الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القَسَمُ؛ لأنه حَلَفَ أن يَطْوِيَها ويُفْنِيَها، وهو اختيار عَلِيِّ بنِ مَهْدِيٍّ الطبريِّ
(1)
، قال: معناه: مَفْنِيّاتٌ بقَسَمِهِ
(2)
، ثم نَزهَ نَفْسَهُ فقال تعالى:{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)} .
فصْلٌ
عن عبد اللَّه بن مسعودٍ قال: جاء حَبْرٌ من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! إن اللَّهَ يُمْسِكُ السماواتِ يوم القيامة على إصْبَعِ، والأرَضِينَ على إصْبَعٍ، والجبالَ والشجرَ على إصبع، والماءَ والثَّرَى على إصَبع، وسائرَ الخلق على إصبعٍ، ثم يَهُزُّهُن، فيقول: أنا المَلِكُ، أنا اللَّه، فضحك رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعَجُّبًا مما قال الحَبْرُ، وتَصْدِيقًا له، ثم قرأ:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
(3)
.
وعن ابن عمر قال: رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قائمًا على هذا المنبر، يعني منبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو يحكي عن ربه عز وجل، فقال: "إن اللَّه عز وجل إذا كان
(1)
هو عَلِيُّ بن محمد بن مهديٍّ الطبري الأشعري، أبو الحسن، محدث فقيه مفسر مشارك في أصناف العلوم، صحب أبا الحسن الأشعري بالبصرة، وأخذ عنه، توفي سنة (380 هـ) تقريبًا، من كتبه: مشكلات الأحاديث الواردة. [طبقات الشافعية الكبرى 3/ 466، 468، الوافِي بالوفيات 22/ 143، معجم المؤلفين 7/ 234].
(2)
ينظر اختيار عَلِيِّ بن مَهْدِيٍّ وقوله في الكشف والبيان 8/ 251.
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند 1/ 324، 378، 430، والبخاري في صحيحه 6/ 33 كتاب تفسير القرآن: سورة الزمر، 8/ 174، 187، 202 كتاب التوحيد: باب "يقبض اللَّهُ الأرضَ يوم القيامة"، وباب قول اللَّه تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]، ورواه مسلم في صحيحه 8/ 125، 126 كتاب صفة القيامة والجنة والنار.
يَوْمُ القيامةِ جَمَعَ السماواتِ السَّبْعَ والأرَضِينَ الشبْعَ في قبضته تبارك وتعالى، ثم قال: هكذا، وشَدَّ قبضته ثم بَسَطَها، ثم يقول: أنا اللَّه الرحمن، أنا الملك، أنا القدوس، أنا السلام، أنا المؤمن، أنا المهيمن، أنا العزيز، أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الذي بَدَأْتُ الدنيا ولَمْ تَكُ شَيْئًا، أنا الذي أعَدْتُها، أين الملوك؟ وأين الجبارون؟ وأين المتكبرون؟ "، قال: فَرَجَفَ المِنْبَرُ حَتى قُلْنا: لَيَخِزنَّ بِهِ
(1)
.
وعن الحسن بن عَلِيٍّ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمانٌ لأُمَّتِي من الغَرَقِ إذا ركبوا في الفلك: بسم اللَّه الرحمن الرحيم {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} إلى قوله: {يُشْرِكُونَ} ، {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
(2)
.
قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} نصب على الاستثناء، واختلفوا في مَن الذي لم يَشَأِ اللَّهُ أنْ يُصْعَقُوا، فقيل: هم الشهداء متقلدون بسيوفهم حول العرش، وقيل: هم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} رفعٌ لأنه نَعْتُ مَصْدَرٍ أُقِيمَ مُقامَ ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ، تقديره: نُفِخَ فيه نَفْخةٌ أُخْرَى، وهي نفخة البعث {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} ابتداءٌ وخبرٌ {يَنْظُرُونَ (68)} و {يَنْظُرُونَ}؛ أي: ينتظرون ما يقال لهم وما يؤمرون به {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} وهو أن اللَّه يخلق في القيامة نورًا يُلْبِسُهُ وَجْهَ الأرضِ، فتشرق الأرض به من غير شمسٍ ولا قمرٍ.
