الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: {قُلْ} يا محمد لأهل مكة {إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ} أُنْذِرُكُمْ وأُحَذِّرُكُمْ عُقُوبةَ اللَّهِ {وَمَا مِنْ إِلَهٍ} ؛ أي: وقُلْ لهم أيضًا: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} . . الآية (66)}، ومحلُّ {رَبُّ} رفعٌ على خبر ابتداءٍ محذوفٍ، تقديره: هو رَبُّ السماوات، ويجوز أن يكون نعتًا لقوله:{إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} كذلك: {الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} نعتٌ لقوله: {إِلَّا اللَّهُ} .
فصْلٌ
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا تَضَوَّرَ
(1)
من الليل قال: "لا إله إلا اللَّهُ الواحدُ القَهّارُ، رَبُّ السماوات والأرض وما بينهما العزيزُ الغفارُ"
(2)
.
{قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)} يعني القرآن {أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68) مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى} يعني الملائكة {إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)} فِي شأن آدم عليه السلام، وهو قولهم حين قال اللَّه تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا}
(3)
، هذا قول أكثر المفسرين.
ورُوِيَ عن ابن عبّاسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال رَبِّي: أتَدْري فِيمَ يَخْتَصِمُ الملأُ الأعلى؟ قال: اخْتَصَمُوا فِي الكَفّاراتِ والدَّرَجاتِ، فَأمّا الكَفّاراتُ
= إعراب القرآن 3/ 471، مختصر ابن خالويه ص 131، مشكل إعراب القرآن 2/ 255، شواذ القراءة ورقة 209، زاد المسير 7/ 153، الفريد للهمداني 4/ 178.
(1)
التَّضَوُّرُ: التقلب.
(2)
رواه النسائي في السنن الكبرى 4/ 400 كتاب النعوت: ذِكْر أسماء اللَّه تعالى، 6/ 216، كتاب عمل اليوم والليلة: ما يقول إذا انتبه من منامه، وينظر: صحيح ابن حبان 12/ 340، كتاب الزينة: باب آداب النوم.
(3)
البقرة 30.
فَإسْباغُ الوُضُوءِ فِي الشَّتَواتِ
(1)
، ونَقْلُ الأقْدامِ إلى الجَماعاتِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، وَأمّا الدَّرَجاتُ فَإفْشاءُ السلامِ، وإطْعامُ الطَّعامِ، والصَّلاةُ بِاللَّيْلِ والنّاسُ نِيامٌ"
(2)
.
{إِنْ يُوحَى إِلَيَّ} ؛ أي: ما يُوحَى إلَيَّ {إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)} قال الفراء
(3)
: إن شئت جعلت {أَنَّمَا} في موضع رفعٍ، كأنك قلت: ما يُوحَى إلَيَّ إلا الإنذارُ، وإن شئتَ جعلتَ المعنى: ما يوحى إلَيَّ إلَّا لأنِّي نَذِيرٌ مُبِينٌ. وقرأ أبو جعفر: "إنّما"
(4)
بكسر الألف؛ لأن الوَحْيَ قَوْلٌ.
قوله: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)} يعني: لآدَمَ، نصبٌ على الحال {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)} والعرب تؤكد بـ "أجْمَعِينَ" و"أكْتَعِينَ"
(5)
، فدخلت
(1)
الشَّتَواتُ: جمع شَتْوءة، وهي اسم مَرّةٍ من قولهم: شَتا بالمكان شَتْوًا وشَتْوةً. اللسان: شتو.
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 1/ 368، 4/ 66، 5/ 243، 378، والترمذي فِي سننه 5/ 44؛ 47 أبواب تفسير القرآن: سورة ص.
(3)
معانِي القرآن 2/ 41، وصعنى كلامه أن قوله تعالى:{أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [ص: 70]، في تأويل مصدر نائب عن الفاعل، ويجوز أن يكون فِي موضع نصب على نزع الخافض.
(4)
ينظر: مختصر ابن خالويه ص 131، المحتسب 2/ 234، الإتحاف 2/ 424.
(5)
ولكن يجب عند اجتماع هذه الألفاظ أو بعضِها تقديمُ "كُلٍّ" على "أجْمَعَ"، وتقديمُ "أجْمَعَ" على "أكتَعَ"، وتقديم "أكْتَعَ" على "أبْصَعَ"، وتقديم "أبْصَعَ" على "أبْتَعَ"، فهذا هو الترتيب الذي ذكره النحاة، قال الأزهري:"الليث: و"أكْتَعُ" حَرْفٌ يُوصَلُ به "أجْمَعُ" لا يُفْرَدُ". التهذيب 1/ 303، وقال الأزهري:"أبو العباس عن ابن الأعرابِيِّ: البَصْعُ: الجَمْعُ، ومنه قولهم في التوكيد: جاء القوم أجمعون أكتعون أبصعون، إنما هو شيء يجمع الأجزاءَ، قال: وقال الفراء: يقولون: أجْمَعُونَ أكْتَعُونَ أبْصَعُونَ، ولا يقولون: أبْصَعُونَ حتى يتقدمه أ كْتَعُونَ". التهذيب 2/ 52.
