الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصْلٌ
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن الكافر إذا مات عُرِضَ على النّارِ بالغَداةِ والعَشِيِّ"، ثم تلا:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} ، "وإن المؤمن إذا مات عُرِضَ رُوحُهُ على الجنة بالغَداةِ والعَشِيِّ"
(1)
.
ورَويَ أيضًا ابنُ عمرَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم إذا مات عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغَداةِ والعَشِيِّ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك اللَّه يوم القيامة"
(2)
. رواه البخاري عن إسماعيل بن أبِي أُويْسٍ
(3)
، ورواه مسلمٌ عن يحيى بنِ يحيى
(4)
، كلاهما عن مالكٍ عن نافعٍ عن ابن عُمرَ.
قوله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} ؛ أي: واذكر يا محمدٌ لقومك إذ يختصمون فِي النار {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ} وهم الأتباع {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}
(1)
ينظر: تفسير القرطبي 15/ 319.
(2)
رواه البخاري في صحيحه 2/ 103 كتاب الجنائز: باب "الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي"، ومسلم في صحيحه 8/ 160 كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها: باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه.
(3)
إسماعيل بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن أُوَيْسٍ بن مالك بن أبِي عامر الأصْبَحِيُّ، أبو عبد اللَّه المَدَنِيُّ، الإمام الحافظ الصدوق، عالِمُ أهْلِ المدينة ومحدثهم، روى عن أبيه وأخيه أبِي بكر وخالِهِ مالكِ بنِ أنَسٍ، توفي سنة (226 هـ)، وقيل:(227 هـ). [تهذيب الكمال 3/ 124؛ 129، سير أعلام النبلاء 10/ 391: 395].
(4)
يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي، أبو زكريا النيسابوري، إمام في الحديث، وَرِعٌ ثقةٌ، كان من سادات أهل زمانه علمًا ودينًا ونسكًا وإتقانًا، روى عن مالك وزهير بن معاوية، روى عنه البخاري ومسلم والبيهقي وغيرهم، توفي سنة (226 هـ). [تهذيب الكمال 32/ 31 - 37، الأعلام 8/ 176].
عن الإيمان وهم القادة {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} يعني: على دِينكم في الدنيا {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا} ؛ أي: حاملون عنا باتباعنا إياكم {نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47)} يعني: بعض العذاب، والتَّبَعُ يكون واحدًا وجمعًا فِي قول نحاة البصرة، واحده: تابع
(1)
، وقال أهل الكوفة
(2)
: هو جمع لا واحد له كالمصدر، وجمعه أتباعٌ، وقيل
(3)
: هو مصدرٌ فِي موضع خَبَرِ "كان"؛ ولذلك لَمْ يُجْمَعْ.
قوله: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} وهم القادة للضعفاء، وهم الأتباع:{إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} ؛ أي: فِي النار نحن وأنتم {إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)} ؛ أي: فَصَلَ بينهم، وقوله:{إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} قرأه العامة برفع {كُلٌّ} على الخبر؛ لأنه ابتداءٌ تقديره: كُلُّنا فيها، وقرأ ابن السَّمَيْفَع:"إنّا كُلًّا فِيها"
(4)
بالنصب، جعلها نعتًا وتأكيدًا لـ {إِنَّا}
(5)
.
(1)
قال أبو عبيدة: {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} [غافر: 47]: جميع تابع، خرج مخرج غائِبٍ وغَيَبٍ". مجاز القرآن 1/ 339، وينظر: معانِي القرآن للأخفش ص 461، جامع البيان 24/ 92، تهذيب اللغة 2/ 282، الكشف والبيان 8/ 278، تفسير القرطبي 15/ 321.
(2)
ينظر قولهم في جامع البيان 24/ 92، الكشف والبيان 8/ 278، عين المعانِي ورقة 116/ ب، تفسير القرطبي 15/ 321.
(3)
ويكون هذا المصدر على تقديرِ مضافٍ، أي: ذَوي تَبَعٍ، أو يكون في موضع اسم الفاعل، أي: تابعين، وهذا قول النَّحّاسِ وَمَكِّيِّ بن أَبِي طالب، ينظر: إعراب القرآن للنحاس 4/ 36، مشكل إعراب القرآن 2/ 266، وينظر أيضًا: التبيان للعكبري ص 1121، الفريد للهمداني 4/ 216، الدر المصون 6/ 45.
