الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - بَابُ الإِيمَانِ بالبَعْثِ بَعْدَ الموتِ والحِسَابِ والجَنةِ والنارِ
قال الله عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)} [التغابن] وقال: {قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} [الجاثية: 26] وقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115)} [المؤمنون].
وغير ذلك من الآياتِ التي ورَدَت في الأخبار عن البَعْث، والمصيرِ إلى دارِ القَرار، والآيات التي ورَدَت في الحساب، والمِيزان، والجنةِ، والنار، وذِكرُ جَميعَها في هذا الموضع مِمَّا يَطُولُ به الكتابُ.
(2)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظُ، أخبرنا أبو بكر بنُ إسحاقَ الفَقِيهُ (1)، أخبرنا إسماعيلُ بن إسحاق القَاضِي، حدثنا سُليمان بن حَرْب، حدثنا حَماد بن زَيد، عن مَطَر الوَرَّاق، عن عبد الله بن بُرَيْدةَ، عن يَحيى بن يَعْمَر، عن ابن عمرَ، عن عمرَ بنِ الخَطَّاب، فذكر حديثَ الإيمان بطوله وفيه قال - يعني السائل -:«يا رسول الله، ما الإيمانُ؟ قال: أن تُؤمنَ بالله، ومَلَائِكَتِه، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ، وبالمَوتِ، وبالبَعْثِ من بَعْدِ المَوتِ، والحِسَابِ، والجَنَّةِ، والنَّارِ، والقَدَرِ كُلِّهِ، قال: صَدَقْتَ» (2).
ورواه سُليمان التَّيْمِيُّ عن يحيى بن يَعْمَر فقال في الحديث: «قال: يا محمد، ما الإيمانُ؟ قال: الإيمانُ: أن تؤمنَ بالله، ومَلائِكَتِه، وكُتُبِهِ، ورُسُلِهِ،
(1) هو أحمد بن إسحاق بن أيوب بن يزيد النيسابوري المعروف بالصِّبْغي.
(2)
أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (124)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (366)، والمصنف في «شعب الإيمان» (253) وهنا في «البعث والنشور» (724)، وغيرهم من طريق مطر الوراق، به بنحوه.
وتُؤْمِنَ بِالجَنَّة، والنَّار، والمِيزانِ، وتُؤمنَ بالبَعْثِ بَعدَ المَوْتِ، وتؤمنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ، قال: فإذا فَعَلْتُ هذا فَأَنا مُؤْمِنٌ؟ قال: نَعَم، قال: صَدَقتَ».
(3)
أخبرناه أبو الحسن عليُّ بنُ محمدِ بنِ عليِّ بنِ السَّقَّاء، حدثنا أبو العبَّاس محمدُ بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الله بن المُنَادِي، حدثنا يُونُس بن محمد، حدثنا المُعْتَمِر بن سُليمان، عن أبيه (1)، عَن يَحيَى بن يَعْمَر، عن ابنِ عُمَرَ، عن عُمَرَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره.
أخرجه مسلم في الصحيح (2) من حديث يونس بن محمد، وأخرج ما قبله من حديث حماد بن زيد، إلا أنه ذكر إسنادهما، وأحال بالمتن على حديث كهمس، وفي روايتهما من الزيادة المحفوظة ما ذكرناه.
(4)
أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عَبْدان، حدثنا سُليمان بنُ أحمد الَّلخْمِيُّ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حَنْبَل، حدثني أبي (3)، حدثنا أبو أحمد الزُّبَيْرِي، حدثنا سُفيان، عن أبي الزِّنَاد، عن الأَعْرَج، عن أبي هُرَيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
رواه البُخَاري في الصحيح (4)، عن عبد الله ابن أَبي شَيْبَةَ،
(1) قوله: «عن أبيه» سقط من «ث» ، وأثبته من «ب» .
(2)
صحيح مسلم (8).
(3)
أخرجه أحمد (9114).
(4)
صحيح البخاري (3193).
عن أَبي أحمد، وأخرجه (1) من حديث شُعَيب، عن أبي الزِّنَاد، وفيه من الزيادة:«وليس أَوَّلُ خَلْقِهِ بَأهْوَنَ عَليَّ مِن إِعَادَتِهِ» .
