المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

سَنَّ سُنّةً حسنةً كان له أَجْرُهُا ومثلُ أجر من عمل - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ٢

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة العنكبوت

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الرُّوم

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌ فَصلُّ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة لقمان

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فْصَلَ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورةُ السجدة

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الأحزاب

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة سبأ

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الملائكة عليهم السلام

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة يس

- ‌بابُ ما جاءَ فِيها مِنَ الفَضائِلِ فِي قِراءَتِها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ في معنى الآية

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الصافات

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة ص

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌قَصَصٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الزمر

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة المؤمن

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ فِي بعض صفات العَرْش وحمَلَته ومن حوله على الاختصار

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة السجدة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ فِي معنى قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة {حم * عسق}

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الزخرف

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: سَنَّ سُنّةً حسنةً كان له أَجْرُهُا ومثلُ أجر من عمل

سَنَّ سُنّةً حسنةً كان له أَجْرُهُا ومثلُ أجر من عمل بها من غير أن يُنْقَصَ من أجورهم شيء، ومَنْ سَنَّ سُنّةً سيئة كان عليه وزرها ومثل وزر من عمل بها، من غير أن يُنْقَصَ من أوزارهم شيء"

(1)

.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} ؛ أي: مكث فيهم ألف سنة {إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا (14)} يدعوهم إلى الإيمان باللَّه فكذبوه، ونصب "أَلْفًا" على الظرف

(2)

، ونصب {خَمْسِينَ} على الاستثناء من الموجب، و {عَامًا} على التفسير.

‌فصل

رُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "عاش نوحٌ عليه السلام ألفَ سنة وأربعَمائة سنة وخمسين سنةً، عاش قبل أن يُبعث إلى قومه خمسين ومائتي سنة، ولَبث فِي قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى اللَّه تعالى، ومكث بعد الطُّوفَان خمسين ومائتي سنة، فلما احتُضر قال له مَلَك الموت: يا أطولَ الأنبياء عمرًا، ويا أحسنهم عملًا، كيف رأيتَ الدنيا فِي طول ما عُمِّرتَ؟ قال: فقام إلى بيت له بابان، فدخل من باب، وخرج من الآخر، فقال: يا مَلَك الموت: بمنزلة هذا الذي صنعت"

(3)

.

(1)

رواه الإمام أحمد في المسند 4/ 360 - 362، ومسلم في صحيحه 3/ 86 - 87 كتاب الزكاة/ باب الحث على الصدقة، 8/ 61 كتاب العلم/ باب من سن سنة حسنة، والترمذي في سننه 4/ 149 أبواب العلم/ باب فيمن دعا إلى هدى فاتُّبِعَ.

(2)

نصب "أَلْفَ" على الظرف؛ لإضافته إلى ظرف وهو "سَنةٍ".

(3)

روى ابن عساكر هذا الخبر عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في تاريخ دمشق 62/ 281، وينظر: عين المعاني 99/ ب، تفسير القرطبي 13/ 332، 333، الدر المنثور 5/ 143، كنز العمال 3/ 235.

ص: 11

وعن عكرِمة

(1)

أنه قال: "بَلَغَنا أن نوحًا عليه السلام كان في بيت من شَعَرٍ أَلْفَ سنة وأربعَمائة سنة وخمسين سنة، كلما قيل له: يا نَبِيَّ اللَّه، اتَّخِذْ بيتًا، فيقول: أموت غدًا، أموت غدًا، فلم يزل فيه حتى مات"

(2)

.

وذكر ابن قُتيبة في كتاب المعارف، قال: "وفي التوراة أن نوحًا عليه السلام عاش بعد الطوفان ثلاثَمائة وخمسين سنة، وكان عمره تسعمائة وخمسين سنة.

وقال وهب: كان عمره ألف سنة؛ لأنه بُعث إلى قومه وهو ابن خمسين سنة، ولبث يدعوهم إلى أن مات بعد تسعمائة وخمسين سنة"

(3)

، واللَّه أعلم.

قوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ} ؛ أي: أطيعوا أَمْرَ اللَّه وخافُوهُ، {ذَلِكُمْ} يعني: عبادةَ اللَّه {خَيْرٌ لَكُمْ} من عبادة الأوثان {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16)} ونصب {إِبْرَاهِيمَ} : عطفًا على قوله: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} أي: وأرسلنا إبراهيم، وقيل: هو منصوب عطفًا على الهاء في قوله: {فَأَنْجَيْنَاهُ} ، وقيل: هو منصوب بمعنى: واذكر إبراهيم

(4)

.

(1)

هو: عكرمة بن عبد اللَّه البربري، أبو عبد اللَّه المدنِي مولَى ابن عباس، تابعي، كان من أعلم الناس بالتفسير والمغازي، طاف البلدان، وروى عنه نحو ثلاثمائة رجل منهم أكثر من سبعين تابعيًّا، وخرج إلى بلاد المغرب، ثم عاد للمدينة، وتوفي بها سنة (105 هـ). [حلية الأولياء 3/ 326: 347، سير أعلام النبلاء 5/ 12 - 36، الأعلام 4/ 244].

(2)

هذا القول حكاه ابن عساكر عن أبِي المهاجر الرَّقِّيِّ في تاريخ دمشق 62/ 280، وينظر: تفسير القرطبي 13/ 333، الدر المنثور 3/ 95.

(3)

المعارف ص 24.

(4)

هذه الأوجه الثلاثة قالها النحاس ومكي، ينظر: إعراب القرآن 3/ 252، مشكل إعراب القرآن 2/ 168.

ص: 12

قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا} يعني كفّار مكة، قرأ الكوفيون -سوى حفص- بالتاء: على الخطاب لهم، وقرأ الباقون بالياء على الغَيْبة

(1)

، {كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ} يعني: كيف يخلقهم ابتداءً: من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة إلى تَمامِ الخَلْقِ؟ {ثُمَّ يُعِيدُهُ} في الآخرة عند البعث؟ {إِنَّ ذَلِكَ} يريد: الخلق الأول والخلق الآخِر {عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} ؛ أي: ابحثوا فانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم، هل تَجدون خالقًا غير اللَّه؟ فإذا علموا أنه لا خالِقَ ابتداءً إلّا اللَّهُ لزمتهم الحجة فِي الإعادة، وهو قوله تعالى:{ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ} ؛ أي: ثم اللَّه الذي خلقها وبدأ خلقها يُنْشِئُها نَشْأةً ثانية بعد الموت، وفيها لغتان: نَشاءةٌ بالمد، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرٍو والحَسَنِ حيث كان

(2)

، ونَشْأةٌ بالقصر وتسكين الشين، وهي قراءة الباقين.

قال الفراء

(3)

: وهي مثل الرَّأْفةِ والرآفةِ، والكَأْبةِ والكَآبةِ، كُلٌّ صَوابٌ. {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من البدء والإعادة {قَدِيرٌ (20)} .

قوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21)} تُرَدُّونَ، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} ، اختلف أهل المعاني في

(1)

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر، وعاصمٌ في رواية حفص:{أَوَلَمْ يَرَوْا} بالياء، وقرأ حمزةُ والكسائي، وأبو بكر عن عاصم، وخلفٌ والشنبوذي والأعمش وابن وثاب بالتاء، ينظر: السبعة ص 498، تفسير القرطبي 13/ 336، البحر المحيط 7/ 141، إتحاف فضلاء البشر 2/ 348، 349.

(2)

وهي أيضًا قراءة ابن محيصن واليزيدي، ينظر: السبعة ص 498، حجة القراءات ص 549، تفسير القرطبي 13/ 337، 17/ 118، 217، التيسير ص 173، الإتحاف 2/ 349.

