الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومَحَلُّ "ما" خَفْضٌ، رَدًّا على "ما" التي فِي قوله:{فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}
(1)
، مجازه: ولكن فيما تعمدت قلوبكم، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} لِما كان من قولكم قبل النهي {رَحِيمًا (5)} بكم لا يؤاخذكم به.
نزلت هذه الآية فِي زيد بن حارثة الكلبي من بني عَبْدِ ودٍّ، وكان عبدًا للنبي صلى الله عليه وسلم اشتراه بعكاظ من سَبْي الجاهلية، فأعتقه وتَبَنّاهُ قبل الوحي، وكان يُدْعَى زيد بن محمدٍ، فلما تزوَّج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش الأسدي، وكانت تحت زيد بن حارثة، قالت اليهود والمنافقون: تزوج محمدٌ امرأة ابنه، وهو ينهى الناس عنها، فأنزل اللَّه عز وجل هذه الآية
(2)
.
فصل
رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ دُعِيَ إلى غير أبيه أو غيرِ موالي نعمته، فعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين"
(3)
.
قوله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} ، ولَمْ يقل: ونُوحٍ؛ لأن المظهر إذا عطف على المضمر المخفوض أُعِيدَ الحرفُ، تقول: مررت به وبزيدٍ.
(1)
قاله الفراء والزجاج، ينظر: معانِي القرآن 2/ 335، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 215، وقال النحاس:"ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ، والتقدير: ولكن الذي تؤاخذون به ما تعمدت قلوبكم". إعراب القرآن 3/ 303.
(2)
ينظر: الكشف والبيان 8/ 7، أسباب النزول للواحدي ص 237، زاد المسير 6/ 351، تفسير القرطبي 14/ 118 - 119.
(3)
هذا جزء من حديث رواه الإمام أحمد في المسند 1/ 81، 328، 4/ 186، 187، 4/ 238، 239، 5/ 267، ورواه مسلمٌ في صحيحه 4/ 115 كتاب الحج: باب فضل المدينة، 4/ 217 كتاب العتق: باب فضل العتق.
قوله: {وَإِبْرَاهِيمَ} عَطْفُ مُظْهَرٍ على مُظْهَرٍ، فلم يُعَدِ الحرفُ
(1)
، وكذلك {وَمُوسَى وَعِيسَى} ، والمعنى على مذهب أهل اللغة: وإذْ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومن نوحِ وإبراهيم وموسى وعيسى ومنك، ومثله قوله تعالى:{وَاسْجُدِي وَارْكَعِي}
(2)
، فمحمدٌ الحبيبُ، ونوحٌ الشَّكُورُ، وإبراهيم الخليل، وموسى الكليم، وعيسى الرُّوحُ عليهم السلام، أخَذَ اللَّهُ عليهم الميثاقَ أن يُؤَدُّوا رسالاتِ رَبِّهِمْ، ويَعْبُدُوا اللَّهَ، ويَدْعُو إلى عبادته، وأنْ يُصَدِّقَ بعضُهم بعضًا، وأن ينصحوا لقومهم، وذلك قوله تعالى:{وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)} يعني: عهدًا شديدًا مؤكَّدًا، وهو العهد الذي أُخِذَ عليهم على الوفاء بما حُمِّلُوا، وذلك العهد الشديد هو إليمين باللَّه تعالى، فكل نَبِيٍّ بعثه اللَّه تعالى صَدَّقَ من كان قبله ومَنْ بَعْدَهُ من الأنبياء، وذلك قوله تعالى:{لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ (8)} يعني النبيين، هل بلغوا الرسالة أم لا؟ وإنما خص هؤلاء الخمسة بالذِّكر فِي هذه الآية؛ لأنهم أصحاب الشرائع والكتب، وأولو العزم من الرسل وأئمة الأمم.
قوله تعالى: {إِذْ جَاءَتْكُمْ} يعني الأحزاب {مِنْ فَوْقِكُمْ} يعني: من فوق الوادي من قِبَلِ المشرق: مالكُ بن عوف
(3)
وعُيَيْنةُ بن حِصْنٍ
(4)
وغطفان وقريظة
(1)
من أول قوله: "ولم يقل: ونوحٍ لأن المظهر". قاله النحاس في إعراب القرآن 3/ 304.
(2)
آل عمران 43، وهذا قول الزجاج، ومعناه أن في الكلام تقديمًا وتأخيرًا، انظر: معانِي القرآن وإعرابه 4/ 217.
(3)
مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة النصري، من هوازن، كان رئيس المشركين يوم حنين، ثم أسلم، وكان من المؤلفة قلوبهم، وشهد القادسيةَ وفَتْحَ دمشق، توفَّي سنة (20 هـ). [أسد الغابة 4/ 289، الأعلام 5/ 264].
(4)
عُيَيْنةُ بن حصن بن حذيفة الفزاري، أسلم قبل الفتح وشهده، وكان من المؤلفة قلوبهم، =
والنضير {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} يعني: من بطن الوادي، مِنْ قِبَلِ المغرب: أبو سفيان
ابن حرب فِي قريشٍ ومَنْ تَبِعَهُ، وأبو الأعور السُّلَمِيُّ
(1)
من قِبَلِ الخندق، {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ} يعني: شَخَصَتْ وَتَحَيَّرَتْ، ومالَتْ فَرَقًا، {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} زالت عن أماكنها حتى بلغت الحُلُوقَ من الفزع، والحَنْجَرةُ جوف الحُلْقُومِ، يقال: انتفخ القلبُ حتى صار عند الحنجرة من الخوف، وهذا من المَجازِ المُبالَغِ فِي وصفه بِما يستحيل؛ لأن القلب لا يزول عن موضعه.
وواحدة الحناجر: حَنْجَرةٌ وحُنْجُورٌ، وهي رأس الغَلْصَمةِ المُحَدَّدُ من طرفها، والغَلْصَمةُ: هي مُلْتَقَى الحَلْقِ، والحُلْقُومُ: هو مدخل الطعام والشراب وهو مجرى النَّفَسِ، والغَلْصَمةُ مُلْتَقاها، وهي العُجْرةُ التي عند ملتقى اللَّهاةِ والمَرِيءِ إذا ازْدَرَدَ الآكِلُ اللُّقْمةَ فنَزَلَتْ في الحَلْقِ، ووقعت فِي الغَلْصَمةِ غَصَّ فيها
(2)
.
قوله: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} فأما المنافقون فَظَنُّوا أن محمدا وأصحابه سيُغْلَبُونَ ويُسْتَأْصَلُونَ، وأما المؤمنون فأيقنوا أن ما وَعَدَهُم اللَّه سبحانه حق، وأنه سَيُظْهِرُ دِينَهُ على الدين كله ولو كره المشركون.
