الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: سألتُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول اللَّه: ما هذه النعمة الظاهرة والباطنة؟ قال: "أمّا الظاهرة فالإسلام وما حَسَّنَ مِن خَلْقِكَ، وما أَفْضَلَ عليك من الرزق، وأما الباطنة فما سَتَرَ من سوء عملك، يا ابن عباس: يقول اللَّه تبارك وتعالى: إِنِّي جعلتُ للمؤمن ثلاثًا: صلاة المؤمن عليه بعد انقطاع عمله أُكَفِّرُ به عنه خطاياه، وجعلت له ثلث ماله لأكفر به عنه خطاياه، وسترت عليه سوء عمله الذي لو قد أَبْدَيْتُهُ للناس نَبَذَهُ أَهْلُهُ فمَنْ سِواهُم"
(1)
.
وفيه تفاسيرُ واختلافٌ بين العلماء يطول شرحها هاهنا، فاكتفينا بحديث المصطفى وتفسيره صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} يعني: كفار مكة {اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ} يعني: وإن كان الشيطان {يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)} ، قال الأخفش
(2)
: لفظه استفهام ومعناه تقرير، وقال أبو عُبيدة
(3)
: "لَوْ" ها هنا: متروكة الجواب، مجازه: أَوَلَوْ كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير؟ أي: موجباته، فيتبعونه.
(1)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 7/ 318، 319، الوسيط 3/ 445، عين المعاني ورقة 101/ ب، الدر المنثور 5/ 167.
(2)
الذي قاله الأخفش في هذه الآية: "هنا ألف استفهام أدخلها على واو العطف". معاني القرآن ص 440، وأما القول الذي حكاه المؤلف هنا عن الأخفش فقد ذكره الثعلبي في الكشف والبيان 7/ 320، والثعلبي في عين المعاني ورقة 101/ ب.
(3)
لم أقف على هذا القول في مجاز القرآن، وإنما ذكره الثعلبي في الكشف والبيان 7/ 320، والسجاوندي في عين المعاني ورقة 101/ ب.
قوله تعالى: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا} ؛ أي: نُعَمِّرُهُمْ ونُمْهِلُهُمْ قليلًا، يعني: أَيّامَ حياتهم إلى انقضاء آجالهم، ونصب {قَلِيلًا} على النعت لمصدر محذوف، يعني: متاعًا قليلًا بما أُعطوا من الدنيا، {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ} يريد: فِي الآخرة، أي: نُلْجِئُهُمْ {إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ (24)} وهو عذاب النار لا يجدون عنه ملجأً ولا محيصًا.
قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} ؛ أي: بُرِيَتْ أَقْلَامًا {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} قرأ ابن أَبي إسحاق
(1)
وأبو عمرو ويعقوب: {وَالْبَحْرَ} بالنصب
(2)
عطفًا على اسم "أَنَّ"، وهو "ما" الذي بمعنى "الَّذِي"، ويحتمل أن يكون منصوبًا بإضمار فعلٍ تفسيرُه ما بعده تقديره: ويُمِدُّ البحرَ يُمِدُّدُ
(3)
.
وقرأ غيرهم بالرفع على الاستئناف، كأنه قال: والبحرُ هذه حاله
(4)
، وقيل
(5)
: على موضع "لَوْ أَنَّ" تقديره: ولو كان ما في الأرض، لأن "لو"
(1)
في الأصل: "أبو إسحاق".
(2)
وهي أيضًا قراءة اليزيدي، ينظر: السبعة ص 513، تفسير القرطبي 14/ 77، البحر المحيط 7/ 186، الإتحاف 2/ 364.
(3)
وعلى هذا فالواو واو الحال، والتقدير: لو أن الذي في الأرض حال كون البحر ممدودًا بكذا، ينظر: كشف المشكلات 2/ 218، البيان للأنباري 2/ 256، التبيان للعكبري ص 1045، الدر المصون 5/ 390.
(4)
قال سيبويه: " {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}، وقد رفعه قوم على قولك: لو ضربتَ عبدَ اللَّه وزيدٌ قائم ما ضَرُّكَ؛ أي: لو ضربت عبدَ اللَّه وزيدٌ فِي هذه الحال، كأنه قال: ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أَمْرُهُ ما نفدت كلمات اللَّه". الكتاب 2/ 144.