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 72، وذكره الثعلبي في الكشف والبيان 8/ 252، والهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 84 كتاب الإيمان: باب "إن اللَّه لا ينام"، 10/ 344، كتاب البعث: باب طيِّ السماوات والأرضين.
(2)
هود 41، والحديث رواه الطبراني عن ابن عباس في المعجم الأوسط 6/ 184، والمعجم الكبير 12/ 97، وينظر: الكامل في الضعفاء 7/ 198، مجمع الزوائد 10/ 132، كتاب الأذكار: باب ما يقول إذا ركب البحر.
وما بعد هذا ظاهر الإعراب إلى قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} يعني: أفواجًا، وقيل: جماعاتٍ فِي تَفْرِقةٍ، واحدتها زُمْرةٌ واحدةٌ، وهو نصبٌ على الحال، ومثله في الإعراب قوله عز وجل:{وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا} يعني الجنة.
واختلف النحاة في جوابه، فقال بعضهم
(1)
: جوابه: "فُتِحَتْ أبْوابُها"، والواو مُقْحَمةٌ زائدة عند الكوفيين، تقديرها: حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً}
(2)
يعني: ضِياءً، وهذا خطأ عند البصريين؛ لأنها تفيد معنى، وهي للعطف هاهنا.
وقيل
(3)
: جوابه: {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} ، والواو ملغاةٌ، تقديره: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها قال لهم خزنتها، وقال بعضهم
(4)
: إن جوابه مضمرٌ،
(1)
هذا قول الكوفيين. ينظر: معانِي القرآن للفراء 1/ 108، 238، 2/ 211، 390، 3/ 249، وينظر قولهم أيضًا في معانِي القرآن للنحاس 6/ 196، إعراب القرآن 4/ 22، سر صناعة الإعراب ص 646، 647، الإنصاف ص 456 وما بعدها.
(2)
الأنبياء 48، وينظر 1/ 194.
(3)
قاله الأخفش فِي معاني القرآن ص 125، 457، وحكاه عنه ابن الجوزي فِي زاد المسير 7/ 201.
(4)
هذا قول الخليل وسيبويه، قال سيبويه:"وسألت الخليل عن قوله، جَل ذِكْرُهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73] أين جوابها؟ وعن قوله جَلَّ وعَلا: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: 165]، {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام: 27]، فقال: إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجوابَ في كلامهم؛ لِعِلْمِ المُخْبَرِ لأيِّ شَيءٍ وُضِعَ هذا الكلامُ". الكتاب 3/ 103، وهو أيضًا قول المبرد والزجاج، ينظر: المقتضب 2/ 77: 99، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 364، وينظر أيضًا: معانِي القرآن للنحاس 6/ 197، إعراب القرآن 4/ 22، كشف المشكلات 2/ 277، الفريد 4/ 202، البحر 7/ 425.
ومعنى الكلام: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} دَخَلُوها {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ} ، وقال أبو عبيدة
(1)
: جوابه مكفوفٌ عن خبره، والعرَب تفعل هذا لدلالة الكلام عليه، قال الأخطل فِي آخر قصيدة له:
212 -
إذا ما خِلالٌ مِنْ قُرَيْشٍ تَفَضَّلُوا
…
عَلَى النّاسِ فِي أنّ الأكارِمَ نَهْشَلا
(2)
واختلف القراء فِي قوله: "فُتِحَتْ"، فَخَفَّفَها أهْلُ الكوفة فِي الموضعين، وشَدَّدَها الباقون على التكثير
(3)
.
