المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والشافعية (1) الوضوء على التيمم (2) في اشتراط النية، لثبوت - شرح مختصر أصول الفقه للجراعي - جـ ٣

[الجراعي]

فهرس الكتاب

- ‌[تعريف المطلق]

- ‌[الفرق بين المطلق والنكرة]

- ‌[تعريف المقيّد]

- ‌[مراتب المقيَّد]

- ‌[أقسام حمل المطلق على المقيّد]

- ‌[حكم حمل المطلق علي المقيّد إذا كان بالمفهوم]

- ‌[إذا اتحد الحكم واختلف السبب]

- ‌[المطلق من الأسماء]

- ‌[تعريف المجمل]

- ‌[الإجمال في المفرد]

- ‌[الإجمال في المركب]

- ‌[الإجمال في عموم المقتضى]

- ‌مطلب: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان

- ‌[تعريف المبين]

- ‌[البيان بالأضعف]

- ‌[تأخير البيان عن وقت الحاجة]

- ‌[تعريف الظاهر]

- ‌[حكم الظاهر]

- ‌[المؤول]

- ‌[التأويلات البعيدة]

- ‌[مطلب: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة]

- ‌[مفهوم المخالفة]

- ‌[أقسام المفاهيم]

- ‌[النسخ]

- ‌[وقوع النسخ]

- ‌ لا يجوز على الله البداء

- ‌[بيان الغاية المجهولة هل هي نسخ

- ‌[النسخ قبل التمكن من الفعل]

- ‌[نسخ إيقاع الخبر]

- ‌[النسخ إلى غير بدل]

- ‌[النسخ بأثقل]

- ‌[أنواع النسخ من حيث المنسوخ]

- ‌[نسخ الكتاب والسنة بمثلها]

- ‌[نسخ القرآن بالسنة المتواترة]

- ‌[الإجماع لا يُنسَخ ولا يُنسَخ به]

- ‌[نسخ الفحوى والنسخ بها]

- ‌[نسخ حكم المنطوق يستلزم نسخ حكم الفرع أم لا

- ‌[حكم النسخ قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[حكم الزيادة غير المستقلة على النص]

- ‌[نسخ جزء من العبادة ليس نسخًا لجميعها]

- ‌[معرفة الله لا تنسخ]

- ‌[طرق معرفة النسخ]

- ‌[شروط النسخ]

- ‌[تعريف القياس]

- ‌[شروط حكم الأصل]

- ‌تنبيهان:

- ‌[شروط علة الأصل]

- ‌[شروط الفرع]

- ‌[مسالك العلة]

- ‌[تقسيمات القياس]

- ‌ الأسئلة الواردة على القياس

- ‌تنبيهات:

- ‌[تقسيمات الاجتهاد]

- ‌[شروط المجتهد]

- ‌[تجزؤ الاجتهاد]

- ‌[المسألة الظنية]

- ‌[تقليد المفضول]

- ‌[لا يجوز تتبع الرخص]

- ‌[تعريف الترجيح]

- ‌[الترجيح من جهة السند]

- ‌[الترجيح بالخارج]

- ‌[الترجيح بالقياس]

- ‌[الترجيح بحكم الأصل]

الفصل: والشافعية (1) الوضوء على التيمم (2) في اشتراط النية، لثبوت

والشافعية (1) الوضوء على التيمم (2) في اشتراط النية، لثبوت حكم الفرع قبل ثبوت العلة لتأخر الأصل (3)، قال الآمدي: "إلا أن نذكره إلزامًا للخصم (4)، وفي الروضة: الصحيح يشترط [لقياس](5) العلة لا الدلالة، فيقاس الوضوء على التيمم لجواز تأخر الدليل عن المدلول، كحدث العالم دليل على القدم، والأثر على المؤثر (6).

قوله: مسالك إثبات العلة: الأول: الإجماع (7).

[مسالك العلة]

المراد بالمسالك (8): الطرق الدالة على أن الوصف علة (9)،

(1) انظر: التبصرة للشيرازي ص (443)، المستصفى للغزالي (2/ 230)، الإحكام للآمدي (3/ 251).

(2)

قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6].

(3)

انظر: تشنيف المسامع للزركشي (3/ 199).

(4)

انظر: الإحكام للآمدي (3/ 251).

(5)

ما بين المعقوفتين في المخطوط "القياس"، واليثبت من روضة الناظر.

(6)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 886).

(7)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (145).

(8)

المسالك: جمع مسلك وهو الطريق. انظر: مادة "سلك" في معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 97).

(9)

انظر: المعتمد للبصري (2/ 250)، شرح اللمع للشيرازي (2/ 850)، المستصفى للغزالي (2/ 293)، شرح مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 233)، =

ص: 235

وقدم الإجماع على النص تبعًا لجماعة منهم: ابن حمدان وابن مفلح (1)، وابن قاضي الجبل والآمدي (2)، والتاج السبكي (3)، والبيضاوي (4)، لأنه مقدم عليه في العمل (5)، وقدم ابن الحاجب (6) وأبو الخطاب (7) والشيخ في الروضة (8) النص، قال بعضهم: وهو أولى لأنه أصل الإجماع (9)، فإذا أجمعوا على عِليَّة

= بديع النظام لابن الساعاتي (2/ 621)، شرح تنقيح الفصول للقرافي ص (390)، رفع الحاجب لابن السبكي (3/ 312)، البحر المحيط للزركشي (5/ 184)، التحبير للمرداوي (7/ 3311).

(1)

انظر: أصول ابن مفلح (3/ 1257).

(2)

انظر: الإحكام للآمدي (3/ 251).

(3)

انظر: الإبهاج في شرح المنهاج (3/ 46)، رفع الحاجب لابن السبكي (3/ 312).

(4)

تابع المؤلف الزركشي في تشنيف المسامع، فنسب إلى البيضاوي تقديم الإجماع، والصحيح أن البيضاوي قدم النص وجعل الإجماع المسلك الثالث بعد النص والإيماء. انظر: نهاية السول في شرح منهاج الأصول (4/ 59)، وانظر: شرح المنهاج للأصفهاني (2/ 669). وأما ترجمته: فهو عبد الله بن عمر بن محمد بن علي البيضاوي الشافعي، مفسّر وأصوليّ، له مختصر الكشاف في التفسير، وفي الأصول شرح منهاج الأصول، توفي سنة 685 هـ. انظر: طبقات الإسنوي (1/ 136)، وطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (5/ 59).

(5)

انظر: البحر المحيط للزركشي (5/ 184)، والتحبير للمرداوي (7/ 3311).

(6)

والصحيح أن ابن الحاجب قدم الإجماع وليس النص. انظر: منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (178)، شرح مختصر ابن الحاجب لابن السبكي (2/ 233).

(7)

التمهيد لأبي الخطاب (4/ 9).

(8)

روضة الناظر لابن قدامة (3/ 835).

(9)

وممن قدم النص الإمام الرازي. انظر: المحصول للرازي (5/ 139)، قال الزركشي في البحر المحيط: 5/ 184: "ومنهم من قدم الكلام على النص لشرفه. انظر: تشنيف المسامع للزركشي (3/ 257).

ص: 236

وصفٍ إجماعًا قطعيًّا أو ظنيًّا ثبتت عليته (1)، مثاله قوله عليه الصلاة والسلام:(لا يقضي القاضي وهو غضبان)(2)، قال القاضي أبو الطيب:"أجمعوا على أن النهي فيه لأن الغضب يشغل القلب"(3).

قوله: الثاني: النص (4) فمنه صريح في التعليل نحو {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} (5){مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا} (6){إِلَّا لِنَعْلَمَ} (7)(8).

النص الصريح (9): ما دلّ بالوضع على العلية من غير

(1) رفع الحاجب لابن السبكي (3/ 312).

(2)

أخرجه البخاري ومسلم. انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري لابن حجر (13/ 136)، كتاب الأحكام، باب لا يقضي الحاكم أو يفتي وهو غضبان برقم (7158). ومسلم (3/ 1342) كتاب الأقضية، باب قضاء القاضي وهو غضبان برقم (16) من حديت أبي بكرة.

(3)

انظر: تشنيف المسامع للزركشي (3/ 257).

(4)

النص عند إطلاقه له معنيان: الأول: مطلق الدليل من الكتاب والسنة وهو في مقابل الإجماع والقياس سواء كان الدليل قطعيًا أو ظنيًا. الثاني: ويطلق ويراد به الظاهر: وهو ما دل على معنى لا يحتمل غيره أو ما كانت دلالته قطعية. والمراد بالنص كمسلك من مسالك العلة المعنى الأول. وهو ما دل بالوضع من الكتاب والسنة على علة الحكم. انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1424)، المستصفى للغزالي (2/ 288)، التمهيد لأبي الخطاب (4/ 9)، نهاية السول للأسنوي (4/ 61)، الإحكام للآمدي (3/ 252)، المسودة لآل تيمية ص (438).

(5)

سورة الحشر (7).

(6)

سورة المائدة (32).

(7)

سورة البقرة (143).

(8)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (145).

(9)

سلك العلماء في تقسيم النص مسلكين: التقسيم الثلاثي: وهو ما ذهب =

ص: 237

احتياج فيه إلى نظر واستدلال (1)، وله ألفاظ منها:"لعلة كذا"، أو "سبب كذا"، أو "لأجل كذا"، أو {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً} (2) أي: إنما وجب تخميسه كي لا يتداوله الأغنياء منكم، فلا يحصل للفقراء شيء منه (3)، ومنها "إذًا" لقوله تعالى:{إِذًا لَأَذَقْنَاكَ} (4)، وكقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب (5) وقد قال له -اجعل لك صلاتي كلها-:(إذًا يغفر الله لك ذنبك كله)(6)، وجعل ابن السمعاني (7)

= إليه الإمام الغزالي، حيث قسم النص إلى: النص الصريح القطعي، النص الصريح الظني، الإيماء، أو التقسيم الثنائي: وهو الذي سار عليه البيضاوي، والآمدي، وابن قدامة حيث قسم النص إلى: النص الصريح القطعي، النص الصريح الظني، وعلى هذا يكون الإيماء قسيمًا للنص بقسميه، وليس قسمًا منه.

