الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
73 - بَابُ قَولِ اللهِ عز وجل:
{يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
(105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود].
ذَكَرَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَلِيمِيُّ رحمه الله في معنى قوله: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107] وجهين: «أَحَدَهُمَا، أَنَّ اللهَ تبارك وتعالى لَمَّا أَخْبَر عَن اليَوْمِ المَوْعُودِ بِأَنَّ الذِينَ شَقُوا فِي النَّار، والذِينَ سُعِدُوا في الجَنَّةِ، كان الذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّ دُخُولَ كُلِّ وَاحِدٍ مِن الفَرِيقَيْن الدَّارَ المُعَدَّة لَهُم يَقْتَرِنُ بِإِتْيَان ذَلِكَ اليَوْم، ولَيْسَ كَذَلِك؛ لأَنَّ دُخُولَهُم حَيْثُ أَعَدَّ لَهُم يَتَأَخَّرُ طَويلًا بَعْد إِتْيَانِ اليَوم المَوْعُود، فقال جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107]، أي: إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِن وَقْفِهم حَيثُ كَانُوا فِيه، إلى أَنْ حُوسِبُوا وَوُزِنَت أَعْمَالُهُم، وسِيقَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلى حَيْثُ قُضِيَ لَه، لِئَلَّا يُعَارِض الخَبَرَ المُتَقَدِّم خُلْفٌ (1).
ومَن قَالَ هَذا قال: إِنَّ قَوْلَهُ: {مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: 107]، لَم يُرِدْ به أَنهُم يَبْقُونَ حَيثُ ذَكَر، وسَمَّى قَدْرَ مَا بَقِيَت السَّمَواتُ والأَرْضُ؛ لأن التَّوْقِيتَ يُنَافِي الخُلُودَ، وإِنَّمَا ذَلِكَ عِبَارَةٌ عن طُولِ مُدَّةِ بَقَائِهِم، فَضَرَبَ لِلْمَخَاطَبِينَ مِثْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةِ بَقَاءِ السَّمَواتِ والأَرْض؛ إِذ لَم يَكُن فِيمَا يَعْلَمُونُه مِن خَلْقِ اللهِ -جَلَّ ثَنَاؤُهُ- ويَعْرِفُونَ حَالَه أَطْوَلَ بَقَاءً مِنْهُمَا، ولَم يَكُن فِي
(1) في «المنهاج في شعب الإيمان» (خلق).
جُمْلَتِهِما شَيءٌ أَخْبروا أَنَّهُ لَيْس بِمُنْقَضٍ، فَيَضْرِبُ لَهُم مَثَلَ الجَنَّةِ والنَّارِ بِهِ، فَهَذَا القَدْرُ هو المُرَادُ، لَا أَنَّ بَقَاءَ أَهْلِ الجَنَّةِ في الجَنَّةِ، وأَهْلِ النَّارِ في النَّارِ، كَائِنٌ إلى وَقْتٍ ثُمَّ يَنْقَضِي، لَكِنَّهُ دَائِمٌ بَاقٍ، ولا انْقِضَاءَ لَهُ، والله أعلم.
والوَجْهُ الآَخَر، أَنَّ المَعْنَى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107] مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّه قَال في أَهْلِ الجَنَّةِ:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود]، أَي غَيْر مُقْطُوعٍ، فَلَو كَانَ المَعْنَى أَنَّهُم يُقِيمُونَ قَدْرَ مَا دَامَت
السَّمَواتُ والأَرْضُ ثُم يَخْرُجُونَ، كَانَ العَطَاءُ مَجْذُوذًا، فَلَمَّا أَخْبَر أَنَّه غَيْرُ مَجْذُوذٍ؛ عَلِمْنَا أَنَّ مَعْنَى الاسْتِثْنَاء مَا ذَكَرْنَا والله أعلم.
ومَنْ قَالَ هَذا، قال: إِلَّا بِمَعْنَى سِوَى، وذَلِكَ يَحْسُنُ إِذَا كَانَ المُسْتَثْنَى أَكْثَرُ مِن المُسْتَثْنَى مِنْهُ، كَرُجُلٍ يَقُول: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْف دِرْهَم إِلَّا الأَلْفَيْن التِي هِي إِلى سَنَة، فَيَكُونُ المَعْنَى سِوَى الأَلْفَيْن، وعَلَى هَذَا يَكُون قُولُه تبارك وتعالى في أهل النار:{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود] بِمَعْنَى: إِنَّهم خَالِدُونَ فِي النَّارِ مَا دَامَت السَّمَواتُ والأَرْضُ سِوَى مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنَ الزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ، فَلا يَتَعَاظَمَكُم ذَلِك من أَمْرِهِ؛ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ، لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وأَنْتُم تُسْأَلُونَ.
قال: ويُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ ذِكرُ مُدَّةِ السَّمَواتِ والأَرْضِ في هَذَا الوَجْهِ إِشَارَةً إِلى أَنَّ الآخِرَةَ لا تَتَقَدَّر بِمِقْدَارِ الدُّنيا، لَكِنَّهُم إِنِ اسْتَوْفُوا فِي الجَنَّةِ والنَّارِ مُدَّةَ العَالَم المُنْقَضِي، فَلا الجَزَاء الذِي لَقَوْهُ بِمُنْقَضٍ، ولا المَآبُ الذِي أُعِدَّ لَهُم بِمُنْقَضٍ، ولَكِن هَذَا كُلَّهُ دَائِمٌ، والله أعلم» (1).
