المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله عز وجل: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} يعني: تسير فِي - البستان في إعراب مشكلات القرآن - جـ ٢

[ابن الأحنف اليمني]

فهرس الكتاب

- ‌سورة العنكبوت

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الرُّوم

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌ فَصلُّ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة لقمان

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فْصَلَ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورةُ السجدة

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الأحزاب

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة سبأ

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الملائكة عليهم السلام

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة يس

- ‌بابُ ما جاءَ فِيها مِنَ الفَضائِلِ فِي قِراءَتِها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ في معنى الآية

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الصافات

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة ص

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌قَصَصٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة الزمر

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة المؤمن

- ‌باب ما جاء في فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ فِي بعض صفات العَرْش وحمَلَته ومن حوله على الاختصار

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة السجدة

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصْلٌ

- ‌فصْلٌ فِي معنى قوله تعالى: {فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}

- ‌فصْلٌ

- ‌سورة {حم * عسق}

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌سورة الزخرف

- ‌باب ما جاء فِي فضل قراءتها

- ‌باب ما جاء فيها من الإعراب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

الفصل: قوله عز وجل: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} يعني: تسير فِي

قوله عز وجل: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} يعني: تسير فِي منازلها حتى تنتهي إلى آخر مسيرها الذي لا تجاوزه، ثم ترجع إلى أول منازلها، ورُوِيَ عن ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ أنهما كانا يقرآن:"والشَّمْسُ تَجْرِي لا مُسْتَقَرَّ لَها"

(1)

؛ أي: لا قَرارَ لَها، فهي جاريةٌ أبدًا {ذَلِكَ} الذي ذكر من أمر الليل والنهار والشمس والقمر {تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ} فِي ملكه {الْعَلِيمِ (38)} الذي فعل هذا لا يخفى عليه شيءٌ.

‌فصْلٌ

عن أبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِي حين غربت الشمس: "أتدري أين تذهب؟ " قلت: اللَّه ورسوله أعلم، قال: "فإنّها تذهب حتى تسجد تحت العرش، فتستأذن فَيُؤْذَنُ لها، ويُوشَكُ أن تَسْجُدَ فلا يُقْبَل منها، وتَسْتَأْذِنَ فلا يُؤْذَنُ لَها، ويُقالُ لَها: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِها، فذلك قوله عز وجل:{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}

(2)

. رواه البخاري بإسناده عن إبراهيم التَّيْمِيِّ

(3)

عن أبيه عن أبِي ذَرٍّ عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

(1)

وهي قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وعكرمة وعطاء بن أبِي رباح وأبي جعفر الباقر وجعفر بن محمد وعَلِيِّ ابن الحسين وابن أبِي عبدة، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 127، المحتسب 2/ 212، تفسير القرطبي 15/ 28، البحر المحيط 7/ 321.

(2)

البخاري 4/ 75 كتاب بدء الخلق: باب صفة الشمس والقمر، 6/ 29 كتاب تفسير القرآن: سورة يس.

(3)

هو إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، الإمام القدوة الفقيه، عابد الكوفة، حَدَّثَ عن أبيه والأعمش، كان شابًّا صالحًا قانتًا فقيهًا كبير القَدْرِ، رَوَى له الستة، توفي سنة (92 هـ)، وقيل:(94 هـ) في سجن الحجاج ولم يبلغ أربعين سنة، وقيل: قتله الحجاج. [تهذيب الكمال 2/ 232 - 233، سير أعلام النبلاء 5/ 60 - 62].

ص: 233

قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} يعني: بالليل أوَّلَ ما يَطْلُعُ كُلَّ ليلةٍ فِي منزلٍ، ويصعد فِي مَنْزِلٍ، حتى ينتهي إلى مستقره الذي لا يجاوزه، ثم يعود إلى أدْنَى منازله، فيكون كالعُرْجُونِ القديم.

