الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحوال متعلقات الفعل
1 - حذف المفعول
.
2 -
تقديمه على الفعل.
3 -
تقديم بعض المعمولات على بعض.
الفعل المتعدي إذا أسند إلى الفاعل، ولم يذكر له مفعول كان الغرض من ذلك أمرين:
أولهما: أن يكون الغرض هو مجرد إسناد الفعل إلى الفاعل، دون النظر إلى المفعول
، وحينئذ يكون الفعل المتعدي بمنزلة اللازم، فلا يذكر له مفعول، لئلا يفهم السامع أن الغرض هو الإخبار بوقوع الفعل باعتبار تعلقه بالمفعول، لا مجرد نسبته إل الفاعل الذي هو المقصود، وهذا الفعل المنزل منزلة اللازم ضربان:
أحدهما: أن يذكر الفعل ولا ينوي له في النفس مفعول أصلاً
، لأن الغرض هو إثبات الفعل في نفسه أو نفيه، وذلك كما في قوله تعالى:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} ! ؟ [الزمر: 9] فالفعل متعد قطعاً إلى مفعول، لأن الأصل: هل يستوي الذين يعلمون الدين، والذين لا يعلمونه؟ فحذف المفعول المذكور ونزل الفعل منزلة اللازم، وصار المراد من الفعل حقيقته، والمعنى: هل يستوي الذين وجدت فيهم حقيقة العلم، والذين لم توجد عندهم حقيقته؟
ومن هذا القبيل قول الله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} [النجم: 44] وقولهم: (فلان يحل ويعقد، ويأمر وينهي) وقولهم: (فلان يضر وينفع ويعطي ويمنع) ففي كل تلك الأمثلة لا تعرض لحديث المفعول، لأن الغرض هو إثبات الفعل في حد ذاته.
والآخر: أن يذكر الفعل وينوي له في النفس مفعول خاص قد علم موضعه من سبق ذكر أو قرينة حال
، ولكنك تنسيه نفسك، وتخيل أنك لم تقصد إلا إلى ذات الفعل قاصداً بذلك المبالغة فيه، وذلك كما في قول البحتري يمدح المعتز بالله الخليفة العباسي، ويعرض بأخيه المستعين بالله وكان ينازعه الخلافة:
شجو حساده وغيظ عداه
…
أن يرى مبصر ويسمع واع
أي: ليس في الوجود ما يرى ويسمع إلا آثاره المحمودة، فإذا أبصر مبصر، لا يرى إلا محاسنه، وإذا سمع سامع لا يسمع إلا مآثره، فيغيظ عداء أن يقع إبصار أو سمع؛ لأنه لا يقع إلا على محاسنه ومآثره.
فالفعلان (يرى) و (يسمع) من الأفعال المتعدية، فالمعنى - لا محالة-: أن يرى مبصر آثاره، ويسمع واع أخباره، ولكنهما هنا نزلا منزلة الفعل اللازم؛ لأن المقصود هو: مجرد إثبات الرؤية والسماع للفاعل، دون النظر إلى تعلقهما بمفعول خاص، وذلك ليتسنى له أن يشعر الناس بأن محاسن الممدوح وفضائله قد بلغت من الوضوح والشهرة حداً لا تخفي عنده على ذي بصر أو سمع بحيث يكفي في إدراكها مجرد أن يكون ذا بصر وذا سمع، فيعلم الرائي والسامع أنه لا يليق لمقام الخلافة سواه؛ فلا يجد أعداؤه وحساده إلى منازعته سبيلاً، فحساده وأعداؤه يتمنون ألا يكون في الدنيا ذو بصر وسمع ليخفي استحقاقه للإمامة فيجدوا بذلك سبيلاً إلى منازعته.
ولا يخفي عليك أن هذا الغلو في المدح يفقد عند ذكر المفعول أو تقديره.
ومنه قول عمرو بن معد يكرب الزبيدي:
ظللت كأني للرياح دريئة
…
أقاتل عن أبناء جرم وفرت
فلو أن قومي أنطقتني رماحهم
…
نطقت ولكن الرماح أجرت
والشاهد في البيت الثاني، ومعناه: لو أن قومي أبلوا في الحرب بلاء حسناً لمدحتهم وذكرت بلاءهم، ولكنهم قصروا، فأجروا لساني - أي منعوه من النطق- فما أنطق بمدحهم.
فقوله: (أجرت) فعل متعد، والمعنى: أجرتني، ولكنه نزل منزلة اللازم قصداً إلى إثبات الفعل للفاعل، أي: إثبات الإجرار للرماح، دون نظر إلى تعلقه بمفعول لأنه يريد أن يقول: إنه كان منها ما من شأنه أن يجر كل لسان ويخرسه عن النطق بمدحهم والإشادة بهم.