الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما أنها قالوا: إن المراد بالعقلي: هو ما لا يرك هو ولا مادته بإحدى الحواس الظاهرة، لعدم وجوده خارجًا، ولكن بحيث لو وجد لم يدرك إلا بها. ليدخل فيه: التشبيه الوهمي، وهو: ما اخترعه الوهم من عنده، من غير أن يكون له، ولا لمادته وجود في الخارج، كما في قول امرئ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي
…
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وكما في قوله تعالى: (في شجرة الزقوم): {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65].
فأنياب الأغوا ورؤوس الشياطين لا وجود لها ولا لمادتها، وإنما هي من اختراعات الوهم وافتراءاته (1)، ولكننا لو افترضنا وجودها، لا ندركها إلا بالحس الظاهر.
ب- إفراد الطرفين وتركيبها:
والتشبيه "بهذا الاعتبار" ينقسم إلى أربعة أقسام:
1 - تشبيه مفرد بمفرد:
وهما إما أن يكون غير مقيدين، كتشبيه الخد بالورد وإما أن يكون مقيدين، كقولهم لمن لا يحصل من سعيه على طائل: هو كالراقم على الماء. فالمشبه هو الساعي المقيد بأنه لا يحصل من سعيه على شيء، والمشبه به المقيد بكون رقمه على الماء لأن وجه الشبه هو: التسوية بين الفعل وعدمه وهو موقوف على اعتبار هذين القيدين.
وكأن تقول: "علم بلا عمل كشجرة بلا ثمر"، فالمشبه هو: العلم المقيد بكونه بلا عمل، والمشبه به هو: الشجرة المقيدة بكونها بلا ثمر، وذلك لأن وجه الشبه هو: انعدام الفائدة في كل منهما، فالعلم الذي لا يعمل به لا فائدة منه، كما أن الشجرة التي تثمر لا فائدة منها، فوجه الشبه إذا متوقف على اعتبار هذين القيدين.
ومنه قول الشاعر:
إني وتزييني بمدحي معشرا
…
كمعلق دراً على خنزير
خنزير يريد تزيينه.
(1)
…
على كان معروفًا عند العرب من الاشمئزاز والنفور عند ذكرها، فخاطبهم القرآن بما هو معهود عندهم ليؤثر فيهم. أهـ. المصحح.
والمشبه "كما ترى" مقيد بحال، وهو قوله:"وتزييني"، كما أن المشبه به مقيد بمفعول وجار ومجرور، وهما قوله "دًرا على خنزير".
ووجه الشبه هو: "هيئة من يضيع الشيء في غير موضعه" وهو متوقف على القيدين كما رأيت، ومنه قول شهاب الدين التلغفري، يصف الشمس عند شروقها:
ولاحت الشمس تحكى عند مطلعها
…
مرآة تبر بَدَت في كفَّ مُرتعش
فقد شبه الشمس عند شروقها بمرآة من تبر في يد مرتعشة، فالشمس مقيدة بوقت طلوعها، والمرآة مقيدة بكونها من تبر وبكونها في يد مرتعشة، ووجه الشبه: هو الهيئة الحاصلة من الاستدارة والحركة السريعة المتصلة مع تموج الإشراق، وهذه الهيئة لا تتحقق إلا بما ذكر من قيود في طرفي التشبيه.
وقد يكون المشبه مطلقاً والمشبه به مقيداً، وذلك كما في قول الشاعر:
والشمس كالمرأة في كف الأشل
…
لما رأيتها بدت فوق الجبل
فقد شبه الشاعر الشمس "وهى مطلقة من التقيد" بالمرآة "وهي مقيدة" بكونها فئ يد الأشل، ووجه الشبة: هو الهيئة التى سبق أن عرفتها من البيت السابق وتلك الهيئة لا تتحقق إلا بذكر القيد المذكور.
ومنة قول أمير الشعراء:
ومصر كالكرم ذي الإحسان فاكهة
…
لحاضرين، وأكواب لبادينا
فقد شبه الشاعر مصر بالكرم زى الفوائد الجليلة، فخيراتها ينعم بها الحاضر والبادي على حد سواء، فالمشبه وهو مصر غير مقيد "لفظاً" بشيء، والمشبه به وهو الكرم مقيد بقيد، وهو قوله:"ذي الإحسان"، ووجه الشبه هو: عموم النفع في كل، وهو لا يتحقق إلا بالقيد المذكور.
وقد يكون المشبه مقيداً والمشبه به مطلقاً، وذلك كأن تقول:
(كأنَّ القائد - وهو يهجم على الأعداء - خالد بن الوليد)