واختلف القراء في قوله تعالى: "الظُّنُونا" و"الرَّسُولا" و"السَّبِيلا"
(3)
،
= ارتد في عهد أبي بكر، ثم عاد إلى الإسلام، وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه. [أسد الغابة 4/ 166 - 167، الإصابة 4/ 638؛ 641].
(1)
هو عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعد بن قائف بن الأوقص السلمي، شهد حُنَيْنًا مع المشركين، ثم أسلم، وشهد فتح عَمُّورِيّةَ وغيرها، وشهد صفين مع معاوية. [أسد الغابة 4/ 108، الإصابة 4/ 529].
(2)
ينظر في معنى الغَلْصَمةِ: المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده 6/ 53، اللسان: غلصم.
(3)
قرأ نافعٌ وابنُ عامر، وأبو بكر عن عاصمٍ، وأبو جعفر والحسنُ والأعمشُ:"الظُّنُونا"، "الرَّسولا"، "السَّبِيلا" بإثبات الألف فيهن وصلًا ووقفًا، وقرأ ابنُ كثير والكسائيُّ، وحَفْصٌ =
فأثْبَتَ الألِفاتِ فيها وَصْلًا ووَقْفًا أهلُ المدينةِ والشامِ وأيُّوبُ، وعاصمٌ برواية أبِي بكر بن عياشٍ، والكسائيُّ برواية قتيبة
(1)
، واحتجُّوا بأنّ ألِفاتِها ثابتةٌ في مصحف عثمان وسائرِ مصاحف أهل البلدان.
وقرأها أبو عمرٍو في سائر الروايات، وحمزةُ ويعقوبُ بغير ألِفٍ فِي الحالين على الأصل، وقرأ الباقون بالألف في الوقف في المواضع كلها دون الوصل، واحتجُّوا بأن العرب تفعل ذلك فِي قَوافِي أشعارهم ومصاريعها، فَتُلْحِقُ الألفَ في موضع الفتح عند الوقف، ولا تفعل ذلك فِي حشو الأبيات، فَحَسُنَ إثبات الألف فِي هذه الحروف لأنها رؤوس الآيِ تمثيلًا لَها بالقوافِي
(2)
، قال صاحب إنسان العين
(3)
: لأن الألِف فيها من الفواصل، والفواصلُ تُشْبِهُ القوافِيَ من حَيْثُ إنّ الأصل في كل آيةٍ أن تكون كلامًا قائمًا بنفسه كالبيت من الشِّعر، فهو نظير الأبيات في الوصل والخط.
= عن عاصم، وابنُ محيصن وخلفٌ بالألف فيهن في الوقف فقط، وقرأ أبو عمرو وحمزة بغير ألف في الحالين، ورَوَى هُبَيْرةُ عن حفص بالألف فيهن وصلًا ووقفًا، ورُوِيَ عن أبِي عمرو بالألف فيهن وصلًا ووقفًا. ينظر: السبعة ص 519 - 520، حجة أبِي زرعة ص 572 - 573، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 194، تفسير القرطبي 14/ 145، النشر 2/ 347، 348، البحر المحيط 7/ 211، الإتحاف 2/ 371.
(1)
قتيبة بن مهران الآزاذانِيُّ، أبو عبد الرحمن من أصبهان، إمامٌ صالحٌ ثقةٌ مقرئ كبير الشأن، أخذ القراءة عن الكسائي وسمع من الليث بن سعد وشعبة، توفي بعد سنة (200 هـ) بقليل. [غاية النهاية 2/ 26، الأنساب 1/ 63].
(2)
قاله الأخفش وأكثر العلماء، ينظر: معانِي القرآن للأخفش ص 72، 442، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 218، إيضاح الوقف والابتداء ص 376، إعراب القرآن 3/ 305، الحجة للفارسي 3/ 281.
(3)
عين المعانِي ورقة 103/ أ.
وقوله: {هُنَالِكَ} نصب على الظرف؛ أي: عند ذلك وفي تلك الحال {ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} ؛ أي: اخْتُبِرُوا بالقتل والحَصْرِ؛ ليُعْلَمَ المؤمنُ المخلص من المنافق، {وَزُلْزِلُوا} حُرِّكُوا وخُوِّفُوا وأُزْعِجُوا {زِلْزَالًا شَدِيدًا (11)}؛ أي: تحريكًا وإزعاجًا شديدًا، يعني: وجُهِدُوا جَهْدًا شديدًا، والزلزال: الشدائد، وأصله التحريك، قرأ عاصم الجحدري:"زَلْزالًا"
(1)
بفتح الزّاي، وقرأ الباقون بالكسر، وهما مصدران
(2)
.
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} يعني: من المنافقين {يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ} ؛ أي: لا مَساكِنَ لكم، قرأه العامة:"لا مَقامَ" بفتح الميم الأُولَى؛ أي: لا مكان لكم تقيمون فيه، وقرأ السُّلَمِيُّ بضم الميم
(3)
؛ أي: لا إقامة لكم، وهي رواية حفص عن عاصم، يقال: أقَمْتُ إقامةً ومُقامًا.
ويَثْرِبُ: المدينة، ولذلك لَمْ تنصرف، وقال أبو عبيدة
(4)
: يثرب: اسم أرضٍ، ومدينةُ الرسول صلى الله عليه وسلم في ناحية منها.
(1)
وهي أيضًا قراءة عيسى بن عمر، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 119، تفسير القرطبي 14/ 147، البحر المحيط 7/ 211.
(2)
قال الزجاج: "ويجوز "زَلْزالًا" بفتح الزاي، والمصدر من الرباعي يجيء على ضربين: فِعْلالٍ وفَعْلالٍ نحو: قَلْقَلَهُ قِلْقالًا وقَلْقالًا، وزَلْزَلْتُهُ زِلْزا، وَزَلْزالًا، والكسر أكثر وأجود؛ لأن غير المضاعف من هذا الباب مكسور الأول نحو: دَحْرَجْتُهُ دِحْراخًا، لا يجوز فيه غير الكسر". معانِي القرآن وإعرابه 4/ 218 - 219، وذهب الفراء إلى أن الزِّلْزالَ بالكسر المصدر، وبالفتح الاسم، ينظر: معانِي القرآن 3/ 283، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 13/ 166.
(3)
قرأ السُّلَمِيُّ، وحَفْصٌ عن عاصمٍ، والجحدريُّ وأبو حيوة والأعرجُ واليمانِيُّ:"الا مُقامَ" بضم الميم، ينظر: السبعة ص 520، حجة القراءات ص 574، تفسير القرطبي 14/ 148، البحر المحيط 7/ 212، الإتحاف 2/ 371.