(1186)
أخبرنا أبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى، حدثنا أبو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ
(1)«المنهاج في شعب الإيمان» (1/ 460 - 461).
ابنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بنُ الجَهَمِ السِّمَّرِيُّ، قال: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى ابنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (1) يَقُولُ في قوله: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107]، «يَقُولُ القَائِلُ: مَا هَذَا الاسْتِثْنَاءُ، وقَد وَعَدَ اللهُ أَهْلَ النَّارِ الخُلُودَ، وأَهْلَ الجَنَّةِ الخُلُودَ؟ فَفِي ذَلِكَ مَعْنَيَان: أَحَدُهُما، أَنْ يَجْعَلَهُ اسْتِثْنَاء يَسْتَثْنِيهِ، ولَا يَفْعَلُهُ كَقَولِكَ: واللهِ لَأَضْرِبَنَّكَ إِلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ، وعَزِيمَتُكَ عَلَى ضَرْبِهِ، ولِذَلِكَ قال:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107]، ولا يَشَاءُ.
والقَوْلُ الآخَر، أَنَّ العَرَبَ إِذَا اسْتَثْنَت شَيئًا كَبيرًا مَع مِثْلِه، أو مَع مَا هُو أَكْثَر مِنْهُ، كَانَ مَعْنَى إِلَّا ومَعْنَى الوَاو سَوَاءٌ، فَمِن ذَلِكَ قوله:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود: 107]، سِوَى مَا يَشَاء مِن زِيَادَة الخُلُود، فَيَجْعَلُ إِلَّا مَكَانَ سِوَى، فَيَصْلُح، وكَأَنَّهُ قال: خَالِدِينَ فِيهَا مِقْدَار مَا كَانَت السَّمَواتُ والأَرْضُ سِوَى مَا زَادَهُم مِنَ الخُلُودِ والأَبَد، ومِثْلُه في الكَلَامِ أَنْ تَقُول: لِي عَلَيْكَ أَلْف إِلَّا الألْفَيْن اللذَيْن مِن قِبَلِ فُلَان، أَفَلا تَرَى أَنَّه في المَعْنَى: لِي عَلَيْكَ أَلْف سِوَى الأَلْفَين.
قال الفَرَّاءُ: وهَذَا أَحَبُّ الوَجْهَيْن إِلَيَّ؛ لِأَنَّ اللهَ عز وجل لا خُلْفَ لِوَعْدِهِ، وقَد وصَلَ الاسْتِثْنَاءَ بِقَوْلِه:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود]، فَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ لَهُم في الخُلُودِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْهُم».
(1187)
أخبرنا أبو زَكَرِيَّا بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أخبرنا أبو الحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، حدثنا عُثْمَانُ بنُ سَعِيدٍ، حدثنا عَبْدُ اللهِ بنُ صَالِحٍ، عن مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عن عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، في قوله عز وجل:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
(1)«معاني القرآن» (2/ 28).
[هود]، يقول:«عَطَاءً غَيْرَ مَقْطُوعٍ (1)» (2).
(1188)
أخبرنا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنُ مَحْبُورٍ الدَّهَّانُ، (3) أخبرنا الحُسَيْنُ ابنُ مُحَمَّد بنِ هَارُون 3)، حدثنا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ، حدثنا يُوسُفُ بنُ بِلَالٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بنُ مَرْوَانَ، عن الكَلْبِيِّ، عن أَبِي صَالِحٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَر تَفْسَيرَ سُوَرَةِ هُود إلى قوله:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود]، قال: «فَقَد شَاءَ رَبُّكَ أَنْ يَخْلُدُوا فِي النَّار، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود]، قال: فَقَد شَاءَ رَبُّك أَنْ يَخْلُدُوا فِي الجَنَّةِ.
قال: وقال فِيهَا وَجْه آخَر، قال: إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الجَنَّةِ، وأَهْلَ النَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، ويَكُونُونَ في الجَنَّةِ وفي النَّارِ كَمَا كَانَت السَّمَواتُ والأَرْضُ، فَلَم يَفْن خَلْقُهُما حَتَّى هَلَك مَن عَلَيْهَا وصَارُوا إِلَى الجَنَّةِ وإِلَى النَّارِ، وكَذَلِكَ يَدُومُ أَهْلُ الجَنَّةِ وأَهْلُ النَّارِ عَطَاءً لَهُم، يَعْنِي رِزْقًا لأهل الجَنَّةِ، {غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} [هود]، يقول: غَيْرَ مَقْطُوعِ عَنْهُم.
قال: ويقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} [هود: 106]{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، حَبَسهُم عَلَى الصِّرَاطِ يُعَذَّبُونَ، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} خُرُوجَهُم مِنَ النَّارِ، وهُمُ الجَهَنَّمِيُّونَ، {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)} [هود]،
(1) في «ع» (منقطع).
(2)
أخرجه الطبري في «التفسير» (12/ 589)، من طريق عبد الله بن صالح، به.
(3)
(-3) بينهما سقط من «ب» .
قال: ويُقَالُ: مَا دَامَت سَمَاءُ الجَنَّةِ وأَرْضُ الجَنَّةِ، وسَمَاءُ النَّارِ وأَرْضُ النَّارِ» (1).
