الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى: لو أن التي لطمتني إحدى الحرائر لآخذتها، والأصل: لو لطمتني ذات سواء لطمتني، فحذف الفعل الأول لدلالة الثاني عليه إتباعاً للاستعمال الوارد.
جـ- تكثير الفائدة
، وذلك فيما يحتمل فيه حذف المسند أو المسند إليه، بإمكان حمل الكلام على كل من المعنيين.
ومما هو محتمل لحذف المسند أو المسند إليه قول الله تعالى: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ} [يوسف: 18] وقوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] وقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} [النور: 53].
فالآية الأولى: يمكن أن تكون من حذف المسند، فيكون التقدير: فصبر جميل أجمل، وأن تكون من حذف المسند إليه، ويكون التقدير، فأمري صبر جميل.
والآية الثانية: يمكن أن تكون من حذف المسند، فيكون التقدير: فيما أوحينا إليك سورة أنزلناها، وأن تكون من حذف المسند إليه، ويكون التقدير: هذه سورة أنزلناها.
والآية الثالثة: يمكن أن تكون من حذف المسند، فيكون التقدير: طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الإيمان الكاذبة، وأن تكون من حذف المسند إليه، ويكون التقدير: الذي يطلب منكم طاعة معروفة معلومة، لا يشك فيها ولا يرتاب، كطاعة الخلص من المؤمنين الذين طابق باطن أمرهم ظاهره، لا أيمان تقسمون بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها، أو: طاعة معروفة بأنها بالقول دون العمل.
د- وقوع المسند في جواب سؤال محقق، أو مقد
ر:
فمن الأول: قول الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت: 61] فقوله: (الله) جواب سؤال محقق - أي مذكور- في الكلام هو قوله "من خلق السماوات والأرض؟ ". وقد حذف المسند في الجواب، والأصل: خلقهن الله.
ومن الثاني: قوله تعالى في قراءة من قرأ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌ} [النور: 36، 37] ببناء (يسبح) للمجهول، فكأنه بعد أن قال: يسبح له فيها بالغدو والآصال، قيل: من يسبحه؟ فقال: رجال.
ومنه قول الحارث بن ضرار بن نهشل يرثي أخاه يزيد:
لبيك يزيد ضارع لخصومة
…
ومختبط مما تطيح الطوائح
والمختبط: من جاء يطلب المعروف من غير آصرة، والطوائح: الشدائد.
يقول: إن أخاه كان عوناً للضعفاء والمظلومين، ومقصداً لآمال المحتاجين والمكروبين، فليبكه هؤلاء جميعاً، وحق لهم أن يبكوا، فقد ذهب بذهابه صفات الكرم، ومات بموته محامد الشيم.
والشاهد هنا: (ضارع لخصومة) حيث حذف المسند إلى (ضارع) والتقدير: يبكيه ضارع، لأنه واقع في جواب سؤال مقدر، تقديره:"من يبكيه؟ ".
وذلك لأنه لما قال: (لبيك يزيد) ببناء الفعل للمجهول وقع فيه إبهام، فكان سائلاً سأل: من يبكيه؟ فقال: صارع لخصومة، أي: يبكيه ضارع لخصومة، ومختبط مما تطيح الطوائح.
وهذا البيت - وإن كان قريب المعنى من قول لبيد في رثاء النعمان ابن المنذر:
ليبك على النعمان شرب وقينة
…
ومختبطات كالسعالى أرامل
إلا أن بيت الحارث بن ضرار بن نهشل قد بنى فيه (ليبك) للمجهول، فأسند الفعل إلى نائب الفاعل وهو:(يزيد) بينما بيت لبيد قد بنى فيه (ليبك) للمعلوم وأسند الفعل إلى فاعله، ولهذا فإن بيت الحارث فيه حذف للمسند، بينما بيت لبيد ليس فيه حذف للمسند.
وكان لصنيع الحارث بن ضرار من مزايا النظم البلاغي ما رآه البلاغيون مجملاً فيما يلي:
أولاً: تكرار الإسناد، وذلك لأن إسناد الفعل المبني للمجهول إلى نائب الفاعل يوحى بأنه له فاعلاً ينبغي أن يسند إليه، وهذا هو الإسناد الأول.
ولما كان ضارع فاعلاً لفعل مقدر تقديره: "بيكيه ضارع" فقد جاء الإسناد الثاني.