الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التدبيج:
من الطباق نوع يسمى تدبيجًا؛ وهو: أن يذكر في معنى- كالمدح أو غيره- ألوان بقصد الكناية، أو التورية.
أما تدبيج الكناية:
فكقول أبي تمام من قصيدة في رثاء محمد بن حميد:
تردى ثياب الموت حمرًا فما أتى
…
لها الليل إلا وهي من سندس خضر
ومعنى (تردي ثياب الموت): اتخذها رداء؛ والمراد بثياب الموت: ما كان يليه وهو يحارب، وإنما كانت حمرًا لأنها احمرت بدم القتلى، والسندس رقيق الحرير، والأول كناية عن القتل، والثاني كناية عن دخول الجنة.
وقد طابق هنا (حمرا) و (خضر)
وقول ابن حيوس:
إن ترد علم حالهم عن يقين
…
فالقهم يوم نائل أو نزال
تلق بيض الوجود سود مثار النقع
…
خضر الأكناف حمر النصال
النائل هو: العطاء، والنزال هو: القتال، ومثار النقع: غبار الحرب، والأكناف: جمع كنف وهو الجانب، وخضرتها: كناية عن سواد دروعها لأن العرب تسمى الضارب إلى السواد أخضر، وحمر النصال: كناية عن قتل الأعداء بها؛ وقوله: بيض الوجود: كناية عن كرمهم؛ وما بعده: كناية عن شجاعتهم.
وأما تدبيج التورية:
فكقول الحريري: (قد ازور المحبوب الأصفر، واغبر العيش الأخضر، وأسود يومي الأبيض، وأبيض فودى الأسود، حتى رئى لي العدو الأزرق؛ فيا حبذا الموت الأحمر).
ففي قوله: (ازور المحبوب الأصفر) تورية بالذهب
ما يلحق بالطباق: يلحق بالطباق أمران:
أولهما: أن يجمع بين معنيين لا يتنافيان في ذاتهما، ولكن يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر بسببه أو لزومه أو نحوهما؛ نحو قول الله تعالى:{أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] وذلك لأن الشدة لا تقابل الرحمة؛ وإنما تقابل اللبن الذي هو سبب في الرحمة.
ومنه قول الله تعالى: {َمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القصص: 73] وذلك لأن السكون لا يقابل ابتغاء الفضل، وإنما يقابل الحركة اللازمة لابتغاء الفضل، وقد عدل عن لفظ الحركة لأن الحركة نوعان: حركة لمصلحة، وحركة لمفسدة، وقد قصدت الحركة الأولى ولم تقصد الثانية. ومن فاسد هذا النوع قول أبي الطيب:
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها
…
سرور محب أو إساءة مجرم؟
وذلك لأن ضد المحب: هو المبغض؛ ولكن المجرم قد لا يكون مبغضًا.
وثانيهما: ما يسمى: إبهام التضاد، وهو أن يجمع بين معنيين غير متقابلين ولكن عبر عنهما بلفظين متقابلين في معنييهما الحقيقيين، وذلك كقول دعبل الخزاعي:
لا تعجبي- يا سلم- من رجل
…
ضحك المشيب برأسه فبكى!
استعار الضحك للمشيب برأسه استعارة تبعية؛ لظهوره التام برأسه؛ لأن كلا منهما يشبه الآخر في اللون، وقد طابق بين (ضحك) و (بكى) والضحك- في البيت- لا يضاد البكاء؛ لأن الضحك في البيت معناه: ظهور الشيب، ولكن المعنيين الحقيقيين متضادان.
وقول أبي تمام في الشيب:
له منظر في العين أبيض ناصع
…
ولكنه في القلب أسود أسفع
الأبيض الناصع هو: الشديد البياض؛ والأسود الأسفع هو: الأسود إلى حمرة. وقد استعار (الأسود الأسفع) لما يحدثه منظره في نفسه من الهم والحزن فمعناه الحقيقي هو الذي يقابل ما قبله لا المجازي. وقوله- أيضًا-:
وتنظري خبب الركاب ينصها
…
محيي القريض إلى مميت المال
فمحيي القريض: كناية عن نفسه، ومميت المال كناية عن الممدوح.
والشاهد في البيت هو أن المراد من (المحيي) والمراد من (المميت) في البيت غير متضادين ولكن معنييهما الحقيقيين متضادان.