(4)
مجاز القرآن 2/ 134.
وقوله: {فَارْجِعُوا} يريد: إلَى المدينة، {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ} فِي الرجوع إلى منازلهم في المدينة، وهم بنو حارثة وبنو سلمة، {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} خاليةٌ ضائعةٌ، وليست بِحَرِيزةٍ
(1)
، وهي مما يَلِي العَدُوَّ، ونخشى عليها السُّرّاقَ، ولا نأمن على أهلينا.
وقرأ ابن عباسٍ وأبو رجاء العطاردي: "عَوِرةٌ"
(2)
بكسر الواو، يعني قصيرة الجُدْرانِ، فيها خِلَلٌ وفُرْجةٌ، تقول العرب: دار فلان عَوِرةٌ: إذا لَمْ تكن حصينةً، قال الزَّجّاج
(3)
: يقال: عَوِرَ المَكانُ يَعْوَرُ عَوَرًا وعَوْرةً، فهو عَوِرٌ، وبيوتٌ عَوِرةٌ وعَوْرةٌ. وهي مصدر، قال الشاعر:
130 -
مَتَى تَلْقَهُمْ لا تَلْقَ في البَيْتِ مُعْوِرًا
…
وَلا الضَّيْفَ مَفْجُوعًا ولا الجارَ مُرْملا
(4)
ثم كَذَّبَهُم اللَّهُ، وأعْلَمَ أنّ قَصْدَهم الهَرَبُ والفِرارُ، فقال تعالى: {وَمَا
(1)
أي: ليست حصينةً. اللسان: حرز.
(2)
وبها قرأ أيضًا ابنُ يَعْمُرَ وإسماعيلُ بنُ سليمان عن ابن كثير بخلاف عنه، وأبو حيوة وابنُ أبِي عبلة وابنُ مِقْسَيم وعكرمةُ ومجاهدٌ وقتادةُ والحسنُ وعبدُ السلام بنُ شداد عن أبيه، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 119، المحتسب 2/ 176، تفسير القرطبي 14/ 148، البحر المحيط 7/ 212، الإتحاف 2/ 372.
(3)
معانِي القرآن وإعرابه 4/ 219، 220.
(4)
البيت من الطويل، للنابغة الذبيانِيِّ، ورواية ديوانه:
. . . . . . . . . . للبيت عورة
…
ولا الضيف ممنوعًا ولا الجار ضائعا
اللغة: رجل مُعْوِرٌ: قبيح السريرة، والإعوار: الرِّيبةُ. مفجوعًا: متوجّعًا مُتَضَوِّرًا. المُزْمِلُ: المحتاج والذي نفد زاده.
التخريج: ديوانه ص 164، سيرة ابن هشام 2/ 367، الكشف والبيان 8/ 19، عين المعانِي ورقة 103/ أ، تفسير القرطبي 14/ 148، البحر المحيط 7/ 212، الدر المصون 5/ 406.
هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} يعني المنافقين؛ أي: ما يريدون إلا فرارًا من القتال ونصرة المؤمنين.
قوله تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} يعني المدينة؛ أي: لو دَخَلَ عليهم الأحزابُ الذين يريدون قتالهم المدينةَ {مِنْ أَقْطَارِهَا} جوانبها ونواحيها، واحِدُها قُطْرٌ، {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ} يعني: الشِّرك {لَآتَوْهَا} قرأه العامة بالمدِّ؛ أي: لأعطوهم ما سألوا ولأشركوا، وقرأ أهل الحجاز:"لاعرتوْها"
(1)
بقصر الألف؛ أي: لَفَعَلُوها، من قولك: أتَيْتُ الخيرَ؛ أي: فَعَلْتُهُ
(2)
، {وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14)} قال قتادة
(3)
: وما احتبسوا عن الإجابة إلى الكفر إلا قليلًا، وهذا قول أكثر المفسِّرين، وقال الحسن والفراء
(4)
: وما أقاموا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلًا حتى هلكوا، ونصب {يَسِيرًا} على الاستثناء، وهو نعت لمصدرِ محذوفٍ، تقديره: إلّا لُبْثًا يسيرًا
(5)
.
قوله: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} يعني: من قبل غزوة الخندق، ذَكَّرَهُمُ اللَّهُ عَهْدَهُمْ مع النبي صلى الله عليه وسلم بالثبات في المواطن، فقال تعالى:{وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ} لا ينهزمون، ولا يولون العدوَّ
(1)
ينظر: السبعة ص 520، حجة القراءات ص 574، تفسير القرطبي 14/ 149، البحر المحيط 7/ 213، الإتحاف 2/ 372.
(2)
فاله الفارسي في الحجة 3/ 282 - 283.
(3)
ينظر قوله في جامع البيان 21/ 165، الوسيط 3/ 463، زاد المسير 6/ 361.
(4)
ينظر قول الحسن في الكشف والبيان 8/ 19، ونص قول الفراء:"يقول: لَمْ يكونوا لِيَلْبثُوا بالمدينة بعد إعطاء الكفر حتى يهلكوا". معانِي القرآن 2/ 337.
(5)
ويجوز أن يكون نعتًا لظرف محذوف؛ أي: إلا زَمَنًا يسيرًا، ينظر: التبيان للعكبري ص 1053، الدر المصون 5/ 406.
ظهورَهُمْ، {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا} يُسْألُونَ عنه فِي الآخرة، والعهد لا يُسْألُ، وإنما يُسْألُ ناقضُ العهد؛ أي: مُطالَبًا به، من قولهم: سألت فلانًا حَقِّي؛ أي: طالبته به.
قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ} الذي كُتِبَ عليكم {وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} ؛ أي: لا تُمَتَّعُونَ بعد الفرار فِي الدنيا إلى مدة آجالكم إلّا قليلًا، والدنيا كلها قليلٌ.
ورفع {تُمَتَّعُونَ} لاعتراض {إِلَّا} بينه وبين "إذَنْ"، و"إذَنْ" إذا كانت مبتدأةً لا يجوز إلغاؤها، تقول: إذَنْ أُكْرِمَكَ، وإذا كان قبلها واوٌ أو فاءٌ نحو: فَإذَنْ أُكْرِمَكَ أو: وَإذَنْ أُكْرِمُكَ، جاز الرفع والنصب، وإذا وقعت بين اسمٍ وفعلٍ لا يستغني أحدهما عن الآخر تُلْغَى نحو: أنا إذَنْ أُكْرِمُكَ، والكل جواب: سآتيك
(1)
، هكذا ذكره صاحب إنسان العين
(2)
، ومثله:{لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا}
(3)
، {فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا}
(4)
وقد ذُكِرَ.