قرأ نافعٌ وابن كثيرٍ وأبو عمرٍو وأيوب ويعقوب -غَيْرَ رُوَيْسٍ-: "والقَمَرُ" بالرفع

(1)

، واختاره أبو حاتمٍ، قال

(2)

: لأنّكَ شَغَلْتَ الفعلَ عنه، فرفعته بالابتداء، وقرأ الباقون بالنصب، واختاره أبو عُبيدٍ، قال

(3)

: للفعل المتقدم قبله والمتأخر بعده، فأما المتقدم فقوله:{نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} ، وأما المتأخر فقوله:{قَدَّرْنَاهُ} .

وقال طاهر بن أحمد

(4)

: الرَّفع محمولٌ على الشمس، والنصب محمولٌ على {تَجْرِي} أو على إضمار فعلٍ ليس له موضعٌ من الإعراب.

وقوله: {قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ؛ أي: قَدَّرْنا له منازلَ

(5)

، وهي ثمانيةٌ وعشرون مَنْزِلًا، يَنْزِلُ القمرُ كل ليلةٍ بمَنْزِلٍ، وأسماؤها: الشَّرَطانُ، والبُطَيْنُ، والثُّرَيّا، والدَّبَرانُ، والهَقْعةُ، والهَنْعةُ، والذِّراعُ، والنَّثْرةُ، والطَّرْفُ، والجَبْهةُ، والزُّبْرةُ، والصَّرْفةُ، والعَوّاءُ، والسِّماكُ، والغَفْرُ، والزُّبانَى، والإكْلِيلُ، والقَلْبُ، والشَّوْلةُ،

(1)

وهي أيضًا قراءة الحَسَنِ وَرَوْحٍ واليزيدي وابن محيصن، ينظر: السبعة ص 540، الكشف 2/ 216، تفسير القرطبي 15/ 29، البحر المحيط 7/ 322، الإتحاف 2/ 400.

(2)

ينظر قول أبِي حاتم في الكشف والبيان 8/ 128، تفسير القرطبي 15/ 29.

(3)

ينظر قول أبِي عبيد في إعراب القرآن للنحاس 3/ 394، الكشف والبيان 8/ 121، تفسير القرطبي 15/ 29.

(4)

شرح جمل الزجاجي 1/ 95.

(5)

هذا أحد قولين قالهما النحاس، ومعناه أن الهاء في "قدرناه" نصب على نزع الخافض، فيكون كقوله تعالى:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف: 155]. إعراب القرآن 3/ 394، وفيه أوجه أخرى تنظر في مشكل إعراب القرآن 2/ 226، الفريد 4/ 109، الدر المصون 5/ 486.

ص: 234

والنَّعائِمُ، والبَلَدّةُ، وسَعْدُ الذّابِحِ، وسَعْدُ بُلَعَ، وسَعْدُ السُّعُودِ، وسَعْدُ الأخْبِيةِ، وفَرْغُ الدَّلْوِ المُقَدَّمُ، وفَرْغُ الدَّلْوِ المُؤَخَّرُ، وبَطْنُ الحُوتِ، ويسمَّى الرِّشا

(1)

.

فإذا صار إلى آخر منازله {عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)} ، وهو العِذْقُ الذي فيه الشَّمارِيخُ

(2)

، إذا عَتُقَ ويَبِسَ واصْفَرَّ تَقَوَّسَ، فيصير منحنيًّا كهيئة القوس، فشُبِّهَ القمرُ فِي دِقَّتِهِ وصُفْرَتهِ به، ويقال له أيضًا: الإهانُ

(3)

.

قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} فتجري في سلطانه؛ أي: بضوئه {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} فيطلع في غير سلطانه، فهما يتعاقبان بحسابٍ معلومٍ، لا يجيء أحدهما قبل وقته، ودخلت "لا" لمعنى النفي، وَلَمْ تَنْصِبْ لأنّ الشمس معرفة وكذلك الليل، فهما رفعٌ على الابتداء.

