المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وهي اللام الزائدة (1) ، وقيل (2) : بالابتداء أو بالاستقرار أي: لسليمان الريح - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ٢

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة العنكبوت

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الرُّوم

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌ فَصلُّ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة لقمان

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فْصَلَ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورةُ السجدة

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الأحزاب

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة سبأ

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الملائكة عليهم السلام

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة يس

- ‌بابُ ما جاءَ فِيها مِنَ الفَضائِلِ فِي قِراءَتِها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ في معنى الآية

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الصافات

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة ص

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌قَصَصٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الزمر

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة المؤمن

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ فِي بعض صفات العَرْش وحمَلَته ومن حوله على الاختصار

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة السجدة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ فِي معنى قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة {حم * عسق}

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الزخرف

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: وهي اللام الزائدة (1) ، وقيل (2) : بالابتداء أو بالاستقرار أي: لسليمان الريح

وهي اللام الزائدة

(1)

، وقيل

(2)

: بالابتداء أو بالاستقرار أي: لسليمان الريح ثابتة.

وقوله: {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} يعني: غدوُّها إلى انتصاف النهار مسيرة شهرٍ، ورواحها من انتصاف النهار إلى الليل مسيرة شهرٍ، فجعلت تسير به فِي يومٍ واحدٍ مسيرة شهرٍ للراكب.

قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} ؛ أي: وقلنا: اعملوا يا آل داود شكرًا لِما أُعْطِيتُمْ من الفضل والخير، والشكر تقوى اللَّه والعمل بطاعته، وهو فِي محل المصدر

(3)

؛ أي: اشكروا شكرًا، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)} العامل بطاعتي شكرًا لنعمتي، وقيل

(4)

: نصب {شُكْرًا} على المفعول له أي: للشكر، ولا يجوز أن يكون نصبًا على أنه مفعول بوقوع {اعْمَلُوا} عليه، لأنه لا يقال: عملت الشكر.

‌فصْلٌ

عن أبِي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر وتلا هذه الآية: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، ثم قال:"ثَلاثٌ مَنْ أُوتيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَ [ما] أُوتِيَ داوُدُ"، فقيل له: ما هي يا رسول

= السبعة ص 527، حجة القراءات ص 583، تفسير القرطبي 14/ 268، البحر المحيط 7/ 253، الإتحاف 2/ 383.

(1)

قاله الفراء في معاني القرآن 2/ 356، وينظر: عين المعاني ورقة 106/ أ.

(2)

قاله النحاس في إعراب القرآن 3/ 335.

(3)

قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 4/ 247، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 337، التبيان للعكبري ص 1065.

(4)

هذا قولٌ آخَرُ للزجاج، قاله في معانِي القرآن وإعرابه 4/ 246، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 336، التبيان للعكبري ص 1065.

ص: 160

اللَّه؟ فقال: "العَدْلُ فِي الغَضَبِ والرِّضا، والقَصْدُ فِي الفَقْرِ والغِنَى، وخَشْيةُ اللَّهِ فِي السِّرِّ والعَلانِيةِ"

(1)

.

قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} يعني سليمان عليه السلام، {مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ} وهي الأرَضةُ {تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} وهي العصا بلسان الحبشة وحَضْرَمَوْتَ، وجمعها المَناسِئُ، وأصلها من: نَسَأْتُ الغَنَمَ: إذا زَجَرْتَها وسُقْتَها، قال طرفة:

150 -

وَعَنْسٍ كَألْواحِ الإرانِ نَسَأْتُها

عَلَى لاحِبٍ كَأنّهُ ظَهْرُ بُزجِدِ

(2)

أي: سُقْتُها، والإرانُ: النَّعْشُ، والبُرْجُدُ كِساءٌ مخطط.

وهَمَزَها أكثرُ القُرّاءِ، وتَرَكَ هَمْزَها أبو عمرٍو وأهل المدينة

(3)

، وهما لغتان

(4)

، قال الشاعر فِي الهَمْزِ:

(1)

ينظر: عين المعانِي ورقة 106/ أ، تفسير القرطبي 14/ 276، الجامع الصغير 1/ 527، كنز العمال 15/ 811، 847.

(2)

البيت من الطويل، لطرفة يصف ناقته، ورواية ديوانه:

أمُونٍ كَألْواحِ الإرانِ. . .

ويروى: "نَصَأْتُها" بالصاد.

