الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بثينة ما فيها إذا ما تبصرت
…
معاب وما فيها إذا نسبت أشب
والثالث مثل قولك: (الله ربنا) و (محمد نبينا).
5 - إظهار تعظيمه أو تحقيره:
وذلك إذا كان اللفظ مشعراً بالتعظيم أو التحقير، إما بنفسه كقولك:(أبو الفضل عندنا) و (أبو الجهل رحل عنا) أو بإضافة كقولك: (ابن الأمير قادم) و (ابن الخادم راحل) أو بوصف كقولك: (رجل فاضل عندنا) وقولك: (رجل جاهل مر بنا).
6 - إفادة تخصيص المسند إليه بالمسند، أو إفادة تقوى الحكم، وذلك إذا كان المسند فعلاً رافعاً لضمير المسند إليه
، وقد وقع المسند إليه بعد أداة النفي، مثال ذلك أن تقول:(ما محمد قال هذا الشعر) و (ما أنا رأيت هذا الرجل) و (ما طالب أحضر هذا الكتاب) فتقديم المسند إليه في تلك الأمثلة مفيد لتخصيص المسند إليه بالمسند سواء أكان المسند إليه اسماً ظاهراً معرفة، أو ضميراً أو نكرة، لأنه قد وقع بعد أداة نفي.
فقد نفيت قول الشعر عن محمد خاصة وأثبته لغيره، ونفيت عنك خاصة رؤية هذا الرجل وأثبتها لغيرك، ونفيت إحضار هذا الكتاب عن جنس الطلاب وأثبته لغيره.
وقد رأيت من الأمثلة السابقة أن هذا الأسلوب قد أفاد أمرين:
أولهما: انتفاء الحكم عن المسند إليه، والآخر: ثبوت هذا الحكم لغيره، غير أن انتفاء الحكم قد دل عليه منطوق العبارة، أما ثبوتها لغير المسند إليه فقد دل عليه مفهومها.
فهذا الأسلوب لا يكون إلا في شيء ثبت حصوله فعلاً، ويراد نفي حصوله عن المسند إليه خاصة.
ولهذا لا يصح أن يقال: ما أنا رأيت هذا الرجل ولا غيري، لأن منطوق (لا غيري) يتنافى مع مفهوم العبارة، لأن مفهوم (ما أنا رأيت هذا الرجل) ثبوت هذه الرؤية للغير، ومعنى (لا غيري) نفيها عنه وهما متناقضان.
فإذا لم يقع المسند إليه بعد أداة نفي بأن لم يكن في الكلام نفي أصلاً كما في قولك: (محمد سعى في حاجتك) و (أنا كتبت في شأنك) أو كان في الكلام نفى، ولكنه تأخر عن المسند إليه كما في قولك:(محمد ما سعى في حاجتك) و (وأنا ما
كتبت في شأنك) فإن كان المسند إليه معرفة، اسماً ظاهراً أو ضميراً - كما مثلنا- جار أن يراد من التركيب التخصيص، وأن يراد منه تقوى الحكم حسبما يتطلبه المقام، فإن كان المتكلم في مقام الرد على منازع في الحكم، كان الكلام مفيداً للتخصيص، وإن كان القصد إلى مجرد الحكم على المسند إليه دون نظر إلى التعرض للرد على منازع، كان الكلام مفيداً لتقوى الحكم في ذهن السامع.
وإن كان المسند إليه نكرة - كما إذا قلت: (رجل أعد هذه المائدة) أفاد التركيب تخصيص الجنس أو الوحدة، ويكون المعنى: رجل لا امرأة، أو: رجل لا رجلان.
وهذا هو رأى الإمام عبد القاهر الجرجاني، وهو المعول عليه عند البلاغيين، ويتلخص هذا الرأي فيما يلي:
إن كانت أداة النفي سابقة على المسند إليه - سواء أكان معرفة أو نكرة- أفاد الكلام التخصيص قطعاً، وإن لم تسبقه أداة نفي، بأن لم توجد في الكلام أصلاً، أو كانت متأخرة عنه، وكان المسند إليه معرفة "ظاهراً أو ضميراً"، احتمل الكلام التخصيص والتقوى حسبما يقتضيه المقام، وإن كان نكرة أفاد التخصيص قطعاً وسواء وقعت بعد نفي أو لا.
والسر في إفادة التقرير تقوى الحكم في مثل قولك: (محمد يعطى الجزيل) هو: تكرر الإسناد، وذلك لأن المبتدأ - كما هو معلوم- يطلب الخبر، فإذا جاء الفعل بعد صرفه إلى نفسه، ثبت له، فإذا كان الفعل متضمناً لضميره صرفه ذلك الضمير إليه، فثبت له مرة أخرى؛ وبذلك يتكرر الإسناد، فيكتسي الحكم قوة.
فقولك: (محمد يعطى الجزيل) قد أفاد تقوى الحكم، لأن الفعل فيه وهو:(يعطى) قد أسند مرتين: مرة إلى (محمد) ومرة إلى ضميره المستتر في الفعل فهو بمثابة قولك: (يعطى محمد الجزيل، يعطى محمد الجزيل) ويتكرر الإسناد بتقوى الحكم فيثبت في ذهن السامع.