قوله: {وَكُلٌّ} من الشمس والقمر والنجوم {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)} ؛ أي: يجرون ويسرعون كما تجري الشمس وتَسْبَحُ، والفَلَكُ: القُطْبُ الذي تدور به النجوم

(4)

، قال الحسن

(5)

: الفَلَكُ طاحونةٌ كهيئة فَلْكةِ المِغْزَلِ. يريد أن

(1)

تنظر هذه الأسماء في: أدب الكاتب ص 69، الكشف والبيان 8/ 128، عين المعاني ورقة 110/ أ.

(2)

حكاه النحاس عن قتادة في معاني القرآن 5/ 495، قال النحاس:"الذي قاله قتادة هو الذي حكاه أهل اللغة"، وينظر: معانِي القرآن وإعرابه 4/ 287، 288، والشماريخ: جمع شِمْراخٍ وشُمْرُوخٍ وهو غصن دقيق يكون في أعلى الغصن الغليظ، يكون عليه البُسْرُ، حكاه الأزهري عن الليث في تهذيب اللغة 7/ 646 - 647.

(3)

قاله أبو عبيدة والليث، ينظر: مجاز القرآن 2/ 161، وقول الليث في تهذيب اللغة للأزهري 6/ 446.

(4)

هذا قول أبي عبيدة وأبي عبيد، ينظر: مجاز القرآن 2/ 38، غريب الحديث لأبِي عبيد 4/ 97، وينظر أيضًا: تهذيب اللغة 10/ 256.

(5)

ينظر قوله في جامع البيان 17/ 32، التبيان في تفسير القرآن للطوسي 7/ 245.

ص: 235

الذي تجري فيه النجوم مستديرٌ كاستدارة الطاحونة، ويقال: الفَلَكُ: الطريق، وقال النضر بن شُمَيْلٍ

(1)

: الفَلَكُ من الأرض: ما استدار وأشْرَفَ على ما حوله، وقال الكلبي

(2)

: الفَلَكُ: استدارة السماء، وكل شيءٍ استدار فهو فَلَكٌ، والفَلَكُ فِي كلام العرب: كلُّ شيءٍ مستديرٌ، وهو مشتق من فَلْكةِ المِغْزَلِ، قاله الحسن، وجمعه أفْلاكٌ، ومنه فَلْكةٌ المِغْزَلِ، وتَفَلَّكَ ثَدْيُ الجاريةِ: إذا استدار.

قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ} ؛ أي: علامةٌ لأهل مكة على قدرتنا {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)} قرأ أهل الحجاز: "ذُرِّيّاتِهِمْ" بالألِف على الجمع، وقرأ أهل البصرة:"ذُرِّيَّتَهُمْ"

(3)

بغير ألِفٍ على التوحيد، وأراد بالذريّة هاهنا آباءهم وأجدادهم الذين هؤلاء من نسلهم

(4)

، والذريّة تقع على الآباء كما تقع على الأولاد، وعنى بالفُلك

(5)

سفينة نوحٍ عليه السلام، والمشحون: المملوء، {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)} يعني السفن التي عُمِلَتْ بعد سفينة نوحٍ مِثْلَها وعلى هيئتها وصورتها، ومحل {مَا} نصبٌ بوقوع "خَلَقْنا" عليه.

ثم ذكر أنه بفضله يحفظهم، ولو شاء أغرقهم، فلم يُغِثْهُمْ أحَدٌ، ولَمْ ينقذهم من الغرق، وذلك قوله تعالى:{وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ} يعني: في البحر، {فَلَا صَرِيخَ

(1)

قال النضر بن شميل: "الفلكة: أصاغر الإكام، وإنما فلكها اجتماع رأسها كأنها فلكة مغزل لا تنبت شيئًا". ينظر: تهذيب اللغة 10/ 255.

(2)

ينظر قوله في تهذيب اللغة للأزهري 10/ 254.

(3)

ينظر: السبعة ص 540 - 451، البحر المحيط 7/ 323، النشر 2/ 273، الإتحاف 2/ 401.