ومعنى قوله: {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)} ؛ أي: طِبْتُمْ للجنة؛ لأن الذنوب والمعاصي مَخابِثُ في الناس، فإذا أراد اللَّه أن يُدْخِلَهُم الجنةَ غَفَرَ لهم
(1)
مجاز القرآن 2/ 192، وهو نفسه قول سيبويه.
(2)
البيت من الطويل للأخطل، وليس فِي ديوانه، قال البغدادي:"نسبه ابن يعيش إلى الأخطل، وله فِي ديوانه قصيدة على هذا الوزن والرَّوِيِّ، ولَمْ أجده فيها".
ويُرْوَى: "سِوَى أنّ حَيًّا"، ويُرْوَى:"خَلا أنّ حَيًّا".
اللغة: الخِلالُ: جمع خُلّةٍ، وهي الصداقة، وهي هنا بمعنى الصديق، تفضلوا: رَجَحُوا بالفضل والمزية، نَهْشَلٌ: أبو قبيلة، وهو نَهْشَلُ بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ونهشل بدل من الأكارم، والخبر محذوف؛ أي: أن الأكارم نهشلَ قد تفضلوا.
التخريج: مجاز القرآن 1/ 331، 2/ 192، المقتضب 4/ 131، الخصائص 2/ 374، أمالِيُّ ابن الشجري 2/ 63، شرح المفصل 1/ 104، شرح التسهيل لابن مالك 2/ 15، شرح الكافية للرضي 4/ 399، اللسان: نهشل، خزانة الأدب 10/ 453، 454، 461، 462، التاج: نهشل.
(3)
قرأ بالتشديد نافعٌ وابنُ كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب، ينظر: السبعة ص 563، 564، الإتحاف 2/ 432.
تلك الذنوبَ، فَفارَقَتْهُم المَخابِثُ
(1)
والأرْجاسُ من الأعمال، فطابوا للجنة، ومن هذا قول العرب: طابَ لي هذا، وطاب لِي العيشُ؛ أي: فارَقَتْهُ المَكارِهُ، وقوله:{خَالِدِينَ} يعني: مقيمين في جنات النعيم أبَدَ الآبِدِينَ، وهو منصوبٌ على الحال.
قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} يعني أرض الجنة، {نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)} يعني ثواب المطيعين، و"حَيْثُ" مبنيٌّ على الضم، ومحله نصبٌ بـ "نتَبَؤأُ"
(2)
.
{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} ؛ أي: مُحْدِقِينَ مُحِيطِينَ، يقال: رأيتُ الأميرَ قد حَفَّتْ به الجُنُودُ والعَساكِرُ: إذا أحاطت حوله
(3)
، وله المثل الأعلى.
و {حَافِّينَ} جمع حافٍّ، لكن قيل
(4)
: لا واحد له من لفظه؛ لأن الواحد لا يَحُفُّ، وأدخل {مِنْ} هاهنا للتوكيد، ونصب {حَافِّينَ} على الحال.
(1)
المخابث: المفاسد، الواحد: مَخْبَثةِ. اللسان: خبث.
(2)
"حَيْثُ" منصوب بـ "نَتَبَوَّأُ"؛ لأنه هو المُتَّخَذُ، وقيل: هو ظرف، ينظر: التبيان للعكبري ص 1114، الفريد للمنتجب الهمدانِي 4/ 202.
(3)
قال أبو عمر الزاهد: "يقال: قَدْ حَفتِ العَساكِرُ بمَلِكِها: إذا طافَتْ بهِ". ياقوتة الصراط ص 448، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 4/ 3.
(4)
هذا القول حكاه النحاس عن الفراء، فقال:"وقال الفراء: لا يُفْرَدُ لهم واحدٌ؛ لأن هذا الاسم لا يقع لهم إلا مجتمعين". إعراب القرآن 4/ 23، ولم أقف عليه في معانِي القرآن للفراء، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 262، الفريد 4/ 203، القرطبي 15/ 287، البحر 7/ 425، الدر المصون 6/ 26.