الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: وعلى جواز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه (1) خلافًا لبعض المعتزلة (2) ولم يخالفوا في نسخهما معا، خلافًا لما حكاه الآمدي (3) عنهم (4).
[أنواع النسخ من حيث المنسوخ]
لنا: القطع بالجواز ولمالك والشافعي وابن ماجه: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة"(5)، قال في الواضح: صح،
(1) حكى الاتفاق على جواز نسخ تلاوة الآية دون حكمها، ونسخ حكمها دون تلاوتها. الآمدي في الاحكام (3/ 141). وهو مذهب الجمهور في: العدة لأبي يعلى (3/ 780)، التمهيد لأبي الخطاب (2/ 366)، أصول السرخسي (2/ 78)، المستصفى للغزالي (1/ 123)، المحصول للرازي (3/ 322)، روضة الناظر لابن قدامة (2/ 294)، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (159)، الإحكام للآمدي (3/ 141)، شرح تنقيح الفصول للقرافي (309)، أصول ابن مفلح (3/ 1139)، فواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 83)، التحبير للمرداوي (6/ 2029).
(2)
نسبه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام (3/ 141) لطائفة شاذة من المعتزلة. والصواب أن المعتزلة مذهبهم مثل الجمهور كما صرح بذلك ابن مفلح في أصوله (3/ 1139)، والمرداوي (6/ 3029)، وأما ما ذكره أبو الحسين في المعتمد فهو ما ذهب إليه الجمهور. انظر: المعتمد للبصري (1/ 376).
(3)
هكذا جاء في: الإحكام للآمدي (3/ 14).
(4)
مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (138).
(5)
تسمى آية الرجم، قال ابن العربي في المحصول ص (588):"نسخ هذا اللفظ كله إجماعًا، ويبقى حكمه إجماعًا"، وآية الرجم وردت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الله قد بعث محمدًا بالحق، وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها، =
علَّقه على الشيخين لإحصانهما غالبًا (1).
وعن أبي بكر رضي الله عنه: "كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم"(2) وفي الصحيح: أنه نزل في الذين قتلوا ببئر
= فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وأن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف". انظر: فتح الباري لابن حجر (12/ 148) كتاب الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت برقم (6830)، ومسلم (2/ 1317) كتاب الحدود، باب: رجم الثيب في الزنا برقم (15)، وهذه الآية كانت في سورة الأحزاب كما أخرج الإمام أحمد في مسنده (5/ 132) عن زر بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب: كم تعدون سورة الأحزاب قلت ثلاثًا وسبعين آية وقال: لقد رأيتها وإنما لتعدل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم، وانظر: الحاكم في المستدرك (4/ 40) برقم (8068)، وحسّنه ابن حجر في موافقة الخُبْر الخَبر (2/ 304)، وصححه ابن حبان (4428، 4429)، وزاد الإسماعيلي - بعد قوله: أو الاعتراف، (وقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة). انظر: فتح الباري لابن حجر (12/ 173)، وانظر: الموطأ (2/ 628)، وسنن ابن ماجة ص (2553)، وسنن البيهقي (8/ 367)، وموافقة الخُبر والخَبر لابن حجر (2/ 203).
(1)
انظر: الواضح لابن عقيل (1/ 247).
(2)
مسند أبي بكر الصديق في جمع الجوامع للسيوطي ص (65)، والأثر أورده البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال -من خطبة طويلة- فيها آية الرجم-:"ثم إنَّا كنَّا نقرأ من كتاب الله، أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم". انظر صحيح البخاري مع فتح الباري برقم (6830).
معونة (1)"بلِّغوا قومنا أن قد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا عنه"(2).