(3)

معاني القرآن 2/ 315.

ص: 13

وجهها، فقال الفرَّاء

(1)

: معناه: ولا مَنْ في السماءِ بِمُعْجِزٍ، وهو من غامض العربية للضمير الذي [لم] يظهر في الثاني، كقول حسان:

فمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ منكمْ

ويَمْدَحُهُ ويَنْصُرُهُ سَواءُ

(2)

أراد: مَنْ يمدحه ومن ينصره، فأضمر "مَنْ". وإلى هذا التأويل ذهب عبد الرحمن بن زيد، وقال

(3)

: لا يُعجِزه أهلُ الأرض فِي الأرض ولا أهلُ السماء فِي السماء إن عَصَوْهُ.

وقال قطرب

(4)

: معناه: ولا في السماء لو كنتم فيها، كقولك: لا يَفُوتُنِي فلانٌ بالبصرة ولا هاهنا في بلدي، وهو معك في البلد، أي: ولا في البصرة

(1)

معاني القرآن 2/ 315، وهذا على مذهب الكوفيين والأخفش في جواز حذف الموصول الاسمي وبقاء صلته، وأما البصريون فإنهم لا يجيزونه، ويُخَرِّجُونَ الآيةَ والبيتَ على أن "مَنْ": نكرة، قال المبرد: "وقالوا في بيت حسان:

فمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ

وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَواءُ

إنما المعنى: ومن يمدحه وينصره. وليس الأمر عند أهل النظر كذلك، ولكنه جعل "من" نكرة، وجعل الفعل وصفًا لها، ثم أقام في الثانية الوصف مقام الموصوف، فكأنه قال: وواحد يمدحه وينصره؛ لأن الوصف يقع في موضع الموصوف إذا كان دالًّا عليه". المقتضب 2/ 135، وينظر في هذه المسألة: الأصول لابن السراج 2/ 177، 178، إعراب القرآن 3/ 253، مشكل إعراب القرآن 2/ 168، شواهد التوضيح والتصحيح ص 76، 77، ارتشاف الضرب ص 1045 وما بعدها، البحر المحيط 7/ 142، الدر المصون 5/ 362.

(2)

سبق تخريجه ضمن عدة أبيات لحسان برقم 77، 1/ 436.

(3)

ينظر قوله في جامع البيان 20/ 170، الكشف والبيان 7/ 275، تفسير القرطبي 13/ 337.

(4)

ينظر قوله في الكشف والبيان 7/ 276، الوسيط 3/ 417، مجمع البيان 8/ 19، زاد المسير 6/ 266، عين المعاني ورقة 99/ ب، تفسير القرطبي 13/ 337 وبدون نسبة في معاني القرآن للنَّحاس 5/ 218.

ص: 14

لو صار إليها، وهذا معنى قول مقاتل

(1)

، يقول: وما أنتم يا كفّارَ مكة بسابقي اللَّهِ فتفوتونه، في الأرض كنتم أو في السماء كنتم، أينما تكونوا حتى يجازيكم بأعمالكم السيئة، {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ} يمنعكم مني {وَلَا نَصِيرٍ (22)} وينصركم من عذابِي.

قوله تعالى: {كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} يعني: قوم إبراهيم عليه السلام حين دعاهم إلى اللَّه، ونَهاهُمْ عن عبادة الأصنام {إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ (24)} قرأ العامة:{جَوَابَ} بنَصب الباء على أنه: خبر {كَانَ} ، و {أَنْ قَالُوا}: في محل الرفع على اسم {كَانَ} ، وقرأ سالمٌ الأفطس

(2)

: {جَوَابَ} رفعًا: على اسم {كَانَ} ، و {أَنْ قَالُوا} موضعه: نصب على خبرها

(3)

.

