْلَسُ}
(4)
بفتح اللام، وقراءة العامة أجود.
قوله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي
(1)
الروم 47.
(2)
معاني القرآن 2/ 322.
(3)
الرجز للعجاج.
اللغة: الرسم: ما كان من آثار الديار لاصقًا بالأرض، المُكْرَسُ: الذي بَعَرَتْ فيه الإبل وبالت، فرَكِبَ بعضُه بعضًا، أَبْلَسَ: سَكَتَ، ولم يُحِرْ جوابًا.
التخريج: ديوانه ص 118، معاني القرآن 1/ 335، 2/ 323، مجاز القرآن 1/ 192، 2/ 120، جمهرة اللغة ص 719، التهذيب 10/ 53، 12/ 442، مقاييس اللغة 5/ 169، المخصص 5/ 123، أساس البلاغة: بجس، شمس العلوم 9/ 5816، زاد المسير 3/ 40، عين المعاني ورقة 100/ ب، الفريد للهمداني 3/ 752، تفسير القرطبي 6/ 427، 14/ 10، اللسان: بلس، حلب، كرس، التاج: حلب، بلس، عجنس، كرس، وكف.
(4)
وهي أيضًا قراءة عَلِيِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 117، تفسير القرطبي 14/ 10، البحر المحيط 7/ 160.
رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)} يعني: في بقعة خضراءَ، والروضة: ما يَنْبُتُ حول الغدير من الأَبِّ، قال الشاعر:
110 -
إذا كان مَن تَهْوَى يُعِينُ على الهَوَى
…
فَما الحُبُّ إلّا رَوْضةٌ وغَدِيرُ
(1)
قال الأصمعي
(2)
: لا يقال: روضةٌ حتى يكون لها ماءٌ تشرب منه. وقال أبو عُبيدة
(3)
: ليس عند العرب شيءٌ أَحْسَنَ من الرياض المُعْشِبةِ، ولا أَطْيَبَ رِيحًا منها.
وقوله: {يُحْبَرُونَ} قيل: يُكْرَمُونَ بالتُّحَفِ، وقيل: يُنَعَّمُونَ، وقيل
(4)
: يُسَرُّونَ، والحَبَرةُ والحَبَرُ: السُّرُورُ، ومنه قيل: حَبْرةٌ تَتْبَعُها عَبْرة، قال العجاج
(5)
:
111 -
الحَمْدُ للَّهِ الَّذي أَعْطَى الحَبَرْ
…
مُواليَ الحَقِّ إنِ المَوْلَى شَكَرْ
(6)
(1)
البيت من الطويل، لم أقف على قائل له أو مناسبة أو تخريج.
(2)
ينظر قول الأصمعي في المحرر الوجيز 4/ 332، تفسير الثعالبى 4/ 308.
(3)
مجاز القرآن 2/ 120.
(4)
قاله ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص 340، ومعنى "حَبْرةٌ تَتْبَعُها عَبْرةٌ"؛ أي: سُرُورٌ يَتْبَعُهُ بُكاءٌ وحُزْن. اللسان: حبر.
(5)
هو عبد اللَّه بن رؤبة بن لبيد بن صخر السعدي التميمي، أبو الشعثاء العجاج، راجز مُجِيدٌ، وُلِدَ في الجاهلية وقال الشعر فيها، أسلم وعاش إلى أيام الوليد بن عبد الملك، ففُلِجَ وأُقْعِدَ، وهو أول من رفع الرجز، وشبهه بالقصيد، وكان لا يهجو، توفِّي سنة (90 هـ). [الشعر والشعراء ص 595 - 597، الأعلام 4/ 86].
(6)
الرجز للعجاج، ويُرْوَى الأول:" أَعْطَى الشَّبَرْ"، ويروى:"الخِيَرْ ".
اللغة: الشَّبَر: العطية والخير، والشَّبْرُ، بسكون الباء،: مصدر قولهم: شَبَرْتُهُ شَبْرًا: إذا أعطيته.
التخريج: ديوانه ص 24، 34، مجاز القرآن 2/ 120، 205، إصلاح المنطق ص 97، جمهرة اللغة ص 311، الزاهر 1/ 124، ديوان الأدب 1/ 212، تهذيب اللغة 5/ 34، المخصص 15/ 80، الاقتضاب 3/ 286، عين المعاني ورقة 100/ ب، اللسان: ثبت، =