ونصب {قَلِيلًا} على الاستثناء، وهو نعت لمصدر محذوف تقديره: إلا متاعًا قليلًا.
قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} ؛ أي: المُثَبِّطِينَ للناس عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، يقال: عاقَهُ واعْتاقَهُ وعَوَّقَهُ: إذا صرفه عن الوجه الذي يريده، {وَالْقَائِلِينَ} ؛
(1)
ينظر: الكتاب: باب "إذَنْ" 3/ 12؛ 16، معاني القرآن للفراء 2/ 337، المقتضب 2/ 10؛ 12، إعراب القرآن 3/ 307، مغني اللبيب ص 30؛ 32، وغيرها.
(2)
لَمْ أقف عليه في عين المعانِي.
(3)
الإسراء 76، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.
(4)
النساء 53، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.
أي: ويعلم القائلين {لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} تَعالَوْا إلينا ودَعُوا محمَّدًا، فلا تشهدوا الحرب معه فإنّا نخاف عليكم الهلاك، {وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} لا يحضرون القتال في سبيل اللَّه {إِلَّا قَلِيلًا (18)} رياءً وسمعةً، {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} يعني المنافقين، وهو جمع شحيحٍ؛ أي: بُخَلاءَ بالخير والنَّفَقة فِي سبيل اللَّه، وعند قَسْمِ الغنيمة يُشاحُّونَ المؤمنين عند القِسْمةِ، وهو نَصْبٌ على الحال والقطع من قوله تعالى:{وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا}
(1)
، وَصَفَهُم اللَّهُ عز وجل بالبخل والجبن، ويجوز نصبه على الذَّمِّ
(2)
.
وقوله: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ} فِي رؤوسهم من الخوف والجُبْنِ {كَالَّذِي} ؛ أي: كَدَوَرانِ الذي {يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ} {سَلَقُوكُمْ} يعني: خاطبوكم أشَدَّ مخاطبةٍ وأبْلَغَها، ورفعوا أصواتهم بعيبكم، وقال أبو عبيدة
(3)
: بالَغُوا فيكم بالكلام والعَيْبِ واللائمة.
يُقال: سَلَقَ فلانٌ فُلانًا بلسانه: إذا أغْلَظَ له بالقول مجاهرًا، وقال الخليل
(4)
: يقال: سَلَقْتُهُ باللسان؛ أي: أسمعته ما يكره وأكثرتُ، ويقال: لِسان مُسْلِقٌ؛ أي: حديدٌ ذَلِقٌ.
(1)
أي: أن العامل فيه "يَأْتُونَ"، وصاحب الحال هو واو الجماعة، وهذا ما رجحه الفراء، وإن كان قد ذكر أنه يجوز أن يكون حالًا من الضمر في "المُعَوِّقِينَ"، أو من المضمر في "القائِلِينَ"، أو من فعلٍ مضمرٍ يدل عليه الكلام؛ أي: يُعَوِّقُونَ حال كونهم أشِحّةً. ينظر: معانِي القرآن 2/ 338، قال النحاس:"لا يجوز أن يكون العامل فيه "المُعَوِّقِينَ" ولا "القائِلِينَ" لئلّا يفرق بين الصلة والموصول". إعراب القرآن 3/ 308، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 193 - 194.
(2)
قاله الفراء في معانِي القرآن 2/ 338، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 308، مشكل إعراب القرآن 2/ 194.
(3)
مجاز القرآن 2/ 135 باختلاف في ألفاظه.
(4)
العين: سلق 5/ 76.
وخطيب مِسْلاقٌ: إذا كان ماضيًا في خطبته معلنًا بها، وكذلك تقول العرب: خطيبٌ مِسْلَقٌ ومِسْلاقٌ، قال الأعشى بن قيس بن ثعلبة
(1)
:
131 -
فِيهِمُ المَجْدُ والسَّماحةُ والنَّجْـ
…
دةُ فِيهِم والخاطِبُ المِسْلاقُ
(2)
والسَّلْقُ والصَّلْقُ -بالسين والصاد جميعًا-
(3)
: رفع الصوت، وقوله:{بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} يعني: بألسنة سَلِيطةٍ باسطة بالشرِّ ذَرِبةٍ، وهي جمع حديدٍ.
ثم وصفهم فقال: {أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا} ؛ أي: وهم -إن أظهروا الإيمان ونافقوا- ليسوا بمُؤْمِنِينَ، {فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ}؛ أي: أبْطَلَ جهادَهُمْ؛ لأنه لَمْ يكن في إيمانٍ، {وَكَانَ ذَلِكَ} الإحباط {عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19)} . أنزلت هذه الآية في عبد اللَّه بن أُبَيٍّ وأصحابه
(4)
.
قوله تعالى: {يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا} ؛ أي: يحسب المنافقون أن الأحزابَ مُعَسْكِرُونَ مُقِيمُونَ، لَمْ ينصرفوا عن قتالهم إلى مكة من الخوف الذي نَزَلَ بهم، وقد انصرفوا، والأحزاب: الجماعات واحدهم حزب، وهم
(1)
في الأصل: "الأعشى قيس بن ثعلبة".
(2)
البيت من الخفيف، للأعشى يفخر بقومه، ورواية ديوانه:
فِيهِمُ الخِصْبُ والسَّماحةُ والنَّجـ
…
دةُ فِيهِمْ والخاطِبُ المِصْلاقُ
اللغة: خطيب سَلّاقٌ ومِسْلاقٌ ومِصْلاقٌ: إذا كان بليغًا في الخطابة.
التخريج: ديوانه ص 265، السيرة النبوية لابن هشام 3/ 727، مجاز القرآن 2/ 135، غريب الحديث للهروي 1/ 97، تهذيب اللغة 8/ 402، ديوان الأدب 1/ 329، عين المعانِي ورقة 103/ أ، تفسير القرطبي 14/ 154، اللسان: سلق، التاج: سلق.
(3)
وقد قرأ ابن أبِي عبلة: "صلقوكم" بالصاد، ينظر: البحر المحيط 7/ 215.
(4)
ينظر: جامع البيان 21/ 168، الكشف والبيان 8/ 23، زاد المسير 6/ 364، تفسير القرطبي 14/ 151 - 152.
الذين تَحَزَّبُوا على عداوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومخالفته أي: اجتمعوا، {وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ}؛ أي: يرجعوا إليهم كَرّةً ثانيةً للقتال {يَوَدُّوا} من الخوف والجُبْنِ والفَرَقِ {لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ} يَتَمَنَّوْنَ لو كانوا فِي بادية الأعراب خارجين إليهم من الرَّهبة، والبادون: خلاف الحاضرين، يقال: بَدا يَبْدُو بَداوةً وبِداوةً: إذا خرج إلى البادية
(1)
{يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ} ؛ أي: أخباركم، يقولون: ما فَعَلَ محمَدٌ وأصحابه؟.
