الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)} ؛ يعني: يَحْسَبُ كُفّارُ بَنِي آدم أنّهُمْ على هدى.
فصل
عن أبِي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "عليكم بـ "لا إله إلّا اللَّه" والاستغفارِ، فَأكْثِرُوا منهما، فإن إبْلِيسَ قال: أهلكتُ الناسَ بالذنوب، فأهلكوني بـ "لا إله إلّا اللَّه" والاستغفارِ، فلما رأيتُ ذلك أهلكتُهُمْ بالأهواء، وهم يحسبون أنهم مهتدون"
(1)
.
قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} قرأ أهل العراق وابنُ مُحَيْصِنٍ على الواحد، يعنون الكافر، وقرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر على التثنية
(2)
، يعنون الكافرَ وقَرِينَهُ، جُعِلا في سلسلة واحدة، ورُوِيَ أن الكافر إذا بُعِثَ يوم القيامة من قَبْرِهِ أخَذَ بيده شَيْطان، فلم يفارقه حتى يُصَيِّرَهُما اللَّهُ إلى النار
(3)
، فذلك حين يقول الكافر للشيطان:{يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)} يعني: فبئس الصاحبُ والمُقارِنُ في النار، والمعنى: بُعْدُ ما بين
(1)
رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة ص 9، وينظر: الوسيط 4/ 73، مجمع الزوائد 10/ 207 كتاب التوبة: باب ما جاء في الاستغفار، الجامع الصغير 2/ 176، الدر المنثور 2/ 78، 6/ 62، كنز العمال 1/ 420.
(2)
وهي، أيضًا، قراءة أبي جعفر وابن محيصن وشيبة وقتادة والزهري والجحدري والسلمي والحسن وورش، ينظر: السبعة ص 586، القرطبي 16/ 95، البحر 8/ 17، الإتحاف 2/ 456، 457.
(3)
حكاه النحاس عن سعيدٍ الجُرَيْرِيِّ في معاني القرآن 6/ 358، وينظر: الوسيط 4/ 73، تفسير القرطبي 16/ 90.
المشرق والمغرب، فَغُلِّبَ لَفْظُ المَشْرِقِ كما يُقالُ للغَداةِ والعَشِيِّ: العَصْرانِ، قال حميد بن ثور
(1)
:
230 -
وَلَنْ يَلْبَثَ العَصْرانِ يَوْمًا وَلَيْلةً
…
إذا طَلَبا أنْ يُدْرِكا ما تَيَمَّما
(2)
ويقال لأبِي بكر وعُمَرَ رضي الله عنهما: العُمَرانِ، وللسِّبْطَيْنِ: الحَسَنانِ، ويقال للشمس والقمر: القَمَرانِ، قال الشاعر:
231 -
أخَذْنا بِآفاقِ السَّماءِ عَلَيْكُمُ
…
لَنا قَمَراها والنُّجُومُ الطَّوالِعُ
(3)
(1)
حُمَيْدُ بن ثَوْرِ بن حَزْنٍ الهِلَالِيُّ، أبو المُثَنُّى العامِرِيُّ، شاعر مخضرم، شهد حُنَيْنًا مشركًا، ثم أسلم ووفد على النبي، وأدرك زمن عثمان، وقيل: أدرك زمن عبد الملك بن مروان، وعده ابنُ سَلَّامٍ في الطبقة الرابعة من الإسلاميين. [الشعر والشعراء ص 397 - 451، طبقات فحول الشعراء ص 583 - 584، الأعلام 2/ 283].
(2)
البيت من الطويل، لحميد بن ثور، ورواية ديوانه:"وَلَا يَلْبَثُ"، ويُرْوَى:"يَوْمٌ ولَيْلةٌ" بالرفع على البدلية، ومعنى "تَيَمَّما": قَصَدا.
التخريج: ديوانه ص 8، إصلاح المنطق ص 394، معانِي القرآن وإعرابه 5/ 359، الحجة للفارسي 4/ 143، أمالِيُّ القالِي 1/ 233، الكشف والبيان 10/ 283، بهجة المجالس 1/ 92، 238، ذكر الفرق بين الأحرف الخمسة ص 160، المحرر الوجيز 5/ 520، تفسير القرطبي 20/ 179، شرح التسهيل لابن مالك 3/ 331، اللسان: عصر، البحر المحيط 8/ 507، الدر المصون 6/ 567، اللباب في علوم الكتاب 20/ 484.
(3)
البيت من الطويل للفرزدق، يفخر بنفسه وبقومه.