انظر: المستصفى للغزالي (2/ 288)، منهاج الأصول للبيضاوي (4/ 61)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 835)، الإحكام للآمدي (3/ 252).

(1)

انظر: تشنيف المسامع للزركشي (3/ 258).

(2)

سورة الحشر (7).

(3)

انظر: أضواء البيان للشنقيطي (8/ 39).

(4)

سورة الإسراء، آية (75).

(5)

أبي بن كعب الأنصاري، كان يكتب للرسول صلى الله عليه وسلم الوحي، توفي سنة 19 هـ.

انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 161)، تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 290).

(6)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 136)، والترمذي (4/ 549)، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب الترغيب بذكر الله وذكر الموت برقم (2457) قال الترمذي: حسن صحيح. والحاكم (2/ 421). قال الهيثمي عن رواية أحمد إسناده جيد. انظر: مجمع الزوائد (10/ 163). وانظر: جلاء الأفهام لابن القيم ص (178).

(7)

هو الإمام أبو المظفّر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد السمعاني المروزي الشافعي نسبة إلى مرو، من أسرة علمية، أخذ من أبي إسحاق الشيرازي، =

ص: 238

"لأجل"، و"كي" دون ما قبلهما في الصراحة (1).

قوله: فإن أضيف إلى ما لا يصلح علة نحو لم فعلت؟ فيقول: لأني أردت، فهو مجاز (2).

الفعل بحكم الأصلِ في وضع اللغة أو استعمالها إنما يُضاف إلى علته وسببه، فإن أُضيفَ إلى ما لا يصلح علةً، فهو مجاز، ويُعرف ذلك بعدم الدليل على صلاحيته علةً، مثل: أن يقال للفاعل: لم فعلت؟ فيقول: لأني أردت، فإن هذا لا يَصلُح أن يكون علةً، فهو استعمالُ اللفظ في غير محله، وإنما قلنا: إن الإرادة ليست علة للفعل وإن كانت هي الموجبةَ لوجوده، أو المصححةَ له، لأن المراد بالعلة في الاصطلاح هو المقتضي الخارجي للفعل، أي: المقتضي له من خارج، والإرادة ليست

= فقيه، وأصولي ملك زمامها، مشهور بالورع والتقوى، والالتزام بالسنة.

توفي سنة 489 هـ. له في الفقه البرهان والأوسط وهما مفقودان، وله في أصول الفقه قواطع الأدلة مطبوع. انظر: الطبقات الكبرى لابن السبكي (65/ 6)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (116/ 19)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 301).

(1)

انظر: قواطع الأدلة للسمعاني (4/ 162)، ومن الصريح ذكر المفعول له فإنه علة للفعل المعلل لأنه يذكر العلة والعذر كقوله تعالى:{لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100]، وقوله تعالى:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 19]. خشية الإنفاق، وحذر الموت علة للفعل وما جرى هذا المجرى من صيغ التعليل. انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 837)، أصول ابن مفلح (3/ 1257)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 358)، البحر المحيط للزركشي (5/ 189).

(2)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (146).

ص: 239

معنى خارجًا عن الفاعل (1).

قوله: أما نحو: إنها رجس، إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين فصريح عند القاضي وغيره، وإن لحقته الفاء فهو آكد، وإيماء عند غيره (2).

لفظة "إِنّ" مثل قوله عليه الصلاة والسلام لما ألقى الروثة: (إنها رجس)(3)، وقوله في الهرة:(إنها ليست بنجس إنها من الطوافين)(4)، وقوله عليه الصلاة والسلام:(لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها، إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم)(5)، زعم إسماعيل البغدادي (6) ويوسف الجوزي (7) وغيرهما أنها ليست

(1) انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 358).

(2)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (149).

(3)

أخرجه بهذا اللفظ ابن ماجة في سننه (1/ 114، 131) كتاب الطهارة، باب الوضوء من سؤر الهرة والرخصة في ذلك رقم (367)، وانظر: مسند الإمام أحمد (5/ 296)، وسنن أبي داود (1/ 60) كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة برقم (75)، وسنن الترمذي (1/ 153) باب ما جاء في سؤر الهرة برقم (92)، وقال الترمذي:"حسن صحيح"، وابن خزيمة في صحيحه (1/ 55) كتاب الرخصة، باب الرخصة في الوضوء بسؤر الهرة برقم (104).

(4)

أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 303)، وأبو داود (1/ 19، 20) كتاب الطهارة، باب سؤر الهرة برقم (175).

(5)

الحديث أخرجه البخاري عن جابر. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (7/ 160) كتاب النكاح، باب: لا تنكح المرأة على عمتها برقم (5108).

(6)

جاءت النسبة عنه في أصول ابن مفلح (3/ 1258).

(7)

انظر: الإيضاح لقوانين الاصطلاح لابن الجوزي ص (167).

ص: 240

للتعليل، ويقوى كون أهل اللغة يعرفونه (1)، وذكر القاضي (2) وأبو الخطاب (3) أنها صريح في التعليل لتبادره منه إلى الذهن بلا توقف (4)، فإن انضم الفاء إلى حرف أن فهو آكد (5) نحو قوله صلى الله عليه وسلم في المحرم:(لا تقربوه طيبًا فإنه يبعث ملبيًا)(6).

قوله: ومنه إيماء وهو أنواع: الأول: ذكر الحكم عقيب وصف بالفاء نحو: {قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا} (7)(8).

الإيماء (9): هو الإشارة إلى التعليل لأنه يدل على العلة بطريق الإلتزام (10) وهو أنواع: أحدها: ذكر الحكم عقب وصف

(1) انظر: رصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي (198 - 200)، والجني الداني في حروف المعاني للمرادي (393، 398).

(2)

انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1424، 1427).

(3)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 9).

(4)

أصول ابن مفلح (3/ 1258)، التحبير للمرداوي (7/ 3320).

(5)

انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1427).

(6)

أخرجه بهذا اللفظ مسلم (2/ 867) كتاب الحج، باب ما يفعل المحرم إذا مات برقم (103)، وانظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 137) كتاب الجنائز، باب كيف يكفن المحرم برقم (1267)، ومسلم الموضع السابق برقم (99، 100) بلفظ (لا تمسّوه بطيب) عن ابن عباس.

(7)

سورة البقرة (222).

(8)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (146).

(9)

الإيماء لغة: مصدر أومأ يومئ إيماءً مأخوذ من ومأ إليه. إذا أشار إليه. ويأتي الإيماء بمعنى الإشارة بالرأس، أو باليد، ويأتي بمعنى التنبيه، والمراد به الأول. انظر: مادة "ومأ" في الصحاح (1/ 82).

(10)

هذا التعريف قريب من تعريف الآمدي في منتهى السول والأمل =

ص: 241

بالفاء، نحو قوله تعالى:{قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا} (1) وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} (2){الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا} (3) وقوله عليه الصلاة والسلام: (من بدل دينه فاقتلوه)(4)(من أحيا أرضًا ميتة فهي له)(5)، فهذه كلها أحكام ذكرت عقب أوصاف، كاعتزال النساء عقيب المحيض، وقطع السارق عقب السرقة، وجلد الزاني عقب الزنا، وقتل المرتد عقب التبديل، وملك الأرض عقب الإحياء، وذلك يفيد في عرف اللغة: أن الوصف

= لابن الحاجب ص (3/ 254) حيث قال: "أن يكون التعليل لازمًا من مدلول اللفظ وضعًا لا أن اللفظ يدل بوضعه على التعليل".

وهذّب التعريف البدخشي في شرحه على المنهاج للبيضاوي (3/ 42)، فقال: الإيماء: مما لزم من مدلول اللفظ. وهذا التعريف أعم مما هو مراد الأصوليين في بحث النصوص الشرعية التي أومأ الشارع فيها إلى التعليل. والتعريف الأشمل هو: ما ذكره ابن الحاجب حيث جمع فيه بين الوصف والحكم. وهو: أن يقترن وصف بحكم لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان بعيدًا. انظر: منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (178)، شرح مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 334)، الصالح في مباحث القياس ص (256) أ. د سيد صالح عوض.

(1)

سورة البقرة (222).

(2)

سورة المائدة (38).

(3)

سورة النور (2).

(4)

أخرجه البخاري في صحيحه. انظر: فتح الباري لابن حجر (6/ 149) كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب إلا الله برقم (3017).

(5)

أخرجه البخاري في صحيحه. انظر: صحيح البخاري مع الفتح (6/ 849) من حديث جابر مرفوعًا، كتاب المزارعة، باب من أحيا أرضًا مواتًا، برقم (2210).

ص: 242

الذي قبل الحكم علة لثبوته؛ لأن الفاء في اللغة للتعقيب فتفيد تَعَقُّبَ الحكمِ الوصفَ (1).

قوله: الثاني: ترتيب الحكم على الوصف بصيغة الجزاء، نحو:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} (2) أي: لتقواه (3).

