الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ (15)} يعني: بين أهل الكتاب في القول، يقول: أعْدِلُ بما آتانِي اللَّه فِي كتابه، والمعنى: أنْ أعْدِلَ أو كَيْ أعْدِلَ بينكم، كقوله تعالى:{وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}
(1)
.
قال ابن عباس: معناه: أُمِرْتُ لأُساوِيَ بينكم، ولا أحِيفَ عليكم بأكثرَ مما افْتَرَضَ اللَّهُ عليكم فِي الأحكام، ومعنى العدل بينهم فِي الأحكام: هو أنهم إذا ترافعوا إليه لَمْ يُلْزِمْهُمْ شَيْئًا لا يَلْزَمُهُمْ.
فصل
ذُكِرَ أنّ داودَ عليه السلام قال: "ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه فهو الفائز: القَصْدُ فِي الغِنَى والفَقْرِ، والعُدْلُ فِي الرِّضا والغَضَبِ، والخَشْيةُ فِي السِّرِّ والعَلَانِيةِ، وثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه أهْلَكْنَهُ: شُحٌّ مُطاعٌ، وهَوًى مُتَّبَعٌ، وإعْجابُ المَرْءِ بنفسه، وأرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فيه وأُعْطِيَهُنَّ، فقد أُعْطِيَ خَيْرَ الدنيا والآخرةِ: لِسانٌ ذاكِرٌ، وقَلْبٌ شاكِرٌ، وبَدَنٌ صابِرٌ، وزَوْجةٌ مُؤْمِنةٌ"
(2)
.
قوله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ} يعني القرآن، واسم اللَّه تعالى مرفوع بالابتداء، و {الَّذِي} خبره، وليس بنعت؛ لأن الخبر لا بُدَّ منه، والنعتُ
(1)
الأنعام 71، قال الأخفش:"أي: أُمِرْتُ كَيْ أعْدِلَ". معانِي القرآن ص 469، قال السمين الحلبي:"يجوز أن يكون التقدير: وأمرت بذلك لأعدل، وقيل: وأمرت أن أعدل، فاللام مزيدة. وفيه نظر لأنك بعد زيادة اللام تحتاج إلى تقدير حرفِ جَرٍّ؛ أي: بأن أعدل". الدر المصون 6/ 78، وينظر أيضًا: اللباب في علوم الكتاب 17/ 179.
(2)
ينظر: الضعفاء الكبير 3/ 447، كتاب المجروحين 1/ 263، المعجم الأوسط 5/ 328، الكشف والبيان 8/ 307.
يُسْتَغْنَى عنه
(1)
، وقوله:{بِالْحَقِّ} ؛ أي: للحق، لَمْ يُنْزَلْ باطلًا لغير شيء، بل ذكر فيه ما يَحِقُّ على الناس أن يعملوا به من الأمر والنهي والفرائض والأحكام، وكل ذلك حَقٌّ من اللَّه تعالى.
وقوله: {وَالْمِيزَانَ} يعني العَدْلَ، وسُمِّيَ العدلُ ميزانًا؛ لأن الميزان آلةُ الإنصافِ والتسويةِ بين الخلق، فأمر اللَّه تعالى بالوفاء، ونَهَى عن البَخْسِ
(2)
، وهو عطف على الكتاب؛ أي: وأنزل الميزان بالحق {وَمَا يُدْرِيكَ} يا محمد {لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)} قال مقاتل: "ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الساعةَ وعنده قوم من المشركين، فقالوا: متى يا محمد تكون الساعة؟ تكذيبًا بها، فأنزل اللَّه تعالى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} "
(3)
.
فقال: "قَرِيبٌ" ولَمْ يقل: قريبة، والساعة مؤنثة، قيل: على النسب، وقيل: فَرْقًا بينه وبين القرابة، وقيل: التأنيث ليس بحقيقي، والمعنى: لعل البعث أو مجيء الساعة قريب
(4)
.