اللغة: العَنْسُ: الناقة القوية، شبهها بالصخرة لصلابتها. اللاحب: الطريق الواضح.

التخريج: ديوانه ص 35، مجاز القرآن 1/ 50، 2/ 145، جمهرة اللغة ص 1069، الحجة للفارسي 3/ 292، الكشف والبيان 8/ 81، البصائر والذخائر 5/ 179، المحرر الوجيز 4/ 412، تفسير القرطبي 14/ 280، اللسان: أرن، نصأ، التاج: نصأ، أرن.

(3)

ينظر: السبعة ص 527، إعراب القراءات السبع 2/ 212، البحر المحيط 7/ 256، النشر 2/ 349، الإتحاف 2/ 383.

(4)

الهمز لغة تميم، وترك الهمز لغة أهل الحجاز، قال الفراء:"ولَمْ يهمزها أهل الحجاز ولا الحسنُ، ولعلهم أرادوا لغة قريش فإنهم يتركون الهمز". معاني القرآن 2/ 356، وينظر: مجاز القرآن 2/ 145، الصحاح 1/ 76، زاد المسير 6/ 441، الدر المصون 5/ 436.

ص: 161

151 -

ضَرَبْنا بِمِنْسَأةٍ وَجْهَهُ

فَصارَ بِذاكَ مَهِينًا ذَلِيلا

(1)

وقال آخر في ترك الهمز:

152 -

إذا دَبَيْتَ عَلَى المِنْساةِ مِنْ كِبَرٍ

فَقَدْ تَباعَدَ عَنْكَ اللَّهْوُ والغَزَلُ

(2)

وقوله: {فَلَمَّا خَرَّ} يعني: سقط على الأرض {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ} . . الآية. و {أَنْ} فِي موضع الرفع؛ لأن معنى الكلام: فلما خرَّ تَبَيَّنَ؛ أي: ظهر وانكشف أنْ لو كان الجن يعلمون الغيب

(3)

{مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)} يعني: فِي الشقاء والنَّصَبِ حَوْلًا فِي بيت المقدس، وقيل

(4)

:

(1)

البيت من المتقارب، لَمْ أقف على قائله.

التخريج: الكشف والبيان 8/ 81، عين المعانِي ورقة 106/ ب، تفسير القرطبي 14/ 279، البحر المحيط 7/ 246، فتح القدير 4/ 317، روح المعانِي 22/ 121.

(2)

البيت من البسيط، لَمْ أقف على قائله، ويروى:"مِنْ هَرَمٍ" بدل "من كبر".

التخريج: مجاز القرآن 2/ 145، البيان والتبيين 3/ 31، غريب القرآن لابن قتيبة ص 355، إعراب القراءات السبع 2/ 213، المحتسب 2/ 187، الصحاح 1/ 76، الكشف والبيان 8/ 81، الوسيط 3/ 489، المحرر الوجيز 4/ 411، عين المعانِي ورقة 106/ ب، القرطبي 14/ 279، اللسان: نسأ، نسا، البحر المحيط 7/ 246، الدر المصون 5/ 436، التاج: نسأ، نسي.

(3)

يعني أن "تَبَيَّنَ" فعل لازم بمعنى ظهر وانكشف، فتكون "أنْ" فِي موضع رفع على أنه بدل اشتمال من الجن، والتقدير: فلما خَرَّ ظَهَرَ أمْرُ الجنِّ، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ينظر: إعراب القرآن 3/ 338، مشكل إعراب القرآن 2/ 206، كشف المشكلات 2/ 237، التبيان للعكبري ص 1065، الدر المصون 5/ 437.

(4)

يعني أنه مفعول به لـ "تَبَيَّنَ" المتعدي بنفسه، والتقدير: تَبَيَّنَتِ الجِنُّ جَهْلَها، وهذا قول الفراء فِي معانِي القرآن 2/ 357، وذهب النحاس إلى أنه في محل نصب على نزع الخافض، والتقدير: لأنْ لَوْ كانوا، ينظر: إعراب القرآن 3/ 338، وينظر أيضًا: مشكل إعراب القرآن 2/ 206، التبيان ص 1065، البحر المحيط 7/ 257، الدر المصون 5/ 437.

ص: 162

{أَن} فِي مَحَلِّ النصب؛ أي: علمتْ وأيقنتْ أن لو كانوا يعلمون الغيب، قال الشاعر:

153 -

أفاطِمُ إنِّي مَيِّتٌ فَتَبَيَّنِي

وَلا تَجْزَعِي كُلُّ الأنامِ يَمُوتُ

(1)

وإنما سُمُّوا الجِنَّ؛ لأنهم اسْتَجَنُّوا من الإنس فلم يَرَوْهُمْ.