(4)

قاله الفراء والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء 2/ 379، معانِي القرآن للنحاس 5/ 498، إعراب القرآن للنحاس 3/ 396.

(5)

في الأصل: "وعنى بالأولاد"، وهو سهو من الناسخ فيما يبدو.

ص: 236

لَهُمْ}؛ أي: لا مُغِيثَ لهم من عذابنا، والصريخ هاهنا بمعنى المُصْرِخِ، وأصل الصُّراخِ: الاستغاثة {وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)} يُنْجُونَ مما يُرادُ بهم من الغرق، يقال: أنقذه واستنقذه: إذا خَلُّصَهُ من مكروهٍ، قال ابن عبّاسٍ: ولا أحد ينقذهم من عذابِي {إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا} يعني: إلا نِعْمةً مِنّا عليهم، فهي التي تنجيهم {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}؛ أي: يعيشون بآجالهم فِي الدنيا إلى حين الموت، وذلك أن الكافر مَتَّعَهُ اللَّه في الدنيا، وَرَزَقَهُ فيها، فإذا ركب السفينة سَلَّمَهُ حتى يموت بأجله، ونصب {رَحْمَةً} على حذف حرف الجر أي: إلا برحمةٍ أو لرحمةٍ

(1)

، وقال الكسائي

(2)

: هو نصبٌ على الاستثناء، وقال الزجّاج

(3)

: هو مفعولٌ من أجله، {وَمَتَاعًا} مثله معطوف عليه.

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} يعني: لِهؤلاء الكفار {اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} يريد: من أمر الآخرة، واعملوا لها {وَمَا خَلْفَكُمْ} من أمر الدنيا، فاحذروها ولا تَغْتَرُّوا بها وما فيها من زهرتها وزُخْرُفِها {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)} لكي تكونوا على رجاء الرحمة من اللَّه، وجواب "إذا" محذوفٌ، تقديره: وإذا قيل لهم هذا أعْرَضُوا

(4)

، دليله ما بعده، وهو قوله:{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} ؛ أي: من عِبْرةٍ ودلالةٍ تدل على قدرتنا وصِدْقِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)} .

(1)

هذا قول مكي بن أبِي طالب، قاله في مشكل إعراب القرآن 2/ 228.

(2)

ينظر قوله في إعراب القرآن للنحاس 3/ 397، مشكل إعراب القرآن 2/ 228، تفسير القرطبي 15/ 35.

(3)

معانِي القرآن وإعرابه 4/ 289.

(4)

قاله الفراء والنحاس، ينظر: معانِي القرآن للفراء 2/ 379، معانِي القرآن للنحاس 5/ 500، وينظر أيضًا: عين المعانِي ورقة 110/ ب.

ص: 237

قوله تعالى: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ} وهي نفخة إسرافيل الأولى، يعني أن القيامة تأتيهم بغتةً، فتأخذهم الصَّيحة {وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)}؛ أي: يختصمون في البيع والشراء، ويتكلمون في الأسواق والمَجالِسِ، ويُخاصِمُ بعضُهُمْ بعضًا.

واختلف القُرّاءُ فيها، فقرأ ابن كثيرٍ ووَرْشٌ وأبو عُبيدٍ وأبو حاتمٍ بفتح الخاء وتشديد الصاد، ومِثْلَهُ رَوَى هشامٌ عن أهل الشام، لَمّا أدغموا نقلوا حركة التاء إلى الخاء، وقرأ حفصٌ وأيوبُ وورشٌ عن نافعٍ

(1)

مكسورةَ الخاء مشددّة الصاد، وقرأ أبو عمرٍو بالإخفاء، غير أن أبا عمرٍو وهشامًا يُشِمّانِ الخاءَ شيئًا من الفتح، وقرأ حمزةُ الخاءَ مخففةً والصادَ مكسورةً، أي: يغلب بعضهم بعضًا بالخصام، وهي قراءة أُبَيِّ بنِ كعب

(2)

، وقرأ الباقون بكسر الخاء وتشديد الصاد

(3)

إلا أن أبا بكرٍ يكسر الياء

(4)

.

