الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة العنكبوت
مكِّية
وهي أربعة آلاف ومائةٌ وخمسة وتسعون حرفًا، وتسعُمائة وثمانون كلمة، وتسعٌ وستون آية.
باب ما جاء في فضل قراءتها
عن أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَن قرأ سورةَ العنكبوت كان له من الأجر عشْرُ حسنات بعدد كلِّ المؤمنين والمنافقين"
(1)
.
ورُوِيَ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قرأ سورةَ العنكبوت ثَقَّلَ اللَّه ميزانَهُ، وبَيَّضَ وجهَهُ، وحُشِرَ صِدِّيقًا، ولَقّاهُ كتابَهُ بيمينه"
(2)
.
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ} ؛ أي: أَظَنَّ الناسُ، يعني: المؤمنين الذين جَزِعوا من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين {أَنْ
(1)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 269، الوسيط 3/ 412، الكشاف 3/ 213، مجمع البيان 8/ 5.
(2)
لم أعثر له على تخريج.
يُتْرَكُوا} يعني: بغير اختبارٍ ولا ابتلاء، وهو استفهامٌ معناه التقرير والتوبيخ؛ أي: أَحَسِبُوا أَنْ نَقْنَعَ منهم بأن يقولوا: إنّا مؤمنون، ولا يُمْتَحَنُونَ بأن نَتَبيَّنَ حقيقةَ إيمانهم
(1)
؟ وأصله من الحساب، والحُسْبانُ: قُوّةُ أحد النقيضَيْن، والشَّكُّ: الوقوف بينَهما، واليقين: قطع أحدهما
(2)
.
وقوله: {أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)} ؛ أي: لا يُبْتَلَوْنَ بالجهاد والصلاة والزكاة والحج والدِّينِ كُلِّهِ، فنعلمَ به صِدْقَ إيمانهم من كذبه، ومحل "أنِ" الأولى: نصب بـ {أَحَسِبَ}
(3)
، والثانية: نصب بِنَزْعِ الخافض؛ أي: لأن يقولوا.
والعرب لا تقول: تركتُ فلانًا أَنْ يذهبَ، وإنما تقول: تركتُهُ يذهبُ، وفيه جوابان، أحدهما: أَنْ يُتْرَكُوا لأن يقولوا
(4)
، والثانِي: على التكرير
(5)
، تقديره: أحسِب الناسُ أن يُتركوا، أحسِبوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يُفتنون، لا يُبْتَلَوْنَ لِيَظْهَرَ المخلص من المنافق.
(1)
قاله الزَّجّاج في معاني القرآن وإعرابه 4/ 159، وينظر: معاني القرآن للنَّحاس 5/ 211.
(2)
قاله السجاوندي في عين المعاني ورقة 99/ ب.
(3)
"أَنْ" وما دخلت عليه سدت مسد مفعولي "حَسِبَ" عند سيبويه، ينظر: الكتاب 3/ 166، 167، وينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 159، إعراب القرآن 3/ 247، المسائل الحلبيات ص 65.
(4)
يعني: أنه منصوب بنَزْعِ الخافض.
(5)
يعني: على البدلَ، وهذا الوجه والذي قبله قالهما الفرَّاء في معاني القرآن 2/ 314 وجعلهما سواءً فِي الصحة، وقالهما الزَّجّاج والنَّحاس أيضًا، ولكن الزَّجّاج جعل النصب بنزع الخافض أجود، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 159، 160، إعراب القرآن 3/ 247، وقد أنكر الفارسي أن يكون {أَنْ يَقُولُوا} بدلا من {أَنْ يُتْرَكُوا} فقال:"ولا يكون بدلًا، لأنه ليس الأولَ ولا بعضَهُ ولا مشتملًا عليه، ولا يستقيم حمله على الغلط". الإغفال 2/ 518.
قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} يعني: بِرًّا بهما، وعَطْفًا عليهما، قرأه العامة بضمِّ الحاء وجزم السين، وقرأ أبو رجاءٍ العُطاردي بفتح الحاء والسين، وفِي مصحف أُبَيٍّ:"إحسانًا"
(1)
، قال الزَّجّاج
(2)
: معناه: ووصَّينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يَحْسُنُ.