(5)
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظُ، أخبرنا أبو بكر بنُ إسحاقَ، أخبرنا الحسنُ بنُ علي بن زِيَاد، حدثنا إسحاقُ بن محمد الفَرْوِيُّ، حدثنا مَالكٌ، عن أبي الزِّناد، فذكره بإسناده وزيادته، وزاد أيضًا «وأَمَّا شَتْمُه إِيَّاي قَولُه: اتَّخَذَ اللهُ ولدًا، وأنا اللهُ الأَحدُ الصَّمَدُ، الذي لمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَد» (2).
(6)
أخبرنا أحمدُ بن الحَسَنِ القَاضِي، أخبرنا أبو جعفر محمدُ بن علي بن دُحَيْم، حدثنا أحمد بن حازم بن أبي غَرَزَةَ، أخبرنا يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، وعُبيدُ الله بن موسى، وأبو نُعَيْم، عن سفيان، عن منصور، عن رِبْعِيِّ بن حِراش، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(7)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظُ (4)، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العَنْبَريُّ، حدثنا محمد بنُ عبد السلام، حدثنا إسحاقُ بن إبراهيم، أخبرنا وَكِيعٌ، حدثنا سُفيان، عن مَيْسَرَة النَّهْدِي، عن المِنْهَال بن عمرو، عن سعيد
(1) صحيح البخاري (4974).
(2)
أخرجه ابن مردويه في تفسيره كما في تفسير ابن كثير (1/ 397)، وعبد الغني المقدسي في «التوحيد» (4)، من طريق إسحاق الفروي، به بنحوه.
(3)
أخرجه البغوي في «شرح السنة» (1/ 122)، من طريق شيخ المصنف، به بنحوه، وتحرف اسم شيخ المصنف عنده إلى أحمد بن الحسين، والصواب ما أثبتناه من النسخ، وينظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء» (17/ 356). وأخرجه عبد بن حميد (75 - منتخب) عن أبي نعيم، به بنحوه.
(4)
«المستدرك» (3113).
ابن جُبَير، عن ابن عباس في قوله عز وجل:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243] قال: «كانوا أربعةَ آلاف خرجوا فِرارًا من الطَّاعون، وقالوا نأتي أرضًا ليس بها مَوتٌ، فقال لهم تبارك وتعالى: موتوا، فماتوا، فَمَرَّ بهم نبيٌّ فسأل اللهَ أن يُحيِيَهُم، فَأحياهم، وهم الذين قال الله عز وجل: {وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ}» .
(8)
وأخبرنا أبو عبد الله الحافظُ (1)، أخبرنا أبو عبد الله محمدُ بن عبد الله الصَّفَّار، حدثنا أحمد بن مِهران، حدثنا عُبَيد الله بن موسى، أخبرنا إسرائِيلُ، عن أبي إسحاق، عن نَاجِيةَ بنِ كَعْبٍ، عن عَليٍّ (2) قال:«خَرَج عُزَير نَبِيُّ اللهِ من مدينته، وهو رَجُلٌ شَابٌّ فَمَر على قريةٍ وهي خاوية على عُرُوشِها، قال أَنَّى يُحْيِي هذه اللهُ بعد موتها، فَأماتَهُ اللهُ مائةَ عام ثُم بعثه، فأول ما خُلِقَ عَيْنَاهُ (3) فجعل ينظر إلى عِظامه يَنْظِمُ بعضها إلى بعض، ثم كُسِيَت لَحمًا ونُفِخَ فيه الروح، فقيل له: كم لَبِثْتَ؟ قال: لبثتُ يومًا أو بعض يوم. قال: بل لبثتَ مائة عام، قال: فأتي المدينةَ وقد تَرك جارًا له إسكافًا شابًّا، فجاء وهو شيخٌ كبير» .
(9)
أخبرنا أبو نَصْر ابنُ قتادةَ، أخبرنا أبو منصور النَّضْرَويُّ، حدثنا أحمد بن نَجْدَةَ، حدثنا سعيد بن منصور (4)، حدثنا حَزْمٌ قال: سمعتُ الحَسَنَ يقول في هذه الآية: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة: 259] قال:
(1)«المستدرك» (3117)، وسقط شيخ الحاكم هناك.
