الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن جابر رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا ينام حتى يقرأ: {الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة، و {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ، ويقول:"هما يَفْضُلانِ كُلَّ سُورةٍ في القرآن سبعين حسنةً، ومن قرأهما كُتِبَ له سبعون حسنة، ومُحِيَ عنه سبعون سيئة، ورُفِعَ له سبعون درجة"
(1)
.
باب ما جاء فيها من الإعراب
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز وجل: {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} يعني: القرآن {لَا رَيْبَ فِيهِ} ؛ أي: لا شَكَّ فيه أنه حَقٌّ نَزَلَ {مِنْ} عند {رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} وكل ريبٍ في القرآن فهو: الشك، إلّا في سورة الطور، وهو قوله:{رَيْبَ الْمَنُونِ}
(2)
، فإنه يريد به حوادث الزمان
(3)
.
وفي رفع {تَنْزِيلُ} ثلاثة أوجه، أحدها: على الابتداء، والخَبَرُ:{لَا رَيْبَ فِيهِ} ، والثانِي: على إضمار مبتدأ؛ أي: هذا المَتْلُوُّ تَنْزِيلُ، والثالث: بمعنى: هذه الحروف تَنْزِيلُ، و {الم} يدل على الحروف كلها كما يدل عليها: أ ب ت ث، ولو كان {تَنْزِيلُ} منصوبًا على المصدر لَجازَ، كما قرأ الكوفيون:
(1)
رواه الإمام أحمد في المسند 3/ 340، والدارمي في سننه 2/ 455 كتاب فضائل القرآن/ باب في فضل سورة "تَنْزِيلُ السَّجْدةِ" و"تبارك"، والطبرانِيُّ في المعجم الكبير 2/ 132، وأما قوله:"هما يفضلان كل سورة. . . إلخ" فهو حديث آخر رواه البخاري بسنده عن جابر في الأدب المفرد ص 258، والدارمي في سننه 2/ 455، وينظر: الكشف والبيان 7/ 325.
(2)
الطور 30.
(3)
ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز 4/ 357.
{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}
(1)
.
قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ؛ أي: بل يقولون: افتراه محمد من تلقاء نفسه، وقيل
(2)
: الميم: صلة؛ أي: أيقولون، وقيل
(3)
: هو بمعنى الواو، يعني: ويقولون، وقيل
(4)
: فيه إضمار، مجازه: فهل يؤمنون به أم يقولون افتراه؟ وهو استفهام توبيخ.
وقوله: {بَلْ هُوَ} ؛ أي: القرآن {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} يا محمد {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} يعني: العرب، وكانوا أُمّهً أُمِّيّةً، لم يَأْتِهِمْ نذيرٌ قبل محمد صلى الله عليه وسلم {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}؛ أي: لكي يُرشَدوا من الضلالة إلى الهدى.
قوله عز وجل: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} ؛ أي: ذلك الذي صَنَعَ ما ذُكِرَ من خَلْقِ السماوات والأرض، عالِمُ ما غاب عن الخلق، وعالِمُ ما حضر
(1)
يس 3 - 5، ومن أول قوله:"وفي رفع {تَنْزِيلُ} ثلاثة أوجه" قاله النَّحاس بنصه في إعراب القرآن 3/ 291، وفيه وجه آخر ذكره الزَّجّاج، فقال:"ويجوز أن يكون في المعنى خبرًا عن {الم}؛ أي: ألم من تَنْزِيل الكتاب". معاني القرآن وإعرابه 4/ 203، وعلى هذا الوجه يكون {لَا رَيْبَ فِيهِ} حالًا من الكتاب، والعامل فيه {تَنْزِيلُ} ، ينظر: مشكل إعراب القرآن 2/ 186، التبيان للعكبري ص 1047.
(2)
يعني أن "أَمْ" بمعنى: همزة الاستفهام، وهذا قول ابن الأنباري، قاله في إيضاح الوقف والابتداء ص 195، وينظر: تفسير القرطبي 8/ 344، وذهب أبو زيد إلى أن "أَمْ" في هذه الآية زائدة، ينظر قوله في الجنى الدانِي ص 206، 207.
