الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 - باب قول الله عز وجل:
{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [
المعارج].
قال أبو عبد الله الحَلِيمِي: هَذَا مِن صِلَةِ قَولِهِ عز وجل: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)} [المعارج]؛ فَإنَّه لَمَّا وَصَفَ نَفسَه بِذِي المَعَارِج، بَيَّن أَنَّ هذه المَعارِج لِمَلائِكَتِه فقال:{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج: 4]: أي إلى حَيثُ جَعلَه مَصَافًّا لَهُم حَولَ عَرشِهِ، في يَومٍ كَان مِقْدَارُه خَمسينَ أَلفَ سَنة.
قال: وقد قال في غَير هذه السُّورَةِ {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} [السجدة] فَيُحتمَل أن يكونَ المعنى: أنها تَنزِلُ مِن السَّماءِ إلى الأَرضِ، ثُم تَعرُجُ مِنَ الأرضِ إلى السماء الدنيا مِن يَومِها، فَتَقْطَعُ مَا لَوْ احْتَاجَ النَّاسُ إِلى قَطعِهَا مِنَ المَسَافَة، لَمْ يَقْطَعُوهَا إِلا فِي أَلفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون، وتَنزِلُ مِن عِند العَرشِ إلى الأَرضِ، ثُمَّ تَعرُجُ مِنها إِليه مِن يَومِهَا، ولو احْتَاج النَّاسُ إلى قَطعِ هَذا المِقْدَار مِنَ المَسَافة، لم يَقطعوها إلا في خَمْسِينَ أَلف سَنة مِمَّا تَعدُّون، ولَيس هَذا مِن تَقدِيرِ يَومِ القِيَامَة بِسَبِيلٍ. كذا قال (1).
(301)
وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظُ، أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن القاضي (2)، حدثنا إبراهيمُ بن الحُسَين، حدثنا آدَمُ بنُ أبي إِيَاسٍ، حدثنا شَرِيْكٌ، عن سِمَاك بن حَرْب، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ في قوله عز وجل: {فِي
(1)«المنهاج في شعب الإيمان» (1/ 339).
(2)
ينظر «تفسير مجاهد» (ص 673)، فقد رواه عبد الرحمن بن الحسن القاضي، فيه بنفس السند، وقد وقع في «تفسير مجاهد» هذا جملة من الأحاديث ليست عن مجاهد، وهذا منها.
يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج]. قال: «لَوْ قَدَّرتُمُوه، لَكَانَ خَمسينَ أَلف سَنة مِن أَيَّامِكُم، قال: يعني يوم القيامة» .
هكذا رَواهُ شَرِيك القَاضِي، ورَواهُ شُعْبَةُ كما
(302)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظُ، أخبرنا أبو العَّباس الأَصَم، حدثنا العباسُ بن محمد الدُّورِيُّ، حدثنا قُرَاد أَبو نُوحٍ عَبدُ الرَّحمَن بنُ غَزْوَان مَولَى خُزَاعَةَ، حدثنا شُعبة، عن سِمَاك، عن عِكْرِمَة في قوله عز وجل:{يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)}
…
[المعارج] قال: «ذلك يوم القيامة» (1).
قال الشَّيخُ: هذا المِقْدَارُ الذي رُوِيَ عن عِكرِمَة لا يُخَالِفُ قَولَ الحَلِيمِي، ويُحتمَلُ أن يكونَ عُرُوج المَلائِكَة يَوم القِيامَة هَكذا يَكُون، وعُرُوجُهم قَبل يَومِ القِيَامَة كَما قال في سُورة السَّجدة، وذلك لِمَا يُشَاهِدونَ يومَ القِيَامَة مِن عَظَمَة اللهِ تَعَالى وشِدَّة غَضَبِه؛ فَتَفْتُر قُوَاهُم، فَيحْتَاجُونَ للعُرُوجِ في مُدَّة أَطْوَل مِمَّا كَانُوا يَحتاجُون إِليها قَبل.
وفي حديث عُقَيْلٍ، عن ابنِ شِهَابٍ قال: كان ابنُ عَبَّاسٍ يقول: «قَدرُ مَا تَعرُجُ المَلائِكَةُ فِي يَومٍ واحِدٍ، كَقَدْرِ خَمسِينَ أَلف سَنَة مِمَّا يَعُدُّ النَّاسُ» .
ورُوِيَ عن ابنِ أَبي مُلُيْكَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ أنه قال:«في الآيَتَينِ يَوْمَيْن ذَكَرَهُما اللهُ، هُو أَعلمُ بهما» (2).
(303)
وقد أخبرنا أبو زَكَريَّا بنُ أبي إِسحاقَ المُزَكِّي، أخبرنا أبو الحَسَن الطَّرائِفِي، حدثنا عثمانُ بنُ سَعيد، حدثنا عبد الله بن صالح، عن
(1) أخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (1071)، عن عباس الدوري، به.
(2)
أخرجه الحاكم في «المستدرك» (8803)، من طريق ابن أبي مليكة، أن رجلا سأل ابن عباس، وساق قصة وفيها موضع الشاهد.
