المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عَطاءً هَنِيئًا، فقال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ}؛ أي: أعْطِ مَنْ شِئْتَ، - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ٢

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة العنكبوت

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الرُّوم

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌ فَصلُّ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة لقمان

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فْصَلَ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورةُ السجدة

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الأحزاب

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة سبأ

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الملائكة عليهم السلام

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة يس

- ‌بابُ ما جاءَ فِيها مِنَ الفَضائِلِ فِي قِراءَتِها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ في معنى الآية

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الصافات

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة ص

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌قَصَصٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الزمر

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة المؤمن

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ فِي بعض صفات العَرْش وحمَلَته ومن حوله على الاختصار

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة السجدة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ فِي معنى قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة {حم * عسق}

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الزخرف

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: عَطاءً هَنِيئًا، فقال: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ}؛ أي: أعْطِ مَنْ شِئْتَ،

عَطاءً هَنِيئًا، فقال:{هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ} ؛ أي: أعْطِ مَنْ شِئْتَ، {أَوْ أَمْسِكْ} عَمَّنْ شِئْتَ {بِغَيْرِ حِسَابٍ} قال: إنْ أعْطَى أُجِرَ، وإن لَمْ يُعْطِ لَمْ يكن عليه تَبِعةٌ.

وقال مقاتلٌ

(1)

: هو فِي أمر الشياطين، أراد: خَلِّ مَنْ شِئْتَ، وأوْثِقْ مَنْ شِئْتَ منهم، ولا تَبِعةَ عليك فيما تَتَعاطاهُ، {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)} مرجعٍ ومصيرٍ.

‌فصْلٌ

عن أبِي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صَلَّى صَلاةً، فقال: "إن الشيطان عَرَضَ لِي نَفْسَهُ عَلَى الصلاة، فأمكنني اللَّه منه، فَذَعَتُّهُ -أي: خَنَقْتُهُ أشَدَّ الخَنْقِ-، ولقد هَمَمْتُ أن أوثِقَهُ إلى ساريةٍ حتى تصبحوا وتنظروا إليه أجمعين، فذكرتُ قَوْلَ سُلَيْمانَ:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}

(2)

، فَرَدَّهُ اللَّه خاسِئًا، أو قال: خائبًا"

(3)

، رواه البخاري عن إسحاق بن إبراهيم

(4)

عن رَوْحٍ وغُنْدَرٍ، ورواه مسلمٌ عن إسحاق بن منصورٍ

(5)

عن النَّضْرِ ابن شُمَيْلٍ، كلهم عن شُعْبةَ.

(1)

ينظر قوله في الكشف والبيان 8/ 211.

(2)

جاءت الآية في الأصل هكذا: "رب هب لي ملكًا"، وهو خطأ.

(3)

صحيح البخاري 2/ 61 كتاب الصلاة: باب ما يجوز من العمل في الصلاة، وصحيح مسلم 2/ 72 كتاب المساجد: باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة، ورواه الإمام أحمد في المسند 2/ 298.

(4)

هو إسحاق بن إبراهيم بن مُخَلَّدٍ الحَنْظَلِيُّ، أبو يعقوب التميمي المَرُوزِيُّ، المشهور بابن راهَوَيْهِ، عالِمُ خُراسانَ، وأحد كبار الحفاظ، ثقة صدوق ورع زاهد، طاف البلاد لأخذ الحديث، روى عنه ابن حنبل والبخاري ومسلم وغيرهم، توفي سنة (238 هـ). أسير أعلام النبلاء 11/ 358: 383، الأعلام 1/ 292،

(5)

إسحاق بن منصور بن بَهْرامَ، أبو يعقوب المَرُوزِيُّ، المعروف بالكَوْسَجِ، فقيه حنبلي =

ص: 318

قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} بدلٌ من {عَبْدَنَا} {إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)} ؛ أي: بتعبٍ ومَشَقّةٍ وبَلاءٍ وضُرٍّ، قال مقاتلٌ: بِنُصْبٍ فِي الجَسَدِ وعَذابٍ فِي المال.

وفيه أربع لغاتٍ: يُرْوَى بضم النون والصاد، وهي قراءة أبي جعفرٍ، وبفتح النون والصاد، وهي قراءةُ يعقوبَ، وبفتح النون وجزم الصاد، وهي قراءة هُبَيْرةَ

(1)

عن حَفْصٍ عن عاصِمٍ، وبِضَمِّ النونِ وجَزْمِ الصادِ، وهي قراءة الباقين

(2)

.

{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} ؛ أي: حَرِّكْ رِجْلَكَ {هَذَا مُغْتَسَلٌ} ابتداءٌ [وخبرٌ]{بَارِدٌ} نعته {وَشَرَابٌ (42)} عطفٌ على {مُغْتَسَلٌ} {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى} موعظةً {لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)} لذوي العقول، ونصب {رَحْمَةً} على

= محدث ثقة ثبت مأمون، ولد بِمَرْوَ، ورحل إلى العراق والحجاز والشام، واستوطن نيسابور، وتوفي بها سنة (251 هـ)، سمع من سفيان بن عيينة ووكيع والنضر بن شميل وغيرهم، روى له البخاري ومسلم. [تهذيب الكمال 2/ 474؛ 478، الأعلام 1/ 297].