قال أهل التاريخ: كان عُمْرُ سليمانَ عليه السلام ثلاثًا وخمسين سنةً، ومدة ملكه أربعين سنةً، ومَلَكَ يَوْمَ مَلَكَ وهو ابن ثلاثَ عشرةَ سنةً، وابتدأ فِي بناء بيت المقدس لأربع سنين مَضَيْنَ فِي مُلْكِهِ، هكذا ذكره الثعلبي

(2)

.

وذكر الواحدي في وَسِيطِهِ فِي سورة النمل بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: أُعْطِيَ سليمانُ بن داود مُلْكَ مشارقِ الأرض ومغارِبِها، فَمَلَكَ سبعمائة سنةٍ وستة أشهرٍ، ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والشياطين والدواب والطير والسباع، وأُعْطِيَ عِلْمَ كُلِّ شيءٍ ومَنْطِقَ كُلِّ شيءٍ، وفِي زمانه صُنِعَت الصنائعُ المُعْجِبةُ التي يسمع بها الناس

(3)

، واللَّه أعلم.

(1)

البيت من الطويل، لعبد قيس بن خُفاف البُرْجُمِيِّ، وروايته في أكثر المصادر:

ولا تَجْزَعِي، كُلُّ النِّساءِ يَئِيمُ

والشاهد فيه قوله: "فَتبَيَّنِي"، حيث جاء الفعل "تَبَيَّنَ" متعديًا بنفسه، والتقدير: فَتَبَيَّنِي ذلك، أي: اعلميه.

التخريج: معانِي القرآن للفراء 1/ 185، الفاضل للمبرد ص 83، الزاهر لابن الأنباري 1/ 129، تهذيب اللغة 14/ 340، تصحيح الفصيح وشرحه ص 215، شرح شواهد الإيضاح ص 113، زاد المسير 1/ 109، عبن المعانِي ورقة 106/ ب، اللسان: يتم، البحر المحيط 7/ 257، الدر المصون 5/ 438، المزهر 2/ 366، التاج: يتم، روح المعانِي 11/ 122.

(2)

الكشف والبيان 8/ 81.

(3)

الوسيط فِي تفسير القرآن المجيد 3/ 371.

ص: 163

قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} ؛ أي: دلالةٌ على وحدانيتنا وقدرتنا، ثم فَسَّرَها، فقال:{جَنَّتَانِ} ؛ أي: هي جنَّتان بستانان {عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} إحداهما عن يمين الوادي، والأُخرى عن شِماله، واسم الوادي: العَرِمُ.

و"سَبَأٌ" يُقْرَأُ مصروفًا وغير مصروفٍ

(1)

، فمن صَرَفَهُ فعلى أنه اسِم رَجلٍ معروفٍ، وهو [سَبَأُ بنُ]

(2)

يَشْجُبَ بنِ يَعْرُبَ بنِ قَحْطانَ، ومن تَرَكَ صَرْفهُ فعلى أنه اسم قبيلةٍ، واختاره أبو عبيدٍ؛ لقوله:{فِي مَسْكَنِهِمْ}

(3)

، وقال الضحاك: سبأٌ مدينة باليمن، بعث اللَّه إليها ثلاثة عشر نبيًّا، فكذبوهم وكفروا بهم، قال: وكان دِينُهم الزندقةَ.

واختلف القراء في "مَساكِنِهِمْ"، فقرأ حمزة والنخعي وحفصٌ:"مَسْكَنِهِمْ" بفتح الكاف على الواحد وبنصب الكاف، مصدرٌ لا يُجمع

(4)

، وقرأ يحيى بن وثابٍ والأعمش والكسائي وخَلَفٌ بكسر الكاف على الواحد أيضًا، وقرأ الباقون:"مَساكِنِهِمْ"

(5)

على الجمع.

(1)

ينظر ما سبق فِي سورة النمل الآية 22 في قوله تعالى: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} 1/ 450 من هذا الكتاب.

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

(3)

اختيار أبي عبيد حكاه النحاس في إعراب القرآن 3/ 338، ثم رَذ عليه بقوله:"ولو كان كما قال لكان: في مساكنها".

