الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمعنى الأصِيلِ وجمعه آصالٌ، وقال غيره
(1)
: أُصُلٌ: جمع أصِيلٍ، كرَغِيفٍ ورُغُفٍ، وهما منصوبان على الظرف.
فصْلٌ
عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنه قال: جاء جبريل عليه السلام إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: "يا محمد: قل: سبحان اللَّه، والحمد للَّهِ، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر، ولا حوْلَ ولا قوة إلا باللَّه، عَدَدَ ما عَلِمَ، وزِنةَ ما عَلِمَ، ومِلْءَ ما عَلِمَ، فإنه مَنْ قالَها كَتَبَ اللَّهُ له بها خَمْسَ خِصالٍ: كُتِبَ من الذاكرين للَّهِ كثيرًا، وكان أفْضَلَ مِنْ ذَكَرةِ اللَّيْلِ والنَّهارِ، وكُنَّ له غَرْسًا في الجنة، وتَحاتَّتْ
(2)
عنه خطاياه كما يَتَحاتُّ وَرَقُ الشجرةِ اليابسةِ، ويَنْظُرُ اللَّهُ إليه، ومَنْ نَظَرَ إليه لَمْ يُعَذِّبْهُ"
(3)
.
ورُوِيَ عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ عجز عن الليل أن يُكابِدَهُ، وجَبُنَ عن العدوِّ أن يُجاهِدَهُ، وَبَخِلَ بِالْمالِ أنْ يُنْفِقَهُ، فَلْيُكْثِرْ ذِكْرَ اللَّهِ تعالى"
(4)
.
= أصِيل وأُصُلٌ مثل قضيب وقُضُب، وجمع أُصُلٍ: آصال، وهو جمع الجمع، وتقديره: عنق وأعناق، وطنب وأطناب، ويقال في جمع أصيلة: أصائل مثل خليفة وخلائف، قال الأعشى:
ولا بِأحْسَنَ مِنْها إذْ دَنا الأُصُلُ".
(1)
هذا قول أبي عبيدة، ينظر: مجاز القرآن 1/ 239، وحكاه النحاس عن الفراء في إعراب القرآن 2/ 173.
(2)
تَحاتَّتْ ذُنُوبُهُ: تساقطت تشبيهًا بِتَحاتِّ وَرَقِ الشجر؛ أي: سقوطه. اللسان: حتت.
(3)
ينظر: مجمع البيان 8/ 167، عين المعانِي ورقة 103/ ب.
(4)
رواه الطبرانِيُّ بسنده عن أبِي أمامة في المعجم الكبير 8/ 194، 221، وينظر: مجمع البيان 8/ 166، عين المعانِي ورقة 104/ أ، مجمع الزوائد 10/ 74 كتاب الأذكار: باب فضل ذكر اللَّه، تعالى، والإكثارِ منه.
قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ} ؛ أي تحية المؤمنين {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} ؛ أي: يوم يرون اللَّهَ سلامٌ؛ أي: سلامٌ عليهم، ويُسَلِّمُهُم اللَّه من جميع الآفات والبَلِيّاتِ، وهو ابتداءٌ وخبرٌ، وقيل: تُحَيِّيهم الملائكةُ على أبواب الجنة بالسلام، فإذا دخلوها حَيّا بعضهم بعضًا بالسلام، وتحية الرب إياهم حين يرسل إليهم بالسلام، وقيل الكناية مردودةٌ إلى ملك الموت، كنايةٌ عن غير مذكورٍ، والمعنى على هذا: تحية المؤمنين من ملك الموت يوم يلقونه أن يسلم عليهم، ورُوِيَ عن البراء بن عازب أنه قال
(1)
: "يوم يلقون ملك الموت، لا يَقْبِضُ رُوحَ مؤمنٍ إلا سَلَّمَ عليه"، وعن ابن مسعودٍ قال
(2)
: "إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال: رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السلام". قوله: {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)} يعني: رزقًا حسنًا فِي الجنة.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} على أمتك وجميع الأمم بتبليغ الرسالة {وَمُبَشِّرًا} بالجنة لمن صدقك {وَنَذِيرًا (45)} منذِرًا بالنار لِمَنْ كَذَّبَكَ {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} إلى توحيده وطاعته {بِإِذْنِهِ} وأمره، {وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)}؛ أي: لِمَن اتبعك واهتدى بك كالسراج فِي الظُّلْمة، يستضيء به أهل الدِّين، وروي عن قتادة أنه قال
(3)
: {شَاهِدًا} على أمته بالبلاغ، {وَمُبَشِّرًا} بالجنة، {وَنَذِيرًا} من النار، {وَدَاعِيًا} إلى شهادة أنْ لا إله إلا اللَّه، {بِإِذْنِهِ} قال: بأمره، {وَسِرَاجًا مُنِيرًا} قال: كتاب اللَّه عز وجل.