(2)
قوله «عن علي» سقط من «ث» ، و «ب» ، وأثبته من «ش» ، ومصادر التخريج.
(3)
في «ش» (عينيه) والمثبت من «ث» ، و «ب» و «المستدرك» (2/ 310).
(4)
سعيد بن منصور في «التفسير-من سننه-» (434).
(10)
أخبرنا أبو نَصْرِ ابنُ قَتادةَ، أخبرنا أبو منصور العَباسُ بن الفَضل، حدثنا أحمدُ بن نَجْدَةَ، حدثنا سَعيدُ بن منصور (1)، حدثنا عبدُ الرحمن بن زِياد، عن شُعبةَ، عن أبي جَمْرَةَ، قال: سمعتُ ابنَ عَباسٍ يقولُ في قوله: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] قال: «قَطِّع أجنحَتَها أربعًا، رُبْعًا ها هُنا، ورُبْعًا ها هنا، ورُبعًا ها هنا، ورُبعًا ها هنا، ثم ادْعُهُن يأتِينَك سَعيًا، قال: هذا مَثَلٌ، كذلك يُحِيي اللهُ المَوتَى مِثْل هذا» .
(11)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظُ، وأبو سعيد ابنُ أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمدُ بنُ يعقوب، حدثنا إبراهيم بن مرزوق، حدثنا رَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، عن عَوْفٍ، عن الحَسَنِ في قوله:{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260] قال: «إن كان إبراهيمُ لَمُوقِنًا بأنَّ اللهَ يُحيي الموتى، ولكن لا يكون الخَبَر عند ابن (2) آدم كَالعَيَان، وأَنَّ الله عز وجل أَمَرَهُ أن يَأخُذَ أَربَعةً من الطير فَيَذْبَحهُن ويَنْتِفْهُن، ثم قطعهن أعضاءً أعضاءً، ثُم خلط بينهن جميعًا، ثم جَزَّأَها أربعة أجزاء، ثم جَعَل على كل جَبل منهن جزءًا، ثم تَنَحَّى عنهن، قال:
(1) سعيد بن منصور في «التفسير- من سننه-» (443).
(2)
قوله: (ابن)، في «ب» (بني)، والمثبت من «ث» ، و «ش» .
فجعل يَعْدُو كلُّ عضوٍ إلى صاحبه، حتى استوين كما كُنَّ قَبل أن يذبحهن، ثم أَتَيْنَه سَعيًا» (1).
(12)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد ابن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، حدثنا حَفصُ بن غِيَاثٍ، عن شِبْلٍ المَكِّي، عن ابن أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهد:{فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] قال: «الغُراب، والدِّيك، والحَمَامة، والطَّاوس» (2).
(13)
وأخبرنا أبو عبد الله، وأبو سعيد قالا: حدثنا أبو العباس، حدثنا أحمد بن الفضل الصَّائِغ، حدثنا آدمُ، حدثنا وَرْقَاءُ، عن ابن أبي نَجِيحٍ، عن مُجَاهِد في قوله:{فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة: 260] قال: «يقول: انْتِف رِيشَهُن ولحُومَهُن ومَزِّقهُن تَمزيقًا» (3).
(14)
قال: وحدثنا آدَمُ، حدثنا أبو شَيْبَةَ، عن عَطَاءٍ، قال:«يقول: شَقِّقْهُن، ثُم اخْلِطْهُنَّ» (4).
(15)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظُ (5)، أخبرنا إسماعيلُ بن محمد بن الفضل بن محمد الشَّعْرانيُّ، حدثنا جَدِّي، حدثنا عمرو بن عَوْن، حدثنا هُشَيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: جاء العَاصي ابنُ وائِلٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِعَظْمٍ حَائِلٍ فَفَتَّه، فقال: يا محمد، أيبعثُ اللهُ هذا
(1) أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (6/ 232)، من طريق البيهقي، به.
(2)
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (6/ 230)، من طريق البيهقي، به.
(3)
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (6/ 231)، من طريق البيهقي، به.
(4)
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (6/ 231)، من طريق البيهقي، به.
(5)
أخرجه الحاكم في المستدرك (3606).