(5)
هذا قول الزُّجّاج في معاني القرآن وإعرابه 4/ 200، وهذا يتجه على مذهب المبرد في أن الاسم الواقع بعد "لو" مرفوع على الفاعلية بفعل مضمر، ينظر: المقتضب 3/ 77، وأما على مذهب سيبويه فما بعد "لو" مرفوع بالابتداء، ينظر: الكتاب 3/ 121.
تطلب الأفعال، وحجتهم قراءة عبد اللَّه:{وَبَحْرٌ يُمِدُّهُ}
(1)
، يريد: ويَنْصَبُّ إليه {مِنْ بَعْدِهِ} ؛ أي: مِنْ خَلْفِهِ {سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} يعني: عِلْمُ اللَّه وعجائبه، {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} في ملكه {حَكِيمٌ (27)} في أمره، وهذه الآية تقتضي أن كلامه غير مخلوق؛ لأن ما لا نهاية له ولما تَعَلَّقَ به من معناه فهو غير مخلوق.
وقد حُكِيَ: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ}
(2)
بضم الياء وكسر الميم على أنهما لغتان بمعنًى واحد، وحُكِيَ التفريقُ بينهما، يقال فيما كان يزيد في الشيء: مَدَّهُ يَمُدُّهُ، كما تقول: مَدَّ النيلُ الخليجَ؛ أي: زاد فيه، وأَمَدَّ اللَّهُ الخليجَ بالنيل، وهذا أحسن القولين، وهو مذهب الفراء
(3)
.
ويجوز: "تَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سبْعةُ أَبْحُرٍ"
(4)
على تأنيث السبعة
(5)
، والمعنى: لو زِيدَ في البحر سبعةُ أَبْحُرٍ تَمُدُّهُ بمائها، فكُتِبَ بتلك الأقلامِ، لَنَفِدَ المِدادُ قبل أن ينفد علم اللَّه، وهو قوله:{مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} .
قال طاهر بن أحمد
(6)
: وفي قراءة من رفع "البحرَ" إشكال يحتاج إلى لطف نظر، فـ {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ} جملة من مبتدأ وخبر في موضع الحال، وإذا
(1)
وهي أيضًا قراءة أُبَيٍّ وطلحةَ بنِ مُصَرِّفٍ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 118، المحتسب 2/ 169، 170، تفسير القرطبي 14/ 77، البحر المحيط 7/ 186.
(2)
هذه قراءة ابن مسعود والحسن وابن هرمز وابن مُطَرِّفٍ، ينظر: المحتسب 2/ 169 - 170، تفسير القرطبي 14/ 77، البحر المحيط 7/ 186، الإتحاف 2/ 364.
(3)
معاني القرآن 2/ 329 باختلاف في الألفاظ.
(4)
هذه بالفعل قراءة شاذة لبعض القراء، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 188.
(5)
من أول قوله:، "وحُكِيَ التفريق بينهما. . . " قاله النَّحاس في إعراب القرآن 3/ 288.
(6)
شرح المقدمة المُحسبة لطاهر بن أحمد ص 405.
كان في موضع الحال احتاج إلى صاحب الحال وإلى عاملٍ في الحال، وليس معك عامِلٌ إلّا مُتَأَوَّلًا، وذلك التأويل: أنّ أقلامًا -وإن كانت أسماءً جامدةً- فإنها وقعت هاهنا موقع كاتبات أو جاريات، وإذا وقعت موقع كاتبات أو جاريات فقد تَحَمَّلَتِ الضميرَ، وصار فيها معنى الاشتقاق، فعَمِلَتْ في موضع الجملة الحالية النصبَ، فأما من نصب البحر فلا إشكال فيه؛ لأن الواو عاطفة للبحر على {وما في الأَرْضِ} .
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} فِي قوله وفعله، {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} الذي ليس عنده نفعٌ ولا ضُرّ، {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ} العالي على كل شيء بقدرته {الْكَبِيرُ (30)} الذي يَصْغُرُ كُلُّ شيء سواه، والباطل رفع على خبر ابتداء محذوف، تقديره: هو الباطل، نظيرها في سورة الحج
(1)
.
قوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ} يعني: الكفار {مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} قيل: كالجبال، وقيل: كالسحاب التي تُظِلُّ ما تحتها، والظُّلَلُ: جمع ظُلّةٍ، شُبِّهَ المَوْجُ بها فِي كثرتها وارتفاعها، كقول النابغة الجعدي
(2)
:
121 -
يُماشِيهِنَّ أَخْضَرُ ذُو ظِلالٍ
…
عَلَيَّ، كأَنَّهُ فِلَقُ الدِّهانِ
(3)
(1)
الآية 62، ولم يتناولها المؤلف بالشرح هناك.
(2)
هو: قيس بن عبد اللَّه بن عُدَسِ بن ربيعة الجَعْدِيُّ، أبو ليلى، شاعر مفلق، وصحابِيٌّ من المعمرين، اشتهر في الجاهلية، وكان ممن هجر الأوثان، ونهى عن الخمر قبل الإسلام، شهد صفين مع عَلِيٍّ رضي الله عنه، وسكن الكوفة، وتوفِّي بأصبهان سنة (50 هـ)، وقد كُفَّ بَصَرُهُ، وجاوز المائة. [الشعر والشعراء ص 295، الإصابة 6/ 308، الأعلام 5/ 207].
(3)
البيت من الوافر، للنابغة للجعدي يصف بَحْرًا، ورواية ديوانه:
يُعارضُهُنَّ أَخْضَرُ ذُو ظِلَالٍ
…
عَلَى حافاتِهِ فِلَقُ الدِّنانِ
اللغة: الأَخضر ذو الظلال: البحر؛ لأن لأمواجه ما يشبه الظلال، الفِلَقُ: جمع فِلْقةٍ وهي الشق. =
وإنما شَبَّهَ الموجَ، وهو. واحدٌ، بالظُّلَلِ، وهو جَمْعٌ؛ لأن الموج يأتِي شيئًا بعد شيء، يركب بعضه بعضًا كالظُّلَلِ المتتابعة
(1)
، وقيل
(2)
: هو بمعنى الجمع، وإنما لم يُجْمَعْ لأنه مصدر وأصله من الحركة والازدحام.
وقوله: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} يعني: مُوَحِّدِينَ {لَهُ الدِّينَ} ؛ أي: التوحيد، ونصب {مُخْلِصِينَ} على: الحال، و {الدِّينَ}: نصب بالإخلاص.
قوله: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} يعني: عَدْلًا فِي وفاء العهد فِي البِرِّ بما عاهد عليه اللَّهَ في البحر من التوحيد له، يعني: المؤمن، {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا} يعني: يترك العهد {إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)} يعني: غدارًا بالعهد كفورًا للَّه في نِعَمِهِ في ترك التوحيد في البَرِّ. قال أبو عبيدة
(3)
: الخَتْرُ: أقبح الغدر، قال عمرو بن معدي كرب
(4)
:
122 -
وإنَّكَ لو رَأَيْتَ أبا عُمَيرٍ
…
مَلأْتَ يَدَيْكَ مِنْ غَدْرٍ وخَتْرِ
(5)
= التخريج: ديوانه ص 180، مجاز القرآن 2/ 129، جامع البيان 21/ 102، الكشف والبيان 7/ 322، المحرر الوجيز 4/ 355، عين المعاني ورقة 101/ ب، تفسير القرطبي 14/ 80، الجمان في تشبيهات القرآن ص 128.
(1)
قاله الفرَّاء في معاني القرآن 2/ 330، وينظر أيضًا: جامع البيان 21/ 102، الكشف والبيان 7/ 322.
(2)
قاله الثعلبي في الكشف والبيان 7/ 322، وينظر: تفسير القرطبي 14/ 85، البحر المحيط 7/ 188.
(3)
مجاز القرآن 2/ 129.
(4)
هو: عمرو بن مَعْدِي كَرِب بن ربيعة بن عبد اللَّه الزبيدي، أبو ثور، فارس اليمن، كان قد أسلم ثم ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى الإسلام، وشهد اليرموك، وفقد فيها إحدى عينيه، وله شعر جيد، وكان عَصِيَّ النفس، مات على مقربة من الرِّيِّ سنة (21 هـ). [الشعر والشعراء ص 379، الإصابة 4/ 568: 574، الأعلام 5/ 86].