قوله: خُرُوجهُم مِنَ النَّارِ، يُريدُ -واللهُ أَعْلَمُ- قَدْر مَا مَكَثُوا فِيهَا بِذُنُوبِهِم، حَتَّى أُخْرِجُوا مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ.
(1189)
أخبرنا يَحْيَى بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، أخبرنا أَبُو
…
عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ، حدثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ الفَرَّاءُ، أخبرنا جَعْفَرُ بنُ عَوْن، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ أَبِي خَالِد، ح وأخبرنا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، وأبو زَكَرِيَّا بنُ أَبِي إِسْحَاقَ المُزَكِّي، قالا: حدثنا أبو العَبَّاس مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ، حدثنا أَبُو البَخْتَرِيِّ عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّد بنِ شَاكِر، حدثنا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عن قَيْس بنِ أَبِي حَازِمٍ، عن المُسْتَوْرِد أَخِي بَنِي فِهْر قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:
هذا لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ بِشْر.
وفي رِوَايَة جَعْفَر قال: قال: «واللهِ مَا الدُّنيا في الآخِرَةِ إلا مِثْل مَا يَضَعُ أَحَدُكُم إِصْبَعَهُ في اليَمِّ، فَلْيَنْظُر بِمَا تَرْجِعُ» .
وقال في إِسْنَادِه: سَمِعتُ.
زَادَ (2) أبو زَكَرِيَّا في إسنادِه بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرِ، وبَيْنَ ابنِ أَبِي خَالِد
(1) عزا أوله السيوطي في «الدر المنثور» (4/ 477)، للبيهقي في «البعث والنشور» .
(2)
قوله (زاد) تحرف في «ع» تحريفا قبيحا فقال: (بن شاذان).
مِسْعَرًا (1).
(1190)
وكذلك أخبرناه أبو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، وأبو مُحَمَّدِ بنُ أَبِي حَامِدٍ، عن أَبِي العَبَّاسِ -في الثَّالِثِ عَشَر مِن فَوائِدِ الأَصَم-، وقَالَا في مَتْنِه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقول:
رواه مسلم في الصحيح (2)، عن ابنِ نُمَيْرٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ بِشْر، عن ابْنِ أَبِي خَالِدٍ.
* * * * *
(1) أخرجه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (7/ 229)، من طريق عبد الله بن محمد بن شاكر، به. وسئل الدارقطني عن هذا الحديث -كما في «العلل» (14/ 39) - فقال: يرويه إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن المستورد، وهو صحيح عنه، وحدث به أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر، عن محمد بن بشر، عن مسعر، عن إسماعيل، ووهم في ذكر مسعر، وإنما رواه محمد بن بشر، عن إسماعيل، سمعه منه».
(2)
صحيح مسلم (2858).
حَدِيثُ (1) الصُّورِ
(1191)
أخبرنا أبو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدَانَ، أخبرنا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ ابنُ أَبِي كَثِيرٍ الفَسَوِيُّ، حدثنا مَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيمَ ح وأخبرنا أَبُو نَصْرِ بنُ قَتَادَة، أخبرنا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، حدثنا إِبْرَاهِيمُ بنُ زُهَيْر الحُلْوَانِيُّ، حدثنا مَكِّيُّ بنُ إِبْراهِيمَ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ ابنُ رَافِع، عن مُحَمَّدِ بنِ يَزِيد بنِ أَبِي زِيَادٍ، عن رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عن مُحَمَّدِ ابنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قال: حدثنا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونَحْنُ عِصَابَةٌ مِن أَصْحَابِه، فِينَا أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، فقال:
ورَوَاه إِسْحَاقُ الحَنْظَلِيُّ (3)، عن عَبْدَةَ بنِ سُلَيْمَانَ، عن إِسْمَاعِيلَ بنِ رَافِع، عن مُحَمَّدِ بنِ يَزِيد بنِ أَبِي زِيَادٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عن رَجُلٍ مِن الأَنْصَار، عن أَبِي هُرَيْرَةَ.
(1192)
وأخبرنا الأُسْتَاذُ أبو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا أبو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّافِعِيُّ، حدثنا أبو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، حدثنا
(1) في «ش» (باب).
(2)
أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (4/ 147)، وابن المقرئ في «المعجم» (1090)، وغيرهما من طريق مكي بن إبراهيم، به. وأخرجه الطبراني في «الأحاديث الطوال» (36)، من طريق إسماعيل بن رافع، به مطولًا.
(3)
«مسند إسحاق بن راهويه» (10).