قوله تعالى: {وَقَالَ} يعني: إبراهيم عليه السلام {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} اختلف القراء فيها، فقرأ ابن كثير وأبو عَمْرو والكسائي ويعقوب:{مَوَدَّةُ} رفعًا {بَيْنِكُمْ} خفضًا بالإضافة، وهو الاختيار على معنى: إن الذين اتخذتم من دون اللَّه أوثانًا هي مودة بينكم {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ، ثم تنقطع في الآخرة، كقوله تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ

(1)

ينظر قوله في الوسيط 3/ 417، زاد المسير 6/ 266، مجمع البيان 8/ 19.

(2)

هو: سالِمُ بن عجلان الأفطسُ، أبو محمد الجَزَرِيُّ الحَرّانِيُّ، مولى بني أمية، تابعي ثقة صدوق إلا أنه كان مُرْجِئًا، روى عن ابن جبير والزهري، روى عنه الليث والثوري، قُتِلَ صَبْرًا مع بني أمية سنة (132 هـ). [ميزان الاعتدال 2/ 112، 113، تهذيب التهذيب 3/ 382].

(3)

قرأ سالِمٌ الأفطس والحسن وعمرو بن دينار: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} بالرَّفع، وقرأ الباقون بالنصب، ينظر: تفسير القرطبي 13/ 338، البحر المحيط 7/ 144.

ص: 15

بَلَاغٌ}

(1)

، أي: هذا بلاغ، وقوله تعالى:{لَا يُفْلِحُونَ} ثم قال: {مَتَاعٌ}

(2)

؛ أي: هو متاع، فلذلك أضمر هاهنا "هِيَ"، ويجوز أن يكون خبر "إِنَّ".

وقرأ عاصم في بعض الروايات: {مَوَدَّةَ} مرفوعةً منوَّنةً {بَيْنِكُمْ} نصبًا على الظرف، وهو راجع إلى معنى القراءة الأولى، وقرأ حمزة وحفص:{مَوَدَّةَ} بالنصب: مفعول له {بَيْنِكُمْ} بالخفض: على الإضافة؛ لوقوع الاتخاذ عليها، وجعل {إِنَّمَا} حرفًا واحدًا.

وقرأ الآخرون: {مَوَدَّةَ} نصبًا منوَّنًا {بَيْنِكُمْ} بالنصب على المحل، وهي راجعة إلى معنى قراءة حمزة

(3)

.

ومعنى الآية: إنكم اتخذتم الأوثانَ مودّة بينكم في الحياة الدنيا، تتَوادُّونَ وتتَحابُّونَ على عبادتها، وتتواصلون عليها، {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ، وتَسُبُّونَ الأوثانَ، {وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ} العابدون والمعبودون، {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} .

(1)

الأحقاف 35.

(2)

{إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . النحل 116، 117.

(3)

قرأ ابن كثير، وأبو عمرو في رواية أبِي زيد وعَلِيِّ بنِ نصر عنه، ويعقوبُ والكسائي وابنُ محيصن ومجاهدٌ والكسائيُّ ورُويس:{مَوَدَّةُ} بالرُّفع غير منون {بَيْنِكُمْ} بالإضافة، وقرأ الأعشى عن أبي بكر عن عاصم وأبو عمرو والأعمشُ والحسنُ وأبو حيوة وابنُ أبي عبلة وابنُ وَثّابٍ:{مَوَدَّةَ} بالرَّفع منونا {بَيْنِكُمْ} بالنصب، وقرأ حفصٌ عن عاصم، وحمزةُ وَرَوْحٌ والأعمشُ:{مَوَدَّةَ} بالنصب غير منون {بَيْنِكُمْ} بالإضافة، وقرأ أبو عمرو في رواية أخرى عن أبِي زيد عنه، ونافع وابنُ عامر وأبو بكر عن عاصمٍ، ويعقوبُ وخَلَف:{مَوَدَّةَ} بالنصب منونًا {بَيْنِكُمْ} بالنصب، ينظر: السبعة ص 498 - 499، الحجة للفارسي 3/ 258 - 260، حجة القراءات ص 550 - 551، تفسير القرطبي 13/ 338، التيسير ص 173، البحر المحيط 7/ 144، النشر 2/ 343، الإتحاف 2/ 349 - 350.