(1)
رواه الحاكم في المستدرك 2/ 351 - 352 كتاب التفسير: تفسير سورة إبراهيم، وينظر: الكامل في الضعفاء 4/ 255، الكشف والبيان 8/ 52، الدر المنثور 5/ 206.
(2)
ينظر: الكشف والبيان 8/ 52، عين المعانِي ورقة 104/ أ، تفسير القرطبي 10/ 102، 17/ 333، الدر المنثور 5/ 206.
(3)
ينظر قوله في إعراب القرآن للنحاس 3/ 319.
قال أبو جعفرٍ
(1)
: والتقدير على قوله: وداعيًا إلى توحيد اللَّه وذا سراجٍ منيرٍ؛ أي: كتاب بَيِّنٍ. وأجاز أبو إسحاق أن يكون بمعنى: وَتالِيًا كتابًا
(2)
، وقيل: معنى قوله: {وَسِرَاجًا مُنِيرًا} ؛ أي: مضيئًا، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، سراجٌ منيرٌ مضيءٌ لِما يدعو أمته إليه، ونصب {شَاهِدًا} على الحال، وما بعده عطف عليه.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} يعني: مهورهن، {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} مثل صفية وجُوَيْرِيةَ ومارية القبطية، {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} من نساء عبد المطلب، {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ} من نساء بني زهرة {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} يعني: من مكة إلى المدينة، وهذا إنما كان من قبل تحليل غير المهاجرات، ثم نسِخَ شرطُ الهجرة في التحليل، وقرأ ابن مسعودٍ:"والَّلاتِي هاجَرْنَ مَعَكَ"
(3)
بواو، {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً}؛ أي: وأحللنا لك امرأةً مؤمنةً {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} بغير صَداقٍ، وغير المؤمنة لا تَحِلُّ إن وَهَبَتْ منه نفسَها، {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} يعني: أن يتزوجها بغير مهرٍ فله ذلك.
قرأ العامة: "إنْ وَهَبَتْ" بكسر الألِف على الجزاء والاستئناف، وقرأ الحسن بفتح الألِف
(4)
على المضي والوجوب، وجواب قوله:{إِنْ وَهَبَتْ} : حَلَّتْ
(5)
.
(1)
يعني النحاس، قاله في إعراب القرآن 3/ 319.
(2)
قال الزجاج: "وإن شئت كان "وَسِراجًا" منصوبًا على معنى: داعيًا إلى اللَّه وتاليًا كتابًا بَيِّنًا". معانِي القرآن وإعرابه 4/ 231.
(3)
ينظر: معانِي القرآن للفراء ص 2/ 345، جامع البيان 22/ 27، الكشف والبيان 8/ 53.
(4)
قرأ الحسن وأُبَيٌّ وعيسى بنُ عمر وسلامٌ والشعبِيُّ: "أنْ وَهَبَتْ" بفتح الهمزة، ينظر: المحتسب 2/ 182، تفسير القرطبي 14/ 209، البحر المحيط 7/ 233.
(5)
يعني أن الجواب محذوف للعلم به. ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 4/ 232، إعراب القرآن 3/ 320.
والواهبة قيل
(1)
: إنها أُمُّ شُرَيْكٍ بنتُ جابر العامريةُ
(2)
، وقيل: خَوْلةُ بنتُ الحكيم بن الأوْقَصِ السُّلَمِيّةُ
(3)
، وقيل: ميمونةُ بنتُ الحارث
(4)
.