أبو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بنُ مَخْلَدٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ رَافِعٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ يَزِيدَ ابن أَبِي زِيَادٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عن رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كذا قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
قال الأُسْتَاذُ: وذَكَر الحَدِيثَ، فَلَم يَأْذَن في قِرَاءَةِ المَتْنِ، فَكُتِبَ المَتْنُ مِن كِتَابِهِ، وكَان فِيهِ:
«إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْشِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟ قَالَ: الْقَرْنُ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: عَظِيمٌ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، إِنَّ عِظَمَ دَائِرَةٍ فِيهِ كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفْخَاتٍ: الْأُولَى نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ عز وجل إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَأْمُرُهُ فَيَمُدُّهَا وَيُطِيلُهَا، وَلَا يَفْتُرُ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:{وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)} [ص]، فَيُسَيِّرُ اللَّهُ الْجِبَالَ، فَتَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَتَكُونُ سَرَابًا، فَتَرُجُّ الْأَرْضَ بِأَهْلِهَا رَجًّا، فَتَكُونُ كَالسَّفِينَةِ الْمُوقِرَةِ فِي الْبَحْرِ تَضْرِبُهَا الأمْوَاجُ، وَتَكْفِيهَا الرِّيَاحُ، أَوْ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ بِالْعَرْشِ تُرَجِّحُهُ الْأَرْوَاحُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:{يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)} [النازعات]، فَتَمْتَدُّ الْأَرْضُ بِالنَّاسِ عَلَى ظَهْرِهَا، فَتَذْهَلُ الْمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ، وَيَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً مِنَ الْفَزَعِ، حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ، فَتَلْقَاهَا
الْمَلَائِكَةُ تَضْرِبُ وُجُوهَهَا، فَتَرْجِعُ فَيُوَلِّي النَّاسُ مُدْبِرِينَ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ، يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ
الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: {يَوْمَ التَّنَادِ (32)} [غافر]، بَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ، فَانْصَدَعَتْ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا لَمْ يَرَوْا مِثْلَهُ، وَأَخَذَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْكَرْبُ وَالْهَوْلُ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا هِيَ كَالْمُهْلِ، ثُمَّ انْشَقَّتْ فَانْتَثَرَتْ نُجُومُهَا، فَانْخَسَفَتْ شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالْأَمْوَاتُ يَوْمَئِذٍ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ،
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَمَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ عز وجل حَيْثُ قَالَ: {فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: 87]، قَالَ: أُولَئِكَ هُمُ الشُّهَدَاءُ، فَإِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى الْأَحْيَاءِ، وَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَقَاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَمَّنَهُمْ، وَهُوَ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى شِرَارِ خَلْقِهِ، وَالَّذِي يَقُولُ:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1)} [الحج]، إِلَى قَوْلِهِ:{وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} [الحج]، فَيَمْكُثُونَ فِي ذَلِكَ الْبَلَاءِ مَا شَاءَ اللَّهُ إِلَّا أَنَّهُ يُطُولُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا خَمَدُوا، جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ فَيَقُولُ: قَدْ مَاتَ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شِئْتَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل -وَهُوَ أَعْلَمُ-: مَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا تَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَبَقِيتُ أَنَا، فَيَقُولُ جَلَّ وَعَزَّ: فَيَمُوتُ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، فَيُنْطِقُ اللَّهُ الْعَرْشَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، يَمُوتُ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، فَيَقُولُ: اسْكُتْ، إِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى كُلِّ مَنْ تَحْتَ العَرْشِ (1)،
فَيَمُوتَانِ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ
(1) في «ب» ، «ع» (عرشي) ..
وَمِيكَائِيلُ، فَيَقُولُ وَهُوَ أَعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ، وَبَقِيَتْ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أَنَا، فَيَقُولُ: لِيَمُتْ حَمَلَةُ عَرْشِي، فَيَمُوتُوا، فَيَأْمُرُ اللَّهُ عز وجل الْعَرْشَ فَيَقْبِضُ الصُّورَ مِنْ إِسْرَافِيلَ، ثُمَّ يَقُولُ: لِيَمُتْ إِسْرَافِيلُ، فَيَمُوتُ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، فَيَقُولُ -وَهُوَ أَعْلَمُ-: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَبَقِيتُ أَنَا، فَيَقُولُ: أَنْتَ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِي، خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتَ فَمُتْ، فَيَمُوتُ، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلَّا اللَّه الْوَاحِد الْأَحَد الصَّمَد الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، فَكَانَ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا، طَوَى السَّمَوَاتِ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكِتَابِ، ثُمَّ دَحَاهَا، ثُمَّ تَلَقَّفَهُمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا الْجَبَّارُ، ثُمَّ يَقُولُ عز وجل: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يَقُولُ لِنَفْسِهِ تبارك وتعالى: لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48]، فَيَبْسُطُهَا بَسْطًا يَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ، لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا، ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً وَاحِدَةً، فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَا كَانُوا مِنْهُ مِنَ الْأُولَى، مَنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا، وَمَنْ
كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا، ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى يَكُونَ فَوْقَهُمُ اثْنَا عَشَرَ ذِرَاعًا، وَيَأْمُرُ اللَّهُ الْأَجْسَادَ أَنْ تَنْبُتَ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ أَوْ كَنَبَاتِ الْبَقْلِ، حَتَّى إِذَا تَكَامَلَتْ أَجْسَادُهُمْ، فَكَانَتْ كَمَا كَانَتْ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: لِيَحْيَا حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَيَحْيَوْنَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: لِيَحْيَا جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ فَيَحْيَوْنَ، فَيَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ، فَيَأْخُذُ الصُّورَ، فَيَضَعُهُ عَلَى فِيهِ، ثُمَّ يَدْعُو اللَّهُ بِالْأَرْوَاحِ فَيُؤْتَى بِهَا يَتَوَهَّجُ أَرْوَاحُ
الْمُؤْمِنِينَ نُورًا، وَالْأُخْرَى ظُلْمَةً، فَيَقْبِضُهَا جَمِيعًا، ثُمَّ يُلْقِيهَا فِي الصُّورِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يَنْفُخَ نَفْخَةَ الْبَعْثِ، فَتَخْرُجُ الْأَرْوَاحُ كَأَنَّهَا النَّحْلُ قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، لَيَرْجِعَنَّ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ، فَتَدْخُلُ الْأَرْوَاحُ فِي الْخَيَاشِيمِ، ثُمَّ تَمْشِي فِي الْأَجْسَادِ مَشْيَ السُّمِّ فِي اللَّدِيغِ، ثُمَّ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ، فَتَخْرُجُونَ مِنْهَا إِلَى رَبِّكُمْ تَنْسِلُونَ {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [القمر: 8]، فَيَقُولُ الْكَافِرُونَ:{هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)} [القمر]، حُفَاةً، عُرَاةً، غُرْلًا، ثُمَّ يَقِفُونَ مَوْقِفًا وَاحِدًا مِقْدَارَ سَبْعِينَ عَامًا لَا يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ، وَلَا يَقْضِي بَيْنَكُمْ، فَتَبْكُونَ حَتَّى تَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ
تَدْمَعُونَ دَمًا تَعْرِقُونَ، حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ مِنْكُمْ أَنْ يُلْجِمَكُمْ أَوْ يَبْلُغَ الْأَذْقَانَ، فَتُصْبِحُونَ فَتَقُولُونَ: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيَقْضِي بَيْنَنَا فَيَقُولُ: مَنْ أَحَقُّ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قبَلًا، فَتَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام، فَتَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَأْبَى وَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، فَيَأْتُونَ الْأَنْبِيَاءَ نَبِيًّا نَبِيًّا، كُلَّمَا جَاءُوا نَبِيًّا يَأْبَى عَلَيْهِم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: حَتَّى يَأْتُونِي، فَأَنْطَلِقُ مَعَهُمْ، فَآتِي اللَّحْصَ (1)، فَأَخِرُّ سَاجِدًا،
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا اللَّحْصُ؟ قَالَ: قُدَّامُ الْعَرْشِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ مَلَكًا فَيَأْخُذُ بِعَضُدي فَيَقُولُ لِي: يَا مُحَمَّدُ، فَأَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: مَا شَأْنُكَ؟ -وَهُوَ أَعْلَمُ- قَالَ: فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ،
(1) في «ب» (الفحص)، والمثبت من «ث» ، «ع» ، «ش» ، وينظر «النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير (3/ 416). واللحص، والتَلحيصُ: استقصاء خَبَر الشيء وبيانه، لَحَصَ لي فلان خَبَرك وأمْرَكَ أي بَيَّنَه شَيئاً شَيئاً. وينظر كتاب «العين» (3/ 117).
وَشَفَّعْتَنِي فِي خَلْقِكَ، فَاقْضِ بَيْنَهُمْ، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ شَفَّعْتُكَ أَنَا آتِيهِمْ فَأَقْضِي بَيْنَهُمْ،
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَأَرْجِعُ فَأَقِفُ مَعَ النَّاسِ، فَبَيْنَا نَحْنُ وُقُوفٌ إِذْ سَمِعْنَا حسًّا مِنَ السَّمَاءِ شَدِيدًا، فَهَالَ (1) فَنَزَلَ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِمِثْلَيْ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الأَرْضِ أَشْرَقَتْ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، قَالَ: قُلْنَا لَهُمْ: دُونَكُمُ اللَّهُ، قَالُوا: لا، ثُمَّ تَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلَيْ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمِثْلَيْ مِنْ فِيهَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنَ الْأَرْضِ أَشْرَقَتْ بِنُورِهِمْ، وَأَخَذُوا مَصَافَّهُمْ، ثُمَّ ذَكَرُوا نُزُولَ أَهْلِ كُلِّ سَمَاءٍ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ الْجَبَّارُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةِ، {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)} [الحاقة]، وَهُم الْيَوْمُ أَرْبَعَةٌ، أَقْدَامُهُمْ عَلَى تُخُومِ الْأَرْضِ السُّفْلَى، وَالْأَرْضُ إِلَى حُجَزِهِمْ، وَالْعَرْشُ عَلَى مَنَاكِبِهِمْ، لَهُمْ زَجَلٌ مِنْ تَسْبِيحِهِم، يَقُولُونَ سُبْحَانَ ذِي الْعَرْشِ وَالْجَبَرُوتِ، سُبْحَانَ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ، سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، سُبْحَانَ الَّذِي يُمِيتُ الخَلَائِقَ وَلَا يَمُوتُ، سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، سُبْحَانَ رَبِّنَا الْأَعْلَى رَبِّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ، الَّذِي يُمِيتُ الْخَلْقَ وَلَا يَمُوتُ. فَيَضَعُ اللَّهُ كُرْسِيَّهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ أَرْضِهِ، ثُمَّ يَهْتِفُ بِصَوْتِهِ (2)
تبارك وتعالى قَائِلًا: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ لَكُمْ مُذْ خَلَقْتُكُمْ إِلَى يَوْمِكُمْ هَذَا، أَسْمَعُ قِيْلَكُم (3)، وَأُبْصِرُ
(1) في «ب» (فهالنا)، وفي «ش» (قال).
(2)
كلمة (صوته) ليست في «ع» ..
(3)
في «ب» (قولكم).
