الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقد تكررت كلمة (أمدحه) وكلمة (لمته) مما أدى إلى الثقل الذي تراه في البيت، وليس التنافر ناشئاً من اجتماع الحاء والهاء، لأنه ثقل محتمل، فقد جاء في قوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} [الطور: 49] وإنما نشأ من اجتماع الكلمتين.
ثالثاً: أن يكون الكلام خالياً من التعقيد
، والتعقيد معناه: ألا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى المراد، وله سببان:
السبب الأول: (لفظي):
وهو ألا يكون ترتيب الألفاظ على وفق ترتيب المعاني، بسبب تقديم أو تأخير، أو حذف، أو إضمار، أو غير ذلك مما يوجب صعوبة فهم المراد، فيختل نظم الكلام ولا يدري السامع كيف يتوصل منه إلى معناه، كقول الفرزدق في مدح خال هشام بن عبد الملك:
وما مثله في الناس إلا مملكا
…
أبو أمه حي أبوه يقاربه
أي: ليس كمثله في الناس حي يقاربه، أي حي يشبهه في الفضائل إلا مملك أعطى الملك والمال، أبو أمه، أي أبو أم ذلك المملك أبوه، أي: أبو الممدوح والجملة صفة مملكا، أي لا يماثله أحد إلا ابن أخته الذي هو هشام، وكان حقه أن يقول: وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملك أبو أمه أبوه، ولكنه فصل بين المبتدأ والخبر وهو:(أبو أمه أبوه) بالأجنبي وهو: حي وبين الصفة والموصوف وهو: (حي يقاربه) بالأجنبي الذي هو: أبوه، وقدم المستثنى، وهو:"مملكا" على المستثنى منه، وهو:"حي".
فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي: هو ما سلم نظمه من الخلل، فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار، أو غير ذلك إلا وقد قامت عليه قرينة لفظية، أو معنوية.
والسبب الثاني: (معنوي)
وهو ألا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المعنى المراد منه بسبب الخلل في انتقال الذهن من المعنى الأول المفهوم بحسب اللغة إلى المعنى الثاني المقصود، وذلك الخلل يكون بإيراد اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة مع خفاء القرائن الدالة على المقصود، كما في قول العباس بن الأحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا
…
وتسكب عيناي الدموع لتجمدا
فقد جعل سكب الدموع - وهو البكاء- كناية عما يستلزمه فراق الأحبة من الكآبة والحزن، وهذا كلام صحيح سليم، لأنه كثيراً ما تجعل الدموع دليلاً على الكآبة والحزن، يقال: أبكاني الدهر وأضحكني، أي: ساءني وسرني، ولكنه أخطأ في الكناية عما يوجبه دوام التلاقي والوصال من الفرح والسرور بجمود العين، وذلك لأن الانتقال من جمود العين إلى بخلها بالدموع حال إرادة البكاء، وهي حالة الحزن على مفارقة الأحبة، لا إلى ما قصده الشاعر من السرور الحاصل بملاقاة الأصدقاء ومواصلة الأحبة.
ولهذا لا يقال في الدعاء: لا زالت عينك جامدة. كما يقال: لا أبكى الله عينك، ويقال: سنة جماد لا مطر فيها، وناقة جماد: لا لبن فيها، كأنهما تبخلان بالمطر واللبن.
ومعنى بيت ابن الأحنف: إني اليوم أطيب نفساً بالبعد والفراق وأوطنها على مقاساة الأحزان والأشواق وأتجرع غصصها، وأحتمل لأجلها حزناً يفيض الدموع من عيني، لا تسبب بذلك إلى وصل يدوم ومسرة لا تزول، فإن الصبر مفتاح الفرج، ومع كل عسر يسر، ولكل بداية نهاية.
وقيل: ومما يخل بفصاحة الكلام: كثرة التكرار، وتتابع الإضافات، فمن كثرة التكرار قول أبي الطيب:
أهم بشيء والليالي كأنها
…
تطاردني عن كونه وأطارد
وحيد من الخلان في كل بلدةٍ
…
إذا عظم المطلوب قل المساعد
وتسعدني في غمرةٍ بعد غمرة
…
سيوح لها منها عليها شواهد
فقد كرر الضمائر في قوله: (لها منها عليها).
ومن تتابع الإضافات قول ابن بابك.
حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي
…
فأنت بمرأى من سعاد ومسمع
ولكن هذا القول مردود بأن: كلا من كثرة التكرار، وتتابع الإضافات، إن ثقل اللفظ بسببها على اللسان، فقد حصل الاحتراز عنه بالتنافر، وإلا فلا تخل