(5)
البيت من الوافر، وأبو عمير هو فَرْوةُ بن مُسَيْكٍ المرادي عامل الرسول على مَذْحِجٍ، وكان عمرو يهجوه. =
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} ؛ أي: لا يُغْنِي أحدُهُما عن الآخر شيئًا، ولا ينفعه ذلك اليومَ، يعني: الكفار، نظيرها قوله تعالى:{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا}
(1)
، وقد تقدم، {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ} يريد: البعث {حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} يعني: عن الإسلام والتزود للآخرة، {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ}؛ أي: بحلم اللَّه وإمهاله {الْغَرُورُ (33)} يعني به الباطلَ، وهو الشيطان، قرأه العامة بفتح الغين، هاهنا وفِي الملائكة والحديد
(2)
، وقالوا: هو الشيطان، وهو الذي من شأنه أن يَغُرَّ، وقرأ سِماكُ بنُ حَرْبٍ
(3)
بضَمِّ الغَيْنِ
(4)
، ومعناه: لا تَغْتَرُّوا، والغَرُورُ بالفتح: الشيطان، والغُرُورُ بالضم: الدنيا
(5)
.
قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} نزلت فِي رجل يقال له: الحارثُ بن عَمْرو بن حارثة من أهل البادية، أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أرضنا
= التخريج: ديوانه ص 123، جامع البيان 21/ 102، سيرة ابن هشام 4/ 1005، الكشف والبيان 7/ 323، الكشاف 3/ 238، المحرر الوجيز 4/ 356، عين المعاني ورقة 101/ ب، مجمع البيان 8/ 93، تفسير القرطبي 14/ 80، معجم ما استعجم 2/ 650، تفسير ابن كثير 3/ 462، البحر المحيط 7/ 177، تاريخ دمشق 46/ 373، 377، السيرة النبوية لابن كثير 4/ 139.
(1)
البقرة 48، 123.
(2)
فاطر 5، والحديد 14.
(3)
هو: سِماكُ بن حرب بن أوس بن خالد الذهلي، أبو المغيرة البكري، تابعي محدث من أهل الكوفة، أدرك ثمانين صحابيَّا، ذهب بصره ثم عاد إليه، توفِّي سنة (123 هـ). [سير أعلام النبلاء 5/ 245 - 249، الأعلام 3/ 138].
(4)
قرأ سِماكُ بنُ حرب ومحمد بن السَّمَيْفَع وأبو حيوة: {الْغُرُورُ} بضم الغين، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 153، المحتسب 2/ 172، تفسير القرطبى 14/ 81، البحر المحيط 7/ 189.
(5)
قاله أبو عمر الزاهد في ياقوتة الصراط ص 406.
أَجْدَبَتْ، فمتى ينزل الغيث؟ وتركتُ امرأتي حُبْلَى، فماذا تَلِدُ؟ وقد علمتُ أين وُلِدْتُ، فبأَيِّ أرض أموتُ؟ وقد علمتُ ما عملتُ اليومَ، فماذا أعمل غدًا؟ ومَتَى السَاعةُ؟، فأنزل اللَّه في مسألة الحارثي:{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} يوم القيامة، لا يعلمها غيره، {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} يعني: المطر، {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} من ذَكَرٍ أو أنثى سَوِيٍّ وغَيْرِ سَوِيٍّ، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ} بر أو فاجر {مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} من خير أو شر، {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فِي سَهْلٍ أو جَبَلٍ، فِي بَرٍّ أو بَحْرٍ {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34)} ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أين السائل عن الساعة؟ "، فقال الحارثي: ها أنا ذا، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية عليه
(1)
.
ورَوَى ابنُ عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مفاتيح الغيب فِي خمس لا يعلمها إلا اللَّه تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ. . .} الآية
(2)
.
وقوله: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} كان حقه: "بأَيّةِ أَرْضٍ"، وهي قراءة أُبَيِّ بن كعب
(3)
، إلّا أَنَّ مَنْ ذَكَّرَ قال: لأن الأرض ليسَ فيها من علامات التأنيث شيءٌ، وقيل: أراد بالأرض المكان، فلذلك ذُكِّرَ، واحتج بقول الشاعر:
123 -
فلا مُزْنةٌ وَدَقَتْ وَدْقَها
…
ولا أَرْضَ أَبْقَلَ إبْقالَها
(4)
(1)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 323، الوسيط 3/ 447، أسباب النزول ص 234، الدر المنثور 5/ 169.