أَعْمَالَكُمْ، فَاسْمَعُوا إِلَيَّ (1)، فَإِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ وَصُحُفُكُمْ تُقْرَأُ عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ جَهَنَّمَ، فَيَخْرُجُ مِنْهَا عُنُقٌ سَاطِعٌ مُظْلِمٌ، ثُمَّ يَقُولُ:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)} [يس]، إِلَى قَوْلِهِ:{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)} [يس]، فَيُمَيِّزُ اللَّهُ النَّاسَ، وَتَجْثُوا الْأُمَمُ، وَيَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى-:{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} [الجاثية: 28]، فَيَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ إِلَّا الثَّقَلَّيْنِ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ، فَيَقْضِي بَيْنَ الْوَحْشِ وَالْبَهَائِمِ (2)،
حَتَّى إِنَّهُ لَيُقِيدُ لِلْجَمَّاءِ مِنْ ذَاتِ الْقَرْنِ، فَإِذَا فَرَغَ اللهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لِلْأُخْرَى، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: كُونِي تُرَابًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ:{يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)} [النبأ]، فَيَقْضِي اللَّهُ -تَعَالَى- بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَا يَقْضِي فِيهِ الدِّمَاءُ، فَيَأْتِي كُلُّ قَتِيلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَأْمُرُ اللَّهُ كُلَّ قَتِيلٍ فَيَحْمِلُ رَأْسَهُ، وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ -وَهُوَ أَعْلَمُ-: لِمَ قَتَلْتَهُ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلْتُهُ لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لَكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: صَدَقْتَ، فَيَجْعَلُ اللَّهُ وَجْهَهُ مِثْلَ نُورِ الشَّمْسِ، ثُمَّ تُشَيِّعُهُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى الْجَنَّةِ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ كُلَّ قَتِيلٍ قُتِلَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَيَأْتِي من قُتِلَ يَحْمِلُ رَأْسَهُ، وَتَشْخَبُ أَوْدَاجُهُ دَمًا، وَيَقُولُ: يَا رَبِّ، سَلْ هَذَا فِيمَ قَتَلَنِي؟ فَيَقُولُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-: لِمَ قَتَلْتَهُم؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَتَلْتُهُم لِتَكُونَ الْعِزَّةُ لِي، فَيَقُولُ اللَّهُ: تَعِسْتَ، ثُمَّ لَا يَبْقَى بَشَرَةٌ قَتَلَهَا إِلَّا قُتِلَ بِهَا،
(1) جاء في «ع» اعتراض هنا وهو: «الصوت محال على الله تعالى، والمراد ملك ينادي بأمر الله تعالى، فيكون الصوت للملك ويضاف إلى الله لأنه بأمره، وقد مضى تفسير النزول قبل هذا فلا حاجة إلى الإعادة» .
(2)
هنا بداية خرم في «ث» ..
وَلَا مَظْلَمَةٌ ظَلَمَهَا إِلَّا أُخِذَ بِهَا، ثُمَّ يَصِيرُ فِيمَا بَقِيَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَحِمَهُ، ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْ خَلْقِهِ، حَتَّى لَا يُبْقِي مَظْلَمَةً عِنْدَ أَحَدٍ إِلَّا أَخَذَهَا الْمَظْلُومُ مِنَ الظَّالِمِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَكُلَّفُ شَائِبُ اللَّبَنِ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَبِيعُهُ، أَنْ يُخَلِّصَ اللَّبَنَ مِنَ الْمَاءِ (1)،
فَإِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ نَادَى مُنَادٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ فَيَقُولُ: أَلَا لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِآلِهَتِهِمْ، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ عَبَدَ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَّا مُثِّلَتْ لَهُ آلِهَتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ (2)، وَيَجْعَلُ اللَّهُ -تَعَالَى- مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى صُورَةِ عُزَيْرٍ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ مَلَكًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ (3) عَلَى صُورَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَيَتَّبِعُ الْيَهُودُ عُزَيْرًا، وَيَتَّبِعُ النَّصَارَى عِيسَى، ثُمَّ تَقُودُهُمْ آلِهَتُهُمْ إِلَى النَّارِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُ اللَّهُ عز وجل فِيهِمْ:{لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)} [الأنبياء]، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ، وَفِيهِمُ السَّابِقُونَ (4)، جَاءَهُمُ (5) اللَّهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ هَيْئَةٍ (6)، فَقَال: يَا أَيُّها النَّاسُ، قَد ذَهَبَ النَّاسُ، فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُم، ومَا كُنْتُم تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ (7)، فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ، (8)
فَيَنْصِرفُ اللهُ عَنْهُم، وهُو اللهُ تبارك وتعالى فَيَمْكُثُ مَا شَاءَ أَنْ يَمْكُثَ، ثُم يَأْتِيهِم فَيَقُول:
(1) في «ع» (حتى إنه لو كلف شائب اللبن بالماء حتى يقلبه).
(2)
قوله (بين يديه) ليست في «ع» .
(3)
قوله (من الملائكة) ليس في «ب»
(4)
في «ش» (المنافقون).
(5)
في «ب» (تجلى لهم).
(6)
في «ش» (ملائكته).
(7)
قوله (من دون الله) ليست في «ب» ، «ش» .
(8)
سقط من «ع» ..