قوله عز وجل: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} ؛ أي: حَفِيٌّ بارٌّ رَفِيقٌ بأوليائه وأهْلِ طاعته، وقيل: هو لطيف بالبَرِّ والفاجر منهم، حيث لَمْ يقتلهم جوعًا بمعاصيهم،
(1)
من أول قوله: "واسم اللَّه تعالى مرفوع". قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 77.
(2)
قاله ابن عباس وقتادة ومجاهد، ينظر: الوسيط 4/ 48، زاد المسير 7/ 280.
(3)
ينظر: أسباب النزول ص 153، الوسيط 4/ 48، تفسير القرطبي 19/ 209، لباب النقول ص 93.
(4)
ينظر في هذه الأقوال الثلاثة في وجه تذكير "قريب": مجاز القرآن 2/ 199 - 200، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 396 - 397، إعراب القرآن 4/ 77، مشكل إعراب القرآن 2/ 277.
وقيل: هو لطيف بهم في العرض والمُحاسَيةِ، قال الخَوافِيُّ
(1)
:
219 -
غَدًا عِنْدَ مَوْلَى الخَلْقِ لِلْخَلْقِ مَوْقِفٌ
…
يُسائِلُهُمْ فِيهِ الجَلِيلُ فَيَلْطُفُ
(2)
وقيل: سئل الجُنَيْدُ
(3)
عن اللطيف، فقال: هو الذي لَطَفَ بأوليائه حتى عرفوه فعبدوه، ولو لَطَفَ بأعدائه لَما جَحَدُوهُ.
وقيل: اللطيف الذي يَنْشُرُ من عباده المناقبَ، ويستر عليهم المثالبَ، وقيل: هو الذي يقبَلُ القليلَ، ويَبْذُلُ الجَزِيلَ، وقيل: هو الذي يَجْبُرُ الكَسِيرَ، ويُيَسِّرُ العَسِيرَ، وقيل: هو الذي لا يَيْأسُ أحَدٌ فِي الدنيا من رزقه، ولا يَيْأسُ مؤمنٌ في العُقْبَى من رحمته، وقيل: هو الذي يَعْفُو عَمَّنْ يَهْفُو، وقيل: هو الذي يرحم من لا يرحم نَفْسَهُ، وقيل: هو الذي أوقد فِي أسرار عارفيه من المشاهدة سراجًا، وجعل الصرأط المستقيم لهم منهاجًا، وأنزل عليهم من سحائب بِرِّهِ ماءً ثَجّاجًا، ويرزق من يشاء مُوسِعًا ومن يَشاءُ مُقْتِرًا، ومن شاء قليلًا، ومن شاء كثيرًا، ومن شاء حلالًا، ومن شاء حرامًا، ومن شاء فِي خفض ودَعةٍ، ومن شاء فِي كَدٍّ وعَناءٍ، ومن شاء فِي بلده ومن شاء فِي غرْبَتِهِ، ومن شاء بحساب ومن شاء
(1)
لعله مهديُّ بنُ أحمد الخَوافِيُّ، أبو القاسم النيسابوريُّ، أديب له شعر، نسبته إلى خَوافَ من نواحي نيسابور، توفِّي سنة (450 هـ) تقريبًا، من كتبه: شرح ألفاظ عبد الرحمن الهمذاني. [إنباه الرواة 3/ 332، الأعلام 7/ 312].
(2)
البيت من الطويل.
التخريج: الكشف والبيان 8/ 308، تفسير القرطبي 16/ 16.
(3)
هو الجُنَيْدُ بن محمد بن الجُنَيْدِ البغدادي، أبو القاسم الخَزّازُ، صُوفِيٌّ من العلماء بالدِّينِ، مولده ونشأته ببغداد، وبها توفِّي سنة (297 هـ)، ويعرف بالقواريري، وهو أول من تكلم في علم التوحيد ببغداد، عَدّهُ العلماءُ شيخَ مذهب التصوف، من كتبه: دواء الأرواح، رسائل في التوحيد. [حلية الأولياء 10/ 255، تاريخ بغداد 7/ 241؛ 249].