(1)

هو هُبَيْرةُ بن محمد التَّمّارُ، أبو عُمَرَ الأبرش البغدادي، أخذ القراءة عرضًا عن حفص، قرأ عليه حَسْنُونُ بن الهيثم وأحمد بن عليٍّ الخزاز والخضر بن الهيثم الطوسي. [غاية النهاية 2/ 353، الوافي بالوفيات 27/ 332].

(2)

قرأ أبو جعفر ونافع والحسنُ وشيبةُ وأبو عمار والجُعْفِي وأبو معاذٍ: "بِنُصُبٍ" بضمتين، وهي رواية أبِي عمارة عن حفص عن عاصم، وقرأ الجَحْدَرِيُّ والسُّدِّيُّ ويعقوب والحسن وزيد بن عَلِيٍّ وابن أبي عبلة:"بِنَصَبٍ"، وقرأ هُبَيْرةُ عن حفصٍ عن عاصمٍ، ويعقوبُ وأبو حيوة:"بِنَصْبٍ"، وقرأَ الباقون وأبو بكر عن عاصم:"بنُصْبٍ"، قال ابن مجاهد:"والمعروف عن حفص: "بِنُصْبٍ" مضمومة النون ساكنة الصاد". السبعة ص 554، وينظر: مختصر ابن خالويه ص 130، تفسير القرطبي 15/ 207، البحر المحيط 7/ 384، النشر 2/ 360.

ص: 319

المصدر

(1)

، وقيل

(2)

: على المفعول من أجله، {وَذِكْرَى} عطفٌ عليها، نظيرها في سورة الأنبياء

(3)

.

قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ} بدلٌ منهم، قرأه العامةُ بالألف على الجمع، وقرأ ابن كثير:"عَبْدَنا"

(4)

على الواحد، وهي قراءة ابن عبّاسٍ، رُوِيَ عنه أنه كان يقرأ:"واذْكُرْ عَبْدَنا إبْراهِيمَ"، ويقول: إنما ذُكِرَ إبراهيمُ ثُمَّ وَلَدُهُ بَعْدَهُ

(5)

{وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي} ذَوِي القوة والعبادة {وَالْأَبْصَارِ (45)} يعني البَصائِر فِي العلم والدِّين، قرأ العامة:{أُولِي الْأَيْدِي} بالياء، وقرأ ابن مسعود:"أُوْلي الأيْدِ والأبْصارِ"

(6)

بغير ياءٍ، وهو نصبٌ على النعت للأسماء المتقدمة.

{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)} ؛ أي: اصطفيناهم من وِزْرِ الكُفْرِ لعبادة خالصة لا يشوبها شيءٌ، والدارُ الآخرةُ وذِكْرُها: أن يذكروها

(1)

قاله النحاس ومكي، ينظر: إعراب القرآن 3/ 466، مشكل إعراب القرآن 2/ 250.

(2)

قاله الزجاج في معانِي القرآن وإعرابه 4/ 335، وينظر: التبيان للعكبري ص 1102، الفريد للهمداني 4/ 169.

(3)

الأنبياء 84، وهي:{وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} ، وانظر ما تقدم 1/ 200.

(4)

هذه قراءة ابن كثير وابن عباس وابن محيصن ومجاهد وحميد، ينظر: السبعة ص 554، تفسير القرطبي 15/ 217، النشر 2/ 361، الإتحاف 2/ 421.

(5)

ينظر قول ابن عباس في معاني القرآن للفراء 2/ 456، ثم قال الفراء:"ومثله: {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ} على هذا المذهب في قراءة ابن عباس"، وينظر أيضًا: جامع البيان 23/ 202، إعراب القرآن 3/ 466، الكشف والبيان 8/ 212، الوسيط 3/ 559.

(6)

وبها قرأ أيضًا الحسنُ وعيسى بنُ عمر والأعمشُ بخلاف عنهم، والمُطُّوِّعِي وعبدُ الوارث، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 13، المحتسب 2/ 233، تفسير القرطبي 15/ 217، 218، البحر المحيط 7/ 385، الإتحاف 2/ 422.

ص: 320

فيعملوا لها، ولا يغفلوا عنها فَيَنْسَوْها، وقيل: نزع اللَّه ما فِي قلوبهم من حُبِّ الدُّنْيا وذِكْرِها، وأخْلَصَهُمْ بِحُبِّ الآخرةِ وذِكْرِها.

قرأ أهل المدينة: "بِخالِصةِ" مضافًا، وهي رواية هشامٍ عن أهل الشام، وقرأ الباقون بالتنوين على البدل، قاله الثعلبي

(1)

، و"ذِكْرَى" فِي موضع خفضٍ على البدل من "خالِصةٍ"، ولا يتبين فيها الإعراب؛ لأن فِي آخِرِها ألِفًا مقصورًا.