وأجود القراءة فتح الخاء مع تشديد الصاد؛ لأنّ الأصل: يختصمون، فَأُلْقِيَتْ حركة الحرف المدغم، وهو التاء، على الساكن الذي قبله، وهو

(1)

الصواب: "قالون عن نافع"، لا ورش عن نافع كما ذكر المؤلف.

(2)

قراءة أُبَيِّ بن كعب هي: "يَخْتَصِمُونَ" بالتاء كما في مختصر ابن خالويه ص 127، والبحر المحيط 7/ 325.

(3)

قرأ: "يَخِصِّمُونَ" حفصٌ عن عاصمٍ، والكسائيُّ وابنُ عامر وابنُ ذكوان، وهشامٌ في رواية عنه، وخلفٌ عن يحيى بن آدم عن أبِي بكر بن عياش، ورُوِيَ من طريق آخر عن أبِي بكر عن عاصم أنه قرأ:"يِخِصِّمُونَ" بكسر الياء والخاء، ينظر: السبعة ص 541، تفسير القرطبي 15/ 38، النشر 2/ 354، الإتحاف 2/ 402.

(4)

ينظر في هذه القراءات: السبعة ص 451، الكشف 2/ 217، تفسير القرطبي 15/ 38، البحر المحيط 7/ 325، النشر 2/ 354، الإتحاف 2/ 402.

ص: 238

الخاء

(1)

، ومن قرأ بكسر الخاء حَرَّكَهُ بالكسر لالتقاء الساكنين، وعلى قراءة أهل المدينة جَمْعٌ بين ساكنين، قال الزجّاج

(2)

: وهو أشد الوجوه وأرْدَؤُها.

ومعنى الآية أن الكفار الذين تقوم عليهم الساعة تأخذهم الصيحة وهم يَخِصِّمُونَ، والقوم إذا كانوا على أمرٍ واحدٍ كان الخبر عن بعضهم كالخبر عن جميعهم

(3)

.

ثم أخبر أن الساعة إذا أخذتهم بغتةً لَمْ يقدروا على الإيصاء بشيءٍ، وذلك قوله:{فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} ؛ أي: فلا يقدرون على أن يُوَصِّيَ بعضُهم بعضًا، {وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)} يعني: من الأسواق إلى منازلهم، وهذا إخبارٌ عمّا يَلْقَوْنَ فِي النفخة الأولى.

ثم أخبر عمّا يلقون في النفخة الثانية بعد الموت إذا بُعِثُوا، فقال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} وهو كهيئة القرن من الثور، ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام، وهي النفخة الأخيرة نفخة البعث، وبين النفخة الأولى والأخيرة أربعون سنةً، فإذا نفخ في الأولى مات فيها كل شيءٍ مما خلَقَ اللَّه تعالى، ويموت إبليس فيمن يموت، ثم تمطر السماء أربعين يومًا كَمَنِيِّ الرِّجالِ، فينبتون به فِي

(1)

وهذه القراءة هي التي اختارها الزجاج، فقال:"والقراءة الجيدة "يَخَصِّمُونَ" بفتح الخاء، والأصل: يختصمون، فطرحت التاء على الخاء وأدغمت في الصاد". معانِي القرآن وإعرابه 4/ 290، أما الفراء فإنه يرى أن قراءة "يَخِصِّمُونَ" بكسر الخاء أجود وأكثر، قال النحاس رَدًّا عليه:"وكيف يكون أكثر؟ وبالفتح قراءة أهل مكة وأهل البصرة وأهل المدينة". إعراب القرآن 3/ 398، وينظر: الحجة للفارسي 3/ 308.

(2)

معانِي القرآن وإعرابه 4/ 289.

(3)

قاله الواحدي في الوسيط 3/ 515 - 516.

ص: 239

قبورهم كما ينبتون في بطون أمهاتهم، ثم تكون النفخة الآخرة

(1)

{فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ} يعني القبور، واحدها: جَدَثٌ، ويقال: جَدَفٌ بالفاء، وهي لغة هذيل ولغة بعض بني تميم

(2)

.