(3)
قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 130، وينظر: جامع البيان 21/ 109، الفريد للهمداني 4/ 20، الجنى الدانِي ص 207، وقال الزَّجّاجي:"وقد تَجِيءُ فِي الشعر شاذة بِمَعْنَى الواو". حروف المعاني ص 48، 49.
(4)
هذا أحد ثلاثة أوجه قالها السجاوندي في عين المعاني ورقة 102/ أ.
{الْعَزِيزُ} الممتنع في ملكه {الرَّحِيمُ (6)} بأهل طاعته، و {ذَلِكَ}: ابتداء، و {عَالِمُ}: خبره، و {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}: نعته، ومن قرأ بالخفض
(1)
فهو شاذ، نعت لقوله:{مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، تقديره: من رب العالمين العزيز الرحيم، وهذا بعيد لِما بينَهما من الفصول والآيات والكلمات الكثيرة.
ثم وصف نفسه، فقال:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} ؛ أي: أتقنه وأحكمه، وقيل: حَسَّنَهُ، خلق السماء فزَيَّنَها بالكواكب، وخلق الأرض فزَيَّنَها بالنبات، وخلق ابن آدم فزَيَّنَهُ بالأدب، وقال السُّدِّيُّ: أَحْسَنَهُ
(2)
: لم يتعلمه من أحد، والإحسان: العِلْمُ، يقال: فلان يُحْسِنُ كذا: إذا عَلِمَهُ.
قرأ نافعٌ وأهل الكوفة: {خَلَقَهُ} بفتح اللام على الفعل، وهو صفة للنكرة التي هي {شَيْءٍ} ، وهو الاختيار، وقرأ الآخرون بسكون اللام
(3)
.
قال الأخفش
(4)
: هذا على البدل، مجازه: الذي أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ،
(1)
قرأ: {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} بالخفض: أبو زيد النحويُّ، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 118، البحر المحيط 7/ 194.
(2)
ينظر قوله في زاد المسير 6/ 334، وقال أبو هلال العسكري:"الفرق بين قولنا: يُحْسِنُ وبين قولنا: يَعْلَمُ، أن قولنا: فلانٌ يُحْسِنُ كذا بمعنى: يَعْلَمُهُ مجازًا، وأصله فيما يأتِي الفعلَ الحسنَ، ألا ترى أنه لا يجيء له مصدر إذا كان بمعنى العلم البتةَ؟ فقولنا: فلان يُحْسِنُ الكتابةَ معناه: أنه يأتِي بها حسنة من غير توقف واحتباس، ثم كَثُرَ ذلك حتى صار كأنه العلم وليس به". الفروق اللغوية ص 75.
(3)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب: {خَلَقَهُ} بسكون اللام، ينظر: السبعة ص 516، حجة القراءات ص 567، 568، القرطبي 14/ 90، النشر 2/ 347، الإتحاف 2/ 366.
(4)
ينظر قوله في الكشف والبيان 7/ 327، وهو بغير عزو في معاني القرآن وإعرابه 4/ 204، إعراب القرآن 3/ 292.
وقيل: هو على المصدر عند سيبويه
(1)
مثلَ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}
(2)
، ومحل "الَّذِي": رفع أو خفض على النعت أو البدل، ويحتمل أن يكون رفعًا على خبر ابتداءٍ محذوف تقديره: هو الذي، ويجوز أن يكون محله: نصبًا على المدح
(3)
.
قوله: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ} هو يعني: آدم عليه السلام {مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} هو يعني: ذريته {مِنْ سُلَالَةٍ} ؛ أي: من نطفة، سُمِّيت بذلك لأنها تَنْسَلُّ من الإنسان؛ أي: تخرج منه، ومنه قيل للولد: سلالة، وقيل: هي صفوة الماء، وقوله:{مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8)} ؛ أي: ضعيف حقير، يعني: النطفة، ومعنى السُّلالة فِي اللغة: ما يَنْسَلُّ من الشيء القليل، وكذلك الفُعالةُ نحو: الفُضالةِ والنُّخالةِ والنُّخامةِ والقُلَامةِ والقُوارةِ، وما أشبه ذلك، هذا قياسه، قاله العَزِيْزِيُّ
(4)
.