ص: 16

قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} ؛ أي: واذكرْ لوطًا إذ قال لقومه، وقيل: معناه: وأرسلنا لوطًا إلى قومه {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} يعني إتيان الرجال في أدبارهم، وكانوا لا يأتون إلّا الغُرَباءَ {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا} يعني الفاحشة {مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28)} يعني: فيما مضى قبلكم، و"مِن" الأولى صلة.

قوله تعالى: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} يعني: قَلْبًا، وهو نصب على البيان

(1)

، وقد تقدم تفسيره في سورة هود

(2)

، {وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} يعني: بناتِه. قرأ ابن كثير والكوفيون -سوى حفص-: {إِنَّا مُنْجُوكَ} بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد

(3)

، قال المبرد

(4)

: والكاف في قوله: {مُنَجُّوكَ} مخفوضة، ولم يَجْرِ عَطْفُ الظاهر على المضمر المخفوض، فمحل الثاني على المعنى، وصار التقدير: ونُنْجِي أَهْلَكَ، أو: ومُنَجُّونَ أَهْلَكَ.

ثم استثنى إمرأته، فقال تعالى:{وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)} يعني: من الباقين في العذاب، فهلك قوم لوط، ثم هلكت بَعْدُ بحَجَرٍ أصابها فقتلها، ورَوَى أبو ماجدٍ

(5)

عن مَن رَأَى امرأةَ لوطٍ ممسوخةً حَجَرًا يحَيْض عند كل شهر

(6)

.

(1)

يعني على التمييز، وهو محول عن الفاعل؛ أي: ضاق ذرعه بهم، ينظر: اللسان: ذرع.

(2)

الآية 77، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.

(3)

ينظر: السبعة ص 500، تفسير القرطبي 13/ 343، النشر 2/ 343، الإتحاف 2/ 351.

(4)

المقتضب 4/ 152، الكامل في اللغة والأدب 1/ 364.

(5)

لعله عائذ بن نضلة الحنفي أو العجلي، قال البخاري والنسائي: منكر الحديث جدًّا، قال الدارقطني: مجهول متروك، روى عنه يحيى الجابر، [التاريخ الكبير 9/ 73، الضعفاء والمتروكين ص 253، تهذيب الكمال 34/ 241].

(6)

هذا الخبر رواه ابن عدي عن أبِي الجلد في الكامل في الضعفاء 1/ 201، وينظر: تاريخ =

ص: 17

قوله عز وجل: {وَإِلَى مَدْيَنَ} ؛ أي: وأرسلنا إلى مدين {أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} وهو: شعيب بن نُوَيْبِ بن مدين بن إبراهيمَ خليلِ الرحمن، {فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ}؛ أي: وَحِّدُوا اللَّه وأطيعوه فيما أمركم به، {وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ} يعني: واخْشَوُا البَعْثَ الذي فيه جزاء الأعمال، {وَلَا تَعْثَوْا} يعني: تَسْعَوْا {فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36)} يعني: بالمعاصي فِي شأن المكيال والميزان، وهو الفساد في الأرض، ونصب {مُفْسِدِينَ} على الحال، وقد تقدم النظير والتفسير.

قوله تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ} وهما ابنا عَمٍّ. وقرأ حمزة وحفص: {وَثَمُودَ}

(1)

بغير تنوين، والتقدير: وأهلكنا عادًا وثمودَ، وكذلك قوله تعالى:{وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} عطفٌ على عاد فِي جميع أموره، وهي أسماء أعجمية مَعرِفة، فلذلك لم تنصرف.