اللغة: أراد بالقَمَرَيْنِ هنا: محمدًا وإبراهيمَ، عليهما السلام، وأراد بالنجوم هنا: الخلفاء المهتدين. التخريج: ديوانه 1/ 419، معانِي القرآن للفراء 3/ 33، المقتضب 4/ 326، الكامل للمبرد 1/ 143، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 412، مجالس العلماء ص 31، إعراب القراءات السبع 2/ 298، الحلل ص 85، أمالِيُّ ابن الشجري 1/ 19، 2/ 424، عين المعانِي ورقة 119/ ب، 127/ ب، تفسير القرطبي 15/ 375، 16/ 91، 19/ 241، اللسان: شرق، عني، قبل، مغني اللبيب ص 900، شرح شواهد المغني ص 13، 964، خزانة الأدب 4/ 391، 9/ 128.
يعني: الشمس والقمر، ويقال للكوفة والبصرة: البَصْرَتانِ والمِصْرانِ، قال الشاعر:
232 -
وَبَصْرةُ الأزْدِ مِنّا والعِراقُ لَنا
…
والمَوْصِلَانِ وَمِنّا مِصرُ والحَرَمُ
(1)
أراد: المَوْصِلَ والجَزِيرةَ، والبَصْرةَ والكُوفةَ
(2)
.
وقال بعضهم
(3)
: أراد بالمشرقين: مشرق الصيف ومشرق الشتاء، كقوله تعالى:{رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ}
(4)
. قال الفراء
(5)
: والأول أشبه الوجهين بالصواب.
قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} يا محمد بأن نُمِيتَكَ قبل أنْ نُعَذِّبَهُمْ {فَإِنَّا مِنْهُمْ} يعني كفار مكة {مُنْتَقِمُونَ (41)} يعني: بالقتل يوم بدر، دخلت "ما" توكيدًا للشرط، والنون الثقيلة في قوله:{نَذْهَبَنَّ} دخلت أيضًا توكيدًا، وإذا دخلت"ما" دخلت معها النون كما تدخل مع لام القَسَمِ
(6)
، والمعنى: إنّا نَنْتَقِمُ منهم إنْ نَتَوَفيَنَّكَ.
(1)
البيت من البسيط لرجل من طيء، ويُرْوَى:"وَمِنّا المِصْرُ والحَرَمُ".
التخريج: معانِي القرآن للفراء 3/ 34، الزاهر لابن الأنباري 1/ 504، الصحاح ص 1843، أمالِيُّ المرتضى 2/ 148، معجم البلدان 5/ 224، زاد المسير 7/ 316، اللسان: وصل، التاج: وصل.
(2)
قاله الطبري والزجاج والنحاس، ينظر: جامع البيان 25/ 95، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 412، معانِي القرآن للنحاس 6/ 360، 361، وينظر أيضًا: الكشف والبيان 8/ 335.
(3)
قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 243، وهو قول آخر للنحاس، قاله في معانِي القرآن 6/ 360، وينظر: عين المعانِي ورقة 119/ ب، الفريد للهمداني 4/ 258.
(4)
الرحمن 17.
(5)
وهو أنه أراد المشرق والمغرب، فغلب لفظ المشرق، ينظر: معانِي القرآن 3/ 33.
(6)
هذا كلام الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 4/ 413، وهو مذهبه في أن "ما" إذا زيدت =
{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} ووعدناك فيهم من النصر {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)} ؛ أي: قادرون عليهم، مَتَى شِئْنا عَذَّبْناهُمْ، ثم أُرِيَ ذلك يَوْمَ بَدْرٍ.
قوله تعالى: {وَاسْأَلِ} يا محمد {مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} الآية، اختلف العلماء في هؤلاء المسؤولين، فقال أكثر المفسرين
(1)
: هم مؤمنو أهلِ الكتاب، قالوا: وفي قراءة عبد اللَّه وأُبَيٍّ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا}
(2)
،
= على "إنِ" الشرطيةِ لَزِمَ أن تلحق نُونُ التوكيد فِعْلَ الشرط، وقد ذكر الزجاج ذلك، أيضًا، عند تناوله لقوله تعالى:{فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} [البقرة: 38] في معانِي القرآن وإعرابه 1/ 117. وقد نَسَبَ الفارِسِيُّ للمُبَرِّدِ أنه يُوجِبُ تأكيدَ فِعْلِ الشرط بنون التوكيد مع "ما"، ذكر ذلك في المسائل المشكلة ص 311، والإغفال 1/ 131، 132.
