الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} الفِصالُ: الفِطامُ، وهو أن يُ
فْصَلَ
الوَلَدُ عن الأم، أي: يُفْطَمَ كي لا يرضع منها أكثر من عامين، ورُوِيَ عن يعقوب أنه قرأ:{وَفِصَلُهُ} بغير ألف
(1)
، وهو ابتداء، وخَبَرُهُ فِي الظرف، على تقدير: وفِصالُه يقع في عامين، أي: في انقضاء عامين، {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}؛ أي: وأَطِعْ والدَيْك، والمعنى: ووصيناه بشكرنا، أو: وهديناه للإسلام وشُكْرِ والديه بما أَوْلَياهُ من الإنعام {إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)} المَرْجِعُ والمُنْقَلَبُ، فأجزيك بعملكَ.
فصل
عن سفيان بن عُيينة -في قوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} - قال: "مَنْ صَلَّى الصلوات الخمسَ فقد شَكَرَ للَّه عز وجل، ومن دعا للوالدين فِي أدبار الصلوات فقد شكر للوالدين"
(2)
.
قوله: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} يعني: عِشْرةً جميلةً، ونَفَقةً بالمعروف، وهو منصوبٌ بنزع حرف الصفة، أي: بِمعروف
(3)
، وقيل
(4)
: هو نعت لمصدر
(1)
وبها قرأ أيضًا: الحَسَنُ بخلافٍ عنه، وأَبو رجاء العطارديُّ وقتادةُ والجحدريُّ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 117، المحتسب 2/ 167، القرطبي 14/ 64، البحر 7/ 182، الإتحاف 2/ 362.
(2)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 313، عين المعاني 101/ أ، القرطبي 14/ 65، فتح الباري 2/ 8.
(3)
ذكره العكبري بغير عزو في التبيان ص 1044، وينظر: الفريد 4/ 10، الدر المصون 5/ 388.
(4)
قاله مكِّي في مشكل إعراب القرآن 2/ 183، وينظر: التبيان للعكبري ص 1044، الدُّر المصون 5/ 388، وقال المنتجب الهمدانِيُّ:"فليس قولُ من قال: إنه نعت لمصدر محذوف؛ أي: صِحابًا مَعْرُوفًا، بمستقيمٍ؛ لأن صِحابًا جمع صاحِب كجائِعٍ وجِياعٍ، وليس بمصدر صاحَبَ". الفريد 4/ 10.
محذوف، تقديره: وصاحِبْهُما في الدنيا صِحابًا معروفًا، نزلت فِي سعد بن أَبي وقاص وأُمِّهِ أيضًا.
قوله تعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} قال بعض النحاة
(1)
: هذه الكناية راجعة إلى الخطيئة والمعصية، يعني: أن المعصية إن تَكُ، يدل عليه قول مقاتل
(2)
: قال أَنْعَمُ ابن لقمان لأبيه: يا أَبَتِ! إن عَمِلْتُ بالخطيئة حيث لا يرانِي أَحَدٌ، كيف يعلمها اللَّه؟ فقال:{يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ. . .} الآيةَ، وفي رواية أخرى، أنه قال لابنه: أَرَأَيْتَ لو كانت حَبّةً من خَرْدَلٍ فِي مَقْلِ البحر، يعني: وَسَطَهُ، أكان اللَّه يعلمها؟ فقال له:{يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ. . .} هو الآية
(3)
.
قال الزجاج
(4)
: المعنى: إن التي سَأَلْتَني عنها إنْ تَكُ مِثْقالَ حَبّةٍ من خَرْدَلٍ، وقال آخرون
(5)
: هذه الهاء عماد، وإنما أَنَّثَ لأنه ذهب بها إلى الحبة، كقول الشاعر:
(1)
هو الأخفش، وهذا ما قاله فِي معاني القرآن ص 439، 440، وينظر: جامع البيان 24/ 86، الكشف والبيان 7/ 314.
(2)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 314، زاد المسير 6/ 321، القرطبي 14/ 66، فتح القدير 4/ 238.
(3)
حكاه الزَّجّاج عن قتادة في معاني القرآن وإعرابه 4/ 197، وينظر: الوسيط للواحدي 3/ 443، زاد المسير 6/ 321.
(4)
معاني القرآن وإعرابه 4/ 197، 198، وهذا على قراءة:{إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ} بالتاء ونصب المثقال.