{كُلُّهُمْ} للإحاطة، ودخلت {أَجْمَعُونَ} لسرعة الطاعة، وهذا يدل على أن السجود كان منهم كُلِّهِمْ فِي وقتٍ واحدٍ
(1)
.
ثم استثنى إبليسَ من الملائكة، فقال:{إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)} قيل: كان اسمه الحارث، فَسُمِّيَ إبْلِيسَ حين عصى وتَأبَّى عن السجود لآدم، فَأبْلَسَ من الخير.
قوله: {قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)} ؛ أي: من الظالمين المتكبرين عن السجود، واليَدانِ صفتان من صفات ذاته بلا كَيْفٍ ولا تشبيه
(2)
، قال الشاعر:
203 -
تَحَمَّلْتُ مِنْ عَفْراءَ ما لَيْسَ لِي بِهِ
…
وَلا لِلْجِبالِ الرّاسِياتِ يَدانِ
(3)
والألِفُ في {أَسْتَكْبَرْتَ} ألِفُ استفهامٍ، دخلتْ على ألِفِ الخَبَرِ، وهو استفهامُ توبيخٍ وإنكارٍ.
(1)
قال الزَّجّاجُ: "قال سيبويه والخليل: "أجْمَعُونَ" توكيد بعد توكيد، وقال محمد بن يزيد: "أجْمَعُونَ" يدل على اجتماعهم في السجود. المعنى: فسجدوا كُلُّهُم في حال واحدة". معاني القرآن وإعرابه 3/ 179، وقال طاهر بن أحمد:"فأما المسألة التي ذكرها أبو القاسم في آخر الباب في قوله عز وجل: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص: 73]، فالفائدة في ذِكْرِ تأكيدَيْنِ عند شيخهم، وهو الزجاج، أن "كلهم" دَلَّ على الإحاطة، و"أجمعين" دَلَّ على معنى الاجتماع وأن السجود منهم كلهم كان في حالٍ واحدٍ". شرح جمل الزجاجي لطاهر ابن أحمد 1/ 56.
(2)
قاله السجاوندي في عين المعانِي ورقة 114/ أ، وينظر: تفسير القرطبي 15/ 228.
(3)
البيت من الطويل، لعُرْوةَ بن حِزامٍ العُذْرِيِّ، وقد جاء في الأصل هكذا:"تحملت من دلها"، وعليها ينكسر وزن البيت، وعفراءُ هذه كانت ابنةَ عَمِّهِ، وكان يحبها.
التخريج: ديوانه ص 39، جمهرة الأمثال 1/ 174، عين المعانِي ورقة 114/ أ، تفسير القرطبي 15/ 228، شرح شواهد المغني ص 414، خزانة الأدب 3/ 378.
قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)} ، ثم استثنى إبليسُ، فقال:{إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)} يعني: المُوَحِّدِينَ، فإنِّي لا أستطيع أن أُغْوِيَهُمْ، قال اللَّه عز وجل:{قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)} قرأ مجاهدٌ والأعمشُ وعاصمٌ وحمزةُ وخَلَفٌ برفع الأوَّلِ ونَصْبِ الثانِي على معنى: فَأنا الحَقُّ، أو فَمِنِّي الحَقُّ، وأقُولُ الحَقَّ، وقرأ طَلْحةُ بنُ مُصَرِّفٍ:"فالْحَقِّ والْحَقِّ" بالكسر فيهما على القَسَمِ، وقرأ الباقون بنصبهما
(1)
.
واختلف النحاة في وجهيهما، فقيل
(2)
: نصب الأول على الإغراء، والثانِي بإيقاع القول عليه، وقيل
(3)
: إنه أتْبَعَ قَسَما بعد قَسَمٍ، وقال الفراء وأبو عُبيدٍ
(4)
: [معناهما: حَقًّا لآتِيَنَّكَ، والألف واللام وطَرْحُهُما سَواءٌ، وهو بمنزلة
(1)
قرأ طلحة بن مُصَرِّفٍ والحسنُ وعيسى بنُ عُمَرَ وشُعْبةُ وعبدُ الرحمن بنُ حماد وابنُ السَّمَيْفَعِ بالخفض فيهما، وقرأ ابنُ كثير ونافعٌ وأبو عَمْرٍو وابنُ عامرٍ والكسائيُّ بالنصب فيهما، ورواها المفضلُ عن عاصمٍ، ينظر: السبعة ص 557، حجة القراءات ص 618، 619، تفسير القرطبي 15/ 229، 230، البحر المحيط 7/ 392، الإتحاف 2/ 425.