وقوله: {خَالِصَةً لَكَ} ؛ أي: خاصّةً لك {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} فليس لامرأةٍ أن تَهَبَ نفسَها لرجلٍ بغير شهودٍ ولا وَلِيٍّ ولا مَهْرٍ إلا لِلنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه من خصائصه في النكاح، كالتخيير والعَدَدِ فِي النساء، وما رُوِيَ أنه أعتق صفية، وجعل عِتْقَها صداقَها. ونصب {خَالِصَةً} على الحال
(5)
، وقيل
(6)
:
(1)
رَوَى الطبرانيُّ في المعجم الكبير 24/ 351 أن الواهبة هي أم شريك، وكذلك ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 92 كتاب التفسير: سورة الأحزاب، وروى البيهقي أنها خولة بنت حكيم، وذلك في السنن الكبرى 7/ 55 كتاب النكاح: باب ما أُبِيحَ له صلى الله عليه وسلم من الموهوبة، ورَوَى الحاكمُ أنها ميمونة بنت الحارث، وذلك في المستدرك 4/ 33 كتاب معرفة الصحابة: ذِكْرُ أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وأشار ابن حجر إلى تعدد الواهبات، وذلك في فتح الباري 8/ 404، 9/ 169.
(2)
هي غزية، أو غزيلة، بنت جابر بن وهب بن حكيم، من بني منقذ بن عبد اللَّه بن لؤي، وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت قبل ذلك تحت أبِي العَكِرِ. [أسد الغابة 5/ 513 - 514، الإصابة 8/ 417، 420].
(3)
هي خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية، امرأة عثمان بن مظعون، لها صحبة، كانت صالحة فاضلة، وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عثمان عنها. [أسد الغابة 5/ 444، تهذيب الكمال 35/ 164].
(4)
ميمونة بنت الحارث بنِ حَزَفي الهلاليةُ، أُمُّ المؤمنين، آخر امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، وآخرهن وفاةً، بايعت قبل الهجرة، تزوجها النبي سنة 7 هـ، وتوفيت سنة (51 هـ). [أسد الغابة 5/ 550، الإصابة 8/ 322: 324].
(5)
قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 4/ 233، وينظر أيضًا: البحر المحيط 7/ 234، الدر المصون 5/ 422.
(6)
قاله الفراء، وشبهه بـ "سُنّةَ اللَّه" و"صِبْغةَ اللَّه"، ينظر: معانِي القرآن 2/ 345، وبه قال =
على المصدر، وقيل
(1)
: على النعت لـ {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً} .
قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} . . الآية. من قرأ: "يَحِلُّ" بالياء فلأنّ الفعل مقدَّمٌ على ذِكر الفاعل، وبينهما حائلٌ، ومَنْ قرأ بالتاء فلأنّ النساء إناثٌ
(2)
، ومعنى الآية: لا يحل لكَ اليهودياتُ ولا النصرانياتُ بعد المسلمات، {وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}؛ أي: لا تتبدل الكتابيات بالمسلمات، يقول: لا تكون أُمُّ المؤمنين يهوديةً ولا نصرانيةً، {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ}؛ أي: وإن أعْجَبْنَكَ بِجَمالِهِنَّ، فليس لك أن تُطَلِّقَ مِنْ نسائك، وتَنْكِحَ بَدَلَها امرأةً أعجبتْكَ بجمالها.
وقوله: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} يعني: ما ملكَتْ يمينه من الكتابيات حَلَّ له أن يَتَسَرَّى بهن، وقيل: معناه: لا يحل لك من النساء سوى هؤلاء اللاتِي اخْتَرْنَكَ، وليس لك أن تطلق واحدة منهن، وتتزوج بَدَلَها، وقالت عائشة رضي الله عنها:"ما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أُحِلَّ له النساءُ"
(3)
، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} يريد: من أعمال العباد {رَقِيبًا (52)} ؛ أي: حافظًا.
= الزمخشري في الكشاف 3/ 268، وينظر: التبيان للعكبري ص 1059، البحر المحيط 7/ 233، الدر المصون 5/ 422.
(1)
حكاه الزمخشري بغير عزو في الكشاف 3/ 269، وينظر: البحر المحيط 7/ 234.
(2)
قرأ أبو عمرو ويعقوب واليزيدي والحسن: "لا تَحِلُّ" بالتاء، وقرأ الباقون بالياء، وروى القُطَعِيُّ عن محبوب عن أبِي عمرو أنه قرأ:"لا يَحِلُّ" بالياء، ينظر: السبعة ص 523، حجة القراءات ص 579، الإتحاف 2/ 377.