لأن الجزاء يكون عقيب الشرط في اللغة، وقد ثبت مما سبق أن السبب ما ثبت الحكم عقيبه، فإذن: الشرط في مثل هذه الصيغ سبب الجزاء (4)، ومن أمثلة هذا النوع قوله عز وجل:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (5){مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} (6){وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (7)، وقوله صلى الله عليه وسلم:(من تبع جنازة فله من الأجر قيراط)(8).

(1) شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 361، 362). وانظر هذا الشرط: المستصفى للغزالي (2/ 292)، شفاء الغليل للغزالي ص (27)، التمهيد لأبي الخطاب (4/ 12)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 839)، تشنيف المسامع للزركشي (3/ 264)، أصول ابن مفلح (3/ 1258)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/ 39)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 125).

(2)

سورة الطلاق (2).

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (146).

(4)

انظر: المستصفى للغزالي (2/ 290)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 841)، أصول ابن مفلح (3/ 1259)، التحبير للمرداوي (7/ 3329)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 129).

(5)

سورة الطلاق (3).

(6)

سورة الأحزاب (30).

(7)

سورة الأحزاب (31).

(8)

أخرجه بهذا اللفظ مسلم (2/ 653) كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة وآدابها برقم (55).

ص: 243

قوله: [الثالث](1): ذكر الحكم جوابًا لسؤال نحو قوله: (أعتق رقبة)(2) في جواب سؤال الأعرابي إذ هو في معنى: حيث واقعت فاعتق (3).

لأن السؤال في تقدير الإعادة في الجواب (4)، كما لو جاء العدو فقال: اركبوا وفلان واقف ليسأل، فقال: أعطوه، إذ التقدير: حيث جاء العدو فاركبوا، وحيث فلان يسأل فأعطوه، إذ لو لم يعلل الجواب بالسؤال لكان غير مرتبط، لخلا السؤال عن جواب، وحينئذ يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأن السائل إنما سأل ليبين له الحكم، فالتقدير: أنه لم يجبه عن سؤاله (5).

قوله: الرابع: أن يذكر مع الحكم، ما لو لم يعلل به للغى، فيعلل به صيانة لكلام الشارع عن اللغو، نحو قوله عليه السلام -حين سئل

(1) ما بين المعقوفتين في المخطوط "الثاني"، والصحيح ما أثبته ليستقيم به الترتيب، وهو المثبت في المطبوع.

(2)

ورد هذا الحديث في صحيح البخاري في مواضع كثيرة بالمعنى ولم يرد بهذا اللفظ إلا في كتاب النفقات، باب نفقة المعسر على أهله. انظر: فتح الباري لابن حجر (9/ 513، 514) برقم (5368) من حديث أبي هريرة.

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

(4)

أن يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمر حادث فيجيب بحكم فيدل على أن المذكور في السؤال علة.

(5)

انظر: شفاء الغليل للغزالي ص (32)، التمهيد لأبي الخطاب (4/ 13)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 842)، أصول ابن مفلح (3/ 1259)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/ 41)، التحبير للمرداوي (7/ 3330)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 129).

ص: 244

عن بيع الرطب بالتمر-: (أينقص الرطب إذا يبس؟ ) قالوا: نعم، قال:(فلا إذن)، فهو استفهام تقريري لا استعلامي لظهوره (1).

هذا النوع الرابع من أنواع الإيماء إلى العلة، وهو ضربان:

أحدهما: أن يسأل في الواقعة عن أمر ظاهر لا يخفى عن عاقل، ثم يذكر الحكم عقيبه، فيدل على أن ذلك الأمر المسؤول عنه علة للحكم المذكور، والحديث الذي ذكره المصنف مثالًا، رواه الترمذي (2) وصححه، وكونه تقريريًا لا استعلاميا فظاهر، إذ من المعلوم لكل عاقل أن الرطب ينقص إذا يبس لزوال الرطوبة الموجبة لزيادته وثقله (3).

الثاني: عدوله في الجواب إلى نظير محل السؤال كقوله لعمر لما قال له: إني قَبَّلْت وأنا صائم، فقال:(أرأيت لو تمضمضت؟ )(4)، وكقوله للخثعمية (5) لما سألته عن الحج عن

(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (146).

(2)

الحديث أخرجه من حديث الترمذي في سننه (3/ 519) كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة برقم (1225) بلفظ (فنهى عن ذلك). وأخرجه باللفظ الذي أورده المصنّف في مسند الإمام أحمد (1/ 179)، والحميدي في مسنده برقم (75)، والحاكم في مستدركه (2/ 38).

(3)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 370).

(4)

أخرجه الإمام أحمد (1/ 21، 52)، والدارمي (1/ 345) كتاب الصوم، باب الرخصة في القبلة للصائم برقم (1731)، وأبو داود (2/ 311) كتاب الصوم، باب القبلة للصائم برقم (2385). والحديث حسّنه ابن حجر في موافقة الخبر الخبر (2/ 359).

(5)

هي امرأة مجهولة من قبيلة خثعم بن أنمار، وهي المرأة الوضيئة التي=

ص: 245

أبيها (أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيتيه؟ )(1)، فإن ذلك يدل على التعليل بالمعنى المشترك بين الصورتين، المسؤول عنها، والمعدول إليها بطريق القياس، إذ لو لم يكن كذلك لخلا السؤال عن جواب، ولزم ما سبق، فكأنه قال لعمر: إن القبلة لا تضر ولا تفسد صومك لأنها مقدمة شهوة الفرج، كما أن المضمضة مقدمة شهوة البطن (2)، فكما أن هذه لا تبطل الصوم فكذلك تلك، وكأنه قال للمرأة: الحج دين الله تعالى فيجزئ قضاؤه عن الواهد كدين الآدمي والجامع كونهما دينًا (3).

قوله: الخامس: تعقيب الكلام أو تضمّنه ما لو لم يعلل به لم ينتظم نحو: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (4) (لا يقضي

= كانت تستفتي الرسول صلى الله عليه وسلم والفضل بن عباس ينظر إليها عندما كان رديف الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. انظر: فتح الباري لابن حجر (11/ 10) حديث رقم (6228).

(1)

حديث الخثعمية لم يرد بهذا السياق كما بيّن ذلك ابن كثير في تحفة الطالب ص (360)، وانظر: المعتبر للزركشي ص (214)، والمروى أنها قالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ قال (نعم). وهذا لفظ البخاري. انظر: فتح الباري لابن حجر (10/ 11) كتاب الاستئذان، باب بدء السلام برقم (6228)، وانظر: صحيح مسلم بنحوه برقم (1334).

(2)

انظر: الإحكام للآمدي (3/ 258)، أصول ابن مفلح (3/ 1262)، التحبير للمرداوي (195).

(3)

انظر: شفاء الغليل للغزالي ص (46)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 842)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 371)، التحبير للمرداوي (193)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 135).

(4)

سورة الجمعة، آية (9).

ص: 246

القاضي وهو غضبان) إذ البيع والقضاء لا يمنعان مطلقًا، فلا بد إذن من مانع وليس إلا ما فهم من سياق النص ومضمونه (1).

والمعقب للكلام كالآية الكريمة، والذي تضمنه الكلام كالحديث، فالآية الكريمة إنما سيقت لبيان أحكام الجمعة لا لبيان أحكام البيع (2)، فلو لم يعلل النهي عن البيع حينئذ يكون شاغلًا عن السعي لكان ذكره لاغيًا لكونه غير مرتبط بأحكام الجمعة، ولو لم يعلل النهي عن القضاء عند الغضب بكونه يتضمن اضطراب المزاج، المقتضي لتشويش الفكر، المفضي إلى الخطأ في الحكم، لكان ذكره لاغيًا (3).

قوله: السادس: اقتران الحكم بوصف مناسب، نحو أكرم العلماء وأهن الجهال (4).

لأن المعلوم من تصرفات العقلاء ترتيب الأحكام على الأمور المناسبة والشرع لا يخرج عن تصرفات العقلاء (5).

قوله: وهل تشترط مناسبة الوصف المومأ إليه؟ فيه وجهان (6).

(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (147).

(2)

قال القرافي في شرح تنقيح الفصول للقرافي ص (390): "فإن الآية لم تنزل لبيان أحكام البياعات، بل لتعظيم شأن الجمعة". وانظر: المستصفى للغزالي (2/ 290)، الإبهاج لابن السبكي (3/ 58)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 845)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 372)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 139).

(3)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 372).

(4)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (147).

(5)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 373).

(6)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (147).

ص: 247

في اشتراط المناسب في علل الإيماء مذاهب (1):

أحدها: [لا](2) يشترط مطلقًا، لأن العلة بمعنى المعرف وعُزِيَ للأكثرين (3).

[الثالث](4): اختاره ابن الحاجب: إن فهم التعليل من المناسبة، كما في قوله:(لا يقضي القاضي وهو غضبان) اشترطت المناسبة لامتناع فهم التعليل فيه بدون فهم المناسبة، وإن لم يفهم التعليل منها لم يشترط لأن التعليل يفهم من غيرها (5)،

(1) انظر: تشنيف المسامع للزركشي (3/ 374).

(2)

ساقطة من المخطوط، والصحيح "لا يشترط" لأن عدم الاشتراط هو قول الأكثرين، وعللوا ذلك بأن العلّة بمعنى المعرف، وقد أثبت عبارة المصنف كاملة المرداوي كما في التحبير للمرداوي (7/ 3348). وانظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 236)، وبيان المختصر للأصفهاني (3/ 102)، ورفع الحاجب لابن السبكي (4/ 324).

(3)

انظر: شفاء الغليل للغزالي ص (142)، المستصفى للغزالي (2/ 292)، الإحكام للآمدي (3/ 261)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 236)، المسودة لآل تيمية ص (438)، بيان المختصر للأصفهاني (3/ 102)، التحبير للمرداوي (7/ 3348)، حاشية البناني على جمع الجوامع (2/ 270)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 140).