(2)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 24، 58، والبخاري في صحيحه 2/ 23 كتاب العيدين: أبواب الاستسقاء، 5/ 193، 219 كتاب تفسير القرآن: سورة الأنعام، وسورة الرعد، 8/ 166 كتاب التوحيد: باب قول اللَّه: {عَالِمُ الْغَيْبِ} .
(3)
وهي أيضًا قراءة ابن أبي عبلة وموسى الأَسواريِّ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 118، تفسير القرطبي 14/ 83، البحر المحيط 7/ 190.
(4)
البيت من المتقارب، لعامر بن جُوَيْن الطائي. =
فذَكَّرَ "أَبْقَلَ"، ولم يقل: أبقلت، إِذْ كانت الأرض عاريةً من علامة التأنيث
(1)
، وأنشد أبو الفرج بن هِنْدُو
(2)
في المعنى:
124 -
تَعَلُّمُ أَحكامِ النُّجُومِ إضاعةٌ
…
لأِوْقاتِ عُمْرٍ يَنْقَضِي فتَفُوتُ
فَما يَعْلَمُ الإنسانُ ما كسْبُهُ غدًا
…
ولا يَعْلَمُ الإنسانُ أيْنَ يَمُوتُ
(3)
= اللغة: المُزْنةُ: السحابة ذات الماء، وَدَقَتْ: قَطَرَتْ، والوَدْقُ: المطر كله شَدِيدُهُ وهَيِّنُهُ، أَبْقَلَتِ الأرضُ: خَرَجَ بَقْلُها.
التخريج: الكتاب 2/ 46، معاني القرآن للفرَّاء 1/ 127، مجاز القرآن 2/ 67، 124، معاني القرآن للأخفش ص 55، 350، المحتسب 2/ 112، الخصائص 2/ 413، شرح شواهد الإيضاح ص 339، 460، شرح المفصل 5/ 94، شرح التسهيل لابن مالك 2/ 112، شرح الكافية للرَّضي 1/ 42، اللسان: أرض، بقل، خضب، مغني اللبيب ص 860، 879، شرح شواهد المغني ص 943، همع الهوامع 3/ 292، خزانة الأدب 1/ 45، 49، 50، التاج: ودق، بقل.
(1)
هذا ما قاله الثعلبي في الكشف والبيان 7/ 324، ولكن سيبويه وغيره أجازوا "بِأَيِّ أَرْضٍ" و"بِأَيّةِ أَرْضٍ"، قال سيبويه:"وسألت الخليل، رحمه الله، عن قولهم: أَيُّهُنَّ فُلَانةٌ؟ وأيَّتُهُنَّ فُلَانةٌ؟ فقال: إذا قلت: أَيُّ؟، فهو بمنزلة "كُلٍّ"؛ لأن كُلًّا مذكر يقع للمذكر والمؤنث، وهو أيضًا بمنزلة بعض، فإذا قلت: أَيَّتُهُنَّ؟ فإنك أردت أن تُؤَنِّثَ الاسمَ". الكتاب 2/ 407.
وقال أبو عبيدة: "يقال: بِأَيِّ أَرْضٍ كُنْتَ؟ وبِأَيّةِ أَرْضٍ كُنْتَ؟ لغتان". مجاز القرآن 2/ 129، وينظر: معاني القرآن للأخفش ص 440.
(2)
في الأصل: "بن هند"، وهو خطأ. وهو: علي بن الحسين بن محمد بن هِنْدُو، من المتميزين في علوم الحكمة والأدب والطب والفلسفة والفلك، نشأ بنيسابور، وكان من كُتّابِ ديوان الإنشاء لعَضُدِ الدولة، توفِّي بجرجان سنة (420 هـ)، وقيل:(410 هـ)، من كتبه: الكلم الروحانية من الحكم اليونانية، مفتاح الطب. [فوات الوفيات 3/ 13، الأعلام 4/ 278].
(3)
البيتان من الطويل، لَأبِي الفرج ابن هندو كما ذكر المؤلف.
التخريج: عين المعاني ورقة 110/ أ.