وقوله: {إِلَى رَبِّهِمْ} ؛ أي: إلى داعي ربهم {يَنْسِلُونَ (51)} يعني: يخرجون سِراعًا، وهذا يصلح ابتداءً وصِفةً، ومنه قيل للولد: نَسْلٌ؛ لأنه يخرج من بطنِ أُمِّه، والنَّسَلانُ والعَسَلانُ: الإسراع في السير، يقال: نَسَلَ فِي العَدْوِ ينَسْلِ نُسَلانًا: إذا أسرع

(3)

، وهو يُقْرَأُ بكسر السين وضمها

(4)

.

قوله تعالى: {قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} قال المفسرون

(5)

: إنما يقولون هذا لأن اللَّه تعالى رفع عنهم العذاب فيما بين النفختين فيرقدون، فلما بُعِثُوا، وعاينوا القيامة دَعَوْا بالويل، فقالت الملائكة:{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} على ألسنة الرسل أنه يبعثكم بعد الموت {وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)} فِي وَعْدِ البَعْثِ، وقال قتادة

(6)

: أول الآية للكافرين، وآخرها للمسلمين، يقول

(1)

رواه ابن الجوزي في زاد المسير 5/ 396، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 10/ 329 كتاب البعث: باب أمارات الساعة، وينظر: الدر المنثور 5/ 245، 6/ 257.

(2)

قال أبو عبيدة: "الأجداث: واحدها جَدَثٌ، هي لغة أهل العالية، وأهل نجد يقولون: جَدَفٌ". مجاز القرآن 2/ 163، وينظر: جامع البيان 23/ 19، وقد قرأ بعضهم:"مِنَ الأجْدافِ" بالفاء، ينظر: الكشاف 3/ 325، تفسير القرطبي 15/ 40.

(3)

قاله الجوهري في الصحاح 5/ 1830.

(4)

قرأ أبو عمرو في روايةٍ عنه وابنُ أبِي إسحاق: "يَنْسُلُونَ" بضم السين، وقرأ الباقون بكسرها، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 126، البحر المحيط 7/ 325.

(5)

هذا قول أُبَيّ وابن عباس وقتادة، ينظر: جامع البيان 22/ 20، 21، معانِي القرآن للنحاس 5/ 505، إعراب القرآن 3/ 400، الكشف والبيان 8/ 130.

(6)

ينظر قوله في الوسيط 3/ 516.

ص: 240

الكافر: {يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ، ويقول المسلم:{هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)} ، ومحلُّ {هَذَا} خفضٌ؛ لأنه نعت لقوله:{مِنْ مَرْقَدِنَا} أو بدله

(1)

، وإن شئت قلت: محلُّه رفعٌ بالابتداء وخبره {مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} ، وذلك إذا وقفت على {مَرْقَدِنَا}

(2)

.

قوله: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ} ابتداءٌ {جَمِيعٌ} تأكيد {لَدَيْنَا} نصبٌ على الظرف {مُحْضَرُونَ (53)} خبرُه.

قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ} يعني يوم القيامة {لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} نصبٌ على خبر ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ

(3)

{وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)} يعني: فِي الدنيا من خيرٍ وشرٍّ، ومحلُّ {مَا} نصبٌ من وجهين، أحدهما: أنه مفعول ما لَمْ يُسَمَّ فاعلُهُ، والثانِي: بِنَزْعِ حرف الصفة؛ أي: بما كنتم تعملون.

قوله: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ} يعني يوم القيامة {فِي شُغُلٍ} عَمّا أهْلُ النّارِ فيه {فَاكِهُونَ (55)} قرأ ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرٍو وشيبة بجزم الغين،

(1)

في الأصل: "ومحل "هذا" خفض لأنه نعته ترجمة "من مرقدنا" أو بدله أو نعته"، وقد رأيت تعديل النص على النحو المثبت.

