الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاجة إليها، وما إن رجوها أن تمطرهم حتى انقشعت عنهم وذهبت وتركتهم في حيرة ويأس
فالوجه منتزع من أمرين متصلين هما: ابتداء مطمع، وانتهاء مؤيس، وقد تضمن الشطر الأول الأمر الأول، إذ منعاه: أن الغمامة ظهرت لقوم يرجون الماء لشدة احتياجهم إليه، فقد أطمعتهم أول الأمر، إذ عرضت لهم.
وتضمن الشطر الثاني الأمر الثاني، إذ معناه: أن الغمامة قد خذلتهم وتولت عنهم وتركتهم في حياة ويأس، فالشطر الأول قد تضمن ابتداء مُطمعاً، والشطر الثاني تضمن انتهاء مؤيساً.
ولهذا فإنه لا يمكن انتزاع وجه الشبه من الشطر الأول فقط، لأن الوجه - كما سبق - مركب من الأمرين جميعاً، ولو اقتصر على الشطر الأول لما صلح التشبيه لأنه لم يف بالمعنى المقصود.
أما في التشبيه المتعدد فإنه لا يصح لك أن تقتصر على شيء واحد - في وجه الشبة - من الأمور المتعددة فيه، كما سبق أن عرفت في تشبيه فاكهة بأخرى في الطعم والرائحة واللون - كما أنه يصح لك أن تحذف أحدها - فلو حذفت لظل الباقي على ما هو علية في إفادة معناه.
ج- حسية الوجه أو عقليته:
والتنبيه بهذا الاعتبار ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما كان وجه الشبة فيه حسياً
، أي مدركا بالحس الظاهر، سواء أكان منفرداً، أو مركباً، أو متعدداً.
فالمفرد الحسي: كالحمرة في قولك: (خد ًّكالورد) وكالنعومة، كما في قول الشاعر:
لها بشر مثل الحرير ومنطق
…
رخيم الحواشي لا هراء ولا هزر
وكالطيب في قولك: (لها رائحة كرائحة الأزهار).
والمركب الحسي: قد يكون طرفاه مركبين، كما في قول بشار:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا
…
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
فوجه الشبة - كما علمت - هو الهيئة المركبة من تساقط أجرام مستطيلة متساوية المقادير متناثرة في جوانب شيء مظلم، وتلك هيئة حسية تدرك أجزاؤها بحاسة البصر، والطرفان مركبان، إذ لم يقصد الشاعر تشبيه النقع بالليل، ولا السيوف بالكواكب، ولكنة أراد تشبيه هذه الهيئة بتلك الهيئة - كما سبق أن عرفت: -
وقد يكون طرفاه مفردين - عقيدين - كما في قول قيس بن الخطيم:
وقد لاح في الصبح الثريا كما ترى
…
كعنقود ملاحية حين نوراَّ
فوجه الشبة هو هيئة اجتماع صور مستديرة، صغار المقادير في مرأى العين على وضع خاص، وتلك الهيئة حسية، والطرفان هما:"الثريا" و "العنقود" وهما مفردان مقيدان، أما الثريا: فمقيدة بكونها في وقت الصبح وأما العنقود: فمقيد بكونه حين نور.
وقد يكون طرفاه مختلفين إفراداً وتركيباً، كما سبق أن عرفت من قول الصنوبرى:
وكأن محمر الشقيق إذا تصوب أو تصعد
أعلام يا قوت نشرن على رماح من زبرجد
فوجه الشبة هو: هيئة الأجرام الحمر المنشورة على رءوس أجرام مستطيلة خضر، وتلك هيئة. حسية تدرك بحاسة البصر، والمشبه مفرد، لأنه "الشقيق" مراعى فيه كونه أحمر، متصوباً متصعداً، وتلك قيود لا تخرجه عن الإفراد، ولكن المشبه به مركب من أعلام ياقوتية منشورة فوق رماح من زبرجد، وكما سبق أن عرفته - أيضاً - من قول أبى تمام:
يا صاحبيَّ تقصيَّا نظريكما
…
تريا وجوه الأرض كيف تصوَّر
تريا نهاراً مشمساً قد شابه
…
زهر الربا فكأنما هو مقمر
فوجه الشبه هو: هيئة اختلاط شيء أسود بشيء أبيض مشرق، تلك هيئة حسية تدرك بحاسة البصر، والمشبه "وهو هيئة النهار المشمس خالطه زهر الربا فنقص من نوره" مركب، والمشبه به، "وهو الليل"، مفرد، مقيد بكونه مقمراً.
ومن بديع المركب الحسي: وجه الشبه الذي يجئ في الهيئات التي تقع عليها الحركة، أي أن يكون وجه الشبة هو الهيئة التي تقع عليها الحركة من الاستدارة والاستقامة وغيرهما.
ويكون ما يجيء في تلك الهيئة على وجهين:
أحدهما: أن يقترن بالحركة غيرها من أوصاف الجسم كالشكل واللون كما في قول أبى النجم:
* والشمس كالمرأة في كف الأشل *
فوجه الشبة هو: الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع الإشراق، والحركة السريعة المتصلة، مع تموج الإشراق حتى يرى الشعاع كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة، ثم يبدو له أن يرجع من الانبساط الذي بدا له إلى الانقباض كأنه يرجع من الجوانب إلى الوسط، والشمس إذا أحدَّ الإنسان النظر إليها ليتبين جرمها وجدها مؤدية لهذه الهيئة الموصوفة، وكذلك المرآة في كف الأشل.
والآخر: أن تجرد الحركة محن غيرها من الأوصاف، وهنا - أيضاً - لابد من اختلاط حركات كثيرة للجسم إلى جهات مختلفة، كأن يتحرك بعضه إلى اليمين وبعضه إلى الشمال، وبعضه إلى العلو، وبعضه إلى السفل ليتحقق التركيب وإلا لكان وجه الشبه مفرداً، وهو الحركة، فحركة السهم والرحى لا تركيب فيها لاتحاداها، بخلاف حركة المصحف في قول عبد الله بن المعتز:
وكأن البرق مصحف قار
…
فانطباقاً مرة وانفتاحاً
"فانطباقاً مرة وانفتاحاً" أي: فينطبق انطباقاً مرة وينفتح انفتاحاً مرة أخرى، فإن فيها تركيباً، لأن المصحف يتحرك في حالة الانطباق والانفتاح إلى جهتين في كل حالة إلى جهة.