(4)

المَسْكَنُ بفتح الكاف يجوز أن يكون مصدرًا، وأن يكون اسمًا للمكان؛ لأن فعله سَكَنَ يَسْكُنُ على وزن "فَعَلَ يَفْعُلُ"، وما كان من هذا الباب يأتِي المصدر واسم المكان منه على "مَفْعَلٍ" بالفتح، وهذه لغة أهل الحجاز، وقد يجيء على "مَفْعِلٍ" بالكسر، وهذه لغة تميم، ينظر: الكتاب 4/ 90، وقال الأزهري:"هما لغتان: مَسْكَنٌ ومَسْكِنٌ، وكسر الكاف فصيح جيد للموضع الذي يُسْكَنُ فيه". معانِي القراءات 2/ 291، وينظر: إعراب القراءات السبع 2/ 402، الحجة للفارسي 3/ 292، مشكل إعراب القرآن 2/ 206.

(5)

ينظر: السبعة ص 528، البحر المحيط 7/ 258، النشر 2/ 350، الإتحاف 2/ 384.

ص: 164

قوله: {كُلُوا} ؛ أي: وقيل لهم: {مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} على ما أنعم عليكم، وها هنا تمام الكلِم، ثم ابتدأ فقال:{بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} ؛ أي: هذه بلدكم بلدةٌ طيبةٌ، أي: طيبةُ الهواءِ، {وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)}؛ أي: وهو رب غفور، يعني: غفور الخطايا، كثير العطايا.

قال ابن زيد بن أسلم

(1)

: لَمْ يكن في قريتهم بَعُوضةٌ ولا ذُبابٌ ولا بُرْغُوثٌ ولا عَقْرَبٌ ولا حَيّةٌ، وإنْ كان الرَّكْبُ لَيَأْتُونَ وفي ثيابهم القُمَّلُ والدوابُّ، فما هو إلا أن ينظروا إلى بيوتها، فتموتَ تلك الدواب التي في ثيابهم لِطِيبِ هوائِها.

ويقال

(2)

: كانت المرأة تحمل مِكْتَلًا

(3)

على رأسها، فتدخل البستان، فَيَمْتَلِئُ مِكْتَلُها من ألوان الفاكهة والثمار، من غير أن تَمَسَّ شيئًا بيدها.

قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا} يعني: عن الحق {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} قيل

(4)

: العَرِمُ اسم الوادي، وقيل

(5)

: هو السد، وهو جمع عَرِمةٍ، وقيل

(6)

: العَرِمُ:

(1)

ينظر قوله في جامع البيان 22/ 95، الكشف والبيان 8/ 83، عين المعانِي 106/ ب، تفسير القرطبي 14/ 284.

(2)

قاله الحسن وقتادة، ينظر: جامع البيان 22/ 95، معانِي القرآن للنحاس 5/ 410، الوسيط 3/ 490، تفسير القرطبي 14/ 289.

(3)

المِكْتَلُ: الزَّبِيلُ؛ أي: الوعاء الذي يُحْمَلُ فيه التمرُ والعنبُ ونحوهما. اللسان: كتل.

(4)

قاله ابن عباس وقتادة وعطاء والضحاك ومقاتل، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 4/ 248، معانِي القرآن للنحاس 5/ 406، إعراب القرآن 3/ 339، زاد المسير 6/ 445، عين المعانِي 106/ ب، تفسير القرطبي 14/ 285.

(5)

حكاه النحاس عن المبرد في إعراب القرآن 3/ 339، وينظر: الدر المصون 5/ 438.

(6)

قاله ابن عباس وعَلِيُّ بن أبِي طالب، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 4/ 248، زاد المسير 6/ 445، عين المعانِي 106/ ب، البحر المحيط 7/ 260، الدر المصون 5/ 438.

ص: 165

الشديد، أضاف الموصوف إلى الصفة، وأصلها من العَرامةِ، وهي الشدة والقوة، والعُرامُ: شِدّةُ الغلام.

قوله: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)} قرأه العامة بالتنوين، وقرأ أبو عمرٍو ويعقوب بالإضافة

(1)

، وهما متقاربان، كقول العرب: لفلانٍ أعنابُ كَرْمٍ، وأَعناب كَرْمٌ، وثوبُ خَزٍّ، وثوبٌ خَزٌّ، وأسكن الكافَ نافع وابن كثيرٍ، وضمها الباقون.