(2)
على معنى: فاتَّبِعُوا الحَقَّ، أو فاسْتَمِعُوا الحَقَّ، أو الْزَمُوا الحَقَّ، وهذا قول النحاس ومَكِّيِّ، ينظر: معانِي القرآن للنحاس 6/ 141، إعراب القرآن له 3/ 474، مشكل إعراب القرآن 2/ 255، وينظر أيضًا: معانِي القراءات للأزهري 2/ 333، الفريد للمنتجب الهمدانِيِّ 4/ 179.
(3)
هذا القول حكاه النحاس عن أبي حاتم السجستانِيِّ في معاني القرآن 6/ 141، ويعني بالقَسَمِ الأوَّلِ:"فَبعِرتكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ"، وبالقَسَمِ الثانِي:"فالْحَقَّ"؛ لأن قوله: "والحَقَّ" منصوب بـ "أقُولُ"، قال النحاس:"ولا اختلاف في الثانِي أنه منصوب بـ "أقُولُ"". إعراب القرآن 3/ 474
(4)
معانِي القرآن للفراء 2/ 413، وينظر قول أبِي عبيد في إعراب القرآن للنحاس 3/ 474، والكشف والبيان 8/ 217، ومعنى قولهما أن "حَقًّا" مصدر مؤكد لمضمون جملة "لأمْلأنّ"، كأنه قال: لأمْلأنّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَممَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ حَقًّا، قال النحاس:"وذلك عند جماعة من النحويين خطأ، لا يجوز: زَيْدًا لأضْرِبَنَّ؛ لأن ما بعد اللام مقطوعٌ مما قبلها". =
قولك: حَمْدًا للَّهِ، والحمد]
(1)
لِلَّه، وهما بمعنًى واحدٍ.
وقيل
(2)
: هو مردودٌ إلى ما قبله ومجازه: فَبِعِزَّتكَ وبِالحَقِّ والحَق أقُولُ، فلما حُذِفَ الخافض انتصب كما تقول: اللَّهَ لأفْعَلَنَّ
(3)
.
و"الحَقَّ" الثانِي يجوز أن يكون الأوَّلَ، فَكَرَّرَهُ للتأكيد
(4)
، ويجوز أن يكون منصوبًا بـ {أَقُولُ} ، كأنه قال: وأقول الحقَّ، وهو قَسَم أقْسَمَ اللَّهُ تعالى به أن يملأ جَهَنَّمَ من إبليسَ وأتباعِهِ، وهو قوله تعالى:{لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ} ؛ أي: من نفسك وذريتك {وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)} ومحل {أَجْمَعِينَ} خفضٌ، لأنه توكيدٌ للمضمر، وهو الهاء والميم
(5)
، وهما في موضع خفضٍ، {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ
= إعراب القرآن 3/ 474، وقال أبو حيان:"وهذا المصدر الجائي توكيدًا لمضمون الجملة لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة". البحر المحيط 7/ 393، وينظر أيضًا: ارتشاف الضرب ص 1787، الفريد 4/ 180، الدر المصون 5/ 546.
(1)
ما بين المعقوفتين زيادة يقتضيها السياق من معاني القرآن للفراء 2/ 413، والكشف والبيان 8/ 217.
(2)
قاله الفارسي في الحجة 3/ 336، 337، ومعناه أن قوله:"فالحَقَّ" قَسَمٌ، وعليه فجواب القسم قوله:"لأمْلأنّ"، ويكون قوله:"والحَقَّ أقُولُ" جملةً معترضةً بين القسم وجوابه، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 255، كشف المشكلات 2/ 269، الفريد للهمداني 4/ 180، البحر المحيط 7/ 392، 393، الدر المصون 5/ 546.
(3)
وقال سيبويه: "واعْلَمْ أنك إذا حَذَفْتَ من المحلوف به حَرْفَ الجَرِّ نَصَبْتَهُ، كما تَنْصِبُ "حَقًّا" إذا قلت: إنّكَ ذاهِبٌ حَقًّا، فالمَحْلُوفُ به مُؤَكد به الحَدِيثُ، كما تُؤَكِّدُه بالحق، ويُجَرُّ بحروف الإضافة كما يُجَرُّ "حَقٌّ" إذا قلت: إنّكَ ذاهِبٌ بِحَقٍّ، وذلك قولك: اللَّهَ لأفْعَلَنَّ". الكتاب 3/ 497.
(4)
قاله الأخفش والفارسي، ينظر: الحجة للفارسي 3/ 337، عين المعانِي ورقة 114/ أ، وينظر أيضًا: كشف المشكلات 2/ 269.
(5)
يعني الهاء والميم في قوله: "مِنْهُمْ"، ويجوز أن يكون توكيدًا للضمير في قوله:"مِنْكَ" =