مُعَاويةَ بن صالح، عن علي بنِ أَبي طَلحَةَ، عن ابن عباس في قوله:{يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)} [السجدة] قال: «هذا في الدُّنيا، تَعرُجُ الملائكةُ في يَومٍ كان مِقدَارُهُ ألف سَنَة، وقوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج] فهذا يَومُ القِيَامة، جَعلَه اللهُ عَلَى الكَافِر مِقْدَار خَمسِينَ أَلفِ سَنة» (1).
وهذا لا يحتمل ما قال الحَلِيمِي.
(304)
وقد أخبرنا أبو بَكر ابنُ فُورَك، أخبرنا عبدُ الله بن جَعفر، حدثنا يونُسُ بن حَبِيب، حدثنا أبو داود (2)، حدثنا وُهَيب بن خالد -وكان ثِقَةً- حدثنا سُهَيل بنُ أبي صَالِح المَدَني، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال
…
رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما مِن صَاحِبِ كَنْزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاةَ كَنزِهِ، إلا جِيءَ بِه يَومَ القِيامَة وبِكَنْزِه، فَيُحمَى صَفَائِحَ مِن نَارِ جَهنَّمَ، فَتُكوَى بها جَبهَتُهُ وجَنْبُه (3) وظَهرُهُ حتَّى يَحكُمَ اللهُ بَيْنَ عِبَادِهِ في يَومٍ كان مِقدَارُهُ خَمْسِينَ ألف سَنَة مِمَّا تَعُدُّون، ويَرى سَبِيلَه إِمَّا إلى الجَنَّة، وإِمَّا إلى النَّار» . وذَكَر الحَديثَ في الإبِلِ والغَنَمِ، وذَكَر في كُلِّ واحِدٍ منهما:«حتى يَحكُمَ اللهُ بين عِبادِه في يَوم كان مِقدَارُهُ خَمسينَ أَلف سَنَة مِمَّا تعدون»
أخرجه مسلم في الصحيح (4)، من حديث عبد العزيز بن المُخْتَار،
(1) أخرجه ابن جرير الطبري في «التفسير» (23/ 253)، عن علي بن داود القنطري، عن عبد الله بن صالح، به، دون الفقرة الأولى.
(2)
«مسند أبي داود الطيالسي» (2562).
(3)
قوله: (جنبه) سقطت من «ث» ، وفي «م» (جبينه)، والمثبت من «ب» ، «ش» ، ومصادر التخريج.
(4)
صحيح مسلم (987).
ورَوْح بن القاسم، عن سُهيل بن أبي صالح، وأخرجه من حديث زَيد بن أَسْلَم، عن أبي صالح، كذلك في الذَّهب والفِضَّة والإبل والبقر والغنم.
وذَلك لا يَحْتَمِل إلا تَقْدِير ذَلك اليَوم بِخَمسِينَ ألف سنة مِمَّا تَعُدُّون، والله أعلم.
ثُم إِنَّه لا يَكون ذَلك كَذَلك، إلا عَلى الذي لا يُغْفَرُ لَه، فَأَمَّا مَن غُفِر لَهُ ذَنبُهُ مِنَ المُؤمِنِين فَقَد،
(305)
أخبرنا أبو عبد الله الحافظُ (1)، أخبرنا الحَسَنُ بنُ محمد بن حَلِيْم، أخبرنا أبو المُوَجِّهِ، أخبرنا عَبْدَانُ، أخبرنا عَبدُ اللهِ، عن مَعْمَرٍ، عن قَتَادَةَ، عَن زُرَارَةَ بنِ أَبِي أَوْفَى، عن أبي هريرة قال:«يَومُ القِيَامَة عَلى المُؤمِنِينَ، كَقَدْرِ مَا بَينَ الظُّهرِ والعَصْر» .
هذا هُو المَحْفُوظُ، وقَد رُوِيَ مَرفُوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(306)
أخبرناه أبو عبد الله الحَافِظُ (2)، حدثني عبدُ الله بنُ عُمَرَ بنِ عَلِي الجَوْهَرِيُّ -بِمَرْوٍ-، حدثنا يَحيى بنُ سَاسَوَيْهِ بنِ عبدِ الكَرِيم، حدثنا سُوَيدُ بنُ نَصْرٍ، حدثنا ابنُ المُبَارَك، فذكره بإسناده مرفوعًا.
(307)
أخبرنا أبو بكر أحمدُ بنُ الحَسَن القَاضِي، وأبو سَعيد ابنُ أبي عَمرو قالا: حدثنا أبو العَبَّاس محمدُ بنُ يَعقُوبَ، حدثنا محمدُ بنُ إِسحَاقَ الصَّغَاني، حدثنا أبو سَلَمة الخُزَاعِي، حدثنا خَلَّادُ بنُ سُلَيمان الحَضْرَمِي-وكان خَلَّادٌ مِنَ الخَائِفِين- قال: سمعتُ دَرَّاجَ أَبَا السَّمْحِ، يُخْبِرُ عَن مَن حَدَّثَهُ، عن أَبي سَعِيد الخُدْرِي، أنه أَتَى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني، مَن
(1)«المستدرك» (284).