(3)
رواه البيهقي في السنن الكبرى 7/ 54 كتاب النكاح: باب "كان لا يجوز له أن يبدل من أزواجه أحذا، ثم نسخ"، والحاكم في المستدرك 2/ 437 كتاب التفسير: سورة الزمر، وينظر: الناسخ والمنسوخ لابن حزم ص 51.
قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} ؛ أي: منتظرين وقت إدراكه ونضجه، وهو ظرفٌ زمانٍ، وأما له حمزة والكسائي وهشامٌ
(1)
، وفيه لغتان، يقال: إنًى وأنًى بكسر الألِف وفتحها، مثل: إلًى وألًى ومِعًى ومَعًى، والجمع: آناءٌ مثل آلاءٍ، والفعل منه: أنَى يَأْنِي إني بكسر الألِف مقصورًا، وأناءً بفتح الألِف ممدودًا، قال الحُطَيْئةُ:
137 -
وَآنَيْتُ العَشاءَ إلَى سُهَيْلٍ
…
أوِ الشِّعْرَى، فَطالَ بِيَ الأناءُ
(2)
وقال الشيبانِيُّ
(3)
:
(1)
قرأ هشام من طريق الحلوانِيِّ، وحمزةُ والكسائيُّ وخلفٌ: بإمالة ألف "إناهُ"، وفتحه الباقون وهشامٌ من طريق الدّاجوانِيِّ، وقَلَّلَهُ الأزرقُ وقالونُ، ينظر: السبعة ص 523، النشر 2/ 49 - 50، الإتحاف 2/ 377.
(2)
البيت من الوافر للحطيئة يمدح بَغِيضًا ورواية ديوانه: "فَطالَ بِيَ العَشاءُ"، ويُرْوَى:"وَأكْرَيْتُ العَشاءَ".
اللغة: آنَيْتُ العَشاءَ: أخَّرْتُهُ حتى يطلع سهيل والشِّعْرَى، والأناءُ: الاسم منه؛ أي: التأخر، وأكْرَيْتُ أيضًا معناه: أخَّرْتُ. سُهَيْلٌ والشِّعْرَى: نجمان يطلعان في الشتاء في آخر الليل أو في نصفه.
التخريج: ديوانه ص 54، المقصور والممدود للفراء ص 39، 48، غريب الحديث للهروي 1/ 75، 4/ 60، الأضداد لابن الأنباري ص 82، الزاهر 1/ 294، 2/ 18، جمهرة اللغة ص 250، التهذيب 10/ 343، 15/ 554، مقاييس اللغة 1/ 141، 5/ 174، مجمل اللغة 4/ 782، ديوان الأدب 4/ 101، الكشف والبيان 8/ 58، المخصص 13/ 264، شمس العلوم 1/ 337، 9/ 5816، عين المعانِي ورقة 104/ أ، تفسير القرطبي 14/ 226، اللسان: أني، كري، التاج: أني، كري.
(3)
هو خالد بن حِقٍّ كما في السيرة النبوية لابن هشام 1/ 45، واللسان: حمل، والسيرة النبوية لابن كثير 1/ 49.
138 -
وَكِسْرَى إذْ تَقَسَّمَهُ بَنُوهُ
…
بأسْيافٍ كما اقْتُسِمَ اللِّحامُ
تَمَخَّضَتِ المَنُونُ لَهُ بِيَوْمٍ
…
أَنَي وَلِكُلِّ حامِلةٍ تَمامُ
(1)
وفيه لغةٌ أُخرى، يقال: آنَ يَأْنِي أيْنًا، وآنَ يَئِينُ: إذا انتهى مثل: حانَ يَحِينُ
(2)
، و {غَيْرَ} منصوبٌ على الحال، و {إِنَاهُ} نصب بوقوع الناظرين عليه، ولا وجه لجر "غير" على صفة الطعام إلا أن يُقال فِي غير القرآن
(3)
.
(1)
البيتان من الوافر، لعمرو بن حسان يعاتب امرأته، وقد أُنْشِدا لخالد بن حِقٍّ الشيبانِيِّ، ونُسِبا لِعَدِيِّ بن زيد، وهما في ملحق ديوانه، والثانِي منهما في ملحق ديوان النابغة الذبيانِيِّ.
