الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله تعالى: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} قرأ العامة: "سَلامٌ" بالرفع على خَبَرِ صفةٍ محذوفةٍ، تقديره: لَهُمْ سَلامٌ
(1)
؛ أي: سَلامٌ عَلَيْهِمْ، وقرأ النَّخْعِيُّ بالنصب على القطع والمصدر، وكذا هو في قراءة ابن مسعودٍ وأُبَيٍّ:"سَلامًا"
(2)
فيكون مصدرًا، وإن شئت فِي موضعٍ الحال
(3)
، ونصب {قَوْلًا} على المصدر على معنى: لهم سلامٌ يقوله اللَّه قولًا يوم القيامة
(4)
.
فصْلٌ
عن جابر بن عبد اللَّه رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "بَيْنا أهْلُ الجنة فِي نعيمهم إذْ سَطَعَ لهم نُورٌ، فرفعوا رؤوسهم فإذا الرَّبُّ عز وجل قد أشْرَفَ عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة، فذلك قوله عز وجل: {سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}، فينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيءٍ من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم، ويَبْقَى نُورُهُ وبركاتُهُ عليهم في ديارهم"
(5)
.
(1)
هذا على مذهب الكوفيين، وهو عند البصريين مبتدأ حذف خبره، قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 614، وفيه أوجه أخرى تنظر في معانِي القرآن للفراء 2/ 380، 381، وإعراب القرآن للنحاس 3/ 402، مشكل إعراب القرآن 2/ 231، الفريد للمنتجب الهمداني 4/ 116، الدر المصون 5/ 490.
(2)
وهي قراءة عيسى بن عمرو ابن أبِي إسحاق، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 126، المحتسب 2/ 215، تفسير القرطبي 15/ 45، البحر المحيط 7/ 327.
(3)
وإذا كان مَصْدَرًا فالمعنى: يُسَلِّمُ عليهم فِي الجنة سَلامًا، وأما على الحال فصاحب الحال هو الضمير المجرور في "لَهُمْ" أو "ما"، أو العائد المحذوف في "يَدَّعُونَ"، ينظر: معانِي القرآن للأخفش ص 450، إعراب القرآن 3/ 401، 402، مشكل إعراب القرآن 2/ 231، الفريد للهمداني 4/ 116، الدر المصون 5/ 490.
(4)
قاله الزجاج والنحاس، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 4/ 292، إعراب القرآن 3/ 402.
(5)
رواه ابن ماجه في سننه 1/ 66 باب فيما أنكرت الجهميةُ، وابن عدي في الكامل في =
قوله: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)} يقال: مِزْتُ الشَّيْءَ من الشيء: إذا عَزَلْتَهُ عنه ونَحَّيْتَهُ، فـ "امْتازُوا" المعنى: اعْتَزِلُوا اليوم، يعني: في الآخرة، من الصالحين
(1)
، وقيل
(2)
: معناه: كونوا على حِدةٍ، وانْفَرِدُوا عن المؤمنين.
وما بعد هذا ظاهرٌ في الإعراب إلى قوله تعالى: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} شرطٌ وجزاءٌ، قرأ الأعمش وعاصمٌ وحمزة:"نُنَكِّسْهُ" بضم النون وكسر الكاف مع التشديد، وقرأ الباقون بفتح النون وضم الكاف مع التخفيف
(3)
، وهما لغتان يقال: نَكَسْتُهُ أنْكُسُهُ، ونَكَّسْتُهُ أُنَكِّسُهُ، والمعنى: نَرُدُّهُ بعد القوة إلى الضعف، وبعد الزيادة إلى النقصان، وبعد الجِدّةِ والطراوة إلى البِلَى والخُلُوقةِ، قال الزجّاج
(4)
: معناه: مَنْ أطَلْنا عُمُرَهُ نَكَّسْنا خَلْقَهُ، فصار بَدَل القُوّةِ الضَّعْفُ، وبَدَلَ الشباب الهَرَمُ.
{أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)} قرأ نافعٌ وابنُ ذَكْوانَ
(5)
بالتاء على خطاب الكفار، وقرأ الباقون بالياء
(6)
، والمعنى: أفَلَيْسَ لهم عَقْلٌ فيعتبروا فيعلموا أن الذي قَدَرَ
= الضعفاء 6/ 13 - 14، وقال ابن الجوزي:"هذا حديث موضوع". الموضوعات 3/ 261، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 98 كتاب التفسير: سورة يس.
(1)
قاله مقاتل، ينظر: الوسيط 3/ 517، عين المعانِي ورقة 111/ أ.
(2)
قاله السدي والزجاج، ينظر: معانِي القرآن وإعرابه 4/ 292، وينظر قول السدي في الكشف والبيان 8/ 133، الوسيط 3/ 517.
(3)
ورُوِيَ التخفيف عن عاصم أيضًا، ينظر: السبعة ص 543، تفسير القرطبي 15/ 51، النشر 2/ 355، الإتحاف 2/ 404.
(4)
معانِي القرآن وإعرابه 4/ 293.
(5)
هو عبد اللَّه بن أحمد بن بشير بن ذكوان، أبو عمرو القرشي الفهري، من كبار القراء، ثقة صدوق، توفي بدمشق سنة (242 هـ). [غاية النهاية 1/ 404 - 405، الأعلام 4/ 65].
(6)
قرأ بالتاء أيضًا: ابنُ عامر في روايةٍ عنه، وأبو عمرو في روايةِ عَبّاسِ بنِ الفضل عنه، وأبو =
على هذا من تصريف أحوال الإنسان يقدر على البعث بعد الموت؟.
قوله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} وذلك أن كفار مكة قالوا: إن القرآن شِعْرٌ، وإنّ محمَّدًا شاعرٌ، فقال اللَّه تعالى تكذيبًا لهم: وما علَّمناه الشِّعر وما ينبغي له الشِّعرُ؛ أي: ما يَتَسَهَّلُ له ذلك، وما كان يَتَّزِنُ له بَيْتُ شعرٍ، حتى إذا تمثَّل ببيتِ شِعْرٍ جَرَى على لسانه مُنْكَسِرًا.
رُوِيَ عن عائشة رضي الله عنها أنها سُئِلَتْ: هل كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيءٍ من الشِّعر؟ فقالت: كان الشِّعْرُ أبغضَ الحديث إليه، ولَمْ يتمثَّلْ بشيءٍ مِنَ الشِّعر إلا ببيتِ أخِي بَنِي قَيْسٍ طَرَفةَ:
170 -
سَتُبْدِي لَكَ الأَيّامُ ما كُنْتَ جاهِلًا
…
وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ
(1)
فَجَعَلَ يَقُولُ: "ويأتيك مَنْ لَمْ تُزَوَّد بالأخبارِ"، فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه: ليس هكذا يا رسول اللَّه، فقال:"إنِّي لستُ بشاعرٍ، ولا ينبغي لِي الشِّعر"
(2)
.
= جعفر ويعقوبُ وهشامٌ، وقرأ الباقون، وأبو عمرو وابن عامر في رواية أخرى عن كل منهما بالياء، ينظر: السبعة ص 543، البحر المحيط 7/ 329، النشر 2/ 257، الإتحاف 2/ 404.
(1)
البيت من الطويل لطرفة بن العبد من معلقته.
التخريج: ديوانه ص 66، معاني القرآن وإعرابه 2/ 205، معجم الشعراء ص 6، البصائر والذخائر 5/ 130، عين المعانِي 111/ أ، تفسير القرطبي 15/ 51، اللسان: ريث، ضمن، البحر المحيط 7/ 329، التاج: ريث.
(2)
رواه الطبري بسنده عن قتادة عن عائشة في جامع البيان 23/ 34، وينظر: الكشف والبيان 8/ 136، الوسيط 3/ 518 - 519، عين المعانِي 111/ أ، تفسير ابن كثير 3/ 586، الدر المنثور 5/ 268.
