الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ} هذه قراءة أهل المدينة وأهل الشام، وكذا هو في مصاحفهم، وكذلك رَوَى حَفْصٌ عن عاصم، وقراءة أهل العراق:{تَشْتَهِي} هو بغير هاء
(1)
، والقراءتان حسنتان، فإثبات الهاء على الأصل، وحذفها لطول الاسم
(2)
.
فصل
عن أبِي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إنّ أدْنَى أهل الجنة مَنْزِلةً مَنْ له سَبْعُ درجات، هو على السادسة، وفَوْقَ السابعة، وإن له لَثَلَاثَمِائةِ خادم، ويُغْدَى عليه ويُراحُ بِثَلَاثِمائِةِ صَحْفةٍ"، لا أعْلَمُهُ قال: "إلا من ذهب، في كل صَحْفةٍ لَوْن ليس في الأخرى، وإنه لَيُلِذُّ آخِرُهُ كما يُلِذُّ أوَّلُهُ، وإنه ليقول: يا رَبِّ! لو أذِنْتَ لِي لأطعمتُ أهل الجنة وسقيتهم، لا ينقص مما
= التخريج: ديوانه ص 67، العين 7/ 110، جامع البيان 25/ 123، 27/ 227، المحب والمحبوب 1/ 149، التهذيب 12/ 162، الكشف والبيان 8/ 343، معجم البلدان 3/ 403، تفسير القرطبي 16/ 114، اللسان: صرف، التاج: صرف.
(1)
وهو في مصاحف أهل مكة والعراق بغيرهاء، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه:{تَشْتَهِي} بغيرهاء، وفي مصحف ابن مسعود:{مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} ، ينظر: السبعة ص 588 - 589، تفسير القرطبي 16/ 114، البحر المحيط 8/ 27، النشر 2/ 370، الإتحاف 2/ 459.
(2)
وقد رَجُّحَ الفارسيُّ حَذْفَ الهاء، فقال: "حذف الهاء من الصلة في الحُسْنِ كإثباتها، إلَّا أن الحذف يَرْجَحُ على الإثبات بأن عامّةَ هذا النحو في التَّنْزِيلِ جاء على الحذف، فمن ذلك قوله:{أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} ، {وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} ، و {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} ، ويُقَوِّي الحَذْفَ من جهة القياس: أنه اسم قد طال، والأسماء إذا طالت فقد يحذف منها. . . وقد جاءت مثبتةً في قوله:{إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} . الحجة 3/ 382.
عندي شيء، وإن له من الحور العين لاثْنَتَيْنِ وسبعين زوجةً، سوى أزواجِهِ فِي الدنيا، وإن الواحدة منهن لَيَأْخُذُ مَقْعَدُها قَدْرَ مِيلٍ من الأرض"
(1)
.
وعن عكرمة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ أدْنَى أهل الجنة مَنْزِلةً، وأسفلَهم درجةً: الرَّجُلُ لا يدخل الجنة إلّا بعد أن يُفْسَحَ له في قصره مسيرةَ مائة عام في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ، ليس فيها موضع شبر إلّا معمور، يُغْدَى عليه ويُراحُ بسبعين ألف صَحْفةٍ من ذهب، ليس فيها صَحْفةٌ إلّا وفيها لَوْنٌ ليس في الأخرى، مَثَلُ شهوته في آخرها كشهوته في أولها، لو نزل به جميع أهل الدنيا لَوَسَّعَ اللَّهُ عليهم مما أعطي، لا ينقص ذلك مما أُوتِيَ شيئًا"
(2)
.
ورُوِيَ أن رجلًا قال: يا رسول اللَّه: إنِّي أُحِبُّ الخيل، فهل في الجنة خَيْلٌ؟ قال:"إن اللَّه يدخلك الجنة -إن شاء اللَّه-، فلا تشاء أن تركب فرسًا من ياقوتةً حَمْراءَ تطير بك في أيِّ الجَنّةِ شئْتَ إلّا فعلت"، فقال الأعرابِيُّ: يا رسول اللَّه: إنِّي أحب الإبل، فهل في الجنة إبِلٌ؟ فقال:"يا أعرابِيُّ! إن اللَّه يدخلك الجنة -إن شاء اللَّه-، ففيها ما اشتهتْ نَفْسُكَ، ولَذَّتْ عيناك"
(3)
.
وذلك قوله تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} يقال: لَذِذْتُ الشَّيْءَ ألَذُّهُ مثلما اسْتَلْذَذْتَهُ، والمعنى: أنه ما من شيء اشْتَهَتْهُ نَفْسٌ، أو اسْتَلَذَّتْهُ عَيْنٌ، إلا وهو فِي الجنة، وقد عَبَّرَ اللَّهُ تعالى بهذين اللفظين عن جميع
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 2/ 537، وينظر: الكشف والبيان 8/ 343، مجمع الزوائد 10/ 400 كتاب أهل الجنة: باب في أدْنَى أهل الجنة مَنْزِلةً، الدر المنثور 1/ 39.
(2)
ينظر: الكشف والبيان 8/ 343، تفسير ابن كثير 4/ 144 - 145، الدر المنثور 6/ 22.