قرأ العامّة: "يَسْألُونَ" بالتخفيف، وقرأ عاصمٌ الجحدري ويعقوب في روايةِ رُويْسٍ:"يَسّاءَلُونَ"
(2)
مشددة ممدودةً، يعني: يتساءلون؛ أي: يسأل بعضهم بعضًا عن أخباركم، وما آلَ إليه أمْرُكُمْ، {وَلَوْ كَانُوا} يعني: هؤلاء المنافقين {فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)} يعني: رياءً وسمعةً من غير حِسْبةٍ، ولو كان ذلك للَّهِ لكان كثيرًا، وهو نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أو لظرفٍ محذوفٍ.
قوله تعالى: {وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} يعني بني قريظة الذين عاونوا أهلَ مكة: أبا سفيان وأصحابَهُ {مِنْ صَيَاصِيهِمْ} يعني: من حصونهم المانعة، واحدها صِيصِيةٌ، قال محمد بن يزيد
(3)
: وأصل الصِّيصِيةِ: ما يُمْتَنَعُ به، فالحصن صِيصِيةٌ، ويقال لقرون البقر: صَياصٍ؛ لامتناعها بها، وكذلك يقال في شوكة الدِّيك: صِيصِيةٌ، وهي التي في رجله ناتئةٌ كالقَرْنِ، ويقال أيضًا في شوكة الحائك: صِيصِية، تشبيهًا بها، وأنشد أبو عُبَيْدةَ لدُرَيْدِ بن الصِّمّةِ
(4)
:
(1)
ينظر: لسان العرب: بدو.
(2)
وهي أيضًا قراءة زيد بن عَلِيٍّ والحسن وقتادة. ينظر: جامع البيان 21/ 172، النشر 2/ 348، الإتحاف 2/ 373.
(3)
ينظر قول المبرد في إعراب القرآن 3/ 311، ومعاني القرآن للنحاس 5/ 341.
(4)
دُرَيْدُ بن معاوية بن الحارث الجُشَمِيُّ، شجاع من الأبطال الشعراء المعمرين في الجاهلية، =
132 -
نَظَرْتُ إلَيْهِ والرِّماحُ تَنُوشُهُ
…
كَوَقْعِ الصَّياصِي فِي النَّسِيجِ المُمَدَّدِ
(1)
والصَّياصِي أيضًا: الأصول، قال أبو عبيدة
(2)
: العرب تقول: جَدَّ اللَّهُ صِيصِيَتَهُ؛ أي: أصْلَهُ.
وقوله: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} أي: ألقى فِي قلوبهم الخوفَ {فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26)} قيل: إنهم قَتَلُوا منهم أربعمائةٍ وخمسين رجلًا، وسَبَوْا منهم سبعمائةٍ وخمسين رجلًا، وقيل:{فَرِيقًا تَقْتُلُونَ} يعني الرجال، {وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} يعني النساء والذَّرارِيَّ، وهما منصوبان بـ {تَقْتُلُونَ} و {وَتَأْسِرُونَ} .
قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
= كان سيد بني جُشَمَ وفارسهم وقائدهم، غزا مائة غزوة لَمْ يُهْزَمْ في واحدة منها، وعمر حتى سقط حاجباه، وأدرك الإسلام ولم يسلم، فَقُتلَ يوم حنين مشركًا. [الشعر والشعراء ص 753؛ 756، الأعلام 2/ 339].
(1)
البيت من الطويل، ويُرْوَى:
فَجِئْتُ إلَيْهِ والرِّماح يَشِقْنَهُ
ويُرْوَى أيضًا:
وما راعَنِي إلّا الرِّماحُ تَنوشُهُ
اللغة: تَنُوشُهُ: تتناوله. يَشِقْنَهُ: يَتَعَلَّقْنَ به ويَصِلْنَ إليه.
التخريج: ديوانه ص 63، مجاز القرآن 2/ 136، التعازي والمراثي للمبرد ص 23، جمهرة اللغة ص 242، تهذيب اللغة 12/ 266، ديوان المعانِي 2/ 58، المخصص 12/ 260، التذكرة الحمدونية 5/ 375، ذكر الفرق بين الأحرف الخمسة ص 304، عين المعاني 103/ أ، تفسير القرطبي 14/ 161، اللسان: شيق، صيص: صيا، نوش، البحر المحيط 7/ 205، التاج: صيص.
(2)
مجاز القرآن 2/ 136 باختلاف في ألفاظه.
وَزِينَتَهَا} يعني: زهرتها، {فَتَعَالَيْنَ} هو من العُلُوِّ، وأصله من الارتفاع، ولكن كَثُرَ استعماله حتى استعمل فِي معنى: انزل، فيقال للمُتَعالِي: تَعالَ، بمعنى: انْزِلْ، وهما جَزْمانِ على الأمر وجوابِهِ.
والمراد بالآية أزواجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وذلك أنّ أُمَّ سَلَمةَ بنتَ أبي أُميّة سألت النبي صلى الله عليه وسلم سِتْرًا مُعْلَمًا
(1)
، فَلَمْ يَقْدِرْ عليه، وسألته سَوْدةُ بنت زَمْعةَ قَطِيفةً خَيْبَرِيّةً، فلم يقدر عليها، وسألته ميمونة بنت الحارث الهلالية قطيفةً يمانيّةً، فلم يقدر عليها، وسألته زينب بنت جحشٍ الأسديّة ثوبًا مُمَصَّرًا، وهو البُرْدُ المُخَطُّطُ، فلم يقدر عليه، وسألته أم حبيبة بنت أبِي سفيان ثوبًا سَحُولِيًّا
(2)
، فلم يقدر عليه، وسألته حفصة بنت عمر ثوبًا من ثياب مصر، فلم يقدر عليه، وسألته جويرية بنت الحارث المصطلقية مِعْجَرًا
(3)
ومِنْطَقةً، فلم يقدر عليهما، فَغَمَّهُ ذلك، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآية، فَأمْسَكْنَ عن المسألة
(4)
، وقوله:{أُمَتِّعْكُنَّ} يعني: مُتْعةَ الطلاق، وقد ذكرناها في سورة البقرة
(5)
.
قوله: {وَأُسَرِّحْكُنَّ} يعني به الطلاق {سَرَاحًا جَمِيلًا (28)} من غير إضرارٍ، قال قتادة والحسن: أمَرَ اللَّهُ رسولَهُ أن يُخَيِّرَ أزواجَهُ بين الدنيا والآخرة والجَنّة والنّار، فنَزَلَتْ هذه الآية.
