الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك الشأن في الصبر على شدائد الدنيا؛ فإن من تيقن زوال الأحداث والشدائد وبقاء العمر هان عليه صبره على المكروه؛ لوثوقه بالخلاص منه.
أما العطاء: فإن الباذل ماله إذا أيقن بالخلود وهو مع ذلك يسخو بماله ثبت له فضل الكرم؛ لاختصاصه بما لا يستطيعه كل أحد؛ لأن الخلود يوجب الحاجة إلى المال؛ فيندر في الناس من يوجد على هذه الحال؛ أما من أيقن أنه سيموت ويترك المال لغيره؛ استخف به وهان عليه بذله؛ فلا فضل فيه.
ولهذا: لم يستقم نظم (الندى) في سياق الحديث عن الشجاعة والصبر؛ وإذ هو حشو مفسد للمعنى.
ب- غير مفسد للمعنى:
ومنه قول زهير بن أبي سلمى:
وأعلم علم اليوم والأمس قبله
…
ولكنني عن علم ما فيد غد عم
والشاهد فيه قوله: (قبله) فهو حشو؛ ولكنه غير مفسد للمعنى؛ أما أنه حشو فلأنه زيادة متعينة لغير فائدة؛ لأن الأمس مفيد للقبلية؛ إذ هو اليوم الذي قبل يومك؛ وهو متعين للزيادة؛ لعدم صحة عطفه على اليوم؛ وأما أنه غير مفسد؛ فلأن المعنى لا يبطل يذكره.
ومنه قول الشاعر:
ذكرت أخي فعاودني
…
... صداع الرأس والوصب
فذكر (الرأس) مع الصداع حشو؛ لأن الصداع لا يكون إلا للرأس؛ ولكنه غير مفسد.
هذا وقد يحسن الحشو إذا تضمن نكتة لطيفة؛ كقول أبي الطيب:
وخفوق قلب لو رأيت لهيبه
…
-يا جنتي- لرأيت فيه جهنماً!
إذ قوله: (يا جنتي) حشو غير أنه حسن بديع لمقابلته بقوله: (جهمنًا).
أنواع الإطناب:
للإطناب عند البلاغيين أنواع مختلفة، منها:
(1) الإيضاح بعد الإبهام:
وذلك ليبدو المعنى في صورتين مختلفتين:
إحداهما: مبهمة، والأخرى موضحة؛ فيزداد بذلك تقريرًا وتمكنًا في النفس، وتكمل لذة العلم به، ويفخم الأمر في ذهن السامع ويعظم إذا كان المقام يقتضي هذا التفخيم والتعظيم، ومنه قول الله تعالى:{قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمّ} [طه: 36: 39] فقوله: {َما يُوحِي} مبهم فسر بقوله: {اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} .
ومنه قوله تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [الحجر: 66] فقوله: {أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} إيضاح للإبهام الذي تضمنه لفظ الأمر في قوله: {وقضينا إليه ذلك الأمر} .
ويدخل في الإيضاح بعد الإبهام أمران:
الأول: باب "نعم وبئس"- على رأي من يجعل المخصوص خبرًا لمبتدأ محذوف أو العكس لأن الكلام في هذه الحال يكون مركبًا من جملتين:
إحداهما مبهمة؛ وهي جملة الفعل الدال على المدح أو الذم؛ والأخرى موضحة وهي: جملة المخصوص بالمدح أو الذم. ووجه حسن باب "نعم وبئس" سوى ما ذكر من الإيضاح بعد الإبهام- هو: إبراز الكلام في معرض التوسط بين الإيجاز الخالص، والإطناب الخالص، إذ هو ليس إيجازًا خالصًا، لما فيه من الإيضاح بعد الإبهام، وليس إطنابًا خالصًا، لما فيه من حذف المبتدأ.
الثاني: الوشيع، وهو في اللغة: لف القطن المندوف، أي: جمع القطن المتفرق في لحاف ونحوه، ومعناه في اصطلاح البلاغيين:(أن يؤتي في عجز الكلام - غالبًا - بمثنى مفسر باسمين ثانيهما معطوف على الآخر، أو بجمع مفسر بأسماء معطوف بعضها على بعض).
مثاله في المثنى قولك: (عليك بالشفاءين: العسل والقرآن).
وقول أمير الشعراء:
ودخلت في ليلين: فرعك والدجي
…
ولثمت - كالصبح المنور - فاك