قال الواحدي

(2)

: والقراءة الجيدة بالإضافة؛ لأنّ الخَمْطَ عند المفسرين اسم شجرةٍ، قالوا: هو الأراكُ، وأُكُلُهُ: جَناهُ، وهو البَرِيرُ، وكذلك قال الأخفش

(3)

: الأحسن في مثل هذا الإضافة، مثل: دارُ آجُرٍّ وثَوْبُ خَزٍّ.

و {ذَوَاتَيْ} خفض نعت لـ {جَنَّتَيْنِ} ، ومن قرأ:"أُكُلٍ خَمْطٍ" بالتنوين جعله بدلًا من "أُكُلٍ"

(4)

، ومن قرأ بغير تنوين لـ {خَمْطٍ} خفض بالإضافة كما تقدم.

(1)

وقرأ بالإضافة أيضًا الحسنُ واليزيديُّ، وقرأ نافع وابن كثير وابن محيصن:"أُكْلٍ خَمْطٍ" بإسكان الكاف، ورَوَى عباسٌ عن أبِي عمرو:"أُكْلِ خَمْطٍ"، وقرأ الباقون بضم الكاف، ينظر: السبعة ص 528، التيسير ص 180، تفسير القرطبي 14/ 286، النشر 2/ 350، الإتحاف 2/ 385.

(2)

الوسيط في تفسير القرآن المَجيد 3/ 491.

(3)

قول الأخفش حكاه عنه الفارسي في الحجة 3/ 294.

(4)

الضمير في قوله: "جعله بدلًا يعود إلى لفظ "ذَواتَي"، قال النحاس: "ذَواتَي أكُلٍ خَمْط": بالتنوين على أنه نعت لـ "أكل" أو بدل منه؛ لأن اكل هو الخمط بعينه". إعراب القرآن 3/ 340، وقد ضَعَّفَ الفارسيُّ جَعْلَ الخَمْطِ بدلًا من "أُكُلٍ"، وجعله عطف بيان له. الحجة 3/ 293 - 294، وينظر: معانِي القراءات 2/ 292، مشكل إعراب القرآن 2/ 207، البحر المحيط 7/ 261 - 260.

ص: 166

قوله: {وَأَثْلٍ} عطف على {خَمْطٍ} ، و {وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} نعتٌ لـ "شَيءٍ"

(1)

، والخَمْطُ: الأراكُ في قول أكثر المفسرين، وقيل: هو شَجَرٌ له شَوْكٌ، قال أبو عبيدة

(2)

: الخَمْطُ: أُكُلُ شجرةٍ مُرّةٍ ذاتِ شَوْكٍ، وقيل: هو شَجَرُ العِضاهِ

(3)

، وقيل: هو كُلُّ نَبْتٍ قد أخَذَ طَعْمَ مَراررةٍ حتى لا يمكن أكْلُهُ، وهو قول المبرد

(4)

والزجّاج

(5)

، وعلى هذا يحسن التنوين فِي {أُكُلٍ} إذا جعلتَ الخَمْطَ اسمًا للمأكول.

والأثل: الطَّرْفاءُ

(6)

، وقيل

(7)

: هو شجرٌ يشبه الطَّرْفاءَ، إلّا أنه أعظم منه، والسِّدْرُ إذا كان بَرِّيًّا لا يُنْتَفَعُ به، ولا يَصْلُحُ وَرَقُهُ للغَسُولِ، بخلاف السدر الذي ينبت على الماء.

قوله: {ذَلِكَ} يعني: البدل {جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا} ؛ أي: بكفرهم، ومحل {ذَلِكَ} نصب بوقوع المُجازاةِ عليه

(8)

تقديره: جزيناهم ذلك بما كفروا، {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)} لنعمة اللَّه، قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكرٍ ويعقوب بالنون وكسر الزاي ونصب الراء على المفعول، واختاره أبو عبيدٍ، قال

(9)

:

(1)

قال العكبري: "و"قليل" نعت لـ "أكل"، ويجوز أن يكون نعتًا لـ "خمط" و"أثل" و"وسدر". التبيان ص 1066، وينظر: الدر المصون 5/ 440.

(2)

مجاز القرآن 2/ 147 باختلاف في ألفاظه.

(3)

العِضاهُ: كل شجر له شوك. اللسان: عضه.

(4)

قول المبرد حكاه النحاس عنه في إعراب القرآن 3/ 339 - 340.

(5)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 249.

(6)

الطرفاء: شجر له شوكٌ. اللسان: طرف.

(7)

قاله السجاوندي في عين المعانِي ورقة 106/ ب.

(8)

يعني أن "ذَلِكَ" منصوب على أنه مفعول ثانٍ لـ "جَزَى"، وهو مقدم عليه.