(1)
العَلَمُ: رَسْمُ الثَّوْبِ، والثَّوبُ المُعْلَمُ: المَرْسُومُ. اللسان: علم.
(2)
ثوب سَحُولِيٌّ: أبيض، وهو نوع من ثياب اليمن، منسوب إلى قرية باليمن تسمى سَحُولَ، أو إلى القَصّارِ لأنه يَسْحَلُها أي: يَغْسِلُها، ويجوز ضم السين على أنه جمع سَحْلٍ وهو الثوب الأبيض. اللسان: سحل.
(3)
المِعْجَرُ: نوع من ثياب اليمن تلتف المرأة به. اللسان: عجر.
(4)
ينظر: زاد المسير 6/ 376، التبيان للطوسي 8/ 334، عين المعانِي ورقة 103/ ب.
(5)
يعني قوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة: 236]، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.
قوله: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} ؛ أي: بمعصيةٍ ظاهرةٍ، وهي النشوز وسوء الخُلق في قول ابن عبّاسٍ، قرأ عاصمٌ الجحدري:"مَنْ تَأْتِ" بالتاء
(1)
، وقرأ غيره بالياء.
وقوله: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ} جواب الشرط {ضِعْفَيْنِ} مصدرٌ، {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} يعني: هَيِّنًا فِي الدنيا بالعقوبة، وفي الآخرة بالعذاب، قرأ ابن كثيرٍ وابن عامرٍ:"نُضَعِّفْ" بالنون وكَسْرِ العين مُشَدَّدًا من غير ألف "العَذابَ" نصبًا، وقرأ أبو عمرو ويعقوب:"يُضَعَّفْ"
(2)
بالياء وفتح العين والتشديد من غير ألِفٍ، "العَذابُ" رفعًا، وقرأ الباقون:"يُضاعَفْ" بالألف ورفع الباء من "الْعَذابُ" مع التخفيف، وهما لغتان مثل: باعَدَ وبَعَّدَ
(3)
، قال أبو عمرٍو وأبو عبيدة
(4)
: يقال: ضَعَّفْتُ الشيء: إذا جعلته متله، وضاعَفْتُهُ: إذا جعلته أمثاله.
(1)
قرأ عاصم الجَحْدَرِيُّ وعمرو بن فائِدٍ الأسْوارِيُّ ورَوْحٌ وزيد بن عَلِيٍّ، ويعقوب في رواية عنه:"مَنْ تَأْتِ" بالتاء، وقرأ الباقون يالياء، ينظر: المحتسب 2/ 179 - 180، تفسير القرطبي 14/ 176، البحر المحيط 7/ 220.
(2)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن محيصن وعاصم الجحدري: "نُضَعِّفْ لَها العَذابَ"، وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر ويعقوبُ والحسنُ واليزيديُّ وعيسى:"يُضَعَّفْ لَها العَذابُ"، ينظر: السبعة ص 521، حجة القراءات ص 575، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 196، تفسير القرطبي 14/ 176، البحر المحيط 7/ 220، الإتحاف 2/ 374.
(3)
قاله النحاس في معانِي القرآن 5/ 344، وقال الفارسي:"هما لغتان بمعنى واحد فيما حكاه سيبويه، وقال الأخفش: الخفيفة لغة أهل الحجاز، والثقيلة لغة بني تميم". الحجة للقراء السبعة 3/ 283، وينظر: تهذيب اللغة 1/ 482.
(4)
هذا معنى كلامهما، ينظر قول أبِي عبيدة في مجاز القرآن 2/ 136، وأما قول أبِي عمرو فقد حكاه النحاس بقوله:"فَرَّقَ أبو عمرو بين "يُضَعَّفْ" و"يُضاعَفْ"، قال: "يُضاعَفْ" للمِرارِ الكثيرة، و"يُضَعَّفْ" مرتين، وقرأ: "يُضَعَّفْ" لِهَذا". معاني القرآن للنحاس 5/ 343، وينظر: إعراب القراءات السبع 2/ 198، حجة القراءات ص 575، الكشف والبيان 8/ 33.
ومعنى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} يعني: يُجْعَلْ عذابُ جُرْمِها فِي الآخرة كعذاب جُرْمَيْنِ، كما زِيدَ فِي ثوابها ضِعْفٌ في قوله تعالى:{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} ، وإنما ضُوعِفَ عذابهن على إتيان الفاحشة؛ لأنهن يشاهدن من التَّنْزِيلِ ما يَزْجُرُ ويردع عن مواقعة الذنوب ما لا يُشاهِدُ غَيْرُهُنَّ، فإذا لَمْ يمتنعن عن ذلك استحققن تضعيف العذاب؛ لكمالهن وفضلهن على نساء العالمين.
قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} يعني: ومَن تُطعِ اللَّه ورسوله فيما يأمرها به منكنَّ، قرأه العامة بالياء، وَرُوِيَ عن ابن عامرٍ ويعقوب أنهما قرآ:"تَقْنُتْ" بالتاء
(1)
، قال الفراء
(2)
: وإنما قال: "يَقْنُتْ" لأن "مَنْ" أداةٌ تقوم مقام الاسم، يُعَبَّرُ به عن الواحد والاثنين والجميع والمؤنث والمذكر، قال اللَّه تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ}
(3)
، وقال:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}
(4)
، وقال الفرزدق في الاثنين:
133 -
تَعالَ فَإنْ عاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي
…
نَكُنْ مِثْلَ -مَنْ يا ذِئْبُ- يَصْطَحِبانِ
(5)
(1)
ورواها أبو حاتم عن أبِي جعفر وشيبةَ ونافعٍ، وبها قرأ أيضًا الجحدريُّ وَرَوْحٌ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ وعمرُو بنُ فائد الأسواريُّ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 120، إعراب القراءات السبع 2/ 198، تفسير القرطبي 14/ 176، البحر المحيط 7/ 221.
(2)
معانِي القرآن 2/ 110، 111 وهو معنى كلامه.
(3)
يونس 43.
(4)
يونس 42.
(5)
البيت من الطويل، للفرزدق يصف ذئبًا، ورواية ديوانه:"تَعَشَّ فَإنْ واثَقْتَنِي".