وعن عَلِيِّ بن زيدٍ
(1)
عن الحسن أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت: "كَفَى الإِسْلامُ والشَّيْبُ لِلْمَرْءِ ناهِيًا"، فقال أبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما: "يا نَبِيَّ اللَّهِ: إنما قال الشاعر:
171 -
كَفَى الشَّيْبُ والإسْلامُ لِلْمَرْءِ ناهِيا
(2)
نشهد أنّكَ رسول اللَّه"
(3)
، يقول اللَّه تعالى:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ} يعني القرآن؛ أي ما هو {إِلَّا ذِكْرٌ} موعظة {وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)} فيه الفرائض والحدود والأحكام، {لِيُنْذِرَ} يعني القرآن، ومن قرأ بالتاء فمعناه: لِتُنْذِرَ يا محمَّدُ بِما فِي القرآن {مَنْ كَانَ حَيًّا} يعني: مؤمنًا حَيَّ القلبِ؛ لأنّ الكافر كالميت لا يسمع الإنذار فهو ميت القلب.
(1)
في الأصل: "علي بن زيد بن الحسن"، وهو سهو من الناسخ فيما يبدو، وهو عليُّ بنُ زيد بن عبد اللَّه بن زهير بن عبد اللَّه بن جُدْعانَ، أبو الحسن القرشي التَّيْمِيُ، فقيه بصري ضرير، من حفاظ الحديث، ولكنه ليس بالثقة القوي، روى عن أنس بن مالك وابن المسيب والحسن البصري، توفي سنة (129 هـ). [تاريخ دمشق 41/ 485؛ 502، الأعلام 4/ 289].
(2)
هذا عجز بيت من الطويل، لسُحَيْمٍ عبدِ بني الحَسْحاس، وصدره:
عُمَيرةَ وَدِّع إن تَجَهَّزتَ غادِيا
التخريج: ديوانه ص 16، الكتاب 2/ 26، 4/ 225، سر صناعة الإعراب ص 141، الخصائص 2/ 488، أمالِيُّ ابن الشجري 3/ 222، أسرار العربية ص 144، الإنصاف ص 168، شرح المفصل 2/ 115، 7/ 84، 148، 8/ 24، 93، 138، شرح التسهيل لابن مالك 3/ 34، اللسان، كفى، نهي، ارتشاف الضرب ص 1700، مغني اللبيب ص 145، المقاصد النحوية 3/ 665، شرح شواهد المغني ص 325، خزانة الأدب 1/ 267، 2/ 102، 103.
(3)
رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 382، وينظر: الكشف والبيان 8/ 135، تفسير القرطبي 15/ 52، تفسر ابن كثير 3/ 585، الدر المنثور 5/ 286.
قرأ أهل المدينة والشام والبصرة ألا أبا عمرٍو: "لِتُنْذِرَ" بالتاء هاهنا وفي الأحقاف
(1)
، وقرأ الباقون بالياء، {وَيَحِقَّ الْقَوْلُ}؛ أي: وتَجِبَ الحُجّةُ بالقرآن {عَلَى الْكَافِرِينَ (70)} .
ثم ذَكَّرَهُمْ قُدْرَتَهُ، فقال تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} أي: مما أمَرْنا به وتَوَلَّيْنا خَلْقَهُ بإبداعنا وإنشائنا من غَيْرِ واسطةٍ ولا وكالةٍ ولا شركةٍ {أَنْعَامًا} يريد: من الإبل والبقر والغنم {فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)} ضابطون قاهرون.
وقوله: {مِمَّا عَمِلَتْ} إن جعلت "ما" بمعنى "الَّذِي" حذفت الهاء لطول الاسم، وإن جعلت "ما" مصدرًا لَمْ تحتج إلى إضمار الهاء في {عَمِلَتْ} ، وواحد الأنعام نَعَمٌ والنَّعَمُ يُذكَّر ويُؤنَّث
(2)
.