اللغة: تقسمه بنوه: قسموه بينهم. اللِّحامُ: جمع لَحْمٍ. تمخض الولد: تحرك في بطن أمه، وتمخضت المنون: كناية عن الموت. أنَى: أدرك وبلغ منتهاه. تمام: يقال: أتمت الحُبْلَى فهي مُتِمٌّ: إذا تمت أيام حملها وشارفت الوضع.
التخريج: ملحق ديوان النابغة ص 232، 250، ملحق ديوان عدي بن زيد ص 203، مجاز القرآن 2/ 140، جمهرة اللغة ص 608، إصلاح المنطق ص 3، 342، الكشف والبيان 8/ 58، الإنصاف ص 760، الاقتضاب 2/ 141، أساس البلاغة: مخض، المحرر الوجيز 5/ 232، 264، تفسير القرطبي 14/ 226، شرح المفصل 4/ 103، اللسان: أني، حمل، كثر، مخض.
(2)
ينظر في هذه اللغات: المقصور والممدود للفراء ص 39، 48، المقصور والممدود لابن ولادص 7، المقصور والممدود للقالِي ص 173، التهذيب 15/ 553 - 554، لسان العرب: أنى، أين، ولكني لَمْ أقف على لغة "آنَ يَئِينُ"، وأرْعم أنها من باب الإبدال بين الهمزة والحاء.
(3)
"غَيْرَ" منصوب على الحال كما ذكر المؤلف، وصاحب الحال هو الضمير في "لَكُمْ"، والعامل فيه "يُؤْذَنَ"، وقد أجاز الفراء خفض "غَيْرَ" على نعت الطعام، ينظر: معانِي القرآن 2/ 347، وقال الأخفش:"ولا يكون جَرًّا على الطعام إلا أن تقول: أنتم". معاني القرآن ص 443، يعني: إلا أن يظهر الضمير؛ لأن الكلام جارٍ على غيرِ مَنْ هو له.
وقال النحاس: "ولا يجوز في "غَيْرَ" الخفض على النعت للطعام؛ لأنه لو كان نعتا لَمْ يكن بُدٌّ من إظهار الفاعلين، وكان يكون: غير ناظرين إناه أنتم، ونظير هذا من النحو: هذا رجل =
قال ابن عبّاسٍ: "نزلت هذه الآية في ناسٍ من المسلمين كانوا يَتَحَيَّنُونَ طعامَ النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخلون عليه قبل الطعام إلى أن يُدْرَكَ، ثم يأكلون ولا يخرجون، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَتَأذَّى بهم، فنَزَلَتْ هذه الآية"
(1)
.
قوله: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} ؛ أي: فاخرجوا من مَنْزِلِهِ وتَفَرَّقُوا، {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} ي: طالبين للأُنْسِ، يقول: لا تجلسوا بعد الفراغ من الطعام للحديث، واخرجوا إذا فرغتم من بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومحلُّه خَفْضٌ، مردودٌ على قوله:{غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} . . {وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ}
(2)
.
ورُوِيَ عن جويرية بنِ أسماء
(3)
قال: قُرِئَ بين يَدَيْ إسماعيلَ بنِ أبِي حكيم
(4)
هذه الآيةُ، فقال: هذا أدَب أدَّبَ اللَّهُ به الثقلاءَ.
= مع رجل ملازم له، وإن شئت قلت: هذا رجل ملازم له هو". إعراب القرآن 3/ 322، 323، وينظر أيضًا: مشكل إعراب القرآن 2/ 200، 201، الإنصاف ص 57 وما بعدها، البيان للأنباري 2/ 272، التبيان للعكبري ص 1060، البحر المحيط 7/ 237، الدر المصون 5/ 424.
(1)
رواه البخاري في صحيحه 6/ 25 كتاب تفسير القرآن: سورة الأحزاب، 7/ 128، 129، 138 كتاب الاستئذان: باب آية الحجاب، وباب من قام من مجلسه ولَمْ يستأذن، ورواه مسلم في صحيحه 4/ 149، 152، كتاب النكاح: باب زواج زينب بنت حجش.