(5)
قاله الفرَّاء والنَّحاس، ينظر: معاني القرآن للفرَّاء 2/ 328، إعراب القرآن 3/ 284، ويَعْنِي بالعماد: ما يُسَمَّى عند البصريين بضمير الشأن، ينظر: مصطلحات النحو الكوفِيِّ ص 47.
118 -
وتَشْرَقَ بِالقَوْلِ الَّذي قد أَذَعْتَهُ
…
كما شَرِقَتْ صَدْرُ القَناةِ منَ الدَّمِ
(1)
والمثقال يُقْرَأُ بالرَّفع والنَّصب
(2)
، فمَن نَصَبَ -وهي قراءة العامة- فعلى خبر "كان"، المعنى: إِنْ تَكُ الخطيئةُ مثقالىَ حَبّةٍ من خردل، ومَن رَفَعَ -وهي قراءة نافع- فعلى اسم "كان"، ومجازه: إِنْ يَقَعْ، وحينئذٍ لا خبر له، وقد مضى نظيرها في سورة الأنبياء
(3)
.
قوله: {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} يعني الصخرة الخضراء التي تحت الأَرَضِينَ، وهي التي كُتِبَتْ فيها أعمالُ الفجار، وخُضْرةُ السماء منها، قاله ابن عباس
(4)
،
(1)
البيت من الطويل، للأعشى يهجو عمير بن عبد اللَّه بن المنذر حين جمع بينه وبين جُهُنّامٍ ليهاجيه.
اللغة: تَشْرَق: تُغَصُّ، شَرِقَ الشيءُ شَرَقًا فهو شَرِقٌ: اشتدت حُمْرَتُهُ بدَمٍ أو بلَوْنٍ أَحْمَرَ، صدر القناة: أعلاها.
التخريج: ديوانه ص 173، الكتاب 1/ 52، معاني القرآن للفرَّاء 1/ 187، 2/ 37، 328، معاني القرآن للأخفش ص 424، جمهرة اللغة لابن دريد ص 723، المقتضب 4/ 197، 199، والكامل للمبرد 2/ 141، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 2/ 185، شرح أبيات سيبويه لابن السيرافي 1/ 41، إعراب القرآن للنَّحاس 2/ 60، 316، 3/ 285، الخصائص لابن جني 2/ 417، الأزهية للهروي ص 238، المخصص لابن سيده 17/ 77، إصلاح الخلل ص 399، شرح المفصل لابن يعيش 7/ 151، اللسان: شرق، صدر، مغني اللبيب ص 667، همع الهوامع 2/ 421، خزانة الأدب 5/ 106.
(2)
قرأ نافع وأبو جعفر والأعرج {مِثْقَالَ} بالرَّفع، وقرأ الباقون بالنصب، ينظر: السبعة ص 513، حجة القراءات ص 565، الكشف عن وجوه القراءات 2/ 188، تفسير القرطبي 14/ 67، البحر المحيط 7/ 182، الإتحاف 2/ 362.
(3)
الآية 47، وانظر ما سبق 1/ 192 من هذا الكتاب.
(4)
ينظر: جامع البيان 21/ 87، الكشف والبيان 7/ 314، زاد المسير 8/ 4، تفسير القرطبي 14/ 68.
وقال السُّدِّيُّ
(1)
: هذه الصخرة ليست في السماوات ولا في الأرض، هي تحتَ سَبْعِ أَرَضِينَ، عليها مَلَكٌ قائمٌ قال صاحب إنسان العين
(2)
: هي صخرة عليها الأرض حيث لم نعرف، ولا معنى للقول بأنها سِجِّينٌ.
وقوله: {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} هذا جواب الشرط، {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ} باستخراجها {خَبِيرٌ (16)} عليم بمكانها، قال الثعلبي رحمه الله
(3)
: "رأيت في بعض الكتب، أن لقمان قال لابنه: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ. . .} إلى آخر الآية، فانْفَطَرَ هَيْبةً من هذه الكلمة فمات، فكان آخِرَ حِكْمَتِهِ".