والمعنى: إنّا لَمْ نخلق الأنعام وحشيةً نافرةً من بني آدم لا يقدرون على ضبطها، بل هي مسخَّرةٌ مذلَّلةٌ لهم، وهو قوله:{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} ؛ أي: سخَّرنا لهم الأنعام {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} قرأه العامة بفتح الرّاء؛ أي: مركوبهم، كما يقال: ناقةٌ
(1)
يعني قوله، تعالى:{وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ} [الأحقاف: 12]، فقد قرأ بالتاء نافعٌ وابنُ عامر وأبو جعفر ويعقوبُ وسهلٌ، وقرأ الباقون بالياء، ينظر: السبعة ص 544، البحر المحيط 7/ 331، النشر 2/ 355، الإتحاف 2/ 404.
(2)
من أول قوله: "إن جعلت "ما" بمعنى "الذي" قاله النحاس بنصه في إعراب القرآن 3/ 406. وأما النَّعَمُ فقد ذكر الفراء أنه مذكر فقال: "والنعم: ذكر، يقال: هذا نَعَمٌ وارِدٌ". المذكر والمؤنث ص 79، وكذلك قال غيره من العلماء، المذكر والمؤنث لأبِي حاتم ص 196، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 1/ 464؛ 467، المذكر والمؤنث لابن التستري ص 57، 107، المذكر والمؤنث لابن فارس ص 62.
حَلُوبٌ؛ أي: مَحْلُوبٌ
(1)
، وقرأ الأعمش والحسن بضم الراء على المصدر، ورُوِيَ عن عروة
(2)
أنه قال: في مصحف عائشة رضي الله عنها: "رَكُوبَتُهُمْ"
(3)
. والرَّكُوبُ والرَّكُوبةُ واحدٌ، مثل الحَمُولِ والحَمُولةِ
(4)
.
قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ} يعني أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)} شديد الخصومة في إنكار البعث، {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} وذلك أنّ أُبَيَّ بنَ خلَفٍ الجُمَحِيَّ أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعَظْمٍ قد بَلِيَ، فَفَتَّهُ بيده، وقال: يا محمَّدُ! أتَرَى اللَّهَ يُحْيِي هذا بعدما رَمَّ؟ فقال عليه السلام: "نعم يُحْيِي اللَّهُ هذا، ويميتك، ثم يبعثك، ويدخلك النار"، فأنزل اللَّه
(1)
هو "فَعُولٌ" بمعنى "مفعول"، ولذلك جاء بغير هاء على النسب، أي: ذُو رُكُوبٍ، ينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 406 - 407، مشكل إعراب القرآن 2/ 231 - 232.
(2)
عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد اللَّه القرشي، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، لم يدخل في شيء من الفتن، رحل إلى مصر فتزوج بها، ثم عاد للمدينة وتوفي بها سنة (93 هـ). [تهذيب الكمال 20/ 11، الأعلام 4/ 226]، وينظر قوله في إعراب القرآن 3/ 407، الكشف والبيان 8/ 136.
(3)
قرأ الحسن والأعمش والمُطَّوِّعِيُّ وابنُ السَّمَيْفَعِ وأبو البَرَهْسَمِ: "رُكُوبُهُمْ"، وقرأت عائشة وأُبَيٌ:"رَكُوبَتُهُمْ"، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 126، 127، المحتسب 2/ 216 - 217، تفسير القرطبي 15/ 55 - 56، البحر المحيط 7/ 331.
(4)
الكوفيون يُلْحِقُونَ تاءَ التأنيث بـ "فَعُولٍ" إذا كان بمعنى "مَفْعُولٍ"، ويحذفونها إذا كان بمعنى "فاعِلٍ"، واستدلوا على ذلك بقراءة "رَكُوبَتُهُمْ" بالتاء، ينظر: المذكر والمؤنث للسجستانِيِّ ص 78، 79، المذكر والمؤنث لابن الأنباري 2/ 54، وأما على قراءة "رَكُوبُهُمْ" فالمراد عندهم المذكر، قال ابن الأنباري:"وقال اللَّه عز وجل: {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 72] فذَكَّرَ لأن المعنى: فمنها ما يركبون، فذَكَّرَ لَمّا لَمْ يُقْصَدْ به قَصْدُ تأنيثٍ". المذكر والمؤنث لابن الأنباري 2/ 51: 54، وينظر: إعراب القرآن 3/ 406، 407، المذكر والمؤنث لابن فارس ص 52، مشكل إعراب القرآن 2/ 232، الفريد للمنتجب الهمداني 4/ 120.