فمن قرأ: "بِخالِصةٍ" بالتنوين كان المعنى: جعلناهم لنا خالصين، بأن خَلَصَتْ لهم ذِكْرَى الدّارِ، والخالصة مصدر بمعنى الخُلُوصِ، والذكرى بمعنى التذكير؛ أي: خَلَصَ لهم تذكيرُ الدارِ، وهو أنهم يذكرون بالتأهب لها ويَزْهَدُونَ فِي الدنيا، وذلك شأن الأنبياء -صلوات اللَّه عليهم أجمعين-.

ومن قرأ بالإضافة فالمعنى: أخْلَصْناهُمْ بأن خَلَصَتْ لهم ذكرى الدار، والخالصة مصدرٌ مضافٌ إلى الفاعل، قال ابن عبّاسٍ: أخلصوا بذكر الدار الآخرة وأن يعملوا لها، والذِّكْرَى على هذا بمعنى الذِّكْرِ، قاله الواحدي

(2)

.

وقال صاحب إنسان العين

(3)

: "ذِكْرَى": بدل من "خالِصةٍ"؛ أي: بدرجةٍ خالصةٍ، وخالصة مصدرٌ كالطّاغِيةِ والخائِنةِ، يعني: بِإخْلاصٍ، أو "ذِكْرَى":

(1)

الكشف والبيان 8/ 212.

(2)

الوسيط 3/ 562.

(3)

قال السجاوندي: "بخالِصةٍ أي: بِكُتُبٍ مُنَزَّلةٍ قيها ذكرى الدار. مقاتل: بِنُبُوّةٍ وذِكْرَى الدارِ الآخرةِ، وقيل: بدرجَة خالصة، وهو الذكر الجميل في الدنيا على الخُلُوصِ، فتكون الذكرى بدلا عنها، أو فاعلًا بمعنى الخالصة، أي: بأن خَلَصَتْ لهم ذكرى، وقيل: هي مصدر على خلاف الصدر كالطاغية والخائنة بمعنى الإخلاص، فتكون "ذِكْرَى" مفعولًا، نحو: عَمْرَكَ اللَّهُ، أي: أخْلَصْناهُمْ بحُبِّ الآخرةِ. . . يدل عليه قراءةُ مَدَنِيٍّ وهشام: "بخالِصةِ ذِكْرَى" على الإضافة، وعن طلحةَ: "بِخالِصَتِهِمْ". عين المعانِي ورقة 114/ أ.

ص: 321

فاعل أي: بأن خَلَصَتْ لهم ذِكْرَى الدار، أو مفعولٌ؛ أي: بأن يُخْلِصُوا في ذِكْرَى الدار، نحو: عَمْرَكَ اللَّهُ، دليله قراءةُ الإضافة، كقوله:"دُعاءِ الْخَيْرِ"

(1)

وقراءةُ من قرأ: "بِخالِصَتِهِمْ"

(2)

. ذِكْرٌ لهؤلاء الأنبياء بالجميل وثَناءٌ عليهم بالصدق.

قوله: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)} ؛ أي: من الذين اصطفيناهم من الأدناس، وهو جَمْعُ مُصْطَفًى، زِدْتَ عليه ياءً ساكنةً ونونًا، والألِفُ

(3)

من مصطفى ساكنةٌ، فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وكانت أوْلَى بالحذف لأن قبلها فتحةً، والأخيار جمع خَيِّرٍ على حذف الزائد، كأنك جمعت خَيْرًا، كما تقول: مَيْتٌ وأمْواتٌ، يقال: رَجُلٌ خَيِّرٌ وَخَيْر، كما يقال: هَيِّنٌ بتشديد الياء وهَيْنٌ، ولَيِّنٌ ولَيْنٌ

(4)

.

قوله تعالى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ} وقرأ حمزة والكسائي: "واللَّيْسَعَ" بِلامَيْنِ

(5)

{وَذَا الْكِفْلِ} سُمِّيَ بذلك لأنه يكَفَّلَ بقيام الليل وصيام النهار، ولا يَغْضَبَ {وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) هَذَا ذِكْرٌ} يعني: هذا الذي ذكرتُ ذِكْرٌ، {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)} "حُسْنَ": اسم "إنّ"، والخبر:{لِلْمُتَّقِينَ} ،

(1)

فصلت 49.

(2)

هذه قراءة الأعمش وطلحة، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 131، البحر المحيط 7/ 386.

(3)

في الأصل: "والفاء"، وهو وهم من الناسخ فيما يبدو.

(4)

من أول قوله: "وهو جمع مصطفى"، قاله النحاس في إعراب القرآن 3/ 467، وينظر: التكملة للفارسي ص 44.

(5)

قرأ حمزةُ والكسائيُّ وخلفٌ والأعمش وابن مسعود ومغيرة بن إبراهيم: "واللُّيْسَعَ" على أن أصله لَيْسَع كضَيْغَمٍ، وقُدِّرَ تنكيرُهُ، فدخلت "أل" للتعريف، ثم أُدغِمت اللام في اللام، وقرأ الباقون بتخفيف اللام وفتح الياء على أنه منقول من مضارع، وأن أصله "يَوْسَعُ"، ينظر: السبعة ص 554 - 555، النشر 2/ 260، الإتحاف 2/ 21، 422.