(4)
وهي أيضًا قراءة عيسى بن عمر، ينظر: القرطبي 15/ 321، البحر 7/ 448.
(5)
هذا قول الكسائي والفراء في توجيه هذه القراءة، ينظر: معانِي القرآن للفراء 3/ 10، وقول الكسائي حكاه النحاس في إعراب القرآن 4/ 36، وينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 67، القرطبي 15/ 321، وهذا ممنوع عند البصريين لأن الضمير لا يُنْعَتُ، وقال مَكِّيٌّ:"وَوَجْهُ قولِهِما أنه تأكيد للمضمر، والكوفيون يُسَمُّونَ التأكيد نعتًا". مشكل إعراب القرآن 2/ 267.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى} يعني: من الضلالة {وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53)} يعني التوراة {هُدًى وَذِكْرَى} ؛ أي: هو هدًى وتذكيرٌ {لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)} ؛ أي: لأهل العقول والبصائر، وقيل:{هُدًى} في موضع نصبٍ على الحال، أي: هادِيًا، {وَذِكْرَى} عطفٌ عليه، وإن شئت قلت: هو نصبٌ على القطع من الكتاب.
قوله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} شرطٌ وجزاءٌ؛ أي: وَحِّدُونِي واعبدونِي دون يخري أُثِبْكُمْ وأغْفِرْ لكم {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} يعني: عن توحيدي وطاعتي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)} يعني: صاغرين ذليلين، وهو نصبٌ على الحال، وقد مضى نظيره في سورة النمل
(1)
.
قرأ ابن كثيرٍ وأبو جعفرٍ وأبو حاتمٍ: "سَيُدْخَلُونَ" بضم الياء وفتح الخاء على ما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، واختُلِفَ فيه عن أبِي عمرٍو وعاصمٍ، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الخاء على تسمية الفاعل
(2)
.
قوله عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} يعني: لتستقروا فيه من النَّصَبِ {وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} لابتغاء الرزق، و {جَعَلَ} هاهنا بمعنى خَلَقَ، والعرب تفرق بين {جَعَلَ} إذا كانت بمعنى "خَلَقَ"، وبين {جَعَلَ} إذا لَمْ يكن بمعنى "خلق"، ولا تُعَدِّيها إلَّا فِي مفعولٍ واحدٍ إذا كانت بمعنى "خَلَقَ"، وإذا لَمْ تكن بمعنى "خَلَقَ" عَدَّتْها إلى مفعولين كقوله
(1)
الآية 87، وانظر ما سبق 1/ 471.
(2)
قرأ ابنُ كثير، وعاصمٌ في رواية أبِي بكر والمفضلِ عنه، وأبو عمرو في رواية عباسِ بن الفضل عنه، وأبو جعفر ورُويْسٌ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ وابنُ مُحَيْصِنٍ ويعقوبُ ورَوْحٌ:"سَيُدْخَلُونَ" بالبناء للمفعول، وقرأ الباقون، وعاصم في رواية حفص عنه، وأبو عمرو في غير رواية عَبّاسٍ بالبناء للفاعل، ينظر: السبعة ص 572، تفسير القرطبي 15/ 328، البحر المحيط 7/ 452، النشر 2/ 252، الإتحاف 2/ 439.
تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}
(1)
، وقوله:{وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} عطف النهار على الليل، ونصب {مُبْصِرًا} على الحال.
قوله عز وجل: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)} قال الفراء
(2)
: هو خبرٌ، وفيه إضمارُ الأمرِ، مجازه: فادْعُوهُ واحْمَدُوهُ، وقال ابن عبّاسٍ:"من قال: لا إله إلا اللَّه فَلْيَقُلْ على إثْرِها: الحمد للَّهِ رَبِّ العالَمِينَ"
(3)
، و {مُخْلِصِينَ} منصوبٌ على الحال.
قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} يعني آدم عليه السلام {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} يعني ذريته {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} يعني: مثل الدم {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} يعني: أطفالًا، قال يونس: العرب تجعل الطفل للواحد والجماعة، نظيره قوله:{أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}
(4)
، وهو منصوبٌ على الحال، وقد ذكرتُ نظيرها فِي سورة الحج
(5)
.
قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} يعني: عذابنا {قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} نصبٌ على المصدر {وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)} ؛ أي: تَبَرَّأْنا مما كُنّا نعبد من دون اللَّه ونَعْدِلُ به {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} يريد: هذا قضاءٌ في خَلْقِي أنّ مَنْ كَذَّبَ أنبيائي وجَحَدَ
(1)
الزخرف 3، ومن أول قوله:"وجعل هاهنا بمعنى خلق"، قاله النحاس في إعراب القرآن 4/ 40.
(2)
لَمْ أقف على هذا القول في معانِي القرآن، وإنما هو في مجمع البيان 8/ 453، وتفسير القرطبي 15/ 329.
(3)
رواه الحاكم في المستدرك 2/ 438 كتاب التفسير: سورة "حم" المؤمن، وينظر: فتح الباري 11/ 175، الدر المنثور 5/ 357.
(4)
النور 31، وانظر ما تقدم 1/ 322.
(5)
الآية 5: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [الحج: 5]، وانظر ما تقدم 1/ 229.
رُبُوبِيَّتِي فإذا نزل به العذابُ اسْتَكانَ وتَضَرَّعَ، لَمْ يَنْفَعْهُ ذلك عندي
(1)
.
والمعنى: سَنَّ اللَّهُ هذه السُّنّةَ فِي الأمم كُلِّها ألَّا ينفعهم الإيمانُ إذا رَأوا العذابَ، وفِي نصب {سُنَّتَ} ثلاثة أوجهٍ أحدها: بِنَزْعِ الخافض أي: كَسُنّةِ اللَّهِ
(2)
، والثانِي: على المصدر؛ لأن العرب تقول: سَنَّ يَسُنُّ سَنًّا وسُنّةً
(3)
، والثالث: على التحذير
(4)
أي: احْذَرُوا سُنّةَ اللَّه، كقوله تعالى:{نَاقَةُ اللَّهِ}
(5)
.
قوله: {وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)} ؛ أي: هَلَكَ عند ذلك المُكَذِّبُونَ: يعني: يوم القيامة، و {هُنَالِكَ} من أسماء المواضع، وتستعمل في الأزمنة، و"هُنا" إشارةٌ إلى الغائب كما أن "هَذا" إشارةٌ إلى الحاضر، واللام توكيدٌ والكاف اسمٌ للمخاطَب
(6)
، وكُسِرَتِ اللامُ لالتقاء الساكنين، ومثلها في الآية قبلها، وقد ذكرت نظيرها في سورة آل عمران
(7)
، واللَّه أعلم، وباللَّه التوفيق.
(1)
قاله ابن عباس، ينظر: الوسيط 4/ 23.
(2)
هذا قول السجاوندي في عين المعاني ورقة 117/ أ، وينظر: تفسير القرطبي 15/ 336.
(3)
هذا قول أكثر العلماء، ينظر: مجاز القرآن 2/ 141، 195، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 378، إعراب القرآن 4/ 45.
(4)
في الأصل: "على التحذير والإغراء"، وهو وهم.
(5)
الشمس 13، وهذا القول ذكره السجاوندي بغير عزو في عين المعاني ورقة 117/ أ، وينظر: تفسير القرطبي 15/ 336، البحر المحيط 7/ 458، الدر المصون 6/ 54.
(6)
"هُنا" إشارة إلى القريب لا إلى الغائب كما قال المؤلف، والكاف حرفُ خطابٍ، وليست اسمًا كما زَعَمَ، قال الجوهري:"هُنا وهاهُنا للتقريب إذا أشَرْتَ إلى مكانٍ، وهُناكَ وهُنالِكَ للتبعيد، واللام زائدةٌ، والكاف للخطاب وفيها دليلٌ على التبعيد، تُفْتَحُ للمذكّر وتُكْسَرُ للمؤنث، قال الفراء: يقال: اجلسْ هاهُنا قريبًا، وتَنَحَّ هاهُنا أي تَباعَدْ". الصحاح 6/ 2561، وقال الزمخشري:"وهُنالِكَ: مكان مستعار للزمان أي: وخسروا وقت رؤية البأس". الكشاف 3/ 440، قال السمين الحلبي معلقا على قول الزمخشري:"ولا حاجة له، فالمكانية ظاهرة". الدر المصون 6/ 54.
(7)
آل عمران الآية 38، وهو قوله تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} [آل عمران: 38]، وهي في القسم المفقود من هذا الكتاب.