(4)

هكذا ذكرها المصنف، دون ذكر القول الثاني، متابعة للزركشي في تشنيف المسامع للزركشي (3/ 374)، والقول الثاني هو الاشتراط مطلقًا. انظر: الإحكام للآمدي (3/ 376)، والبحر المحيط للزركشي (5/ 203) ونسبه لإمام الحرمين، والإبهاج شرح المنهاج لابن السبكي (3/ 52).

(5)

انظر: منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (180)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 236).

ص: 248

قال العضد: "وهذا إنما يصح لو أراد بالمناسبة ظهورها، وأما نفس المناسبة فلا بد منها في العلة الباعثة ولا يجب في الأمارة المجردة"(1)، وقال في تشنيف المسامع: "اعلم أن هذا الخلاف إنما هو بالنسبة إلى أنه هل يشترط ظهور المناسبة، وإلا فلا بد [منهما](2) في نفس الأمر قطعًا، للاتفاق على امتناع خلو الأحكام من الحكمة إما وجوبًا أو تفضيلًا على الخلاف الكلامي (3).

قوله: قال أبو البركات: ترتيب الحكم على اسم مشتق يدل أن ما منه الاشتقاق علة في قول أكثر الأصوليين (4)، وقال قوم: إن كان مناسبًا (5).

القول الأول: اختاره ابن المنِّي (6).

والثاني: نسبه أبو البركات (7) إلى أبي الخطاب وأنه ذكره

(1) انظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 236). وأما ترجمته: فهو عضد الدين عبد الرحمن بن عبد الغفار الشافعي، أصول شافعي، ولغوي بارع، توفي سنة 756 هـ، له شرح على ابن الحاجب في الأصول. انظر: الدرر الكامنة لابن حجر (2/ 322)، الطبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (16/ 108).

(2)

في المخطوط "ومنها"، والمثبت من تشنيف المسامع.

(3)

انظر: تشنيف المسامع للزركشي (3/ 275).

(4)

انظر: الإحكام للآمدي (3/ 361)، المسودة لآل تيمية (438)، أصول ابن مفلح (3/ 1267)، التحبير للمرداوي (7/ 3350).

(5)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (148).

(6)

انظر: المسودة لآل تيمية ص (438).

(7)

انظر النسبة إليه في المسودة لآل تيمية ص (438).

ص: 249

في مسألة تعليل الربا من الانتصار (1) وهو الذي في الروضة (2) واختاره الغزالي (3) والجويني (4)، قال ابن مفلح:"إنما ذكره أبو الخطاب منعًا وتسليمًا"(5)، مثال المسألة (من بدل دينه فاقتلوه)، رتب الحكم وهو القتل على التبديل، فدل أن التبديل علة وكذا:(من مسَّ ذكره فليتوضأ)(6) وشبهه هكذا رأيته.

قلت: والذي يظهر في تركيب الكلام أن يقال: من بدل في موضع المبدل -بكسر الدال- وإنما قلت ذلك، لأن الحكم يبقى مرتب على المبدل وهو اسم مشتق إما من التبديل كما هو مذهب البصريين (7)، وأما من بدل كما هو مذهب الكوفيين، بخلاف ما إذا

(1) كتاب الانتصار في المسائل الكبار لأبي الخطاب الكلوذاني، ويسمى الخلاف الكبير، يعتبر من الكتب التي جمع فيها أبو الخطاب مسائل الخلاف في المذهب، قيل: إنه شرح فيها كتابه رؤوس المسائل، والكتاب حقق منه جزء في العبادات. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (20/ 227)، والمدخل المفصل للشيخ بكر أبو زيد (1/ 298).

(2)

روضة الناظر لابن قدامة (3/ 846).

(3)

انظر: شفاء الغليل للغزالي ص (142)، المستصفى للغزالي (2/ 290).

(4)

انظر: البرهان للجويني (2/ 530).

انظر: أصول ابن مفلح (3/ 1267).

(5)

انظر: أصول ابن مفلح (3/ 1267).

(6)

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/ 407)، وأبو داود في سننه (1/ 46) كتاب الطهارة، باب الوضوء من مسِّ الذكر برقم (181)، والترمذي في سننه، كتاب الطهارة، باب الوضوء من مسِّ الذكر برقم (82)، والنسائي في سننه (1/ 100) كتاب الطهارة، باب الوضوء من مسّ الذكر برقم (164)، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 37).

(7)

انظر مادة "بدل" في لسان العرب لابن منظور (11/ 48).

ص: 250

قلنا: رتب الحكم على التبديل فإن التبديل عند البصريين ليس مشتقًا بل هو أصل الاشتقاق، نعم يأتي على مذهب الكوفيين، وأما على ما قلته فإنه يتأتى على المذهبين جميعًا والله تعالى أعلم.

قوله: الثالث من مسالك إثبات العلة التقسيم (1) والسبر وهو: حصر الأوصاف وإبطال كل علة عُلّل بها الحكم المعلل إلا واحدة، [فيتعيّن](2)، نحو علة الربا: الكيل أو الطعم أو (3) القوت، والكل باطل إلا الأولى (4).

السَّبر في اللغة: الاختبار (5).

وفي الاصطلاح (6): حصر الأوصاف، وإبطال كل علة علل

(1) التقسيم في اللغة: من القَسم، وهو مصدر قَسَم يَقْسِمه، قسْمًا، وقسّمه، بمعنى جزّأه، وأظهره على وجوه متعددة. انظر؛ مادة "قسم" في معجم مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 86)، ولسان العرب لابن منظور (12/ 478).

(2)

هكذا في المخطوط، وفي مختصر أصول الفقه لابن اللحام المطبوع ص (148):"فتتعيّن".

(3)

وردت العبارة في المخطوط بدون "أو"هكذا "الكيل والطعم"، والصحيح ما أثبته لوجوده في المطبوع وفي جميع نسخ ابن اللحام المخطوطة، بل وأثبته المصنف في الشرح. انظره.

(4)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (148).

(5)

انظر: مادة "سبر" في معجم مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 127)، الصحاح للجوهري (2/ 675)، لسان العرب لابن منظور (4/ 340).

(6)

انظر تعريفاته اصطلاحًا في: العدة لأبي يعلى (4/ 1415)، المستصفى للغزالي (2/ 295)، التمهيد لأبي الخطاب (4/ 22)، المحصول للرازي (3/ 217)، الإحكام للآمدي (3/ 103)، أصول ابن مفلح (3/ 1368)، تشنيف المسامع للزركشي (3/ 276)، البحر المحيط للزركشي (5/ 222)، التحبير للمرداوي (7/ 3351)، =

ص: 251

بها الحكم المعلل إلا واحدة، فيتعين التعليل بها، فيثبت الحكمُ في الفرعِ بواسطتها، مثل: أن يقول: علة الربا في البُر ونحوه، إما الكيل أو الطعم أو القوت، والعلل كلها لاطلة إلا الأولى مثلًا، وهي الكيل إن كان حنبليًا أو حنفيًا، أو إلا الطعم إن كان شافعيًا، أو إلا القوت إن كان مالكيًا، فيتعيّن للتعليل، ويلحق الأرز والذّرة ونحو ذلك بالبر بجامع الكيل، ويقيم الدليل على بطلان ما أبطله، إما بانتقاضه انتقاضًا مؤثرًا، أو بعدم مناسبته، أو غير ذلك بحسب الإمكان والاتفاق (1).

قوله: ومن شرطه أن يكون سبرهُ حاصرًا بموافقة خصمه، أو عجزه عن إظهار وصفٍ زائدٍ، فيجب إذًا على خصمه تسليمُ الحصر، أو إبراز ما عنده، ليُنظَر فيه، فيفسِده ببيان بقاءِ الحكم مع حذفه، أو ببيان طرديته، أي: عدم التفات الشرع إليه في معهود تصرفه (2).

من شرطه أن يكون سبره حاصرًا (3)؛ إذ لو لم يكن حاصرًا، لجاز أن يكون الوصفُ الباقي هو العلة في نفس الأمرِ، فيقع الخطأ في القياس، ولا يصحُّ السَّبر.

ومتى كان حصر الأوصاف، وإبطال ما عدا الواحد منها

= شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 145)، فواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 299).

(1)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 405).

(2)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (148).

(3)

أي: لجميع العلل.

ص: 252

قطعي؛ فالتعليل قطعي، ومتى كانا ظنيين أو أحدهما فالتعليل ظني (1). وحصر السبر (2) إما: بموافقة خصمه على انحصار العلة فيما ذكره أو: عجزه عن إظهار وصف زائد على ما ذكره المستدلّ، لأنه إذا عَجَز عن ذلك؛ فقد سلم الحصر ضرورة، ولا يسمع قوله: عندي [وصفٌ](3) لكني لا أذكره، لأنه حينئذ، إما صادقٌ فيكون كاتمًا لعلم دعت الحاجةُ إليه؛ فيفسَّق، أو كاذبًا فلا يُعَوّل على قوله وينتهض دليل المستدلّ (4).

فيجب إذًا على خصمه إما: تسليم الحصر فيثبت المدعى فيحصل مقصود المستدل، أو إبراز ما عنده من وصف إن كان لينظر فيه المستدلّ فيفسده.

ويبين عدم اعتباره (5)، إما: ببيان بقاء الحكم في صورة مع صدقه في صورة، ويلقب بالإلغاء (6)، لكون المستدلّ يلغي

(1) انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 406).