ص: 322

{جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)} فالأبواب عند أبِي عَلِيٍّ الفارسيِّ وأصحابِهِ مرفوعٌ على البدل من المضمر في "مُفَتَّحةً"

(1)

، لأن أبواب الجِنانِ من الجِنانِ، فهي بعضها، وقال الفراء

(2)

: المعنى: مُفَتَّحةً لهم أبْوابُها، والعرب تجعل الألف واللام

(3)

خَلَفًا من الإضافة. وقال الزجّاج

(4)

: المعنى: مُفَتَّحةً لهم الأبوابُ منها، والألف واللام للتعريف لا للبدل.

ورفعت {الْأَبْوَابُ} لأنها اسمٌ لِما لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ

(5)

، وأجاز الفراء نصب الأبواب على أن "مُفَتَّحةً" للجنات

(6)

. و"جَنّاتِ" فِي موضع نصبٍ على البدل من قوله: {لَحُسْنَ مَآبٍ} .

(1)

قال الفارسي: "أن يكون بدلًا من المضمر في "مُفَتُّحةً"، كأنه على: فُتِحَت الجِنانُ أبْوابُها، فأُبْدِلَت الأبوابُ من الجنات لأنها منها وبعضُها، كما تقول: ضُرِبَ زيدٌ رَأْسُهُ". المسائل المشكلة ص 143، وقال مثله في الإغفال 2/ 524، 529، والإيضاح العضدي ص 180، ولكنه في المسائل البصريات ص 561؛ 564 أجاز مجيء "أل" عوضًا من الضمير، وإن كان قد عَدَّهُ ضعيفًا.

وقد رَدَّ ابنُ الطراوة تخريج الفارسي للآية على البدل، فقال:"وزعم [يعني الفارسي] أن الأبواب من قوله: {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} [ص: 50]، مرتفع على البدل من المضمر في "مُفَتُّحةً"، لا على "مُفَتَّحةً"، لأنه لا عائدَ فبه على "جَنّاتِ عَدْنٍ"، وهذا نفسه يلزم في البدل؛ لأن بدل البعض والاشتمال لا بد فيه من عائد على الأول، فالذي فَرَّ عنه وقع فيه". الإفصاح ببعض ما جاء من الخطأ في الإيضاح ص 52، وينظر أيضًا: شرح الجمل لطاهر بن أحمد 1/ 171.

(2)

معانِي القرآن 2/ 408.

(3)

في الأصل: "الألف والضمير".

(4)

معانِي القرآن وإعرابه 4/ 337 بتصرف من المؤلف في نص الزجاج.

(5)

يعني أن الأبواب نائب فاعل لـ "مُفَتَّحةً"، وهذا ما قاله النحاس في إعراب القرآن 3/ 468.

(6)

قال الفراء: "ولو قال: مُفَتَّحةً لهم الأبْوابَ على أن تجعل المفتحة في اللفظ للجنات، وفي =

ص: 323

وقال صاحب إنسان العين

(1)

: في {مُفَتَّحَةً} ضمير الجنات، و {الْأَبْوَابُ} بدل الاشتمال، ولا ترفع {الْأَبْوَابُ} بـ {مُفَتَّحَةً} على جعل الألِف واللام بدل الضمير، على تقدير: أبوابها، إذْ لو جاز ذلك لقالوا: هِنْدٌ حَسَن الوَجْهُ، لا: حَسَنة الوَجْهَ، كما قالوا: حَسَنٌ وَجْهُها

(2)

، ويَبْعُدُ أن يكون التقدير: مُفَتَّحةً لهم الأبوابُ منها؛ لأن الصفة موضع التخصيص، فلا يحسن الحذف منها

(3)

،

= المعنى للأبواب، فيكون مثل قول الشاعر:

وَما قَوْمي بِثَعْلَبةَ بْنِ سَعْدٍ

وَلا بِفَزارةَ الشُّعْرِ الرِّقابا

والشُّعْرَى رِقابا، ويروى: الشُّعْرِ الرِّقابا، وقال عَدِيٌّ:

مِنْ وَلِيٍّ أوْ أخِي ثِقةٍ

والبَعِيدِ الشّاحِطِ الدّارا

وكذلك تجعل معنى الأبواب في نصبها، كأنك أردت: مُفَتُّحةَ الأبوابِ، ثم نَوَّنْتَ فنَصَبْتَ". معانِي القرآن 2/ 408 - 409.

(1)

قال السجاوندي: "قرأ أبو حيوة: "جَنّاتُ" و"مُفَتَّحةٌ" بالرفع أي: هو جنات. . . الأبوابُ، أي: منها، فتكون الألف واللام للتعريف، لا بَدَلًا عن الهاء بتقدير: أبوابها، إذِ الحرفُ لا يصلح بدلًا عن الاسم. . . وقيل: الأبواب بدل من الضمير في "مُفَتَّحة"، إذِ الأبوابُ بَعْضُ الجناتِ، فلم يُحْتَجْ إلَى العائدِ، ولا يُرْفَعُ فاعلان بفعل واحدٍ، وقيل: تقديره: أبْوابُها مُفَتَّحةٌ، فلما قُدِّمَ انتصب". عين المعانِي ورقة 114/ أ.