واختلف النحاة فِي نصب الحُسْنِ، فقال أهل البصرة
(3)
: على التكرير، تقديره: ووصيناه حُسنًا، أي: بالحسن، كما تقول: وَصَّيْتُهُ خَيْرًا، أي: بخير، وقال أهل الكوفة
(4)
: معناه: ووصَّينا الإنسان أن يفعل حُسْنًا، فحذفه لدلالة الكلام عليه، كقول الراجز:
105 -
عَجِبْتُ مِنْ دَهْماءَ إِذْ تَشْكُونا
ومِنْ أَبي دَهْماءَ إذْ يُوصِينا
خَيْرًا بِها كأننا جافُونا
(5)
(1)
قرأ أبو رجاء العطاردي وعيسى بن عمر وعاصم الجحدري وأبو العالية والضحاك: {حُسْنًا} بفتح الحاء والسين، وقرأ أُبَيٌّ وعاصم الجحدري:{إِحْسانًا} ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 115، تفسير القرطبي 13/ 329، مفاتيح الغيب 25/ 35، البحر المحيط 7/ 138.
(2)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 161.
(3)
قاله الأخفش بنصه تقريبًا في معاني القرآن ص 436.
(4)
قاله الفرَّاء في معاني القرآن 2/ 125، عند الآية 23 من سورة الإسراء، قال أبو حيان:"وفِي هذا القول حذف "أَنْ" وصلتها وإبقاء المعمول، وهو لا يجوز عند البصريين". البحر المحيط 7/ 138.
(5)
الأبيات من الرجز المشطور، لم أقف على قائلها، ويُروى الثالث:"كَأَنَّما خافُونا".
التخريج: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 120، جامع البيان 20/ 160، الكشف والبيان 7/ 271، المحرر الوجيز 4/ 358، زاد المسير 1/ 158، عين المعاني ورقة 99/ ب، تفسير القرطبي 13/ 329، البحر المحيط 7/ 138.
أي: يوصينا أن نفعل خيرًا، وهو مثلُ قوله تعالى:{فَطَفِقَ مَسْحًا}
(1)
؛ أي: يَمْسَحُ مَسْحًا، وقيل
(2)
: معناه: ألزمناه حُسنًا.
قيل: نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وَقّاص الزُّهْرِيِّ رضي الله عنه وكان بارًّا بأُمِّهِ حَمْنةَ بنتِ أبي سفيان بن أُمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فلما أسلم قالت: يا سعد! قد بلغني أنك صَبَوْتَ، فواللَّه لا يُظِلُّنِي سقفُ بيتٍ من شمس ولا ريح، وإن الطعامَ والشرابَ عَلَيَّ حرامٌ حتى تكْفُرَ بمحمد وترجعَ إلى الدِّينِ الذي كنتَ عليه، فأَبَى عليِها ذلك، فبقيتْ على حالها لا تَطعمَ ولا تشرب، ولا تَسْتَكِنُّ من ريح ولا شمس، ولا من حَرٍّ ولا بَرْدٍ ولا مطرٍ، فلما خَلَص إليها الجوع لم يكن لها بُدٌّ من أن تأكل وتشرب وتَسْتَكِنَّ، فحَث اللَّه سعدا على البِرِّ بِأمِّهِ، فأنزل اللَّه تعالى هذه الآيةَ والتي في "لقمان" و"الأحقاف"
(3)
، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يَتَرَضّاها ويُحْسِنَ إليها، ولا يطيعَها في الشرك، فقال تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} على أن تجعل لي مِثْلًا أو عِدْلًا أو صاحبة أو ولدًا {فَلَا تُطِعْهُمَا} ، فإنك إن فعلت لم يكن لك علمٌ في ذلك، {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في الدنيا، وكان سعدٌ أَحَبَّ ولدِها إليها.
(1)
ص 33.
(2)
يعني: على تضمين {وَصَّيْنا} معنى: أَلْزَمْنا، وقد ورد هذا القول بغير عزو في الكشف والبيان 7/ 271، تفسير القرطبي 13/ 329، الدُّر المصون 5/ 361.
(3)
سورة لقمان 14، 15، وسورة الأحقاف 15، والخبر رواه الإمام أحمد في المسند 1/ 181، 186، ومسلم في صحيحه 7/ 125، 126 كتاب فضائل الصحابة: باب في فضل سعد بن أبِي وَقّاصٍ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى 9/ 26 كتاب السير: باب "المسلم يتوقى في الحرب قتل أبيه".