(2)
يعني أن "مستأنسين" مخفوض بالعطف على "ناظرين"؛ أي: غير ناظرين وغير مستأنسين، وأجاز النحاة أن يكون منصوبًا بالعطف على "غَيْرَ"، ينظر: معاني القرآن للفراء 2/ 347، معانِي القرآن للأخفش ص 443، إعراب القرآن 3/ 323، مشكل إعراب القرآن 2/ 201.
(3)
هو جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري، أبو مخارق أو أبو مخراق، عالم بالحديث ثقة، روى عن نافع والزهري ورفيقِه مالكِ بنِ أنس، توفِّي سنة (173 هـ). [سير أعلام النبلاء 7/ 317، الأعلام 2/ 148]، وينظر قوله في الكشف والبيان 8/ 59.
(4)
إسماعيل بن أبِي حكيم القرشي بالولاء المدنِي، كاتب من ثقات أهل الحديث، صالحٌ كان يكتب حديثه، روى عن عروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز، توفِّي سنة (130 هـ). [تهذيب الكمال 3/ 63، الأعلام 1/ 313].
قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} قرأه العامة بنصب التاء، وقرأ ابن عبّاسٍ بالرفع
(1)
عطفًا على مَحَلِّ قوله: {اللَّهَ} قبل دخول {إِنَّ}
(2)
، كما قال الشاعر:
139 -
فَإنِّي وَقَيّارٌ بِها لَغَرِيبُ
(3)
(1)
قرأ ابنُ عباس، وأبو عمرو في رواية عبد الوارث عنه:"وَمَلائِكَتُهُ" بالرفع، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 121، تفسير القرطبي 14/ 232، البحر المحيط 7/ 239.
(2)
هذا على مذهب الكوفيين، فإنهم يجيزون العطف على موضع اسم "إنّ" بالرفع قبل مجيء الخبر، والفراءُ منهم أجاز ذلك فيما لا يظهر فيه الإعراب فقط، والباقون منهم أجازوا ذلك في كل حال. قال الفراء:"وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى} [المائدة: 69]، فإن رفع الصابئين على أنه عطف على "الَّذِينَ"، و"الَّذِينَ" حرف على جهة واحدة في رفعه ونصبه وخفضه، فلما كان إعرابه واحدًا، وكان "إنّ" نصبَا ضعيفًا. . . جاز رفع الصابئين، ولا أسْتَحِبُّ أن قول: إن عبد اللَّه وزيدٌ قائمان لِتبَيُّنِ الإعراب فِي عبد اللَّه، وقد كان الكسائي يجيزه لضعف "إنّ". معانِي القرآن 1/ 310 - 311. وقد ذهب ثعلبٌ إلى ما ذهب إليه الكسائيُّ، ينظر: مجالس ثعلب ص 262.
وأما البصريون فإنهم لا يجيزون ذلك مطلقًا، ويُخَرِّجُونَ ما ورد من ذلك على أن المرفوع مبتدأ حُذِفَ خَبَرُهُ، قال سيبويه:"وأما قوله تعالى: "والصّابِئُونَ" فعلى التقديم والتأخير، كأنه ابتدأ على قوله: "والصّابِئُونَ" بعدما مضى الخبر". الكتاب 2/ 155.
وعلى ذلك فالتقدير عند البصريين في آية الأحزاب: إن اللَّه يصلي، وملائكتُهُ يُصَلُّونَ، وجعله الزجاجي معطوفًا على موضع جملة "إنّ"؛ لأنها داخلة على المبتدأ والخبر، ينظر: أمالي الزجاجي ص 226، وابن الشجري يجعل المرفوع مبتدأً، وما بعده خبره، وحُذِفَ خبرُ "إنّ" لدلالهَ الكلام عليه، ينظر: أمالي ابن الشجري 3/ 113، 114، وينظر في هذه المسألة أيضًا: معاني القرآن وإعرابه 2/ 192، 194، إعراب القرآن 3/ 323، مجالس العلماء للزجاجي ص 44، الإنصاف للأنباري ص 185 وما بعدها، شرح الكافية للرضي 4/ 370، 372.
(3)
هذا عجز بيت من الطويل، وصدره:
فَمَنْ يَكُ أمْسَى بِالمَدِينةِ رَحْلُهُ =