تعالى فيه: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} . . . الآيات
(1)
.
وقوله: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)} يعني فُتاتًا رُفاتًا بالِيةً، يقال: رَمَّ العَظْمُ: إذا بَلِيَ، والرُّمّةُ: الحَبْلُ البالِي، والرَّمْرامُ: الحَصَى الصِّغارُ
(2)
، وإنما لَمْ يقل: رَمِيمة لأنه معدولٌ عن فاعلةٍ، وكُلُّ ما كان معدولًا عن وَجْهِهِ وَوَزْنِهِ كان مصروفًا عن فاعِلةٍ إلى فَعِيلٍ، كقوله تعالى:{وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا}
(3)
أسقط الهاء لأنها مصروفةٌ عن باغيةٍ
(4)
، وقيل
(5)
: {رَمِيمٌ} بمعنى مرمومٍ، ككَفٍّ خَضِيبٍ؛ أي: مَخْضُوبٍ، ومحلُّ {مَنْ} رفعٌ بالابتداء.
قوله تعالى: {قُلْ} يا محمَّدُ {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا} ابتدأها وخلقَها {أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ} من الابتداء والإعادة {عَلِيمٌ} ، ونصب {أَوَّلَ مَرَّةٍ} لأنه اسمٌ أُقِيمَ مُقامَ المصدر.
ثم زاد في البيان، وأخبر عن عجيب صنعه، فقال تعالى:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)} يعني: الذي جمع بين الشيء وضِدِّهِ قادِرٌ على البعث؛ لأنّ النار تأكل الحطب، وَلَمْ يقل: الخُضْرَ،
(1)
ينظر: تفسير عبد الرزاق 3/ 146، جامع البيان 23/ 38، الكشف والبيان 8/ 137، أسباب النزول ص 246، الدر المنثور 5/ 269.
(2)
ينظر: عين المعانِي ورقة 111/ أ.
(3)
مريم 28.
(4)
يعني أنه "فَعِيل" بمعنى "فاعِلٍ"، ينظر: التبيان للعكبري ص 1086، الفريد للهمداني 4/ 121، الدر المصون 5/ 493.
(5)
يعني أنه "فَعِيلٌ" بمعنى "مفعول"، ينظر: التبيان للعكبري ص 1086، الدر المصون 5/ 493.
والشَّجر جَمْعٌ؛ لأنه رَدَّهُ إلى اللفظ
(1)
، قال ابن عبّاسٍ
(2)
: وهما شجران أحدهما المَرْخُ، والآخر العَفارُ، فمن أراد منهما النار قطع غصنينِ مِثْلَ السِّواكَيْنِ يَقْطُرُ منهما الماءُ، فيُسْحَقُ المَرْخُ، وهو ذَكَرٌ، على العَفارِ، وهو أُنثى، فتخرج منهما النار بإذن اللَّه تعالى.
قالت الحكماء
(3)
: كل شيءٍ فيه نار إلا العُنّابَ. وتقول العرب: فِي كُلِّ شَجَرٍ نارٌ واسْتَمْجَدَ المَرْخُ والعَفارُ
(4)
.
ومحل {الَّذِي} رفعٌ على خبر ابتداءٍ محذوفٍ، تقديره: هو الذي، ويجوز أن يكون نصبًا على المدح، تقديره: أعني الذي، ويجوز أن يكون رفعًا أيضًا على البدل من قوله:{قُلْ يُحْيِيهَا}
(5)
.
قوله تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} هذا استفهام معناه التَّقرير، يعني: من قدر على خلق السماوات والأرض فِي عِظَمِهِما يقدر على إعادة خَلْق البشر، وقيل
(6)
: هو استفهام تقريعٍ وإن أشْبَهَ التقريرَ؛ لأنّهم أقَرُّوا بالإنشاء.
(1)
قاله الفراء في معانِي القرآن 2/ 381، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 408، الإغفال للفارسي 2/ 473، الفريد للمنتجب الهمدانِي 4/ 121.