التخريج: ديوانه 2/ 329، الكتاب 2/ 416، مجاز القرآن 2/ 41، معانِي القرآن للأخفش ص 36، المقتضب 2/ 294، 3/ 253، معانِي القرآن وإعرابه 1/ 146، شرح أبيات سيبويه 2/ 84، المحتسب 1/ 219، الخصائص 2/ 422، الصاحبي ص 274، الحلل ص 401، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 1/ 38، 2/ 10، تفسير القرطبي 1/ 435، =
قوله: {وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا} جواب الشرط {مَرَّتَيْنِ} ؛ أي: ضِعْفَي ثوابِ غيرهن من النساء فِي الآخرة، قرأ يحيى والأعمش وحمزة والكسائي وخلَفٌ:"يَعْمَلْ" و"يُؤْتِها"
(1)
بالياء فيهما، وقرأ الباقون بالتاء والنون، ونصب {مَرَّتَيْنِ} على الظرف أو المصدر {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا (31)} ثوابًا حسنًا، وهو في الجَنّة.
قوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} قال الفراء والزَّجّاج
(2)
: لَمْ يقل: كواحدةٍ؛ لأنّ أحَدًا نَفْيٌ عامٌّ يصلح للواحد والاثنين والجميع، والمذكرِ والمؤنثِ، قال اللَّه عز وجل:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}
(3)
، وقال تعالى:{فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}
(4)
.
وقوله: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} ؛ أي: لا تُلِنَّ الكلامَ للرجال، {فَيَطْمَعَ} {الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} فُجُورٌ وزِنًى وضُعْفُ إيمانٍ
(5)
{وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)} حسنًا جميلًا ونصب {فَيَطْمَعَ} على جواب النهي بالفاء.
= شرح التسهيل لابن مالك 1/ 213، 233، شرح المفصل 2/ 132، 4/ 13، اللسان: منن، مغني اللبيب ص 529، المقاصد النحوية 1/ 461، شرح شواهد المغني ص 829، همع الهوامع 1/ 283، 287.
(1)
وبها قرأ أيضًا أبو عبد الرحمن السُّلَمِيُّ، ينظر: السبعة ص 521، حجة القراءات ص 576، الكشف عن وجوه القراءات 196 - 197، البحر المحيط 7/ 221، الإتحاف 2/ 374.
(2)
لَمْ أقف على قول الفراء في معاني القرآن، وإنما حكاه الأزهري عنه في التهذيب 5/ 196، وينظر: الكشف والبيان 8/ 34، وأما قول الزجاج فهو في معاني القرآن وإعرابه 4/ 224، والنص للزجاج.
(3)
البقرة 285.
(4)
الحاقة 47.
(5)
في الأصل: "وضُعْفٌ وإيمانٌ"، وهو تحريف.
قوله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} قرأ أبو جعفرٍ وشيبة ونافعٌ وعاصمٌ بفتح القاف، وقرأ غيرهم بالكسر
(1)
، فمن فتح القاف فمعناه: واقْرَرْنَ؛ أي: الْزَمْنَ بيوتكنَّ
(2)
، من قولك: قَرِرْتُ فِي المكان أقَرُّ قَرارًا، وقَرَرْتُ أقِرُّ لغتان، فحُذِفَ الراءُ الأولى التي هي عين الفعل، ونقلت حركتها إلى القاف وانفتحت، فلما تحركت القاف سقطتْ ألِفُ الوصلِ، فبقي:"قَرْنَ" كقولهم في ظَلِلْتُ: ظَلْتُ، قال اللَّه تعالى:{فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ}
(3)
، وقال تعالى:{ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا}
(4)
، والأصل: ظَلِلْتَ، فحُذِفَ إحدى اللامَينِ
(5)
، قال صاحب إنسان العين
(6)
: وَقَرْنَ وَهَمْتُ في معنى: هَمَمْتُ شاذٌّ، قال الشاعر:
134 -
سِوَى أنّ العِتاقَ مِنَ المَطايا
…
أحَسْنَ بِهِ فَهُنَّ إلَيْهِ شُوسُ
(7)
(1)
ينظر: السبعة ص 521، 522، إعراب القراءات السبع 2/ 199، 200، البحر المحيط 7/ 223، الإتحاف 2/ 375.
(2)
وقال الأخفش الأصغر: "هو من: قَرِرْتُ به عَيْنًا أقَرُّ، فالمعنى: واقْرَرْنَ به عَيْنًا في بيوتكن"، قال النحاس:"وهذا وجه، إلا أن الحديث يدل على أنه من الأول"، إعراب القرآن 3/ 314، وينظر: معانِي القرآن للنحاس 5/ 346.
(3)
الواقعة 65.
(4)
طه 97.
(5)
ينظر: معانِي القرآن للفراء 2/ 342، مجاز القرآن 2/ 137، إعراب القراءات السبع 2/ 199، 200، الحجة للفارسي 3/ 284، مشكل إعراب القرآن 2/ 197.
(6)
ينظر: عين المعانِي 103/ ب، وهذا الكلام قاله سيبويه من قبله، ذكره في باب ما شذ من المضاعف فَشُبِّهَ بباب "أقَمْتُ". الكتاب 4/ 421، 422، وينظر: المقتضب 1/ 380، 381، الخصائص 2/ 440، 441.
(7)
البيت من الوافر، لأبِي زبيد الطائي يصف أسدًا، وأن المطايا هي التي شعرت به، ورواية ديوانه:
خَلا أنّ العتاق. . . . . . .
…
حَسِسْنَ بِهِ. . . . .
ويُرْوَى: "حَسِينَ بِهِ". =
ومن كسر القاف فهو من الوَقارِ
(1)
، والأمر منه: قِرْ، وللنساء: قِرْنَ، كقولك من الوعد: عِدْنَ، ومن الوصل: صِلْنَ؛ أي: كُنَّ أهْلَ وَقارٍ وهدوء وسكون وتُؤَدةٍ، من قولهم: وَقَرَ فلانٌ يَقِرُ وُقُورًا: إذا سكَنَ واطمأنّ، والوَقارُ: هو الحلم والرزانة، وقد وَقِرَ الرَّجُلُ يَقِرُ وَقارًا وقِرةً فهو وَقُورٌ، قال الشاعر:
135 -
بِكُلِّ أخْلاقِ الرِّجالِ قَدْ مَهَرْ
ثَبْتٌ، إذا ما صِيحَ بِالقَوْمِ وَقَرْ
(2)
والتوقير: التعظيم والتَّرْزِينُ.
= اللغة: العتاق: جمع عتيق وهو الرائع الكريم من كل شيء. المطايا: جمع مَطِيةٍ وهي الناقة التي يُرْكَبُ مَطاها أي: ظهرها. حَسِينَ به: علمن به، والأصل حَسِسْنَ فأبدلوا من إحدى السينين ياءً، وأما أحَسْنَ فهو مثل ظَلْتُ ومَسْتُ فِي ظَلِلْتُ ومَسِسْتُ. شُوسُ: جمع أشْوَسَ وشَوْساءَ وهو الذي ينظر بمؤخر العين تكبرًا أو تغيظًا.