وأما نسخ الحكم دون التلاوة، فكنسخ آية الاعتداد (3) بالحول بالأربعة أشهر وعشر (4)، ونسخ وجوب ثبات الواحد
(1) بئر معونة: موضع لبني سليم بين مكة والمدينة، تقع بلحف أُبْلى، وهي سلسلة جبلية تقع غرب مهد الذهب إلى الشمال، وهي اليوم ديار لقبيلة مطير، ولم يعد لسُليم فيها شيء، اشتهر المكان باسم الموقعة المعروفة بسرية القراء. انظر: معجم البلدان لياقوت (3/ 302)، ومعجم المعالم الجغرافية في السيرة، للبلادي ص (52).
(2)
هذا مثال آخر لنسخ التلاوة مع بقاء الحكم، والحديث أخرجه البخاري (7/ 385)، كتاب المغازي، باب: غزوة الرجيع، برقم (4091)، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله -أخ له لأم سليم- في سبعين راكبًا، وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل
…
-من حديث طويل حتى قال: - فأنزل الله علينا ثم كان من المنسوخ: "أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا"، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثلاثين صباحًا، على رعل وذكوان وبني لحيان وعُصيَّة الذين عصوا الله ورسوله. قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنًا، ثم بعد ذلك رفع.
(3)
الاعتداد: مصدر اعتدَّ، وعدة المرأة: هي الأيام التي بانقضائها يحلُّ لها الزواج، انظر مادة "عدد" في المصباح المنير للفيومي ص (75)، ومعجم مفردات القرآن للراغب ص (336)، واصطلاحًا: ما تعدُّه المرأة من أيام أقرائها. وأيَّام حملها أربعة أشهر وعشر ليالٍ للمتوفى عنها زوجها، انظر المطلع على أبواب المقنع للبعلي ص (348).
(4)
قال أبو جعفر النحاس: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [سورة البقرة: 234]. أكثر العلماء على أنه هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [سورة البقرة: 240]. انظر: الناسخ والمنسوخ لابن النحاس ص (69). والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 226)، والناسخ والمنسوخ في القرآن لابن العربي (2/ 31).
للعشرة (1) ونسخ تقديم الصدقة بين يدي النجوى.
قالوا: لو جاز نسخ الحكم دون التلاوة لزم تجهيل المكلف، إذ يوهم بقاء الحكم. قلنا: مبني على التحسين (2)،
(1) المراد به قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [سورة الأنفال: 30]، نسخ بقوله تعالى:{الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66] ، وحكي الإجماع على وقوع النسخ في آية المصابرة، ابن عطية في المحرر الوجيز (2/ 383، 8/ 29)، وانظر الدليل في الرسالة للإمام الشافعي ص (127)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (3/ 549).
(2)
التحسين والتقبيح العقليين، ذكرها المصنف في شرح مختصر أصول الفقه، القسم الأول ص (244)، فقد ذكر أن الحسن والقبح له إطلاقات ثلاثة: الأول: الملائمة للطبع ومنافرته، فما لاءم الطبع حسن، وما نافره قبيح، الثاني: صفة الكمال والنقص، فالحسن ما أشعر بالكمال، والقبيح ما أشعر بالنقص، وهما بهذين الاطلاقين، لا خلاف بأن العقل يدركها استقلالًا، ولا يتوقف إدراكها على الشرع، وأما النزاع فوقع بين الطوائف في الإطلاق، الثالث: أنه بمعنى ما يوجب المدح عاجلًا، والذم آجلًا، فمذهب المعتزلة في التحسين والتقبيح: أنهما عقليان، وهذا باطل، ومذهب الأشاعرة: نفي الحسن والقبيح العقليين، فالعقل لا مدخل له في إثبات الثواب والعقاب الشرعيين، حتى أبطلوا أن الأفعال لها صفات ذاتية من الحسن والقبح تدرك بالعقل، والمذهب الحق -وسط بين القولين-: فهم يثبتون أن لبعض الأفعال حسنًا وقبحًا بالعقل، ولا يرتبون على ذلك استحقاق الثواب والعقاب عليها إلا من جهة الشرع، انظر: المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ص (234)، والمواقف للإيجي ص (323)، والإرشاد إلى قواطع الأدلة للجويني ص (228)، ومفتاح دار السعادة لابن القيم (2/ 402).