(2)
ينظر قول ابن عباس في الكشف والبيان 8/ 137.
(3)
ينظر: الكشف والبيان 8/ 137.
(4)
ينظر: كتاب الأمثال لأبِي عبيد ص 136، الكامل للمبرد 1/ 212، مجمع الأمثال 2/ 445، المستقصى 2/ 183، عين المعانِي 111/ أ، واسْتَمْجَدَ المَرْخُ والعَفارُ أي: اسْتَكْثَرا وأخَذا مِنَ النّارِ ما هُوَ حَسْبُهُما، يُضْرَبُ في تَفْضِيلِ بَعْضِ الشَّيءِ عَلَى بَعْضٍ.
(5)
يعني: على البدل من "الَّذِي" في قوله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا} [يس: 79].
(6)
قاله السجاوندي في عين المعانِي ورقة 111/ أ.
وقوله: {بِقَادِرٍ} قرأه العامة بالألِف، وقرأ يعقوب:"يَقْدِرُ"
(1)
على الفعل، وإنما دخلت الباء للتوكيد
(2)
، والمراد بعثهم كما كانوا أوَّلًا، ثم أجاب هذا الاستفهام بقوله:{بَلَى} يعني: هو قادرٌ على ذلك {وَهُوَ الْخَلَّاقُ} يخلق خلقًا بعد خَلقٍ {الْعَلِيمُ (81)} بجميع ما خَلَق.
ثم ذكر قدرته على إيجاد الشيء، فقال تعالى:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا} من البعث وغيره {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} ، وهو أمْرٌ وَرَدَ لبيان كمال القدرة، قرأ الكسائي وابن عامرٍ:"فَيَكُونَ" بالنصب
(3)
عطفًا على "يَقُولَ"، أو على جواب الأمر بالفاء
(4)
، وقرأ الباقون بالرفع على القطع والاستئناف على
(1)
قرأ يعقوب ورُوَيْسٌ وسلام وعاصم الجحدري وابن أبِي إسحاق والأعرج: "يَقْدِرُ"، وقرأ الباقون:"بِقادِرٍ"، ينظر: تفسير القرطبي 15/ 60، البحر المحيط 7/ 333، النشر 2/ 355، الإتحاف 2/ 405.
(2)
يعني الباء الزائدة في خبر "ليس" على قراءة "بقادِرٍ" بالباء.
(3)
ينظر: السبعة ص 544، إعراب القراءات السبع 2/ 241، تفسير القرطبي 15/ 60، النشر 2/ 356، الإتحاف 2/ 405.
(4)
لَمْ يُجِزْ سيبويه فِي مثل هذا إلا الرفعَ، فقال:"ومثله: {كُنْ فَيَكُونُ} كأنه قال: إنما أمْرُنا ذاك فيكونُ، وقد يَجوز النصبُ في الواجب في اضطرارِ الشعرِ". الكتاب 3/ 39.
وأما ما ذكره المؤلف من أن "فيَكُونَ"، على قراءة النصب، منصوب بالعطف على "يَقُولَ"، فهذا ما قاله اكثر النحويين، ينظر: معانِي القرآن للفراء 1/ 74، 75.
وأما تخريج نصب "فَيَكُونَ" على أنه جواب للأمر بـ "كُنْ" فقد أجازه الزَّجّاجُ والنَّحّاسُ، قال الزَّجّاجُ فِي آية سورة النحل:"والنصب على ضربين، أحدهما: أن يكون قوله: "فَيَكُونَ" عطفًا على "أنْ نَقُولَ. . فَيَكُونَ"، ويجوز أن يكون نصبًا على جواب "كُنْ". معانِي القرآن وإعرابه 4/ 198، وينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 408.
وهذا الوجه ضعَّفَهُ الفارسيُّ وغيرُهُ بأن "فَيَكُونَ" لا يجوز أن يكون جوابًا لـ "كُنْ"، ينظر: معانِي القرآن للأخفش ص 144 - 145، معانِي القراءات للأزهري 1/ 173، الإغفال للفارسي 1/ 372، 382: 391، كشف المشكلات 1/ 228، التبيان للعكبري ص 109.