وإذا كان "هذا" نعتًا أو بدلًا فإن وقف التمام يكون على "هَذا"، وتبتدئ:"ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ"، وهذه قراءةُ غَيْرِ حَفْصٍ، وعلى هذا يكون "ما" في محل رفع إما على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: هذا ما وعد الرحمن، وإما على أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره: ما وَعَدَ الرحمنُ حَقٌّ، وإما على أنه فاعل بفعل مضمر تقديره: بَعَثَكُمْ ما وَعَدَ الرَّحْمَنُ، ينظر: معاني القرآن وإعرابه 4/ 291، إيضاح الوقف والابتداء ص 451، 452، 854، إعراب القرآن 3/ 400 - 401، مشكل إعراب القرآن 2/ 230، الفريد للهمداني 4/ 113، تفسير القرطبي 15/ 42.

(2)

ينظر: إيضاح الوقف والابتداء ص 451، 452، 853، 854، إعراب القرآن 3/ 400، تفسير القرطبي 15/ 42.

(3)

يعني أنه مفعول ثانٍ للفعل "تُظْلَمُ" المَبْنِيِّ للمفعول.

ص: 241

واختاره أبو حاتمٍ

(1)

، وقرأ الباقون بضم الغين

(2)

، واختاره أبو عُبيدٍ

(3)

، وهما لغتان مثل السُّحْتِ والسُّحُتِ ونحوهما، و"فاكِهُونَ" قرأه العامة بالألِف، وقرأ أبو جعفرٍ:"فَكِهُونَ" و"فَكِهِينَ"

(4)

حيث كانا بغير ألِفٍ، وهما لغتان كالحاذِرِ والحَذرِ والفارِهِ والفَرِهِ، ورُوِيَ عن طَلْحةَ بن مُصَرِّفٍ أنه قرأ:"فاكِهِينَ" بالنَّصب على الحال

(5)

.

واختلفوا في معناه، فقيل: فَرِحُونَ، وقيل: معجبون، وقيل: ناعمون، تقول العرب للرَّجُلِ إذا كان يَتَفَكَّهُ بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس: إن فلانًا لَفَكِهٌ بكذا

(6)

، والفَكِهُ أيضًا: الطَّيِّبُ النَّفْسِ الضَّحُوكُ، يقال: رَجلٌ فَكِهٌ وفاكِهٌ

(7)

، ولَمْ يُسْمَعْ لِهَذا فِعْل فِي الثلاثي.

(1)

ينظر اختياره في إعراب القرآن 3/ 401، الكشف والبيان 8/ 131.

(2)

ينظر: السبعة ص 541، 542، النشر 2/ 216، الإتحاف 2/ 402.

(3)

ينظر اختياره في الكشف والبيان 8/ 131.

(4)

قرأ نافع في روايةٍ عنه، وأبو جعفر وقتادةُ وأبو حيوة ومجاهدٌ وشيبةُ وأبو رجاء والحسنُ والأعرجُ:"فَكِهُونَ"، وقرأ طلحة بن مصرف والأعمش:"فاكِهِينَ"، ينظر: مختصر ابن خالويه ص 127، تفسير القرطبي 15/ 44، النشر 2/ 354، البحر المحيط 7/ 327، الإتحاف 2/ 402.

(5)

وعلى هذه القراءة يكون خبر "إنّ" قولَه: "فِي شُغُلٍ". ينظر: إعراب القرآن للنحاس 3/ 401، إعراب القراءات الشواذ للعكبري 2/ 367.

(6)

من أول قوله: "تقول العرب للرجل إذا كان يتفكه" قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن 2/ 163، وينظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 366، غريب القرآن للسجستانِي ص 129، معانِي القرآن للنحاس 5/ 507، تهذيب اللغة 6/ 26.

(7)

قاله أبو عبيد وأبو زيد، ينظر قولهما في معاني القرآن للنحاس 5/ 507، تهذيب اللغة 6/ 26، 27، الوسيط 3/ 516.

ص: 242