التخريج: ديوانه ص 96، معانِي القرآن للفراء 1/ 217، مجاز القرآن 2/ 28، 35، 137، المقتضب 1/ 380، مجالس ثعلب ص 418، معانِي القرآن وإعرابه 1/ 416، الزاهر 1/ 231، إعراب القراءات السبع 2/ 200، المحتسب 1/ 123، 269، 2/ 76، المنصف 3/ 84، الخصائص 2/ 440، أمالي ابن الشجري 1/ 146، 2/ 172، الاقتضاب 2/ 68، 3/ 34، الحلل ص 412 - 413، الإنصاف ص 273، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 2/ 355، 357، شرح المفصل لابن يعيش 10/ 154، اللسان: حسس، حسا، مسس، البحر المحيط 7/ 377.
(1)
هذا قول أكثر العلماء، وعلى هذا فوزنه "عِلْنَ"، فيكون محذوف الفاء، وأصله: اوْقِزنَ مثل: عِدْنَ وصِلْنَ، ينظر: معانِي القرآن للفراء 2/ 342، مجاز القرآن 2/ 137، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 225، إعراب القرآن 3/ 313، الحجة للفارسي 3/ 284، إعراب القراءات السبع 2/ 200، مشكل إعراب القرآن 2/ 196.
(2)
البيتان من الرجز المشطور، للعجاج يمدح عمر بن عبيد اللَّه بن معمر، ورواية ديوانه:"بِكُلِّ أخْلاقِ الشُّجاعِ". =
قال أبو عبيدٍ
(1)
: كان أشياخُنا من أهل العربية ينكرون القراءة بالفتح، وذلك لأن قَرَرْتُ فِي المكان أقَرُّ لا يُجَوِّزُهُ كثيرٌ من أهل اللغة، والصحيح: قَرَرْتُ أقِرُّ بالكسر، ومعناه: الأمر لهنُّ بالتوقير والسكون في بيوتهن وألا يخرجن، وذلك قوله:{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} يعني: لا تُبْرِزْنَ محاسنَكُنَّ؛ أي: تُظْهِرْنَها، وقرأ البَزِّيُّ:"وَلا تَّبَرَّجْنَ" بتشديد التاء
(2)
، قال أبو العباس
(3)
: حقيقة التبرُّج: إظهار ما سَتْرُهُ أحْسَنُ، وهو مأخوذ من السَّعةِ، يقال: في عينه بَرَجٌ؛ أي: سَعةٌ، ويقال: في أسنانه بَرَجٌ: إذا كانت متفرِّقةً.
وقوله: {الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} كما يقال: الجاهلية الجَهْلاءُ، قال: وكانت النساء فِي الجاهلية الجهلاء يظهرْنَ ما يَقْبُحُ إظْهارُهُ، حتى كانت المرأة تجلس مع زوجها وخِلِّها، فينفرد خِلُّها بما فوق الإزار إلَى الأعلى، وينفرد زوجها بما دون الإزار إلى أسفل، وربما سأل أحدُهما صاحبَه البَدَلَ.
وأراد بـ {الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} : ما بين عيسى ومحمَّدٍ، وقيل: الجاهلية الأولى هي التي وُلدَ فيها إبراهيمُ عليه السلام، وكانت المرأة فِي ذلك الزمان
= اللغة: الثَّبْتُ: الثابتُ القلبِ، والثَّبْتُ: الفارس الشجاع.
التخريج: ديوانه ص 56، مجمل اللغة 1/ 166، المختار من شعر بشار ص 143، المخصص 3/ 58، أساس البلاغة: ثبت، اللسان: ثبت، وقر.
(1)
قاله في الغريب المصنف 3/ 962، 963، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 313، مشكل إعراب القرآن 2/ 197.
(2)
قرأ ابن كثير في رواية البَزِّيِّ: {وَلَا تَبَرَّجْنَ} بتشديد التاء، ويجب حينئذٍ إشباع المد، وقرأ الباقون بالتخفيف، ينظر: إعراب القراءات السبع 2/ 200، النشر 2/ 348، الإتحاف 2/ 376.
(3)
ينظر قول المبرد في إعراب القرآن للنحاس 3/ 314، تفسير القرطبي 14/ 180.
تتخذ الدرع من اللؤلؤ فتلبسه، ثم تمشي وسط الطريق مُفَرَّجًا جانباه، وليس عليها شيء غَيْرُهُ بتكسير وتَغَنُّجٍ، وكان في ذلك الزمان نُمْرُوذُ الجبار، والناس كُلُّهُمْ كفار.
ومعنى {الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} : القديمة، يقال لكل متقدم ومتقدمةٍ: أُولَى وأوَّلُ، وذلك أن أهل الجاهلية الأولى تقدموا أمةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فنُهِينَ نساءُ هذه الأمة عن ذلك، وأُمِرْنَ بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة اللَّه ورسوله، وذلك قوله:{وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)} الآية، يعني الإثم الذي نَهاهُنَّ اللَّه عنه فِي هذه الآيات، وَأمَرَهُنَّ بتركه
(1)
، فإنّ تَرْكَهُنَّ ما أمرهن به، ورُكُوبَهُنَّ ما نَهاهُنَّ عنه من الرِّجْسِ.
وقال الحسن
(2)
: الرِّجْسُ: الشيطان، وأهل البيت: نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصّةً؛ لأنهنَّ في بيته، وإنما ذُكِّرَ الخطابُ في قوله:{عَنْكُمُ} {وَيُطَهِّرَكُمْ} ؛ لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان فيهنَّ، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غُلِّبَ المذكرُ، وقال آخرون: هذا خاصٌّ في النبي صلى الله عليه وسلم وعَلِيٍّ والحسنِ والحسينِ وفاطمةَ عليهم السلام، وهو قول أبِي سعيدٍ الخُدري
(3)
، و {أَهْلَ الْبَيْتِ} نصب على النداء، وإن شئت على المدح، قال الزجّاج
(4)
: ويجوز الرفع والخفض.
(1)
في الأصل: "وأمرهن به".
(2)
ينظر قوله في الكشف والبيان 8/ 35 - 36، الوسيط 3/ 469.
(3)
روى الطبري بسنده عن أبِي سعيد الخدري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "نزلت هذه الآية في خمسة: فِيَّ وفي عَلِىٍّ وحَسَنٍ وحُسَيْن وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]. جامع البيان 22/ 9، وينظر: معانِي القرآن للنحاس 5/ 348، الكشف والبيان 8/ 42.
(4)
معانِي القرآن وإعرابه 4/ 226، وهذا في غير القرآن، أما في القرآن فلا يجوز، والرفع =