ومثل هذا التقوى يجري في حالة النفي - أيضاً - فقولك: (محمد لا يعطي الجزيل) قد أفاد قوة الحكم وهو نفي إعطاء الجزيل، لتكرر الإسناد، فقولك:(أنت لا تكذب) أقوى في نفي الكذب من قولك: (لا تكذب أنت) لتكرر الإسناد.
7 -
إفادة عموم السلب، وذلك إذا كان المسند إليه من أدوات العموم مثل:"كل، وجميع، ولم تقع في حيز النفي، كأن تتقدم على النفي لفظاً ورتبة، كقولك: كل بائع لم يغش" فقد تقدمت (كل) على أداة النفي لفظاً ورتبة، أما في اللفظ فواضح، وأما في الرتبة، فلأنها مبتدأ، ورتبة المبدأ التقدم على الخبر، فقد أفاد هذا التركيب عموم السلب؛ فالغش في المثال منفي عن جميع البائعين بلا استثناء.
والسر في إفادة مثل هذا التركيب عموم السلب: أنك إذا بدأت بأداة العموم كنت قد بنيت النفي عليها، وسلطت الكلية عليه وأعملتها فيه، وذلك يقتضي شمول النفي.
أما إذا وقعت أداة العموم في حيز النفي، بأن وقعت بعده لفظاً ورتبة، أو رتبة فقط، لم يكن النفي عاماً، بل أفاد الكلام ثبوت الحكم لبعض الأفراد دون بعض.
أما وقوع أداة العموم في حيز النفي لفظاً ورتبة، فمثاله قول أبي العتاهية:
ما كل رأي الفتى يدعو إلى رشد
…
إذا بدا لك رأي مشكل فقف
وقولك: ما حضر الطلاب كلهم، وما حضر كل الطلاب، ولم أكتب البيانات كلها، ولم أكتب كل البيانات، فقد وقعت أداة العموم بعد النفي لفظاً ورتبة في كل تلك الأمثلة. وأما وقوع أداة العموم في حيز النفي في الرتبة فقط، فمثاله قولك: كل البيانات لم أكتب، والبيانات كلها لم أكتب بنصب (كل) فيهما.
وأما قول الله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 23] وقوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276] فإفادة الآيتين لعموم السلب ونفى الحكم من كل فرد إنما جاء من قرينة خارجية، هي تحريم الاختيال والكفر، وإلا فإن التركيب في أصل وضعه لا يفيد العموم.
8 -
("مثل" و"غير") إذا استعلمنا على طريق الكناية في نحو قولهم: (مثلك يرعى الود) و (غيرك لا يفي)؛ على معنى: أنت ترعى الود، وأنت تفي، من غير أن يقصدوا إلى التعريض بأحد، أي لا يريدون "بمثل" أو "غير" غير ما أضيفتا إليه، لأنهم يقصدون إثبات رعاية الود للمخاطب في الأول، وإثبات الوفاء له في الثاني من طريق الكناية، لأنه أبلغ.
وتوضيح ذلك فيما يلي:
أ- إذا قلت: (مثلك يرعى الود) كنت قد أثبت رعاية الود لكل من هو مثل المخاطب في صفاته والمخاطب متصف بها، فهو فرد من هذا العام، فلزم ثبوت رعاية الود له؛ لأن الحكم على العام ينسحب على كل فرد من أفراده، فقد أطلق الملزوم - وهو إثبات رعاية الود للمماثل-، وأريد اللازم وهو إثباتها للمخاطب.
ومنه قول أبي الطيب المتنبي يعزي عضد الدولة:
مثلك يثني الحزن عن صوبه
…
ويسترد الدمع من غربه
أي: إنه قدير على دفع الحزن، ورد الدمع إلى مجراه.
ب- وإذا قلت: (غيرك لا يفي) كنت قد نفيت الوفاء عن كل من عدا المخاطب، فلزم قيامها بالمخاطب ضرورة وجودها إما في المخاطب وإما في غيره، فإذا انتفت عن غيره فقد ثبتت له، فقد أطلق الملزوم وهو نفي الوفاء عن كل من عدا المخاطب وأريد اللازم - وهو إثباته للمخاطب.
ومثله قول أبي تمام:
وغيري يأكل المعروف سحتاً
…
وتشجب عنده بيض الأيادي
أي: إنه لا يجحد الصنيعة، ولا ينكر المعروف.
والسر في أن الأسلوب الكنائي أبلغ هو الكناية كدعوى الشيء ببينة، فقولك:(مثلك يرعى الود) معناه: أنت ترعى الود، لأن من كان على صفاتك يرعاه. وقولك:(غيرك لا يفي) معناه: أنت تفي؛ لأن غيرك لا يفي، والدعوى إذا جاءت مشفوعة بالبينة كانت أكد وأقوى من دعوى لا تؤيدها بينة.
ولما كان استعمال (مثل) و (غير) كنايتين مفيداً لإثبات الحكم من طريق أبلغ، وكان تقديمهما مما يعين على هذا الغرض -إذا فيهما تقديم للمسند إليه على الخبر الفعلي- لم يردا في استعمالات العرب إلا مقدمين.
****