(2)
«المستدرك» (283).
يَقْوَى عَلَى القِيامِ يَومَ القِيامَة الذي قَال الله عز وجل: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطففين]؟ فقال:
«يُخَفَّفُ عَلى المُؤمِنِ حَتى يَكونَ عَلَيه كالصَّلاةِ المَكْتُوبَة» (1).
(308)
وأخبرنا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدَانَ، أخبرنا أحمدُ بنُ عُبَيدٍ الصَّفَّار، أخبرنا ابنُ جابر -وهو محمدُ بن الفَضْل بنِ جَابِر- حدثنا كَامِل، حدثنا ابنُ لَهِيْعَة، عن دَرَّاج، عن أبي الهَيْثَم، عن أبي سعيد الخُدري قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن يَومٍ كانَ مِقدَارُه خَمسين أَلفَ سَنة، ما طُولُ هذا اليوم؟ فقال:
(309)
أخبرنا أبو عَلِيِّ بنُ شَاذَان، أخبرنا عبدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ، حدثنا يعَقُوبُ بن سُفيانَ، حدثنا حَرْمَلَةُ بنُ يَحيَى، حدثنا ابنُ وَهْبٍ، حدثني
…
عبدُ الرَّحمن بنُ مَيْسَرَة، عن أبي هَانِئ، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِي، عن
…
عبدِ اللهِ بن عمروقال: تلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)} [المطففين]. قال:
(1) ذكره ابن كثير في «البداية والنهاية» (19/ 405) بسنده ومتنه، وعزاه للبيهقي.
(2)
أخرجه البغوي في «التفسير» (8/ 221)، من طريق ابن لهيعة، به، وذكره البيهقي في «شعب الإيمان» (1/ 556)، دون إسناد، وأحال الإسناد إلى هنا.
(3)
أخرجه عبد الغني المقدسي في «ذكر النار» (96)، من طريق شيخ المصنف، أبي علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان، به، وأخرجه ابن أبي حاتم في «التفسير» (7143)، عن أبيه، عن حرملة، به.
وفِيمَا ذَكر حَمَّادُ بن زَيْدٍ، عن أَيُّوبَ قال: قال الحَسَنُ: «مَا ظَنُّكَ بِقَومٍ قَامُوا عَلَى أَقدَامِهِم خَمسِينَ أَلفَ سَنَة، لَم يَأكُلوا فيها أَكْلَةً، ولم يَشْرَبُوا فِيها شَربةً، حتى إذا انْقَطَعت أَعنَاقُهُم عَطَشًا واحْتَرَقَت أَجوافُهُم جُوعًا انْصُرِفَ بهم إِلى النَّار؛ فَسُقُوا مِن عَيْنٍ آنِيَةٍ قال: قَد أَنَى حَرُّها، واشْتَدَّ نَضْجُها» (1).
وذَهَبَ الكَلْبِيُّ في تفسير قوله: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج] إلى مَعنىً آخر، -وهو يَروي تَفسيرَه عن أَبي صَالِحٍ، عن ابن عباس- فقال:«يعني لو وَلِيَ مُحَاسَبَةَ العِبَادِ غَيرُ اللهِ، لَم يَفْرَغ مِنْهُ في خَمسِينَ أَلفَ سَنة» (2).
وبَلغَنِي عَن مَعْمَرِ بنِ رَاشِد، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عَن مُجَاهِد.
قال مَعْمَرٌ: وبَلَغَنِي أَيضًا عَن عِكْرِمَةَ {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج]. قال: «الدُّنيَا مِن أَوَّلِهَا إلى آخِرِهَا يَومٌ، مِقْدَارُهُ خَمسِينَ أَلْفَ سَنَة، لا يَدْرِي أَحَدُكُم كَم مَضَى، وكَم بَقِي، إِلا اللهُ» (3).
وهذا فِيمَا رواهُ يُوسفُ بنُ يَعقُوبَ، عن مُحمد بنِ عُبَيد، عن مُحمد بنِ ثَوْر، عَن مَعْمَرٍ.
(310)
أخبرنا أبو سَعيدِ ابنِ أَبِي عَمْرو، حدثنا أبو العَبَّاس -هو الأَصَمُّ- حدثنا محمدُ بنُ الجَهْمِ، حدثنا الفرَّاءُ في قوله:{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)} [المعارج] قال: «يَقُولُ: لَو صَعَد غَيرُ المَلائِكَة، لَصَعَدُوا
(1) أخرجه الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (1613)، عن إسحاق بن ميمون، قال: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، به.
(2)
ينظر «البداية والنهاية» لابن كثير (19/ 404).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (3321)، عن معمر، به.
في قَدْرِ خَمْسِينَ أَلفَ سَنَة» (1).
وهذا يُؤكِّدُ قَولَ الحَلِيمِي.
* * * * *
(1)«معاني القرآن» للفراء (3/ 184).