(2)

هذا من كلام السجاوندي أيضًا، وقد ذكر الفارسي أن الألف واللام في "الأبْوابُ" لو كانت عوضًا من الضمير لوجب نصب "الأبواب"، كما في قولهم: مَرَرْتُ بامرأةٍ حَسَنةٍ الوَجْهَ بالنصب، فلما كانت الأبواب مرفوعةً دَلَّ ذلك على أن "أل" ليست عوضًا من الضمير، ينظر: الإغفال 2/ 425، 525، المسائل المشكلة ص 142 - 143.

(3)

وهذا أيضًا من كلام السجاوندي، وقال الهمدانِيُّ:"وقيل: التقدير: مُفَتَّحةً لهم الأبوابُ منها، فحذف "مِنْها" كما حذف "مِنْهُ" في قولهم: السَّمْنُ مَنَوانِ بِدِرْهَمٍ؛ لأن خبر المبتدأ قد يُحْذَفُ بِأسْرِهِ، هاذا جاز أن يُحْذَفَ جَمِيعُهُ، جاز أن يُحْذَفَ بَعْضُهُ". الفريد 4/ 173، ثم قال رَدًّا على هذا القول: "وليست الصفة كذلك؛ لأنها موضع تخصيص، ولو استحسنوا هذا =

ص: 324

فالأبواب، وهي أبواب المرادات وأصناف السعادات، يصلح بدل الكل، ونصب {مُفَتَّحَةً} على النعت لـ "جَنّاتِ"، وقيل: على الحال.

قوله: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} يعني: فِي الجنان مُسْتَوْطِنِينَ، والاتِّكاءُ: الاعتماد على المرافق، وإنما يكون ذلك في الاستيطان ومفارقةِ الانزعاجِ، وهو نصبٌ على الحال

(1)

، وقيل

(2)

: على النعت لـ "جنات".

قوله: {يَدْعُونَ فِيهَا} يعني: فِي الجنان {فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)} مُسْتَوِياتٌ على ميلادِ امرأةٍ واحدةٍ، بناتُ ثَلاثٍ وثَلاثِينَ سَنةً، واحدها: تِرْبٌ.

قوله: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ} ابتداءٌ وخبرٌ، يعني المتقين على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، قرأ أبو عمرٍو وابنُ كثيرٍ بالياء، وقرأ الباقون بالتاء

(3)

على معنى: قُلْ للمتقين: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ} ؛ أي: ليومِ الجزاءِ، والمعنى: لإنْجازِ يَوْمِ الحسابِ، فاللام للاختصاصِ والعَرْضِ، ولو قال: فِي يوم الحساب لصار ظرفًا للوعد.

قوله: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} هلاكٍ، {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} يعني: للكفار الذين طَغَوْا على اللَّه وكَذَّبُوا الرُّسُلَ {لَشَرَّ مَآبٍ (55)} يعني:

= الحذف في الصفة كما استحسنوا من الخبر وغيره لَما قالوا: مَرَرْتُ بامرأةٍ حَسَنةٍ الوَجْهُ". الفريد 4/ 173.

(1)

وصاحب الحال هو الضمير في "لَهُمْ"، والعامل فيها "مُفَتَّحةً"، ينظر: كشف المشكلات 2/ 265، البيان للأنباري 2/ 317، الدر المصون 5/ 539.

(2)

قاله النحاس في إعراب القرآن 3/ 468.

(3)

قرأ بالياء أيضًا: ابنُ مُحَيْصِنٍ والسُّلَمِيُّ ويعقوبُ، ينظر: السبعة ص 555، غيث النفع ص 242، تفسير القرطبي 15/ 220، النشر 2/ 361، الإتحاف 2/ 423.

ص: 325

شَرَّ مَرْجِعٍ ومَصِيرٍ، ثم أخبر بذلك، فقال:{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} يدخلونها، بدلٌ من "شَرَّ"، {فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)} قال ابن عبّاسٍ: بئْسَ المَسْكَنُ، وبِئْسَ المُمَهَّدُ، {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ} يعني الطاغين {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)} ما يَغْسِقُ من صديد أهل النار؛ أي: يسيل، وقيل

(1)

: "غَسّاقٌ" بارِدٌ، يُحْرِقُ كَما يُحْرِقُ الحارُّ، والتقدير: هذا حميمٌ وغَسّاقٌ فَلْيَذُوقُوهُ، كقولك: زيدٌ ظَرِيفٌ وكاتِبٌ فاصْطَحِبُوهُ، وهذا الماء حارٌّ ومُنْتِنٌ فاجْتَنِبُوهُ، وكذلك قال الفراءُ والزَّجّاجُ

(2)

: تقدير الآية: هذا حميمٌ وغَسّاقٌ فَلْيَذُوقُوهُ.

قال الثعلبيُّ رحمه الله

(3)

: وإن شِئْتَ جعلتَه مُسْتَأْنَفًا، وجعلت الكلام قبله مكتفيًا، كأنك قلتَ: هذا فَلْيَذُوقُوهُ، ثُمَّ قلتَ: منه حَمِيمٌ ومنه غَسّاقٌ، كقول الشاعر:

200 -

حَتَّى إذا ما أضاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ

وَغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ

(4)

والحميم: الماء الحارُّ الذي قد انتهى حَرُّهُ، والغَسّاقُ: ماءٌ بارِدٌ يُحْرِقُ كما

(1)

في الأصل: "وقالوا".