قوله: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} ، وقرأ النَّخَعي ونافعٌ وأبو عمرو وحمزة والكسائي وخلفٌ والأعمش ويحيى وابنُ محيصِن: بالألف، ورُوِيَ عن عاصم الجَحْدَرِيِّ:{وَلَا تُصَعِّرْ} بضم التاء وجزم الصاد، من أَصْعَرَ، وقرأ الباقون:{تُصَعِّرْ}
(4)
بغير ألف مع التشديد، من التَّصْعِيرِ، ومعناه: لا تتكَبَّرْ فتُحَقِّرَ الناسَ، وتُعْرِضَ عنهم بوجهك إذا كَلَّمُوكَ، وقيل: معناه: لا تَعْبِسْ فِي وجوه الناس، وقيل: التصعير: التشديق في الكلام.
وأصل هذه الكلمة من المَيْلِ، يقال: رَجُلٌ أَصْعَرُ: إذا كان مائِلَ العُنُقِ، وجمعه: صُعْرٌ، والصَّعَرُ: داءٌ يأخذ الإبل في أعناقها ورءوسها حتى تَلْتَفِتَ
(1)
ينظر: الكشف والبيان 7/ 314، زاد المسير 6/ 321، مجمع البيان 8/ 86، تفسير القرطبي 14/ 68.
(2)
عين المعاني ورقة 101/ أ.
(3)
الكشف والبيان 7/ 314.
(4)
ينظر: السبعة ص 513، مختصر ابن خالويه ص 118، تفسير القرطبي 14/ 69، البحر المحيط 7/ 183، الإتحاف 2/ 362.
أعناقُها، فشُبِّهَ الرجلُ المتكبر الذي يُعْرِضُ عن الناس احتقارًا لهُم بذلك
(1)
، قال الشاعر:
119 -
وكُنّا إذا الجَبّارُ صَعَّرَ خَدَّهُ
…
أَقَمْنا لهُ مِن مَيْلِهِ فتَقَوَّما
(2)
وقال آخر:
120 -
وكُنّا إذا الجَبّارُ صَعَّرَ خَدُّهُ
…
ضَرَبْناهُ تحتَ الأُنْثَيَيْنِ على الكَرْدِ
(3)
أي العنق، والأُنثيان: الأُذُنانِ.
(1)
ينظر: مجاز القرآن 2/ 127، معاني القرآن وإعرابه 4/ 198، تهذيب اللغة 2/ 27، غريب القرآن للسجستانِي ص 123.
(2)
البيت من الطويل، للمتلمس من قصيدة يهجو بها عمرو بن هند، وأولها:
يُعيِّرُنِي أمِّي رِجالٌ، ولن تَرَى
…
أَخا كَرَمٍ إلّا بِأَنْ يَتَكَرَّما
ويُرْوَى: "فَتَقَوَّمِ" بالبناء على الكسر، وهو بهذه الرواية لعمرو بن حُنَيٍّ التغلبي من قصيد يفخر فحها بقتل عمرو بن هند، وهي مخفوضة القوافِي، ومنها:
نُعاطي المُلُوكَ السِّلْمَ ما قَصَدُوا بنا
…
وَلَيْسَ عَلَيْنا قَتلُهُمْ بمُحَرَّمِ
ونُسب لجابر بن حُنَيٍّ التغلبي.
التخريج: ديوان المتلمس ص 24، مجاز القرآن 2/ 127، معجم الشعراء ص 13، مقاييس اللغة 2/ 274، الكشف والبيان 7/ 315، مختارات ابن الشجري ص 121، ذكر الفرق بين الأحرف الخمسة ص 165، الحماسة البصرية ص 129، عين المعاني ورقة 101/ ب، 126/ ب، تفسير القرطبي 14/ 69، اللسان: درأ، صعر، كون، البحر المحيط 7/ 177، التاج: درأ، صعر، كون.
(3)
البيت من الطويل، للفرزدق، ورواية ديوانه:
وَكُنّا إِذا القَيْسِيُّ نَبَّ عَتُوبٌ
…
ضَرَبْناهُ فَوْقَ الأُنْثَيَيْنِ عَلَى الكَرْدِ
ويُرْوَى: "دُونَ الأُنْثَيَيْنِ"، ونُسِبَ لذي الرُّمّةِ، وهو في ديوانه أيضًا.
اللغة: الأُنْثَيانِ هنا: الأُذُنانِ؛ لأن الأُذُنَ أنثى، الكَرْدُ: أصل العنق، العَتُود: الجَدْيُ الذي اسْتَكْرَشَ، ونَبِيبُهُ: صِياحُهُ عند الضِّراب، وقوله:"نَبَّ عَتُودُه" كناية عن التكبر. =