الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما جاء في التشبيه معقوداً على تجريد هيئة الحركة، ثم لطف وعرف لما فيه من التفصيل والتركيب قول الأعشي يصف السفينة في البحر وتقاذف الرياح بها:
تقصُّ السَّفين بجانبيه كما
…
... ينزو الرياح خلاله كرع
الرياح: هو الفصيل، وقيل: القرد، والكرع: ماء السماء، شبه السفينة في انحدارها وارتفاعها بحركات الفصيل في نزوه؛ وذلك أن الفصيل - إذا نزا - ولاسيما في الماء وحين يعتريه ما يعترى المهر ونحوه من الحيوانات التي هي أول النشء -كانت له حركات متفاوتة تقيد لها أعضاؤه في جهات مختلفة، ويكون هناك تفل وتصعد على غير ترتيب، بحيث تكاد تدخل إحدى الحركتين في الأخرى، وذلك أشبه شيء بحال السفينة وهيئة حركاتها حين يتدافعها الموج.
وقد يقع التركيب في هيئة السكون كما في قول المتنبي في صفة كلب:
يقعي جلوس البدوي المصطلي
…
بأربع مجدولة لم تجدل
"يقعي" أى: يجلس على إليته، وقوله:"جلوس البدوي الصطلى" من اصطلى بالنار، ووجه الشبه: هو الهيئة الحاصلة من موقع كل عضو من الكلب في إقعائه، لأنه يكون لكل عضو منه في الإقعاء موقع خاص، وللمجموع صورة خاصة مؤلفة من تلك المواقع، وكذلك صورة جلوس البدوي عند الاصطلاء بالنار الموقدة على الأرض.
والمتعدد الحسي: ما سبق أن عرفته من تشبيه فاكهة بأخرى في الطعم، والرائحة واللون، فوجه الشبة - كما ترى - متعدد حسي، لأن الأول يدرك بحاسة الذوق، والثاني يدرك بحاسة الشم، والثالث يدرك بحاسة البصر.
والقسم الثاني: ما كان وجه الشبه فيه عقلياً، أي مدركاً بالعقل، سواء أكان واحداً، أو مركباً، أو متعدداً
فالواحد العقلي: يكون طرفاه عقليين، أو حسيين، أو مختلفين
فالواحد العقلي ذو الطرفين العقليين كما في قولك: "وجود الكسول كعدمه" إذ وجه الشبه - وهو "عدم النفع" - عقلي، والطرفان - وهما:"وجود الكسول" و "عدمه" عقليان - أيضاً.
وكقولك: "العلم كالحياة" فوجه الشبه وهو: "أعظم الفائدة" عقلي، كما أن الطرفين وهما:"العلم" و "الحياة" عقليان - أيضاً.
والواحد العقلي ذو الطرفين الحسيين، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:"أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم"، فوجه الشبة - وهو "الهداية" عقلي، ولكن الطرفين وهما:"أصحاب النبي والنجوم" حسيان "كما ترى" وكقولك: "محمد كالجبل ثباتاً" فوجه الشبه وهو "الثبات" عقلي، ولكن الطرفين وهما:(محمد) و (الجبل) حسيان.
والواحد العقلي ذو الطرفين المختلفين حساً وعقلاً؛ كما في قولك: (العلم كالنور) فوجه الشبه وهو "الهداية" عقلي؛ والمشبه - وهو العلم - عقلي، ولكن المشبه به؛ وهو "النور" حسي؛ فالطرفان مختلفان حساً وعقلاً.
وكقولك: (مطر كخلق الكريم) فوجه الشبة وهو: "استطابة النفس" عقلي والشبة وهو "العطر" حسي، ولكن المشبه به - وهو:"خلق الكريم" - عقلي فالطرفان مختلفان حساً وعقلاً.
ومن هذا القبيل قول جرير:
أحلامنا تزن الجبال رزانة
…
... ويفوق جاهلنا فعال الجهلَّ
فوجه الشبة، وهو:"الرزانة"، عقلي والمشبه وهو الأحلام، عقلي، ولكن المشبه به - وهو الجبال - حسي، فالطرفان مختلفان حساً وعقلاً.
والمركب العقلي: كما في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)[الجمعة: 5] فقد شب حال اليهود - في حملهم للتوراة، بمعنى تكليفهم العمل بها، وكونها مسترع العلم النافع لهم، وعدم حملهم لها، بمعنى عدم العمل بمقتضاها والانتفاع بما فيها من تحملهم ما طلب إليهم مما يثقل عليهم وبشق على نفوسهم، شبه هذا الحال بحال الحمار في حملة أوعية العلوم ومستودع ثمرة العقول، وعدم انتفاعه بما يعمل مع مساندة مشاق الحمل.
ووجه الشبة هو: (هيئة الحرمان من الانتفاع بأبلغ نافع، مع معاناة الكد في استصحابه) وتلك الهيئة أمر عقلي، أخذ من عدة أمور - كما رأيت-.