ولكن مذهب سيبويه أن هذا التأكيد بالنون مع "ما" غير واجب، بل يجوز التوكيد بالنون ويجوز ترك التوكيد، قال سيبويه:"ومن مواضعها [يعني النون]: حروف الجزاء إذا وقعت بينها وبين الفعل "ما" للتوكيد، وذلك لأنهم شَبَّهُوا "ما" باللام في لَتَفْعَلَنَّ، لَمّا وقع التوكيد قبل الفعل ألْزَمُوا النونَ آخِرَهُ، كما ألْزَمُوا هذه اللامَ، وإن شئتَ لَمْ تُقْحِمِ النونَ، كما أنك إن شئت لَمْ تَجِئْ بها. . .، فمن ذلك قولك: إمّا تَأْتِيَنِّي آتِكَ، وأيُّهُمْ ما يَقُولَنَّ ذاك تَجْزِهِ، وتصديق ذلك قوله تعالى:{فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} . الكتاب 3/ 514 - 515.
وهذا مذهب المبرد أيضًا، في المقتضب 3/ 13 - 14، والكامل 1/ 289 - 295، على عكس ما نسبه إليه الفارسيُّ، وينظر رَدُّ الفارسي على الزجاج في الإغفال 1/ 126 - 144، المسائل المشكلة ص 310 - 312، وينظر في هذه المسالة أيضًا: شرح المفصل 9/ 41، شرح الكافية للرضي 4/ 95، ارتشاف الضرب ص 656، همع الهوامع 2/ 511 - 512.
(1)
قاله ابن عباس وعطاء والحسن ومجاهد والسدي وقتادة والضحاك، ينظر: جامع البيان 25/ 99 - 98، معانِي القرآن للنحاس 6/ 365 - 367، إعراب القرآن 4/ 112، الكشف والبيان 8/ 337، الوسيط 4/ 75، المحرر الوجيز 5/ 57.
(2)
لَمْ أقف على أنها قراءة لأُبَيٍّ، ينظر: جامع البيان 25/ 99، معانِي القرآن للنحاس 6/ 366، 367، شواذ القراءة ورقة 218، وذكر القرطبي أن قراءة ابن مسعود:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} . تفسير القرطبي 16/ 96.
قال الزجاج
(1)
: والمعنى: سَلْ أُمَمَ مَنْ أرسلنا، فحذف المضاف.
وقال ابن عباس
(2)
: "لَمّا أُسْرِيَ بالنبي صلى الله عليه وسلم بَعَثَ الُلَّه له آدمَ ومَنْ وَلَدَ مِن المرسلين، فَأذَّنَ جبريلُ عليه السلام، ثم أقام، وقال: يا محمد! تَقَدَّمْ فَصَلِّ بهم، فلما فَرَغَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال له جبريل: سَلْ يا محمد من أرسلنا من قبلك من رسلنا. . . الآية، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لا أسأل، قد اكتفيتُ"". يريد: إنِّي لا أشُكُّ بأن ليس أحَدٌ يُعْبَدُ غَيرُ اللَّه عز وجل، ومعنى الأمر بالسؤال: التقرير لِمُشْرِكِي قريشٍ أنه لَمْ يَأْتِ رَسُولٌ ولا كتاب بعبادةِ غَيْرِ اللَّهِ عز وجل.
قوله تعالى: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} أربعون فَرْسَخًا في أربعين فَرْسَخًا، و"مِصْرَ" في موضع خفض، ولَمْ تنصرف عند البصريين؛ لأنها مؤنثة سُمِّيَتْ بِمُذَكرٍ، وكذا لو سَمَّيْتَ امرأة بِزَيْدَ لَمْ ينصرف
(3)
.
قوله: {وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ} يعني أنهار النيل {تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} فتح نافعٌ وأبو عمرو والبَزِّيُّ الياءَ، وأسكنها الباقون
(4)
، والمعنى: من تحت قصوري،
(1)
معانِي القرآن وإعرابه 4/ 414.
(2)
رواه الطبري في جامع البيان 25/ 99، وينظر: الكشف والبيان 8/ 337، الوسيط 4/ 75، المحرر الوجيز 5/ 57، زاد المسير 7/ 319، تفسير القرطبي 16/ 95، الدر المنثور 6/ 19.
(3)
قاله النحاس بنصه، ثم قال:"وأجازوا صرف مصر على أن يكون اسمًا لِلْبَلَدِ، وتَرْكُ الصَّرْفِ أوْلَى؛ لأن المستعمل في مثلها بَلْدةٌ، فأما الكوفيون فيذهبون إلى أن مِصْرَ بمَنْزِلةِ امرأةٍ سَمَّيْتَها بِهِنْدٍ، فكان يجب أن ينصرف إلا أنها مُنِعَتْ من ذلك لِقِلَّتِها في الكلام". إعراب القرآن 4/ 113، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 12/ 183.
(4)
فتح الياءَ أيضًا: أبو جعفر، وأسكنها الباقون وابنُ كثير في رواية القَوّاسِ، ينظر: السبعة ص 590، تفسير القرطبي 16/ 99، النشر 2/ 370، الإتحاف 2/ 457.