قوله: {ثُمَّ سَوَّاهُ} ؛ أي: سَوَّى خَلْقَهُ بعد أن لم يكن، {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} يعني: من أمره، {وَجَعَلَ لَكُمُ}؛ أي: وخلق لكم {السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} وإنما قال: {السَّمْعَ} ولم يقل: الأسماع؛ لأنه مصدر، والمصادر لا تُثنَّى ولا تجمع
(5)
.
قوله: {وَالْأَفْئِدَةَ} يعني: القلوب، والفؤاد والقلب اسمان بمعنًى
(1)
الكتاب 1/ 381، وهو عنده مصدر مؤكِّد.
(2)
النمل 88.
(3)
تنظر هذه الأوجه في الدُّر المصون 5/ 395.
(4)
تفسير غريب القرآن لأبِي بكر العَزِيزِيِّ السجستانِيِّ ص 124.
(5)
قاله النَّحاس في إعراب القرآن 3/ 292، 293.
واحد
(1)
، وهما بُضْعةٌ من الإنسان، فالفؤاد ظاهرها، والقلب باطنها، ألا ترى أن اللَّه تعالى نسب الرؤية إلى الفؤاد، فقال:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}
(2)
، وقال:{وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}
(3)
، فنسب العمى إلى القلب.
قوله: {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (9)} ؛ أي: شُكْرُكُم قليلٌ على هذه النعمة التي ذكرتها، ونصب {قَلِيلًا} بـ {تَشْكُرُونَ} ، وتكون "ما": زائدة، وقيل: نصبه على النعت لمصدر محذوف، تقديره: شكرًا قليلًا.
قوله تعالى: {وَقَالُوا} يعني: منكري البعث {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} ؛ أي: هلكنا وصِرْنا ترابًا، وأصله من قول العرب: ضَلَّ الماءُ فِي اللَّبَنِ: إذا ذَهَبَ، ويقال: ضَلَلْتُ المَيِّتَ: إذا دَفَنْتَهُ
(4)
، وقرأ ابن محيصِن:{ضَلَلْنَا} بكسر اللام، وهي لغة
(5)
، وقرأ الأعمش والحسن:{ضَلِلْنا} بالصاد وكسر اللام
(6)
؛ أي:
(1)
قال أبو هلال العسكري: "لم يفرق بينهما أهل اللغة، بل عَرَّفُوا كُلًّا منهما بالآخر، وقال بعض أصحابنا من أهل الحديث، الأفئدة توصف بالرقة، والقلوب باللين، لأن الفؤاد: غشاء القلب، إِذا رَقَّ نفذ القول فيه وخلص إلى ما وراءه، وإذا غلظ تعذر وصوله إلى داخله. وإذا صادف القلب شيئًا علق به إذا كان لينا". الفروق اللغوية ص 433، وينظر أيضًا: تاج العروس: فأد.
(2)
النجم 11.
(3)
الحج 46.
(4)
ينظر: تهذيب اللغة 11/ 465، تفسير القرطبي 14/ 91.
(5)
قال ابن السكيت: "يقال: ضَلَلْتَ يا فلان فأنت تَضِلُّ ضَلَالًا وضَلَالةً، قال اللَّه عز وجل: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} فهذه لغة أهل نجد وهي الفصيحة، وأهل العالية يقولون: ضَلِلْتُ أَضَلُّ". إصلاح المنطق ص 206، 207.
(6)
قرأ عَلِيُّ بن أَبِي طالب وابن عباس وابن محيصن ويحيى بن يعمر وطلحة وأبو رجاء وابن وثاب وأبو العالية والحسن وأبان بن سعيد بن العاص: {ضَلِلْنا} بكسر اللام، وقرأ =