(2)

معانِي القرآن للفراء 2/ 410، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 338.

(3)

الكشف والبيان 8/ 213.

(4)

البيت من البسيط، لذي الرمة، ورواية ديوانه:

حَتَّى إذا ما اسْتَقَلَّ النَّجْمُ فِي غَلَسٍ

وَأحْصَدَ البَقْلُ مَلْوِيُّ وَمَحْصُودُ.

اللغة: الغَلَسُ: ظلام آخر الليل إذا اختلط بضوء الصباح. المَلْوِيُّ: يَبِيسُ الكَلأ والبَقْلِ.

التخريج: ديوانه ص 1366، معانِي القرآن للفراء 1/ 193، 2/ 410، 3/ 68، جامع البيان 23/ 210، إعراب القرآن 3/ 469، زاد المسير 4/ 26، 7/ 149، عين المعانِي ورقة 114/ أ، تفسير القرطبي 10/ 91، 15/ 221، البحر المحيط 7/ 388، الدر المصون 5/ 540.

ص: 326

يُحْرِقُ الحارُّ

(1)

، وقيل

(2)

: هو ما سالَ من جلود أهل النار من القَيْحِ والصَّدِيدِ، وقد تقدم، وهو مأخوذ من قولهم: غَسَقَتْ عَيْنُهُ: إذا انْصَبَّتْ، والغَسَقانُ: الانْصِبابُ

(3)

، قال الشاعر:

201 -

إذا ما تَذَكَّرْتُ الحَياةَ وَطِيبَها

إلَيَّ جَرَى دَمْعٌ مِنَ العَيْنِ غاسِقُ

(4)

واختلف القُرّاءُ فيه، فقرأ يَحْيَى بنُ وَثّابٍ وحَمْزةُ والكِسائِي وخَلَفٌ وحَفْصٌ بتشديد السين، وخَفَّفَها الآخرون

(5)

، قال الفراء

(6)

: مَنْ شَدَّدَها جعلها اسمًا من "فَعّالٍ" نحو: الخَبّازِ والطَّبّاخِ، ومَنْ خَفَّفَها جعلها اسما من "فَعالٍ" نحو: العَذابِ، والوجه التخفيف في "غَساقٍ"؛ لأنه اسمٌ موضوعٌ على "فَعالٍ"،

(1)

هذا قول مجاهد ومقاتل والفراء، ينظر: معانِي القرآن للفراء 2/ 410، تفسير القرطبي 15/ 222.

(2)

قاله قتادة والسدي وابن قتيبة والنحاس، ينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 381، معانِي القرآن للنحاس 6/ 128، 129، تفسير القرطبي 15/ 222.

(3)

حكاه الأزهري عن ابن الأعرابِيِّ في تهذيب اللغة 16/ 128، وينظر: معانِي القراءات 2/ 330 - 331، عين المعانِي ورقة 114/ أ.

(4)

البيت من الطويل، لِعِمْرانَ بن حِطّانَ السَّدُوسِيّ.

التخريج: شِعره ص 125 ضمن (ديوان الخوارج)، الأضداد لابن الأنباري ص 5، 139، الكشف والبيان 8/ 213، عين المعانِي 114/ أ، تفسير القرطبي 15/ 222.

(5)

قرأ بالتخفيف: ابنُ كثير ونافعٌ وأبو عمرو وابنُ عامر، وأبو بكر عن عاصمٍ، وأبو جعفر ويعقوبُ، ينظر: السبعة ص 555، غيث النفع ص 242، تفسير القرطبي 15/ 221، البحر المحيط 7/ 388، الإتحاف 2/ 423.

(6)

لم أقف على هذا القول في معاني القرآن، وإنما حكاه الثعلبي عنه في الكشف والبيان 8/ 213.

ص: 327

ومَنْ شَدَّدَهُ ذهب به إلى: غَسَقَ يَغْسِقُ، فهو غَسّاقٌ

(1)

، ومعنى تكرار قوله:"هذا"؛ أي: للمؤمنين هذا، وإن للطاغينَ.

قوله: {وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ} ؛ أي: مثله، يعني العذاب {أَزْوَاجٌ (58)}؛ أي: أصنافٌ من العذاب، والهاء من {شَكْلِهِ} تعود إلى الحميم

(2)

، وقيل

(3)

: الكناية من {شَكْلِهِ} راجعة إلى العذاب فِي قوله: {هَذَا} ، {وَآخَرُ} عطف على {حَمِيمٌ} .

