الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} في ملكه {غَفُورٌ (28)} لذنوب عباده المؤمنين.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} يعني قُرّاءَ القرآن، أثْنَى عليهم بقراءة القرآن، {وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} نصبٌ على الحال، وإن شئتَ قلتَ: هما اسمان أقيما مقام المصدر، وقوله:{يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)} لن تَكْسُدَ ولن تفسد ولن تهلك، قال الفراء
(1)
: قوله: {يَرْجُونَ} جواب لقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ} .
{لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} جزاء أعمالهم بالثواب، {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} قال ابن عبّاسٍ: سِوَى الثوابِ مما لَمْ تَرَ عَيْنٌ ولَمْ تسمع أُذُنٌ، {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} قال ابن عبّاسٍ: غَفَرَ العظيمَ من ذنوبهم، وشَكَرَ اليسيرَ من أعمالهم.
فصْلٌ
عن عبد اللَّه بن عُبيد بن عميرٍ اللَّيثي
(2)
أنه قال: قام رَجلٌ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه! ما لِي لا أُحِبُّ الموتَ؟ قال: "ألَكَ مالٌ؟ " قال: نَعَمْ، قال:"فَقَدِّمْهُ"، قال: لا أستطيع، قال:"فإن قُلْتُ: المَرْءُ مَعَ مالِهِ، إنْ قَدَّمَهُ أحَبَّ أنْ يَلْحَقَ بِهِ، وَإنْ أخرَهُ أحَبَّ أنْ يَتَأخَّرَ مَعَهُ"
(3)
.
(1)
معانِي القرآن 2/ 369، ويعني بالجواب هنا خبر "إنّ".
(2)
أبو هاشم المكي، تابِعِيٌّ روى عن أبيه وعن ابن عباس وابن عمر، كان من عُبّاِد أهل مكة، ثقة يحتج بحديثه، توفِّي سنة (113 هـ). [تهذيب الكمال 15/ 259؛ 261، تهذيب التهذيب 5/ 269 - 270].
(3)
ينظر: الكشف والبيان 8/ 106، مجمع البيان 8/ 243، تفسير الثعالبي 1/ 303 - 304، كنز العمال 15/ 551.
قوله تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يا محمَّدُ {مِنَ الْكِتَابِ} يعني: القرآن {هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا} يعني: موافقًا {لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} ؛ أي: لِما قَبْلَهُ مِن الكتب السالفة، وهو منصوبٌ على القطع والحال، {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ} بهم {بَصِيرٌ (31)} بأعمالهم.
قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} وهم أُمّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، ثم قَسَّمَهُمْ وَرَتَّبَهُمْ ثلاثَ درجاتٍ، فقال تعالى:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} بالكفر، وقيل: هو الذي مات على كبيرةٍ، ولَمْ يَتُبْ منها، فذلك في النار، {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} عادلٌ لَمْ يُصِبْ كبيرةً، وهم أصحاب اليمين من أهل الجنة، {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} بالأعمال الصالحة {بِإِذْنِ اللَّهِ}؛ أي: بأمر اللَّه وإرادته، وهم المُقَرَّبُونَ إلى عَدْنٍ، وهي الدرجة العليا.
وقال الحسن: الظّالِمُ: الذي تَرْجَحُ سَيِّئاتُهُ على حسناته، والمقتصِد: الذي اسْتَوَتْ حسناتُهُ وسيِّئاتُهُ، والسابق: مَنْ رَجَحَتْ حَسَناتُهُ على سيِّئاته، وقيل: الظّالِمُ: طالِبُ الدنيا، والمقتصِد: طالِبُ العُقْبَى، والسّابق: طالِبُ المَوْلَى، وقيل: الظّالِمُ: مَنْ كان ظاهِرُهُ خَيْرًا من باطنه، والمقتصِد: الذي اسْتَوَى ظاهرُهُ وباطنُهُ، والسابق: الذي باطنُهُ خَيْرٌ من ظاهِرِهِ، وفيه اختلافٌ كثيرٌ بين أهل التفسير يطول شرحه هاهنا
(1)
.
{ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)} يعني إيراثَهُم الكتابَ هو المَنُّ الكبير في الجنة، فإن قيل: ما وجه الحكمة في تقديم الظّالِمِ وتأخير السابق
(1)
ينظر في هذه الأقوال وغيرها: جامع البيان 160؛ 163، إعراب القرآن 3/ 371 - 372، الكشف والبيان 8/ 108؛ 111، الوسيط للواحدي 3/ 505، تفسير القرطبي 14/ 346، البحر المحيط 7/ 299.