بعد ما أرى؟ قال:
(16)
وأخبرنا أبو نصر ابنُ قتادةَ، أخبرنا أبو منصور النَّضرويُّ، حدثنا أحمد بنُ نَجْدَةَ، حدثنا سعيدُ بن منصور، حدثنا خالدٌ، عن حُصَين، عن أبي مالك قال: جاء أُبَيُّ بنُ خَلَف بِعَظْمٍ نَخِر، فَجَعَل يَفُتُّه بين يَدي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: من يحيي العِظَامَ وهي رَمِيم، فأنزل الله عز وجل {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ} إلى قوله:{وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} [يس](1).
(17)
أخبرنا أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ محمد بنِ إبراهيمَ الإِمامُ، أخبرنا عبدُ الخَالِق بْنُ الحَسن بن محمد، حدثنا عبدُ الله بن ثَابت، أخبرنا أَبِي، عن الهُذَيْل، عن مُقَاتِل بن سليمان (2)، قال: «انْطَلَق أُبَيُّ بنُ خَلَف، فأخذَ عَظْمًا حَائلًا نَخِرًا فقال: يا محمدُ، أَتَعِدُنَا بَعد إذ بَلَتْ عِظَامُنَا وكُنَّا تُرابًا أَنَّ اللهَ يبعثنا خلقًا جديدًا، ثم جَعل يَفُتُّ العَظمَ ثُم يُذْرِيه في الرِّيح، ويقول: يا محمدُ، من يُحيي هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
يُحيي اللهُ هذا، ويُميتُك، ثم يَبعثُك، ثم يُدخلُك نَارَ جَهنمَ، فأنزل الله عز وجل في أُبَيِّ بنِ خَلَف يَعِظُه لِيَعْتَبر فقال:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ} يعني:
(1) أخرجه الحارث في مسنده (719 - بغية)، من طريق حصين هو ابن عبد الرحمن السلمي، عن أبي مالك غزوان الغفاري، به.
(2)
تفسير مقاتل (3/ 586)، والهذيل هو ابن حبيب الدنداني، رواي التفسير عن مقاتل، والراوي عنه، هو ثابت بن يعقوب التَّوَّزِي.
أَوَلَمْ يَعلم الإنسانُ، يَعني: أُبَي بن خَلف {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس: 77] يعني: بَيِّن الخُصومة فيما يُخاصِم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال:{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} [يس: 78] يقول: ووصف لنا شَبَهًا في أمرِ العَظْمِ، ونَسِيَ خَلْقَهُ وتَرَكَ النَّظَرَ في بَدءِ خَلق نَفْسِهِ فلم يَتَفَكَّر في خَلْق نَفْسِه فَيَعتبر؛ إذْ خُلِقَ من نُطفة، ولم يَكُ قَبْلَ ذلك شيئًا {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)} [يس] يعني: بَالية، قُلْ يا مُحمدُ لأُبَي بنِ خَلف: يُحْيِيها يَومَ القِيامَة الذي «أَنْشَأَهَا» يعني: الذي خَلقها «أولَ مَرَّة» في الدنيا ولم تَكُ شَيئًا «وهو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم» يقول: عليمٌ بِخَلْقِهم أولَ ما خَلَقَهُم في الدنيا، وعليمٌ بِخَلقهم إذا بَعَثَهُم في الآخرة أحياءً بعد الموتِ خَلقًا جَديدًا، ثم أَخبَرَ عَن صُنعه ليعتبروا في البَعث، فقال: قل يا محمد: يُحييها -يعني العظام- {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)} [يس] وأنتم تُبصرون أنَّ النَّارَ تَأكلُ الحَطَبَ فهو قادرٌ على البعث، ثم ذكر ما هو أعظم خَلقًا من الإنسان، ليكون ذلك لهم عبرة فقال:{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [يس: 81] يقول: أما الذي خلق السماوات والأرض-لأنهم يُقِرُّون أنَّ اللهَ خلق السماوات والأرض، فهذا أعظم خلقًا من الإنسان- {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81] على أن يَخلُقَ في الآخرة مِثْلَهُم، يقول: مِثل خَلقِهِم في الدنيا، ثم قال لنفسه: بَلى هو قادرٌ على ذلك
{وَهُوَ الْخَلَّاقُ} [يس: 81]، يَخْلُقُهم في الآخرةِ خَلقًا جَديدًا {الْعَلِيمُ} بِبَعْثِهِم، ثم قال:{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا} [يس: 82] يعني: من البعث وغيره {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} [يس] ثم عَظَّمَ نَفْسَهُ ونَزَّهَ نَفْسَهُ عن قولهم: أنه لا يقدر على البعث فقال: {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} يعني: خَلْق كُلِّ شَيء
مِنَ البعث وغيره {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} [يس] يقول: وإلى اللهِ تُرَدُّونَ بَعد المَوتِ أحياء لتكذيبهم بالبعث؛ فَيَجْزِيَكُم بأعمالكم».