(9)

ينظر اختيار أبِي عبيد وقوله في إعراب القرآن للنحاس 3/ 340، الكشف والبيان 8/ 84.

ص: 167

لقوله: {جَزَيْنَاهُمْ} ولَمْ يقل: جُزُوا، وأدغم الكسائيُّ اللامَ في النون على أصله، وقرأ الباقون

(1)

بياءٍ مضمومةٍ وفتح الزاي ورفع الراء على اسم ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ، ومعنى الآية: وهل يُجازَى مثلَ هذا إلا الكفورُ؟.

قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} عطفٌ على قوله: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} ، يعني: وكان من قصتهم أن جعلنا بينهم، يعني: بين أهل سبأ {وَبَيْنَ الْقُرَى} يعني الأرض المقدسة والأردن وفلسطين {الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بالشجر والماء {قُرًى ظَاهِرَةً} يعني: متقاربة {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا} ؛ أي: وقلنا لهم: {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا} ، وهما ظرفان للسير {آمِنِينَ (18)} يعني: من الجوع والعطش والسِّباعِ، وهو منصوبٌ على الحال.

قوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} ؛ أي: اجعل بيننا وبين الشام فَلَواتٍ ومَفاوِزَ؛ لِنَزكَبَ فيها الرَّواحِلَ، ونَتَزَوَّدَ إليها الأزْوادَ، فعَجَّلَ لهم الإجابةَ.

واختلف القراء في هذه الآية

(2)

، فقرأ ابن كثيرٍ وأبو عمرٍو:"رَبُّنا بَعِّدْ" على وجه الدعاء والسؤال من التبعيد، وهي رواية هشامٍ عن قُرّاءِ الشامِ،

(1)

وأبو بكر عن عاصم: "يُجازَى إلّا الكَفُورُ"، ينظر: السبعة ص 528 - 529، تفسير القرطبي 14/ 288، النشر 2/ 350، الإتحاف 2/ 385.

(2)

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام وابن محيصن واليزيديُّ وابن عباس وابن يعمر وعيسى بن عمر: "رَبَّنا بَعِّدْ"، ورُوِيتْ عن ابن عامر، وقرأ يعقوب وابن الحنفية وابن عباس وأبو رجاء والحسن وزيد بن عَلِيٍّ وأبو حيوة ونصر بن عاصم:"رَبُّنا باعَدَ"، وقرأ الباقون وابن ذكوان عن ابن عامر:"رَبَّنا باعِدْ". ينظر: السبعة ص 529، الحجة للفارسي 3/ 295 - 296، المحتسب 2/ 189 - 190، تفسير القرطبي 14/ 290 - 291، البحر المحيط 7/ 262، النشر 2/ 350، الإتحاف 2/ 385 - 386.

ص: 168

وبَعِّدْ: بمعنى باعِدْ، مثل ضَعِّفْ وضاعِفْ، وقَرِّبْ وقارِبْ، وقرأ ابنُ الحنفية

(1)

ويعقوبُ: "رَبُّنا" برفع الباء "باعَدَ" بألِفٍ وفتح العين والدال على الخبر، فـ "رَبُّنا" رفع على الابتداء، و"باعَدَ" فعلٌ ماضٍ في موضع الخبر، وقرأ الباقون:"رَبَّنا" بفتح الباء، نصب على أنه نداء مضاف "باعِدْ" بالألف وكسر العين وجزم الدال على الدعاء.

ففعل اللَّه ذلك بهم، فقال:{وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بالكفر والمعصية والطغيان، {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} فجعلناهم عِبرةً وعِظةً لمن بعدهم، يتحدثون بأمرهم وشأنهم، كيف فعلنا بهم؟ {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}؛ أي: وفَرَّقْناهُمْ فِي كل وجهٍ من البلاد كُلَّ التفريق، وذلك أن اللَّه تعالى لَمّا أغرق مكانهم، وأذْهَبَ جَنَّتَيْهِمْ، تَبَدَّدُوا في البلاد، فصارت العرب تتمثل بهم في الفُرْقةِ، فيقولون: تفرقوا أيْدِي سَبا، وأيادِي سَبا

(2)

، {إِنَّ فِي ذَلِكَ} يعني: فيما فعل بسبأٍ {لَآيَاتٍ} لَعِبَرًا ودلالاتٍ {لِكُلِّ صَبَّارٍ} عن معاصي اللَّه {شَكُورٍ (19)} لأنْعُمِهِ، يعني المؤمن من هذه الأمة إذا أُعْطِيَ شَكَرَ، وإذا ابْتُلِيَ صَبَرَ.

قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} ؛ أي: في ظَنِّهِ، نحو: {سَفِهَ

(1)

هو محمد بن عَلِيِّ بنِ أبِي طالب، أبو القاسم، أمه خولة بنت جعفر الحنفية، وهو أحد الأبطال الأشداء في صدر الإسلام، كان واسع العلم ورعًا، توفي بالمدينة سنة (81 هـ). [تهذيب الكمال 26/ 147، الأعلام 6/ 270].

(2)

ويقال أيضًا: ذَهَبُوا أيْدِي سَبا وأيادِي سَبا، وكلها بإسكان الياء وعدم الهمز في "سَبا" لكثرة استعمال العرب له، ومعناه: تَفَرَّقُوا تَفَرُّقًا لا اجتماع معه. ينظر: معانِي القرآن للنحاس 5/ 412، مجمع الأمثال 1/ 275، المستقصى للزمخشري 2/ 88 - 89.

ص: 169

نَفْسَهُ}

(1)

، أو مفعول

(2)

نحو: صَدَقْتُهُ الحَدِيثَ، وقال الزجّاج

(3)

: هو منصوبٌ على المصدر، قرأ أهل الكوفة:"صَدَّقَ" بتشديد الدال، وهي قراءة ابن عبّاسٍ، واختيار أبِي عبيدٍ، أي: ظَنَّ فيهم ظَنًّا، حيث قال:{فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}

(4)

، وقال:{وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}

(5)

، فَصَدَّقَ ظَنَّهُ، وحَقَّقَهُ بفعله ذلك، واتِّباعِهِمْ إيّاهُ، وقرأ الآخرون:"صَدَقَ"

(6)

بالتخفيف، أي: صَدَقَ عليهم في ظنه، فمن شَدَّدَ نصب الظَّنَّ لأنه مفعول به، ومن خفف نصبه على معنى: صَدَقَ عَلَيْهِمْ فِي ظَنِّهِ، ومن قرأ:"صَدَقَ" بالتخفيف "إبْلِيسَ" بالنصب "ظَنُّهُ"

(7)

بالرفع، جعل إبليس مفعولًا، و"ظَنُّهُ" فاعلًا.

والإشارة في قوله: {عَلَيْهِمْ} قيل: أراد: على أهل سبأٍ، وقال مجاهدٌ:

(1)

البقرة 130، وهذا قول الفراء والنحاس وغيرهما، ينظر: معانِي القرآن للفراء 2/ 360، إعراب القرآن للنحاس 3/ 344، وينظر أيضًا: معانِي القراءات 2/ 2/ 294، الحجة للفارسي 3/ 296، مشكل إعراب القرآن 2/ 208.

(2)

هذا قول آخر للنحاس، قاله في إعراب القرآن 3/ 344، وينظر أيضًا: الحجة للفارسي 3/ 296، مشكل إعراب القرآن 2/ 208.

(3)

معاني القرآن وإعرابه 4/ 251 - 252.

(4)

ص 82.

(5)

الأعراف 17.

(6)

قرأ بالتخفيف ابنُ كثير ونافعٌ وأبو عمرو وابنُ عامر وأبو جعفر ومُجاهِدٌ وشيبةُ ويعقوبُ، ينظر: السبعة ص 529، إعراب القراءات السبع 2/ 219، تفسير القرطبِي 14/ 292، الإتحاف 2/ 386.

(7)

هذه قراءة زيد بن عَلِيٍّ والزهري وأبِي الهَجْهاجِ الأعرابِيِّ وجعفر بن محمد وسهل وبلال ابن أبِي برزة، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 122، المحتسب 2/ 191، عين المعانِي ورقة 106/ ب، تفسير القرطبي 14/ 292، البحر المحيط 7/ 263.

ص: 170

على الناس كلهم إلّا من أطاع اللَّه، وذلك قوله:{فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)} لَمْ يتَّبِعوه، وهو نصبٌ على الاستثناء، وذلك أن إبليس ظَنَّ بالمؤمنين ظَنًّا، فوافقه ظَنُّهُ فيهم حين قال لربه:{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا}

(1)

يعني: مَنْ عَصَمْتَ مِنِّي.

قوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} ؛ أي: لا تنفع شفاعةُ مَلَكٍ مقرَّبٍ ولا نبيٍّ مرسَلٍ، حتى يُؤْذَنَ له فِي الشفاعة، وهذا تكذيبٌ منه لهم، حيث قالوا:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}

(2)

.

قرأ أبو عمرٍ و وحمزة والكسائي وخلَفٌ والأعمش: "أُذِنَ لَهُ" بضم الألِف، وقرأ الباقون بالفتح

(3)

، فمن فتح الهمزة كان المعنى: إلا لِمَنْ أذِنَ اللَّه له في الشفاعة، يعني الشافع، ومن ضمَّ الهمزة كان المعنى كقول مَن فتح؛ لأنّ الآذِنَ هو اللَّه تعالى في القراءتين، كقوله تعالى:{وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}

(4)

، {وَهَلْ نُجَازِي} ، والمُجازِي هو اللَّه تعالى في الوجهين، قال ابن عبّاسٍ: يريد: لا تشفع الملائكة إلا لِمَنْ وَحَّدَ اللَّهَ، كقوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}

(5)

.

(1)

الإسراء 62.

(2)

يونس 18.

(3)

قرأ بضم الهمزة أيضًا اليزيديُّ والحسنُ وأبو بكر عن عاصم، وقرأ الباقون وحفصٌ عن عاصم بفتح الهمزة، ينظر: السبعة ص 529، إعراب القراءات السبع 2/ 220، تفسير القرطبي 14/ 295، الإتحاف 2/ 386.

(4)

سبأ 17.

(5)

الأنبياء 28.

ص: 171

ثم أخبر عن خوف الملائكة، فقال تعالى:{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} قرأ ابن عامرٍ ويعقوب بفتح الفاء والزاي

(1)

، وقرأ الباقون بضم الفاء وكسر الزاي، أي: كُشِفَ وجُلِّيَ الفَزَعُ والجَزَعُ عن قلوبهم، وقيل: فُزِّعَتْ قلوبُهُمْ من الفزع، ومعنى {فُزِّعَ} على قراءة ابن عامرٍ ويعقوب؛ أي: كَشَفَ اللَّهُ الفزعَ عن قلوبهم.

ومعنى القراءتين سواءٌ كما ذكرنا في "أذِنَ" و"أُذِنَ"، ورُوِيَ عن الحسن أنه كان يقرأ:"حَتَّى إذا فُرِّغَ عَنْ قُلُوبِهِمْ"

(2)

بالراء والغين يعني: فُرِّغَتْ قُلُوبُهُمْ من الخوف {قَالُوا} يعني الملائكة: {مَاذَا} يا جبريل {قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} يعني الوحي؛ أي: يقول الحق، فنصب الجواب بـ {قَالَ} ، ويجوز رفع الحق على أن "ما" في موضع رفعِ

(3)

{وَهُوَ الْعَلِيُّ} الرفيع الذي علا فوق خلقه بالقهر والاقتدار {الْكَبِيرُ (23)} يَعني: العظيم فلا أعظم منه.

(1)

وبها قرأ أيضًا ابنُ مسعود وابنُ عباس وطلحةُ وابنُ السميفع وأبو المتوكل الناجي، ينظر: السبعة ص 530، تفسير القرطبي 14/ 298، البحر المحيط 7/ 266، الإتحاف 2/ 387.

(2)

قرأ الحسن وقتادة وأبو المتوكل: "فَرَّغَ"، ورُوِيَ عن الحسن وقتادة:"فُرِّغَ"، ورُوِيَ عن الحسن أيضًا:"فَزِعَ" و"فُزِعَ"، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 122، المحتسب 2/ 191، 192، تفسير القرطبي 14/ 298، البحر المحيط 7/ 266.

(3)

وقد قرأ ابن أبِي عبلة: "قالُوا الحَقُّ" بالرفع، على أن "ما" في موضع رفع بالابتداء، و"ذا" اسم موصول بمعنى "الذِي" خبره، ويكون "الحَقُّ" خَبَرَ مبتدأ محذوف؛ أي: هو الحق، أما على قراءة النصب فيكون "ماذا" اسم استفهام في محل نصب مفعول مقدم لـ "قالَ"، و"الحَقَّ" مفعول لفعل محذوف تقديره: قال الحقَّ، ينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 346، مشكل إعراب القرآن 2/ 208 - 209، الكامل فِي القراءات للهذلِيِّ ورقة 457، شواذ القراءة للكرماني ورقة 198، الدر المصون 5/ 444.

ص: 172