(2)

الشرط الثاني: وهو حصر السبر، وذكره المصنف تلخيصًا لكلام الطوفي في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 406)، وعبارة الطوفي هي:"هذا بيان لطريق ثبوت حصر السبر، وهو من وجهين" اهـ.

(3)

وردت في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 407) كلمة "زائد" فتصبح العبارة "وصف زائد". فحاصل الأمر أن موافقة الخصم على الحصر إما اختيارية بالتسليم، أو اضطرارية بعجزه عن الزيادة.

(4)

ويلزمه الحصر.

(5)

أي: إذا أبرز الخصم المعترض وصفًا زائدًا على ما ذكره المستدل من الأوصاف لزم المستدل أن يفسده من طريقين.

(6)

الطريق الأول في إبطال الوصف الزائد.

ص: 253

الوصف الذي أبداه المعترض، كما لو قال [الحنبلي أو الشافعي] (1) في العبد: يصحُّ أمان العبد، لأنه أمانٌ وجد من عاقلٍ مسلمٍ غير متهم، فيصحّ قياسًا على الحرّ، فيمنع الحنفي انحصار أوصاف العلة في الأصل، ويدَّعي زيادة (2) وصف الحرية، فيبطله المستدلّ بالعبد المأذون له، فإن أمانهُ يصح باتفاق مع عدم الحرية، فصار وصف الحرية لاغيًا (3).

أو يفسده ببيان طرديته (4) أي: عدم التفات الشرع إليه في معهودِ تصرّفه إما مطلقًا في جميع أحكام الشرع: كالطول، والقصر، والبياض، والسواد، وإما بالنسبة إلى ذلك الحكم المعلل به وإن اعتبر في غيره كالذكورة، والأنوثة، في أحكام العتق إذ هي ملغاة، فيقع كونها معتبرة في الشهادة والقضاء وولاية النكاح والإرث فلا يعلل بها شيء من أحكام العتق (5).

قوله: ولا يفسد الوصف بالنقض ولا بقوله: لم أعثر بعد البحث على مناسبة الوصف فيلغى؛ إذ يُعارضُه الخصم بمثله في وصفه (6).

(1) هكذا المثبت في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 407)، وفي المخطوط "العبد".

(2)

هكذا المثبت في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 408)، وفي المخطوط "استقالة".

(3)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 407).

(4)

الطريق الثاني في إبطال الوصف الزائد.

(5)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 408).

(6)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (148).

ص: 254

لا يفسد الوصف الزائد الذي يبديه المعترض بوجود النقض؛ مع تخلف الحكم عنه، لجواز كونه جزء علة، أو شرطها، فلا يكون وجوده مستقلًا بوجود الحكم؛ إذ الحكم إنما يوجد بوجود كمال علته ولكن يكون تخلفه مؤثرًا، فلا يلزم من عدم استقلاله بالحكم صحة علة المستدلّ بدونه.

مثاله: لو قال المستدل: علّة الربا في البُرّ الكيل، فعارضه المعترض بالطُّعْم، فنقضه المستدلّ بالماء أو غيره مما يطعم ولا ربا فيه، لم يكفه ذلك في إبطال كون الطعم علة، لجواز أن يكون جزء علة الربا، بأن تكونَ العلة مجموع الأمرين: الكيل والطعم، أو يكون شرطًا فيها، فتكون العلة الكيل بشرط كون المكيل مطعومًا، وحينئذ فلا يلزم من عدم كون الطعم علة مستقلة أن يكون الكيل علة صحيحة، ولا يتم للمستدلّ أيضًا إفساد وصف المعترض بقوله: لم أعثُر بعد البحث على مناسبة هذا الوصف فيلغى، إذ يعارصه الخصم المعترض بمثله في وصفه، فيقول: وأنا لم أعثر بعد البحث على مناسبة وصفك، فيتعارض الكلامان، ويقف المستدلان، وقوله: لم أعثر، معناه: لم أظهر (1).

قوله: وإذا اتفق الخصمان على فساد علة من عداهما، فإفسادُ أحدهما علّة الآخر دليلُ صحةِ علته، عند بعض المتكلمين والصحيح خلافه (2).

(1) انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 409).

(2)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (148).

ص: 255

أما صحته عند بعض المتكلمين (1) فلأن ما عدا علتيهما ثبت فساده باتفاقهما وعلة الخصم ثبت فسادها بإفسادها فتعينت العلة الباقية.

ومثال ذلك: إن اتفق الحنبلي والشافعي على أنَّ ما عدا الكيل والطعم في الربا علة فاسدة، ثم نقض الشافعي علة الكيل بالماء مثلًا إذ هو مكيل ولا ربا فيه، أو نقض الحنبليّ علة الطعم بالماء إذ هو مطعوم ولا ربا فيه -والصحيح خلافه- إذ اتفاقهما لا يقتضي فساد علة غيرهما في نفس الأمر، بل في اعتقادهما أو المالكي يعتقد فساد التعليل بالكيل والطعم، ويدعى علة القوت (2).

قوله: وهو حجة للناظر والمناظر عند الأكثر، وثالثها: إن أجمع على تعليل ذلك الحكم (3).

أما إذا كان حصر الأوصاف وإبطال ما عدا الواحد منها قطعي، فلا تنافي هذا الخلاف، وإنما الخلاف إذا كانا ظنيين أو أحدهما (4) فالمقدم أنه حجة للناظر لنفسه والمناظر لغيره، لوجوب العمل بالظن (5)، وقيل: ليس بحجة مطلقًا (6) لجواز بطلان الباقي،

(1) انظر: البحر المحيط للزركشي (5/ 224)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 409)، التحبير للمرداوي (7/ 3352).

(2)

انظر المثال في: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 409).

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (148).

(4)

انظر: تشنيف المسامع للزركشي (3/ 277).

(5)

هذا هو القول الأول والذي اختاره الآمدي. انظر: الإحكام للآمدي (3/ 380).

(6)

قال في نشر البنود للعلوي (2/ 161): وهو مذهب الأكثرين. انظر: المستصفى للغزالي (2/ 295)، المسودة لآل تيمية ص (427)، البحر المحيط للزركشي (5/ 224)، =

ص: 256

وقيل: حجة لهما إن أجمع على تعليل ذلك الحكم في الأصل، وعليه إمام الحرمين (1)، حذرًا إذ إن بطلان الباقي [يؤدي] إلى خطأ المجمعين، وقيل: حجه للمناظر لنفسه دون المناظر لغيره لأن ظنه لا يقوم حجة على خصمه (2).

قوله: المسلك الرابع: إثباتها بالمناسبة، وهى: أن يقترن بالحكم وصفٌ مناسبٌ، وهو: وصفٌ ظاهرٌ منضبطٌ يلزم من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودًا من حصول مصلحة ودفع مفسدة (3).

وتسمى المناسبة هنا الإخالة (4)، وتسمى تخريج المناط، أما تسميتها بالإخالة: فلأن بها يُخال، أي: يظن أن الوصف علة (5)، وأما تسميتها (6) بتخريج المناط فلأنها أبدت ما نيط به الحكم، أي: علق عليه، وهو تعيين العلة، وأما الوصف المناسب (7)،

= التحبير للمرداوي (7/ 3352)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/ 48)، حاشية البناني على جمع الجوامع (2/ 271)، فواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 300)، إرشاد الفحول للشوكاني (2/ 180).

(1)

البرهان للجويني (2/ 559).

(2)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 410).

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (148).

(4)

انظر: مادة "خال" في الصحاح (1692)، ولسان العرب لابن منظور (11/ 326).

(5)

انظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 238).

(6)

وتسمى أيضًا بالمصلحة، وبالاستدلال، وبرعاية المقاصد. انظر: تشنيف المسامع للزركشي (3/ 283)، التحبير للمرداوي (7/ 3368)، إرشاد الفحول للشوكاني (2/ 182).

(7)

المناسب في اللغة: المقاربة والملائمة، والمشاكلة للشيء، فهذا يناسب هذا أي يقاربه في الشكل. انظر: مادة "نسب" في المصباح المنير للفيومي (230).

ص: 257

فاختلفوا في تعريفه: فقيل هو: الملائم لأفعال العقلاء في العادة، كما يقال: هذه اللؤلؤة تناسب هذه اللؤلؤة، وهذه الجبة تناسب هذه العمامة (1)، وهذا القول ذكره التاج السبكي في جمعه (2).

وقيل: ما يجلب نفعًا أو يدفع ضررًا، إذ المراد بالنسبة إلى العبد لتعالي الرب جل جلاله عن الضرر والانتفاع، وعليه اقتصر البيضاوي (3)، وقال أبو زيد الدبوسي (4) من الحنفية: ما لو عرض على العقول لتلقته بالقبول (5)، قال في البديع: وهو أقرب إلى اللغة (6)، وما ذكره المصنف هو الذي قدمه ابن مفلح (7)، وهو حد الآمدي (8) وابن الحاجب (9) واحترزنا "بالظاهر" عن الخفي و"بالمنضبط" عن غير المنضبط فإنه لا يسمى مناسبًا، و"ما يصلح

(1) هذه عبارة المحصول للرازي (5/ 158).

(2)

انظر: جمع الجوامع مع حاشية البناني (2/ 274)، الإبهاج لابن السبكي (3/ 59).

(3)

منهاج الأصول مع نهاية السول للأسنوي (4/ 79).

(4)

عبيد الله بن عمر بن عيسى الحنفي، فقيه وأصوليّ فذّ، ذكر أنه أول من وضع علم الخلاف، له مناظرات مع العلماء، وممن يضرب به المثل في النظر، واستخراج الحجج والرأي، توفي سنة 430 هـ ببخارى. له تقويم الأدلة في أصول الفقه، وتأسيس النظر، وكلاهما مطبوع. انظر: الفوائد البهية للكنوي ص (109)، الجواهر المضيئة (6/ 339).