قرأ أهلُ الكوفة وأبو عمرو ومجاهدٌ: "وَأُخَرُ" بضم الألف على جَمْعِ أُخْرَى

(4)

، وهو الاختيار؛ لأنه نَعَتَهُ بالجمع، فقال:{أَزْوَاجٌ} مثل: الكُبْرَى

(1)

قال الفارسي: "أما الغَسّاقُ فلا يخلو من أن يكون اسمًا أو وصفًا، فيبعد أن يكون اسمًا؛ لأن الأسماء لم تَجِئْ على هذا الوزن إلا قليلًا، وذلك نحو الكَلَّاءِ والقَذّافِ والجَبّانِ. . . فإذا لم يكن اسمًا كان صفةً، وإذا كان صفة فقد أُقِيمَ مُقامَ الموصوف، وألَّا تُقامَ الصفةُ مُقامَ الموصوف أحْسَنُ. . .، والقراءة بالتخفيف أحسن من حيث كان فيه الخروج من الأمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ وصفناهما في غَسّاقٍ بالتثقيل، وهما قِلّةُ البناء، وإقامة الصفة مقام الموصوف". الحجة 3/ 330 - 331.

(2)

ويجوز أن يكون الضمير عائدًا إلى المَذُوقِ الذي دَلَّ عليه قوله: "فَلْيَذُوقُوهُ"، وهذا على قراءة:"وَأُخَرُ" على الجمع، فيكون "أُخَرُ" مبتدأ، و"مِنْ شَكْلِهِ" صفة له، و"أزْواجٌ" خبره، والمعنى: وأُخَرُ من شكل الحميم أزواج، ويجوز أن يكون "أُخَرُ" مبتدأ، و"مِنْ شَكْلِهِ" خبره، و"أزْواجٌ" فاعلًا بالجار والمجرور، وفيه أوجه أخرى تنظر في الحجة للفارسي 3/ 332، مشكل إعراب القرآن 2/ 253، كشف المشكلات 2/ 266، البيان للأنباري 2/ 318، التبيان للعكبري ص 1105، الفريد للهمداني 4/ 175، الدر المصون 5/ 540.

(3)

وهذا على قراءة "وَآخَرُ" بالإفراد.

(4)

هذه قراءة أبِي عمرو ومجاهد ويعقوب واليزيدي والجحدري وابن جبير وعيسى بن عمر وحماد بن سلمة والحسن، ينظر: السبعة ص 555، غيث النفع ص 242، تفسير القرطبي 15/ 222، البحر المحيط 7/ 388، الإتحاف 2/ 423.

ص: 328

والكُبَرِ، وقرأ الباقون:"وَآخَرُ" بفتح الألف على الواحد، و"آخَرُ" يصلح مبتدأً، مع أنه مُنَكَّرٌ لأنه وُصِفَ، و {أَزْوَاجٌ} خبر، والضمير في الجملة يعود إلى "آخَرُ".

وقوله: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} ؛ أي: جماعةٌ، والفَوْجُ: القطيع من الناس، وجَمْعُهُ أفْواجٌ، والمُقْتَحِمُ: الداخل فِي الشيء رَمْيًا بِنَفْسِهِ بِشِدّةٍ وصُعُوبةٍ

(1)

.

قال ابن عبّاسِ

(2)

: وذلك أن القادة إذا دَخَلُوا النارَ، ثم دخل معهم الأتباعُ قالت الخَزَنةُ للقادَةِ:{هَذَا} يعني الأتباع {فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} النارَ؛ أي: أُدْخِلُوها كما دخلتم، فيقول القادة:{لَا مَرْحَبًا بِهِمْ} يعني: الأتباع {إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)} كما صَلِيناها، فيقول الأتباع للسادة:{بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا} ؛ أي: شرَعْتُمْ وسَنَنْتُم الكُفْرَ لنا، {فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)} قَرارُكُمْ وقَرارُنا.

وقوله: "صالُو النّارِ" الأصل فيه: صالُونَ النّارَ، فأسقطوا النون للإضافة، وأسقطوا الواو

(3)

لسكونها وسكون النون، وكذلك:{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ}

(4)

، {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ}

(5)

.

وقوله: {لَا مَرْحَبًا بِهِمْ} و {لَا مَرْحَبًا بِكُمْ} منصوبان على المصدر

(6)

،

(1)

ينظر: تهذيب اللغة 4/ 77، الوسيط للواحدي 3/ 564.

(2)

ينظر قوله في الكشف والبيان 8/ 214، تفسير القرطبي 15/ 223.

(3)

أُسْقِطَتْ الواو في النطق فقط دون الكتابة.

(4)

الدخان 15.

(5)

القمر 27، وينظر: إيضاح الوقف والابتداء ص 270.

(6)

قاله المبرد والزجاج والنحاس، ينظر: المقتضب 3/ 218، معانِي القرآن وإعرابه 4/ 339، إعراب القرآن 3/ 470، وينظر أيضًا: الفريد 4/ 179، الدر المصون 5/ 542.

ص: 329

وقيل

(1)

: على إضمار الفعل المتروكِ إظْهارُهُ، والمَرْحَبُ والرَّحْبُ: السَّعةُ والسَّهْلُ ضِدُّ الوَعْرِ، ومنه: رَحُبَتِ الدّارُ والمسجدُ، قال أبو عبيدة

(2)

: تقول العرب للرجل: لا مرحبا بك أي: لا رَحُبَتْ عليك الأرضُ، يعني: اتَّسَعَتْ.