(18)
وبإسناده عن مُقَاتِل في قوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} «يعني: كُفَّار مكة {إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} يعني: في شَكٍّ {مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} ولم تكونوا شَيئًا {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} مِثْل الدَّم {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} يعني: من المُضغة ما هي مُخَلَّقة، ومنها ما ليست هي مُخلقة وهو: السّقط من بطن أمه مُصَورًا وغير مُصَور {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} بَدءَ خَلْقِكُم في الأَرحام {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} فلا يكونُ سقطًا {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} يقول إلى خروجه من بطن أمه، لتعتبروا في البعث ولا تَشُكُّوا فيه، إن الذي بَدَأ خلقكم لَقَادِر على أن يُعِيدَكُم بعد الموت، ثم قال {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ} من بطون أمهاتكم {طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} إلى أربعين سنة {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} من قَبْل، يقول: مِن قبل أن يَبلغَ أَشُدَّه {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} من بعدِ الشَّباب والأَشُد إلى أَرْذَلِ العُمُر يعني: الهرم {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ} كان يعلمه {شَيْئًا} فذكرَ بَدءَ الخَلق، ثم ذكر الأرضَ المَيْتَة، كيف يحييها اللهُ لتعتبروا في البعث، فإن البعثَ ليس بأشد من بدءِ الخَلق ومن الأرضِ الميتة حين يحييها من بعد موتها، فذلك قوله:{وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} يعني: مَيتة مُتَهَشِّمة غَبراء لا نَبْتَ فيها {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا} يعني: الأرض {الْمَاءَ} يعني: المطر {اهْتَزَّتْ} يعني: الأرض يقول: تحركت بالنبات، والخُضْرة، كقوله لِلحَيَّة: تَهْتَزُّ يعني: تَحَرَّك كأنها جَانّ لم تزل، ثم قال للأرض {وَرَبَتْ} يقول: أضعفت النبات {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} يعني: من كل صِنف {بَهِيجٍ (5)} [الحجٍ] يعني: حسن {ذَلِكَ} يقول: هذا الذي ذكرَ اللهُ من صُنْعِهِ يَدُلُّ به على توحيده {بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} وغيره من الآلهة باطل {وَأَنَّهُ} يعني: وأن اللهَ {يُحْيِ الْمَوْتَى}
في الآخرة {وَأَنَّهُ} يعني: وإن الله {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من البعث، وغيره {قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ} يعني: جَائِيَةٌ كَائِنَةٌ {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} [الحج] في الآخرة من الأموات؛ فَلا يَشُكُّوا في البَعْثِ» (1).
(19)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظُ، حدثنا أبو العباس محمدُ بن يَعقُوب، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا عَفَّان بن مسلم، حدثنا حَماد بن سلمة، عن يَعْلَى بن عطاء، عن وَكِيع بن حُدُس، عن عَمِّه أبي رَزِين العُقَيْلي قال: قلت يا رسول الله، كيف يُحيي اللهُ الموتى؟ وما آيةُ ذلك في خَلْقِهِ؟ قال:
* * * * *
(1) تفسير مقاتل (3/ 115).
(2)
قوله: (مررت) في ب (رُدْت)، والمثبت من «ث» ، «ش» ، والمصادر.
(3)
في «ث» ، و «ب» (أهلا)، والمثبت من «ش» ، ومصادر التخريج.
(4)
أخرجه البيهقي في الاعتقاد (1/ 217)، وأخرجه أحمد (16192)، والحاكم (4/ 605)، من طريق حماد بن سلمة، به