(5)

انظره في: كشف الأسرار للبخاري (4/ 623).

(6)

انظر: بديع النظام لابن الساعاتي (2/ 630).

(7)

انظر: أصول ابن مفلح (3/ 1280).

(8)

انظر: الإحكام للآمدي (3/ 270).

(9)

انظر: منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (181)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 239).

ص: 258

أن يكون مقصودًا" فاعل يلزم، وفي ابن الحاجب موضع يلزم يحصل عقلًا، وقوله: "من حصول مصلحة أو دفع مفسدة" ليان لقوله ما يصلح، والمصلحة اللذة ووسيلتها، والمفسدة الإثم ووسيلته (1)، وهما (2): نفسي وبدني دنيوي وأُخروي، لأن العاقل إذا خير اختار المصلحة ودفع المفسدة.

قوله: فإن كان خفيًّا أو غير منضبط اعتبر ملازمة وهو المظنة (3).

فإن كان الوصف خفيَّا، أو غير منضبط، لم يعتبر لأنه لا يعلم، فكيف يعلم به الحكم فامتنع التعليل به، فالطريق أن يعتبر ملازمة، أي: يعتبر وصف ظاهر منضبط يلازم ذلك الوصف يوجد بوجوده، ويعدم بعدمه فيجعل معرفًا للحكم وهو المظنة، أي: مظنة المناسب (4).

مثاله: المشقة (5) هي مناسبة لترتب الترخيص عليها تحصيلًا لمقصود التخفيف، ولا يمكن اعتبارها بنفسها لأنها غير منضبطة لكونها تختلف بالأشخاص والأزمان، ولا يناط الترخص بالكل، ولا يمتاز البعض بنفسه فنيط الترخص بما يلازمها وهو السفر (6).

(1) انظر: المحصول للرازي (5/ 158).

(2)

أي: المصلحة والمفسدة يقع على البدن والنفس، ويكون في الدنيا والآخرة.

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (149).

(4)

تشنيف المسامع للزركشي (3/ 287)، وانظر: شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 239)، والبحر المحيط للزركشي (5/ 207).

(5)

أي: للسفر.

(6)

التحبير للمرداوي (3374/ 7).

ص: 259

وقوله: وإذا لزم من مصلحة الوصف مفسدة متساوية أو راجحة ألغاها قوم وأثبتها آخرون (1).

إذا اشتمل الوصف على مصلحة ومفسدة راجحة على المصلحة أو مساوية فهل تنخرم مناسبته للحكم أم لا؟ قولان (2).

وممن قال: لا تنخرم، الشيخ (3) والمجد (4) والجوزي (5)

(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (149).

(2)

تسمى هذه بمسألة: انخرام المناسبة بما يعارضها. تحرير محل النزاع: اتفق العلماء: على أن الخلاف عند القائلين بعدم جواز تخصص العلة لعدم جواز بقاء المناسبين، أو اجتماع جهتي المصلحة والمفسدة عندهم. واتفقوا: على أنه إذا كان المعارض دالًّا على انتفاء المصلحة المناسبة فهذا مبطل لحجية المناسب، لأن انتفاء السبب يدل على انتفاء المسبب. واتفقوا على أنه إذا كانت المفسدة مرجوحة يصح التعليل بها. وإنما وقع الخلاف في حالة كون المفسدة مساوية أو راجحة على المصلحة على القولين اللذين ذكرهما المصنف: الأول: أن المناسبة لا تنخرم. وهو المختار عند المالكية ومذهب بعض الشافعية كالرازي، والبيضاوي وكثير من الحنابلة كما ذكرهم المصنف. الثاني: أن المناسبة تنخرم. وهو مذهب بعض المالكية كابن الحاجب، وبعض الشافعية كالآمدي، والصفي الهندي، ونسب إلى الأكثر. انظر: المستصفى للغزالي (2/ 77)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 865)، الإحكام للآمدي (3/ 276)، المحصولى للرازي (5/ 168)، منتهى السولى والأمل لابن الحاجب ص (183)، شرح العضد على ابن الحاجب (2/ 241)، المسودة لآلى تيمية ص (412)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 421)، أصول ابن مفلح (3/ 1284)، رفع الحاجب لابن السبكي (3/ 339)، نهاية الوصول للصفي الهندي (8/ 3309)، التحبير للمرداوي (7/ 3375)، الإبهاج لابن السبكي (3/ 71)، شرح الكوكب لابن النجار (4/ 172).

(3)

روضة الناظر لابن قدامة (3/ 865).

(4)

المسودة لآل تيمية ص (412)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (19/ 290، 306).

(5)

انظر: الإيضاح لقوانين الاصطلاح لابن الجوزي ص (176).

ص: 260

قالوا: لأنها أمر حقيقي فلا يبطل تعارض (1)، ومن قال بالانخرام علل بأن المناسبة أمر عرفي، وأهل العرف لا يعدون تحصيل درهم مع فوات مثله مناسبًا (2)، والعقل قاضٍ بذلك.

قالوا: الصلاة في المحل الغصب صحيحة مع تحريمها (3)، مع تعارض فضيلة المصلحة ومفسدة التحريم (4).

قيل: لا نسلم الصحة، ولو سلمت فليست المفسدة ناشئة عن الصلاة وبالعكس، ولو نشأت معًا عن الصلاة؛ لم تصح.

تنبيه: المناسب أربعة أنواع:

أحدها: المؤثر: وهو ما ظهر تأثيره في الحكم بنصٍّ أو إجماع (5)، كقياس الأمة على الحرة في سقوط الصلاة حالة الحيض لمشقة التكرار وهو ضربان:

الأول: أن يظهر تأثير عينه في عين ذلك الحكم، فهو

(1) من أدلة القول الأول.

(2)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 421).

(3)

انظر الأقوال في المسألة في القسم الأول من شرح مختصر أصول الفقه، للجراعي ص (310).

(4)

أن المصلحة من متضمنات الوصف، والمفسدة من لوازمه، أي: قد تضمّن مصلحة، ولزمته مفسدة فوجب اعتبارهما لاختلاف جهتهما كالصلاة في الدار المغصوبة تعتبر طاعة من وجه، معصية من وجه. انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 421).

(5)

هذا تعريف الإمام الغزالي في شفاء الغليل للغزالي ص (144)، والمستصفى للغزالي (2/ 77)، وتابعه ابن قدامة في روضة الناظر لابن قدامة (3/ 849).

ص: 261

المسمى في معنى الأصل نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (من مس ذكره فليتوضأ) فيقاس عليه من مس ذكر الغير فعينُ الوصف المسُّ، وعين الحكم النقض.

الثاني: أن يظهر تأثير عينه في جنس ذلك الحكم (1)، كظهور أثر الأخوة من الأبوين في التقديم في الميراث، فيقاس عليه ولاية النكاح، إذ الولاية ليست عين الميراث، لكن بينهما مجانسة.

النوع الثاني: الملائم: وهو ما ظهر تأثير جنسه في عين الحكم، كتأثير المشقة في إسقاط الصلاة عن الحائض فإنه ظهر تأثير جنس الحرج في إسقاط قضاء الصلاة كتأثير مشقة السفر في القصر (2).

النوع الثالث: الغريب: وهو ما ظهر تأثير جنسه في جنس ذلك الحكم كتأثير جنس المصالح في جنس الأحكام (3).

والجنسية مراتب، بعضها أعم من بعض:

فأعم الأوصاف كونه حكمًا، ثم ينقسم إلى الأحكام الخمسة، والواجب إلى: عبادة وغيرها، والعبادة إلى: صلاة وغيرها.

(1) وهو قريبٌ من تعريف ابن الحاجب. انظر: منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (183)، شرح مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 242).

(2)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 851)، أصول ابن مفلح (3/ 1287)، شرح الكوكب لابن النجار (4/ 174).

(3)

روضة الناظر لابن قدامة (3/ 852).

ص: 262

فالمؤثر في الصلاة الواجبة أخص من المؤثر في العبادة، والمؤثر في العبادة أخص من المؤثر في الواجب، والمؤثر في الواجب أخص مما ظهر في الأحكام.

واعتباره في المعاني أعم أوصافه كونه وصفًا يُناطُ الحكم بجنسه، وأخص منه كونه مصلحة خاصة، ولأجل تفاوت درجات الجنسية في القرب والبعد تتفاوت درجات الظن، فالأعلى راجح على ما دونه.

وقال بعضهم: الملائم: ما ظهر تأثير جنسه في جنس الحكم (1) كتأثير المشقة في التخفيف.

والغريب: الذي لم يظهر تأثيره، ولا ملائمته بجنس تصرفات الشرع (2) كقولنا:[حُرِّم الخمر](3) لكونه مسكرًا، وفي معناه: كل مسكر، ولم يظهر تأثير السكر في موضع [آخر](4) لكنه مناسب اقترن به الحكم، وكالمبتوتة (5) في مرض الموت ترث،

(1) هذا تعريف الإمام الغزالي كما في: شفاء الغليل للغزالي ص (149).

(2)

هذا تعريف الغزالي كما في: شفاء الغليل للغزالي ص (148)، المستصفى للغزالي (2/ 298).

(3)

في المخطوط بدونها، والصواب إثباتها ليستقيم به المعنى، وهو المثبت في روضة الناظر لابن قدامة (3/ 853).

(4)

في المخطوط بدونها، ولكي يستقيم المعنى لا بد من إضافتها، فهو المثبت في روضة الناظر لابن قدامة (2/ 298).

