الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: (وجه الشبه)
وجه الشبة: هو "المعني الذي قصد إشراك الطرفين فيه" وذلك كالشجاعة في قولك: (أبطالنا كالأسود في الشجاعة) وكالسرعة في قولك: (نسورنا إذا جد الجد كالريح في ضرب الأهداف) وكالجمال في قولك: (وجه كالبدر ليلة التمام) فكل من: الشجاعة، والسرعة، والجمال وجه شبه لأنه المعني الذي اشترك الطرفان فيه في قصد المتكلم.
وقد قسوا التشبيه باعتبار الوجه إلى تقسيمات عدة:
أ- تحقق الوجه أو تخيله:
ينقسم التشبيه بهذا الاعتبار إلى قسمين: "تحقيق" و "تخيلي":
أما التحقيقي: فهو ما يكون وجه الشبة فيه قائما بالطرفين حقيقة، وذلك كما في قول الشاعر:
وأدهم كالغراب سواد لون
…
يطير مع الرياح ولا جناح
فقد شبه الشاعر الفرس الأدهم بالغراب في لونه وهو السواد، فوجه الشبه بين الطرفين هو: السواد، وهو متحقق ببن الطرفين.
وكما ترى من قول أمير الشعراء يصف "زحلة":
والنيراتُ من السحاب مطلةٌ
…
كالغيد من ستر ومن شباك
وكأن كل ذؤابة من شاهق
…
... ركن المجرة أو جدار سماك
فقد شبه النجوم بين السحاب بالغيد بين الستر والشباك، ووجه الشبة هو: ظهور أجسام بيضاء من بين ما يحببها، وهذا الوجه متحقق بين الطرفين حقيقة.
ووجه الشبه هو الارتفاع وهو متحقق في الطرفين كليهما على وجه الحقيقة.
وأما التخيلي: فهو: ما لا يكون وجه الشبة فيه قائماً بالطرفين أو بأحدهما إلا تخيلاً، فمثال ما كان الوجه فيه متخيلاً في الطرفين قولك:"صوت هذا المغنى، كصوت البلبل في الحلاوة" فقد شبهت صوت المغني بصوت البلبل في الحلاوة،
والحلاوة ليست داخلة في صوت المغني ولا في صوت البلبل إلا تخيلاً؛ لأنها مما يذاق والصوت مما يسمع.
ومثال ما كان الوجه فيه متخيلاً في أحد الطرفين: قولك: "لمحمد سيرةٌ كرائحة العطر" و "له خلق كأريج المسك" وذلك لأنه لما ذاع وصف كل من السيرة والأخلاق بالطيب مبالغة، ساغ أن تتخيل أنها من ذوات الرائحة الطيبة، فوجة الشبة - وهو الرائحة الطيبة - متخيل في المشبه في المثالين.
ومن هذا النوع قول القاضي التنوخي:
رب ليل قطعته بصدود
…
... وفراق ما كان فيه وداع
موحش كالثقيل تقذى به
…
... العين وتأبى حديثه الأسماع
وكأن النجوم بين دجاه
…
... سنن لاح بينهن ابتداع
فقد شبه الشاعر - في البيت الأخير - النجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع ووجه الشبة هو الهيئة الحاصلة من اجتماع أشياء بيض مشرقة في جوانب شيء مظلم.
غير أن هذه الهيئة موجودة على وجه التحقيق في المشبه - وهو النجوم بين الدجى - ولكنها ليست موجودة على وجه التحقيق في المشبه به - وهو السنن بين الابتداع.
وذلك لان الإشراق - وهو أمر حسي - لا تتصف به السنة لأنها أمر عقلي، كما أن الإظلام - وهو أمر حسي أيضاً - لا تتصف به البدعة لأنها أمر عقلي كذلك.
ولهذا كان الشبة غير متحقق في المشبه به إلا تخيلاً.
والتشبيه في البيت السابق من قيل تشبيه المفرد المقيد، وهو النجوم مقيدة بكونها بين الدجى بالمفرد المقيد وهو:"السنن" مقيدة بكونها بين الابتداع.
غير أن في عبارة الشاعر قلباً، وذلك لأنه جعل النجوم بين الدجى في جانب المشبه فكان من الواجب أن يجعل السنن بين الابتداع في جانب المشبه به لتصح المقابلة.
ولعل الشاعر قد لاحظ نكتة في هذا القلب، وهي الإشارة إلى كثرة السنن في زمانه، وأن البدع كانت قليلة، بحيث كانت خروجا على العرف العام في تمسك الناس بالسنة.
ومن التشبيه التخيلي قول الشاعر:
يا من له شعر كحظي أسود
…
جسمي نحيل من فراقك أصفر
فقد شبه شعر حبيبته بحظه في السواد بيد أن وجه الشبه - وهو السواد - متحقق في الشعر متخيل في الحظ كما ترى، ومنة قول أمير الشعراء - في وصف الطبيعة: -
والياسمين: لطيفهُ ونقية
…
كسريرة المتنزه السماح
فقد شبه الشاعر الياسمين في صفائه ونقائه، بسريرة المنزه السماح في صفائها ونقائها، بيد أن وجه الشبه وهو: الصفاء والنقاء متحقق في الياسمين متخيل في السريرة.
وقول يصف الطبيعة - أيضاً: -
وعلى الخواطر رقةٌ وكآبةٌ
…
كخواطر الشعراء في الأتراح
فقد شبه الشعر "الخواطر" - وهى نوع من الزهر - بخواطر الشعراء في الأحزان في الرقة والسواد، غير أن وجه الشبه -وهو الرقة والسواد - متحقق في المشبه وهو خواطر الزهر: متخيل في المشبه به "وهو خواطر الشعراء".
وينبغي أن تكون على ذكر من أنه لا يجوز تشبيه المحسوس بالمعقول إلا على سبيل التخيل والافتراض، بأن تتخيل المعقول محسوساً وتفترضه أصلاً في وجه الشبه مبالغة وادعاءً.
كما أنه ينبغي أن تكون على ذكر من أنه لابد من وجرد وجه الشبة في الطرفين، سواء كان متحققاً أو كان متخيلاً، فإذا لم يكن كذلك فإنه لا يجوز أن يكون وجه شبه.
وعلى هذا فقولهم: "النحو في الكلام، كالملح في الطعام" لا يجوز أن يكون وجه الشبه كون القليل مصلحا والكثير مفسداً، ولكن وجه الشبة هنا هو: الصلاح إذا