قوله تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} ؛ أي: عاقَبْنا بتكذيبه، ونصب "كُلًّا" بـ "أَخَذْنا"، {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} ريحًا تأتي بالحصباء، وهو: صغار الحصى، وهم قوم لوط، {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} يعني: ثمودَ قومَ صالح {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} يعني قارون وأصحابه، {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} يعني: فرعون وقومه وقوم نوح، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} فيعذبهم على غير ذنب {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)} ، ومحل "مَنْ": رفع في الجميع على: خبر الصفة

(2)

، و {أَنْفُسَهُمْ}: نصب بوقوع {يَظْلِمُونَ} عليه.

= دمشق 50/ 326، 327، ميزان الاعتدال 1/ 134، الدر المنثور 3/ 345.

(1)

وقرأ الباقون بالتنوين، ينظر: السبعة ص 337، حجة القراءات ص 344، 345، النشر 2/ 289، البحر المحيط 7/ 147.

(2)

هذا على مذهب الكوفيين، يرفعون ما بعد الظرف والجار والمجرور على أنه فاعل بهما، ينظر في ذلك: الإنصاف ص 51، شرح الكافية للرضي 1/ 216: 218، ارتشاف الضرب ص 1106.

ص: 18

ثم ضرب لهم مثلًا، فقال:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} يعني الأصنام يَرْجون نصرَها ونفعها عند حاجتهم إليها {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} فكما أن بيت العنكبوت لا يدفع عنها بَرْدًا ولا حَرًّا، كذلك هذه الأوثان لا تملك لعابدها نفعًا ولا ضرًّا.

قوله: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ} ؛ أي: أضعف البيوت كلها {لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41)} يعني: إِنْ كانوا يعلمون أن بيت العنكبوت لا بَيْتَ أَضْعَفُ منه فيما تتخذه الهَوامُّ، ولا أَقَلُّ وقايةً من حَرٍّ أو بَرْدٍ، وهذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّه عز وجل للكفار. قال النحاة

(1)

: العنكبوت مؤنثة للتاء التي فيها، وقد يذكِّرها بعض العرب، وأنشد الفراء

(2)

:

107 -

على هَطّالِهمْ منهُمْ بُيُوتٌ

كأَنَّ العَنْكَبُوتَ هُوَ ابْتَناها

(3)

وسُمِّيَت العنكبوتَ لأنها تُعَنْكِبُ بَيْتَها بعضَهُ على بعض، ووَزْنه:"فَعْلَلُوتٌ"، وفي جمعها وجوه، يقال: عَناكِبُ وعَناكِيبُ وعِكابٌ وعُكُبٌ وأَعْكُبٌ، وحُكِيَ أنه يقال أيضًا: عَنْكَبٌ

(4)

.

(1)

قال الفرَّاء: "العنكبوت يُؤَنَّثُ ويُذكَّرُ، والتأنيث أكثر، قال اللَّه عز وجل: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا} ". المذكر والمؤنث للفرَّاء ص 92، وينظر: المذكر والمؤنث للسجستانِي ص 182، المذكر والمؤنث لابن التستري ص 52، 55.

(2)

في معاني القرآن 2/ 317، والمذكر والمؤنث له أيضًا ص 92.

(3)

البيت من الوافر، لم أقف على قائله، ويروى:"على أَهْطالِهِمْ"، والهَطّالُ: اسم جبل.

التخريج: التهذيب 3/ 309، الكشف والبيان 7/ 280، المخصص 17/ 17، معجم البلدان 5/ 469، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 1/ 426، ديوان الأدب 1/ 329، شمس العلوم 10/ 6949، عين المعاني ورقة 99/ ب، تفسير القرطبي 13/ 345، 346، اللسان: عنكب، هطل، البحر المحيط 7/ 148، الدر المصون 5/ 366، خزانة الأدب 5/ 87، تاج العروس: عكب، هطل.

(4)

من أول قوله: "وفي جمعها وجوه" قاله النحاس في إعراب القرآن 3/ 257.

ص: 19