(5)

المبتوتة لغة: من البت، وهو القطع. والأصل: مبتوت طلاقها، وطلقها طلقة بتةً، وبتها إذا قطعها عن الرجعة. انظر: مادة "بتَّ" في المصباح المنير للفيومي ص (14).

ص: 263

معارضة للزوج بنقيض قصده (1) قياسًا على حرمان القاتل معارضة بنقيض قصده، فهو مناسبة مجردة غريبة لعدم الالتفات إلى هذا في مواضع أُخَر.

النوع الرابع: المرسل: قال بعضهم: هو غير المعتبر (2)، فإن كان غريبًا أو ثبت إلغاؤه، فمردود اتفاقًا (3)، كتعيين بعض العلماء (4) صوم الشهرين على بعض الملوك (5) حيث وجب عليه كفارة الظهار، فألغى الإعتاق المعتبر ابتداء لسهولته على الملك، ومشقة الصوم عليه (6)، وإن كان ملائمًا فقد نقل عن

(1) للقاعدة الفقهية: "من تعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه".

(2)

قال ابن النجار: "وهما أي: المرسل الغريب والمرسل الذي ثبت إلغاؤه مردودان أمّا الأول فعند الجمهور، وأما الثاني: فبالاتفاق". انظر: شرح الكوكب لابن النجار (181/ 4).

(3)

نقل الاتفاق ابن السبكي في رفع الحاجب (3/ 242)، وابن النجار في شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 181).

(4)

هو: يحيى بن يحيى بن كثير الليثي البربري الأندلسي القرطبي المالكي، سمع من الإمام مالك، انتهت إليه رئاسة المذهب في الأندلس، توفي سنة 234 هـ. انظر: الديباج المذهب لابن فرحون (2/ 352)، ترتيب المدارك للقاضي عياض (2/ 534)، سير أعلام النبلاء للذهبي (10/ 519).

(5)

هو: عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل أمير الأندلس، أبو المطرف المرواني، بويع بعد والده في آخر سنة 206 هـ، كان حسن السيرة، لين الجانب، توفي سنة 238 هـ. انظر: نفح الطيب لابن التلمساني (1/ 344)، جذوة المقتبس للحميدي ص (10)، سير أعلام النبلاء للذهبي (8/ 260).

(6)

كان الملك قد نظر إلى جارية كان يحبّها حبًّا شديدًا وكان ذلك في شهر رمضان وهو صائم، فعبث بها، فلم يملك نفسه أن وقع عليها، ثم ندم ندمًا شديدًا، فسأل الفقهاء عن توبته وكفارته، فقال يحيى بن يحيى: =

ص: 264

الشافعي (1) ومالك (2) اعتباره، واختاره الجويني (3) والغزالي (4)، وأنكره أصحاب مالك عنه (5)، وهو قول الأكثرين لاتفاق الجمهور (6) على عدم التمسك به؛ لأن ما لا يكون معتبرًا بعينه ولا بجنسه القريب لا يكون دليلًا شرعيًّا.

قوله: المسلك الخامس: إثبات العلة بالشبه، وعند القاضي وابن عقيل [وغيرهما](7) إلحاق الفرع المتردد بين أصلين بما هو

= تصوم شهرين متتابعين، فلما بدر يحيى بذلك سكت الفقهاء حتى خرجوا. فقالوا ليحيى: ما لك لم تفته بمذهب مالك، وهو التخيير بين العتق والإطعام والصيام. قال: لو فتحنا له هذا الباب سهل عليه أن يطأ كل يوم ويعتق رقبة، ولكن حملته على أصعب الأمور لئلا يعود. انظر: الكافي لابن عبد البر (1/ 341).

(1)

جاءت النسبة إليه في: المستصفى للغزالي (2/ 297)، الإحكام للآمدي (3/ 282).

(2)

انظر: مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 242)، شرح تنقيح الفصول للقرافي ص (393)، شرح تنقيح الفصول لابن حلولو ص (401)، رفع النقاب من تنقيح الشهاب للشوشاوي (3/ 1186).

(3)

رد أبو المعالي الجويني قول مالك، واختار قبول المصلحة المرسلة بشرط أن تكون شبيهة بالمصلحة المعتبرة. كما نقل عنه في: نهاية السول للأسنوي (4/ 387)، جمع الجوامع بشرح المحلي (2/ 284).

(4)

انظر: المستصفى للغزالي (2/ 298).

(5)

انظر: الكافي لابن عبد البر (1/ 341).

(6)

انظر: الإحكام للآمدي (4/ 165)، وأصول ابن مفلح (2/ 1289)، والإبهاج شرح المنهاج لابن السبكي (3/ 63).

(7)

ساقطة من المخطوط، وهي مثبتة في المطبوع وفي جميع مخطوطات المختصر في أصول الفقه لابن اللحام.

ص: 265

أشبه به منهما، كالعبد المتردد بين الحر والبهيمة، والمذي المتردد بين البول والمني، وفي صحة التمسك به قولان لأحمد (1) والشافعي (2) والأظهر: نعم، خلافًا للقاضي (3).

الشبهية لغة (4): شامل كل قياس، لأن كل قياس (5) مشتمل على شبه واطّراد، فقياس العلة عرف بأشبه صفاته، وقياس الشبه أشرف صفاته المشابهة.

واصطلاحًا (6):

(1) انظر: العدة لأبي يعلى (4/ 1325)، أصول ابن مفلح (3/ 1293).

(2)

انظر: اللمع للشيرازي ص (101)، الإحكام للآمدي (3/ 295) والذي صرّح به الإمام الشافعي في الرسالة ص (479) بقيد أن قياس الشبه حجة.

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (149).

(4)

الشبيه والشبه لغة: المثل، أشبه الشيء ماثله. انظر: مادة "شبه" في المصباح المنير للفيومي ص (115).

(5)

يسمى عند بعض الفقهاء: الاستدلال بالشيء على مثله. انظر: الإحكام للآمدي (3/ 295). وسماه القاضي أبو يعلى في العدة لأبي يعلى (4/ 1235): "غلبة الشبه" وهو عام أريد به خاص، إذ يطلق الشبه على جميع أنواع القياس، لأن كل قياس لا بد فيه من كون الفرع شبيهًا بالأصل بجامع بينهما. إلا أن الأصوليين اصطلحوا على تخصيص هذا الاسم بهذا النوع من الأقيسة.

(6)

انظر تعريفاته اصطلاحًا في: المستصفى للغزالي (2/ 310)، التمهيد لأبي الخطاب (1/ 29)، الجدل لابن عقيل ص (12)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 868)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 244)، الإحكام للآمدي (3/ 296)، شرح تنقيح الفصول للقرافي ص (394)، تشنيف المسامع للزركشي (3/ 206)، رفع الحاجب لابن السبكي (4/ 347)، أصول ابن مفلح (3/ 1293)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/ 53)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 424)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 187)، فواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 30).

ص: 266

قال القاضي (1) وابن عقيل (2) وغيرهما (3): تردد الفرع بين أصلين من مناط كل منهما إلا أنه يشبهه أحدهما في أوصاف أكثر، فإلحاقه به هو الشبه، كالعبد؛ هل يملك؟ وهل يضمنه قاتله بأكثر من دية الحر؟ وقال الآمدي: ليس هذا من الشبه في شيء فإن كل مناط مناسب، وكثرة المشابهة للترجيح (4).

ثم قياس علة الشبه لا يصار إليه مع إمكان العلة إجماعًا (5)، فإن تعذر فهو حجة عندنا (6) وعند الشافعية (7)، حتى قال ابن عقيل: لا عبرة بالمخالف لأنه يغلب على الظن عليته حينئذٍ لشبهه بالمناسب (8).

والقول الثاني: أنه مردود ونظرًا لشبهه بالطرد (9).

تنبيه: القاضي هنا لا أدري، هو القاضي أبو يعلى كما دل

(1) انظر: العدة لأبي يعلى (4/ 1325).

(2)

انظر: الواضح لابن عقيل (2/ 53).

(3)

كالغزالي وابن قدامة والآمدي وابن الحاجب وابن مفلح. انظر: هامش (1) أعلاه.

(4)

الإحكام للآمدي (3/ 295).

(5)

نقل الإجماع الجويني في: التلخيص: (3/ 238).

(6)

انظر: العدة لأبي يعلى (4/ 1326)، المسودة لآل تيمية ص (374)، أصول ابن مفلح (3/ 16)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 190).

(7)

انظر: اللمع للشيرازي ص (101)، الإحكام للآمدي (3/ 297)، المحلي على جمع الجوامع (2/ 278).

(8)

الواضح لابن عقيل (2/ 54)، الجدل ص (12).

(9)

انظر: المسودة لآل تيمية ص (427).

ص: 267

عليه سياق الكلام، أم القاضي يعقوب (1) كما صرح به في الروضة (2).

قوله: والاعتبار بالشّبه حكمًا لا حقيقة، خلافًا لابن علية، وقيل: بما يُظن أنه مناطًا للحكم (3).

إذا صح التمسك بقياس الشبه؛ فالاعتبار فيه بالشبه حكمًا (4) بإلحاق العبد بالبهيمة في عدم الملك بجامع كونهما مملوكين، والملك حكم (5).

وقال ابن علية (6): يعتبر الشبه الحقيقي الحكمي كشبه الأمة

(1) هو: القاضي يعقوب بن إبراهيم بن سَطَّور البَرْزبِيني -نسبة إلى قرية على بعد خمسة فراسخ من بغداد بينها وبين أوانا- الحنبلي، أخذ الفقه عن القاضي أبي يعلى، تولى القضاء في باب الأزج، توفي سنة 486 هـ.