أَيُّها النَّاسُ، ذَهَبَ النَّاسُ، فَالْحَقُوا بِآلِهَتِكُم، ومَا كُنْتُم تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ، فَيَقُولُونَ: مَا لَنَا إِلَهٌ إِلَّا اللهُ عز وجل، وما كُنَّا نَعْبُدُ غَيْرَهُ 8)، فَيُكْشَفُ لَهُمْ عَنْ سَاقٍ وَيَتَجَلَّى لَهُمْ، وَيُظْهِرُ لَهُمْ مِنْ عَظَمَتِهِ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ- تَبَارَك اسْمُهُ- فَيَخِرُّونَ لَه سُجَّدًا عَلَى وُجُوهِهِمْ وَيَخِرُّ كُلُّ مُنَافِقٍ عَلَى قَفَاهُ، وَيَجْعَلُ اللَّهُ -تَعَالَى- أَصْلَابَهُمْ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُمْ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ، وَيَضْرِبُ اللَّهُ عز وجل الصِّرَاطَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ كَقَدْرِ، أَوْ كَعَقْدِ، الشَّعْرِ (1)، أَوْ كَحَدِّ السَّيْفِ، عَلَيْهِ كَلَالِيبُ، وَخَطَاطِيفُ، وَحَسَكٌ كَحَسَكِ السَّعْدَانِ، دُونَهُ جِسْرٌ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ، فَيَمُرُّونَ كَطَرْفِ (2) الْعَيْنِ، أَوْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، أَوْ كَمَرِّ الرِّيحِ، أَوْ كَجِيَادِ الْخَيْلِ، أَوْ كَجِيَادِ الرِّيَاحَاتِ (3)، أَوْ كَجِيَادِ الرِّجَالِ، فَنَاجٍ سَالِمٌ، وَمَخْدُوشٌ (4)، وَمَكْدُوس عَلَى وَجْهِهِ فِي جَهَنَّمَ، فَإِذَا أَفْضَى أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ قَالُوا: مَنْ يَشْفَعُ لَنَا إِلَى رَبِّنَا، فَنَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُونَ: مَنْ أَحَقُّ مِنْ أَبِيكُمْ آدَمَ عليه السلام، خَلَقَهُ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ، وَكَلَّمَهُ قِبَلًا، وَأَسْجَدَ لَهُ مَلَائِكَتَهُ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام، فَيَطْلُبُونَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَيَذْكُرُ ذَنْبًا، فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ رُسُلِ اللَّهِ، فَيُؤْتَى نُوحٌ عليه السلام، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا، فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ عليه السلام؛ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، فَيُؤْتَى (5)، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا،
(1) في «ب» (الشعرة).
(2)
في «ع» (كطروف).
(3)
ليست في «ش» ، وفي «ب» (المرتاحات).
(4)
في «ب» (مجروح) ..
(5)
في «ب» (فيأتون إبراهيم)، وسقط ذكر إبراهيم عليه السلام من «ش» .
فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلكَ، فَيَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِمُوسَى عليه السلام؛ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل قَرَّبَهُ نَجِيًّا، وَكَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ، فَيُؤْتَى (1) مُوسَى عليه السلام، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُ ذَنْبًا، فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِرُوحِ اللَّهِ وَكَلِمَتِهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَيُؤْتَى (2) عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم، فَيُطْلَبُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ: مَا أَنَا بِصَاحِبِكُم، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَيَأْتُونِي وَلِي عِنْدَ رَبِّي ثَلَاثُ شَفَاعَاتٍ وَعَدَنِيهنَّ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي الْجَنَّةَ، فَآخُذُ بِحَلْقَةِ الْبَابِ، ثُمَّ أَسْتَفْتِحُ، فَيُفْتَحُ لِي فَأُحَيَّا وَيُرَحَّبُ بِي، فَإِذَا أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَنَظَرْتُ إِلَى رَبِّي تبارك وتعالى خَرَرْتُ سَاجِدًا، فَيَأْذَنُ اللَّهُ لِي مِنْ حَمْدِهِ وَتَمْجِيدِهِ شَيْئًا مَا أَذِنَ بِهِ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَسَلْ تُعْطَهْ، فَإِذَا رَفَعْتُ رَأْسِي، قَالَ اللَّهُ -وَهُوَ أَعْلَمُ: مَا شَأْنُكَ؟ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، وَعَدْتَنِي الشَّفَاعَةَ، فَشَفِّعْنِي فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: قَدْ شَفَّعْنَاكَ (3)، وَأَذِنْتُ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (4) يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، مَا أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْرَفَ بِأَزْوَاجِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِأَزْوَاجِهِمْ وَبِمَسَاكِنِهِمْ، فَيَدْخُلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِمَّا يُنْشِيءُ اللَّهُ عز وجل، وَثِنْتَيْنِ آدَمَيَّتَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ عليه السلام، لَهُمْ فَضْلٌ لِعِبَادَتِهِمَا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا، فَيَدْخُلُ الْأَوَّلُ مِنْهُمْ فِي غُرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ، وَعَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةً مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ، ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ
(1) في «ب» (فيأتون)، وسقط ذكر موسى عليه السلام من «ش» .
(2)
في «ب» (فيأتون) ..
(3)
في «ب» (شفعتك).
(4)
نهاية الخَرم الواقع في «ث» ..
بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مُخِّ سَاقِهَا، كَمَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى السِّلْكِ فِي قَصَبَةِ الْيَاقُوتِ، كَبِدُهَا لَهُ مِرْآةٌ، وَكَبِدُهُ لَهَا مِرْآةٌ، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا وَلَا تَمَلُّهُ، مَا يَأْتِيهَا مَرَّةً إِلَّا وَجَدَهَا عَذْرَاءَ، مَا يَفْتُرُ ذَكَرُهُ، وَلَا يَشْتَكِي قُبُلُهَا، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا أَنَّكَ لَا تَمَلُّ، ولا تُمَلَّ إِلَّا أَنَّهُ لَا مَنِيَّ وَلَا مَنِيَّةَ، إِلَّا أَنَّ لَكَ أَزْوَاجًا غَيْرَهَا، فَيَخْرُجُ فَيَأْتِيهُنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، كُلَّمَا جَاءَ وَاحِدَةً قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَرَى فِي الْجَنَّةِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْكَ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ، فَإِذَا رُفِعَ أَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ رُفِعَ فِيهَا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ رَبِّكَ قَدْ أَوْبَقَتْهُمْ أَعْمَالُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى قَدَمَيْهِ لَا تُجَاوِزُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ
تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ فِي جَسَدِهِ كُلِّهِ إِلَّا وَجْهَهُ يُحَرِّمُ اللَّهُ -تَعَالَى- صُورَتَهُمْ عَلَيْهَا.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، مَنْ وَقَعَ فِي النَّارِ مِنْ أُمَّتِي، فَيَقُولُ جَلَّ وعَزَّ: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ عَرَفْتُمْ، فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ، حَتَّى لا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ عز وجل فِي الشَّفَاعَةِ، فَلَا يَبْقَى نَبِيُّ، وَلَا شَهِيدٌ، إِلَّا شَفِعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل: أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ زِنَةَ الدِّينَارِ إيمانًا، فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُم أَحَدٌ، ثُمَّ يَشْفَعُ اللَّهُ عز وجل يَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ ثُلُثَيِ الدِّينَارِ إِيمَانًا، وَنِصْفَ دينار، وَرُبُعَ دِينَارٍ، ثُمَّ يَقُولُ: قِيرَاطٌ، ثم يَقُولُ: حَبَّةٌ مِنْ خَرْدَلٍ، فَيَخْرُجُ أُولَئِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَحَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ لَهُ شَفَاعَةٌ إِلَّا شَفَعَ، حَتَّى إِنَّ إِبْلِيسَ -لَعَنَهُ اللَّهُ- لَيَتَطَاوَلُ لِمَا يَرَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ؛ رَجَاءَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: بَقِيتُ أَنَا، وَأَنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَيُخْرِجُ مِنْهَا
مَا لَا يُحْصِيهِ كَثْرَةً، كَأَنَّهُمُ الْجَمْرُ يُثَبِّتُهُمُ اللَّهُ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ: الْحَيَوَانُ، فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، مَا يَلِي الشَّمْسَ مِنْهَا أُخَيْضِرُ، وَمَا يَلِي الظِّلَّ مِنْهَا أُصَيْفِرُ، فَيَنْبُتُونَ كَنَبَاتِ الطَّرَاثِيثِ، حَتَّى يَكُونُوا أَمْثَالَ
الدُّرِّ، مَكْتُوبَة فِي رِقَابِهِمُ الْجَهَنَّمِيُّونَ عُتَقَاءُ اللَّهِ عز وجل، فَيَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ بِذَلِكَ الْكِتَابِ، مَا عَمِلُوا خَيْرًا قَطُّ، فَيَمْكُثُونَ فِي الْجَنَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَذَلِكَ الْكِتَابُ فِي رِقَابِهِمْ، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا، امْحُ عَنَّا هَذَا الْكِتَابَ، فَيَمْحَاهُ عَنْهُمْ» (1).
(1) أخرجه ابن أبي الدنيا في «الأهوال» (55)، ومحمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (273)، وأبو يعلى كما في «البداية والنهاية» (19/ 310)، والطبري في «التفسير» (24/ 386)، من طريق إسماعيل بن رافع، به بنحوه.
وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (19/ 322): «هذا حديث مشهور، رواه جماعة من الأئمة في كتبهم، كابن جرير في تفسيره، والطبراني في الطوالات وغيرها، والبيهقي في كتاب «البعث والنشور» ، والحافظ أبي موسى المديني في الطوالات أيضًا، من طرق متعددة، عن إسماعيل بن رافع قَاصِّ أهل المدينة، وقد تُكُلِّمَ فيه بسببه، وفي بعض سياقاته نكارة واختلاف، وقد بينت طرقه في جزء مفرد، قلت: وإسماعيل بن رافع المديني ليس من الوضاعين، وكأنه جمع هذا الحديث من طرق وأماكن متفرقة، وساقه سياقة واحدة، فكان يقص به على أهل المدينة، وقد حضره جماعة من أعيان الناس في عصره، ورواه عنه جماعة من الكبار; كأبي عاصم النبيل، والوليد بن مسلم، ومكي بن إبراهيم، ومحمد بن شعيب بن شابور، وعبدة بن سليمان، وغيرهم، واختلف عليه فيه قتادة، يقول: عن محمد بن يزيد، عن محمد ابن كعب، عن رجل، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وتارة يسقط الرجل».