وقد رَحَّبَ به تَرْحِيبًا: إذا قال له: مَرْحَبًا، وقال القُتَيْبِيُّ

(3)

: معنى قولهم: مَرْحَبًا وأهْلًا وسَهْلًا؛ أي: أتَيْتَ رَحْبًا أي سَعةً، وأتَيْتَ سَهْلًا لا حَزَنًا، وأتَيْتَ أهْلًا لا غُرَباءَ، فَأْنَسْ ولا تَسْتَوْحِشْ.

وهي فِي مذهب الدعاء، كما تقول: لَقِيتَ خَيْرًا؛ ولذلك نُصِبَ، قال النابغة:

202 -

لا مَرْحَبًا بِغَدٍ وَلا أهْلا بِهِ

إنْ كانَ تَفْرِيقُ الأحِبّةِ فِي غَدِ

(4)

فنصبه على المصدر.

قوله: {قَالُوا} يعني الأتباع {رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا} ؛ أي: شَرَعَهُ وسَنَّهُ لنا {فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)} على عذابنا، قال ابن مسعودٍ: يعني حَيّاتٍ وعَقارِبَ وأفاعِيَ {وَقَالُوا} صناديد قريش وهم فِي النار {مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)} في دار الدنيا، يعني فقراء المؤمنين {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا}

(1)

هذا قول سيبويه، قاله في الكتاب 1/ 295، 328، وهو قولٌ ثانٍ للمبرد، قاله في المقتضب 4/ 380، وينظر أيضًا: الأصول لابن السراج 1/ 394.

(2)

مجاز القرآن 2/ 186.

(3)

غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 200، وهو قول حكاه ابن قتيبة عن الأصمعي.

(4)

البيت من الكامل، للنابغة من قصيدة يصف فيها المتجردة.

التخريج: ديوانه ص 90، الكشف والبيان 8/ 214، تفسير القرطبي 15/ 223، شرح التسهيل لابن مالك 2/ 108، اللسان: غدا.

ص: 330

قرأ أبو عمرو وأهل العراق إلا عاصمًا وأيوبَ بوصل الألف، وهو الاختيار، وتكون "أمْ" بمعنى "بَلْ"، وقرأ الباقون بفتح الألف وقطعها على الاستفهام

(1)

، وجعلوا "أمْ" جوابًا لها، مجازه: أتخذناهم سخريًّا، وليسوا كذلك، فلم يدخلوا معنا النار أم زاغت عنهم الأبصار؟ وقال الفراء

(2)

: هو من الاستفهام الذي معناه التعجب والتوبيخ، وهو يجوز باستفهامٍ وبِطَرْحِهِ.

وقرأ نافعٌ وحمزة والكسائي: "سُخْرِيًّا" بضم السين، والباقون بالكسر

(3)

، [فمن] قرأ:"سِخْرِيًّا" بالكسر فهو من الْهُزْءِ، ومن قرأ بالضم فهو من السُّخْرةِ والإذلال

(4)

.

قوله: {إِنَّ ذَلِكَ} يعني الذي ذَكَرَهُ {لَحَقٌّ} ، ثم بَيَّنَهُ، فقال:{تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)} فـ {تَخَاصُمُ} بدلٌ من "حَقٌّ"، أو: هو تخاصمٌ، فيكون خبرًا لمبتدأٍ محذوفٍ، ومجاز الآية: إن تخاصم أهل النار لَحَقٌّ

(5)

.

(1)

قرأ بوصل الألف: أبو عمرو وحمزةُ والكسائيُّ ويعقوبُ وخلفٌ والأعمشُ واليزيديُّ، وَرُوِيتْ عن ابن كثير، وقرأ نافعٌ وابنُ كثيرٍ وابنُ عامرٍ وعاصمٌ والباقون بقطع الألف على الاستفهام، ينظر: السبعة ص 556، تفسير القرطبي 15/ 225، البحر المحيط 7/ 389، النشر 2/ 361 - 362، إتحاف فضلاء البشر 2/ 423 - 424.

(2)

معانِي القرآن 2/ 411.

(3)

قرأ نافعٌ وحمزةُ والكسائيُّ، والمُفَضُّلُ عن عاصمٍ، وأبو جعفرٍ وهبيرةُ وخَلَفٌ والأعمشُ والحَسَنُ ومجاهدٌ وشيبةُ وابنُ مسعودٍ والضَّحّاكُ والأعرجُ وابنُ وَثّابٍ:"سُخْرِيًّا" بضم السين، وقرأ الباقون وحفصٌ عن عاصمٍ:"سِخْرِيًّا" بكسرها، ينظر: السبعة ص 556، تفسير القرطبي 15/ 225، البحر المحيط 7/ 389، إتحاف فضلاء البشر 2/ 288، 424.

(4)

ينظر ما سبق في الآية 110 من سورة المؤمنون، 1/ 299.

(5)

ويجوز أن يكون خَبَرًا ثانيًا لـ "ذَلِكَ"، ويجوز أن يكون بدلًا من "ذَلِكَ" على الموضع، وتؤيده قراءةُ زيد بن علي وابن أبي عبلة وابن السميفع:"تَخاصُمَ" بالنصب، وينظر: =

ص: 331