من مصنفاته: الأصول والفروع. انظر: طبقات الحنابلة لأبي يعلى (2/ 245)، المقصد الأرشد لابن مفلح (3/ 120)، المنهج الأحمد للعليمي (3/ 5).

(2)

نسبه ابن قدامة في روضة الناظر لابن قدامة (3/ 868)، والطوفي في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 425) للقاضي يعقوب، والصحيح أنه لهما: أي للقاضي أبي يعلى والقاضي يعقوب كما صرح بذلك المرداوي في التحبير (7/ 2420) بقوله: "فقال القاضي أبي يعلى، والقاضي يعقوب" اهـ.

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (149).

(4)

هذا هو القول الأول، وذهب إليه الشافعي وأكثر الحنابلة. انظر: اللمع للشيرازي ص (101)، المحصول للرازي (5/ 202)، التحبير للمرداوي (7/ 3427)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 188).

(5)

انظر المثال في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 434).

(6)

هو إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم، أبو إسحاق البصري، الأسدي، اشتهر بابن عليّة كأبيه، كان أحد المتكلمين، قدم إلى مصر من بغداد، =

ص: 268

بالعبد في كونهما آدميين، إذ هو وصف حقيقي (1).

وقيل: الاعتبار بما يظن كل مجتهد أنه مناط للحكم عنده (2)، وذلك كالبنت المخلوقة من الزنا من ألحقها بالبنت من النكاح في تحريم نكاحها، كما هو مذهبنا نظر إلى المعنى الحقيقي وهو كونها من مائه، ومن ألحقها بالأجنبية فأباح للواطئ نكاحها كالشافعي، نظر إلى المعنى الحكمي، وهو انتفاء آثار الولد بينهما شرعًا يجب على كل مجتهد اتباع ظنه، لأن الظن واجب الاتباع، وهو غير لازم أبدًا للشبهة حكمًا ولا للشبه حقيقة بل يختلف باختلاف نظر المجتهد (3).

قوله: المسلك السادس: الدوران (4): وهو وجود الحكم

= وهو من تلاميذ ابن كيسان الأصم المعتزلي، وكانت له مناظرات مع الإمام الشافعي. توفي سنة 228 هـ. له مصنفات في الفقه تشبه الجدل. انظر: تاريخ بغداد (6/ 20).

(1)

جاءت نسبة هذا القول إلى ابن عليّة في: المحصول للرازي (5/ 203)، نهاية السول للأسنوي (4/ 112)، والتحبير للمرداوي (7/ 3427)، والإبهاج في شرح المنهاج لابن السبكي (3/ 68)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 189).

الشبه الحقيقي: وهو القول الثاني. انظر: الإبهاج في شرح المنهاج لابن السبكي (3/ 68)، نهاية السول للأسنوي (4/ 112).

(2)

هو مذهب الطوفي. انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 434).

(3)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 434)، التحبير للمرداوي (7/ 3427).

(4)

الدوران لغة: مصدر دار، يدور، دورًا ودورانًا، ويطلق على الحركة والاضطراب. انظر: مادة "دور" في: لسان العرب لابن منظور (4/ 295). ويعبّر عنه بعض الأصوليين بالطرد والعكس. انظر: الإحكام للآمدي (3/ 299)، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 245). وعبر عنه بالسلب والوجود أبو الخطاب. انظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 24).

ص: 269

بوجود الوصف وعدمه بعدمه، يفيد العلية عند أكثر أصحابنا (1)، قيل: ظنًّا، وقيل: قطعًا (2).

مثال كونه في العصير بوجود الإسكار فإنها توجد بوجوده وتعدم بعدمه فإنه إذا انقلب خلًّا زالت الحرمة وفيه مذاهب:

أحدها: لا يفيد بمجرده ظنّ العلة ولا القطع بها (3)، لجواز أن يكون الوصف الدائر ملازمًا للعلة لا نفسها؛ إلا أن يدل دليل على أن هذا الوصف معتبر في إثبات الحكم فحينئذٍ يكون حجة، وهو قول القاضي أبي الطيب الطبري (4) واختاره ابن السمعاني (5) والغزالي (6) والآمدي (7) وابن الحاجب (8).

(1) انظر مذهب أكثر الحنابلة في: العدة لأبي يعلى (5/ 1436)، التمهيد لأبي الخطاب (4/ 24)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 412)، المسودة لآل تيمية ص (427)، أصولط ابن مفلح (3/ 1297)، التحبير للمرداوي (7/ 3437)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 193).

(2)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (149).

(3)

المذهب الأول: وهو أن الدوران لا يفيد العلّيّة مطلقًا. قول أكثر الحنفية وظاهر مذهب المالكية، وبعض الشافعية. انظر: التبصرة للشيرازي ص (460)، البرهان للجويني (2/ 547)، تقويم الأدلة للدبوس (2/ 406)، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (185)، الإحكام للآمدي (3/ 299)، البحر المحيط للزركشي (5/ 248)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/ 22)، فواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 302).

(4)

انظر: البرهان للجويني (2/ 547).

(5)

انظر: قواطع الأدلة للسمعاني (3/ 190، 249).

(6)

انظر: المستصفى للغزالي (2/ 207)، شفاء الغليل للغزالي ص (266، 309)، أساس القياس للغزالي ص (89).

(7)

انظر: الإحكام للآمدي (3/ 299).

(8)

انظر: منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (185)، شرح المختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 245).

ص: 270

الثاني: يفيد القطع بها ونقل عن بعض المعتزلة (1).

الثالث: يفيد الظن وعليه الأكثر (2)، منهم ابن الباقلاني (3) والفخر الرازي (4) لأنه دليل على صحة العلة العقلية، وهي موجبة فأولى أن تكون دليلًا على الشرعية، وهي أمارة، ولأنه يغلب على الظن ثبوت الحكم مستندًا إلى ذلك الوصف كما لو تكرر قيام رجل لدخول غيره، وعدمه عن من غلب على الظن تعليله به.

(1) شرح العمد لأبي الحسن البصري (2/ 65)، المعتمد للبصري (2/ 259).

(2)

انظر مذهب الجمهور في: العدة لأبي يعلى (5/ 1433)، التبصرة للشيرازي ص (460)، أصول السرخسي (2/ 176)، البرهان للجويني (2/ 546)، المستصفى للغزالي (2/ 207)، شرح تنقيح الفصول للقرافي ص (396)، أصول ابن مفلح (3/ 1297)، التحبير للمرداوي (7/ 3438)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/ 2)، شرح الكوكب لابن النجار (4/ 194).

(3)

نسب المصنف هذا القول إلى ابن الباقلاني تبعًا لابن مفلح (3/ 1298)، والآمدي في الإحكام (3/ 299). وهذه النسبة فيها نظر. فإن ابن الباقلاني صرَّح: أن الدوران لا يفيد العلية لا ظنًّا ولا قطعًا. انظر: التلخيص للإمام الجويني (3/ 258)، البرهان للجويني (2/ 546). وقد ذكر إمام الحرمين في البرهان للجويني (2/ 548) بقوله:"وقال القاضي في معظم أجوبته: لا يجوز التعلق بالطرد والعكس في محاولة إثبات العلة، فإن الطرد لا يعمّ في صور الخلاف على وفاق؛ إذ لو كان يعم لما ثبت الخلاف في المحل الذي يدعي الطارد الطرد فيه، والعكس ليس شرطًا في العلة التي تجرى دليلًا وعلامة، فقد صار الفرد واقعًا في محل النزاع". وقال: -نقل رأي القاضي-: "فالطرد متنازعٌ فيه، والعكس ليس من مقتضيات نصب الإعلام والعلامات". انظر: التلخيص للجويني أيضًا (3/ 259).

(4)

انظر: المحصول للرازي (5/ 207).

ص: 271

قوله: وصحح القاضي وبعض الشافعية التمسك بشهادة الأصول المفيدة للطرد والعكس نحو: من صح طلاقه صح ظهاره، ومنع من ذلك آخرون (1).

قال في التمهيد (2) والروضة بعد ذكر الدوران: ويشبه ذلك شهادة الأصول (3) نحو: الخيل لا زكاة في ذكورها منفردة، فكذا في إناثها كبقية الحيوان (4) وصححه القاضي (5)، وللشافعية وجهان (6).

قوله: واطّراد العلة لا يفيد صحتها (7).

اطّراد العلة: هو وجود الحكم عند وجودها (8)، لا يفيد صحتها (9)، إذ معنى اطرادها سلامتها عن النقض، وهو أحد

(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (151).

(2)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 27).

(3)

المراد بشهادة الأصول أحد معنيين: الأول: دلالة الكتاب، أو السنة، أو الإجماع على الحكم المعلل. الثاني: قال التفتازاني: أن يكون للحكم المعلل أصل معين من نوعه يوجد فيه جنس الوصف أو نوعه.

انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1435)، اللمع للشيرازي ص (112)، شفاء الغليل للغزالي ص (189)، التحبير للمرداوي (7/ 3442)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (3/ 316).

(4)

روضة الناظر لابن قدامة (3/ 862).

(5)

انظر العدة لأبي يعلى (5/ 1435).

(6)

اختار الشيرازي رواية التمسك بشهادة الأصول. انظر: اللمع للشيرازي ص (112)، التبصرة للشيرازي ص (464)، شرح اللمع للشيرازي (2/ 862). وانظر رواية المنع في: المستصفى للغزالي (2/ 206)، الإحكام للآمدي (3/ 299).

(7)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (151).

(8)

انظر: شرح المختصر في أصول الفقه للجراعي القسم الأول ص (235).

(9)

انظر مذهب الجمهور في: العدة لأبي يعلى (5/ 1436)، التمهيد لأبي الخطاب (4/ 30)، =

ص: 272