(3)
رواه الإمام أحمد بسنده عن بُرَيْدةَ الأسْلَمِيِّ رضي الله عنه في المسند 5/ 352، والترمذي في سننه 4/ 87 أبواب صفة الجنة: باب ما جاء فِي صفة خيل الجنة، وينظر: شفاء الصدور ورقة 90/ أ، المعجم الأوسط للطبرانِيِّ 5/ 185، الكشف والبيان 8/ 344.
نِعَمِ أهل الجنة، فإنه ما من نعمة إلّا وهي تصيب النفس والعين، ثم تَمَّمَ هذه النِّعَمَ بقوله:{وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)} ؛ لأنها لو انقطعت لَمْ تَطِبْ.
قوله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} يعني المشركين {فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)} أبدًا مقيمون {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ} ؛ يعني: في العذاب {مُبْلِسُونَ (75)} أذِلّةٌ آيِسُونَ مُتَحَيِّرُونَ مُنَكِّسُونَ رُءُوسَهُمْ مُنْكَسِرُونَ.
والإبْلَاسُ: الإياسُ، يقال: أبْلَسَ وأيِسَ، وسُمِّيَ إبْلِيسُ إبليسَ
(1)
؛ لأنه أبْلَسَ من رحمة اللَّه؛ أي: أيسَ من الرحمة، وفي قراءة عبد اللَّه:{وَهُمْ فِيهِ}
(2)
يعني: في جهنم {مُبْلِسُونَ} .
قوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} فَنُعَذِّبَهُمْ على غَيْرِ ذَنْبٍ {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)} بكفرهم باللَّه، وتكذيبِهم برسله، وتركهم ما دعاهم إليه.
ونصب {الظَّالِمِينَ} على خَبَرِ {كانَ} ، و {هُم} عند سيبويه فاصلة لا موضع لها من الإعراب
(3)
بِمَنْزِلةِ "ما" في قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}
(4)
، والكوفيون يقولون: هو عماد وتوكيد
(5)
، قال الفراء
(6)
: وهي في
(1)
في الأصل: "إبليسًا"، وهو خطأ؛ لأن إبليس ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة.
(2)
ينظر: البحر المحيط 8/ 27.
(3)
ينظر: الكتاب 2/ 391.
(4)
النساء 155، والمائدة 13.
(5)
ينظر حديث الفراء عن ضمير العماد في معانِي القرآن 1/ 51، 52، 409، 2/ 145، 212، 352، وينظر قول الكوفيين أيضًا، في إعراب القرآن للنحاس 4/ 121، ومصطلحات النحو الكوفِيِّ ص 45 - 50، وغيرها.
(6)
معانِي القرآن 3/ 37.
حرف عبد اللَّه ابن مسعود: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}
(1)
، قال أبو جعفر
(2)
: فعلى هذا يكون "هُمْ" في موضع رفع بالابتداء، و {الظَّالِمُونَ} خبر الابتداء، والابتداء وخبره خَبَرُ "كانَ"، كما تقول: كان زَيْدٌ أبُوهُ خارِجٌ.
ومثله: {كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}
(3)
و {الرَّقِيبَ} بالرَّفع أيضًا، وكذلك قوله تعالى:{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ}
(4)
بالنَّصب والرَّفع، قال قَيْسُ بن ذُرَيْحٍ:
234 -
أتَبْكِي عَلَى لُبْنَى وَأنْتَ تَرَكْتَها
…
وَكُنْتَ عَلَيْها بِالمَلَا أنْتَ أقْدَرُ
(5)
والقوافي مرفوعة
(6)
.
(1)
هذه قراءة ابن مسعود وأبِي زيد النحوي، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 136، البحر المحيط 8/ 27.
(2)
يعني النحاس، ينظر: إعراب القرآن 4/ 121.
(3)
المائدة 117، والرفع حكاه أبو معاذ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 42، الدر المصون 2/ 659.
(4)
الائفال 32، وقد قرأ بالرفع الأعمشُ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ والمُطَّوِّعِيُّ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 54، تفسير القرطبي 7/ 398.
(5)
البيت من الطويل، ويُرْوَى:"تُبَكِّي" بدل "أتَبْكِي"، ويُرْوَى:"تَحنُّ إلَى لَيْلَى"، والمَلَا: الزمان من الدهر.
التخريج: ديوانه ص 50، الكتاب 2/ 393، المقتضب 4/ 105، شرح أبيات سيبويه 1/ 168، الجمل للزجاجي ص 143، الحلل ص 185، شرح الجمل لطاهر بن أحمد 1/ 248، شرح المفصل 3/ 112، شفاء العليل ص 209، اللسان: ملا، البحر المحيط 8/ 27، 359.
(6)
قال سيبويه: "وقد جعل ناسٌ كثيرٌ من العرب "هو" وأخواتها في هذا الباب بِمَنْزِلةِ اسمٍ مبتدأ، وما بعده مبنيُّ عليه، فكأنك تقول: أظن زيدًا أبوه خَيْرٌ منه، ووجدت عَمْرًا أخوه خَيْرٌ منه، فمن ذلك أنه بلغنا أن رؤبة كان يقول: أظن زيدًا هو خَيْرٌ منك، وحدثنا عيسى بن عمر أن ناسًا كثيرًا يقرؤونها:{وَما ظَلَمْناهُمْ وَلَكِنْ كانُواْ هُمُ الظّالِمُونَ} الكتاب 2/ 392 - 393.