الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنه كان إذا أراد أن يوجب البيع مشى قليلًا ثم رجع (1)، وكذلك إذا اعتضد أحد الاحتمالات؛ لأن الاحتمال الذي حصل له اعتضاد بوجه آخر [](2) آكد قوة فَقُدِّم على غيره (3).
قوله: والقياسي (4).
[الترجيح بالقياس]
أي: والترجيح القياسي يعني الواقع في الأقيسة لأنه قد سبق بيان الترجيح اللفظي، وانتهى الكلام فيه والكلام الآن في القياسي.
قوله: إمّا من جهة الأصل، أو العلة، أو القرينة العاضدة (5).
الترجيح الحاصل للقياس إما من جهة أصله، أو علته، أو قرينة تقترن بأحد القياسين يعضده فيه فيترجح على الآخر.
[الترجيح بحكم الأصل]
قوله: أما الأول فحكم الأصل الثابت بالإجماع راجح على الثابت بالنص، والثابتِ بالقرآن أو تواتر السنة على الثابت
(1) انظر: العدة لأبي يعلى (3/ 1053)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 711)، والمسودة لآل تيمية ص (307)، والتحبير للمرداوي (8/ 4223).
(2)
طمس غير مقروء بسبب البلل، والسياق مستقيم في المعنى بدونها.
(3)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 711)، والتحبير للمرداوي (8/ 4223).
(4)
المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (171).
(5)
المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (172).
بآحادها، وبمطلق النص على الثابت بالقياس، والمقيس على أصولٍ أكثر على غيره، لحصول غلبة الظن بكثرة الأصول، خلافًا للجويني، والقياس على ما لم يخص على القياس المخصوص (1).
ترجيح القياس من جهة أصله من وجوه (2):
أحدها: الأصل الثابت بالإجماع راجح على الثابت بالنص لعصمة الإجماع، ومعناه: إذا أمكن قياس الفرع على أصلين، حكم أحدهما ثابت بالإجماع والآخر ثابت بالنص، كان القياس على الأصل الثابت بالإجماع مقدّمًا على الأصل الثابت بالنص، لأن الإجماع مقدم على النص، فكذا ما ثبت به يكون مقدّمًا على ما ثبت بالنص، لعصمة الإجماع من الخطأ والنسخ.
مثاله قولنا -في لعان الأخرس-: ما صح من [الناطق](3) صح من الأخرس (4) كاليمين، أرجح من قياسهم على شهادته تعليلًا بأنه يفتقر إلى لفظ الشهادة؛ لأن اليمين يصح من الآخرس
(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (173).
(2)
يجمعها كون دليل الأصل أقوى. انظر: التحبير للمرداوي (8/ 4226).
(3)
هكذا المثبت في التحبير للمرداوي (8/ 4227). وهو الصحيح، والذي يستقيم به المعنى، وفي المخطوط:"الفاسق".
(4)
وفي لعان الأخرس قولان: الأول: لا يصح لعان الأخرس إلا إذا فهمت إشارته أو كتابته، وهذا الذي عليه المذهب وإحدى الروايات عن الإِمام أحمد، والثاني: ما ذهب إليه الإِمام مالك والشافعي وهو اختيار القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب: أن الأخرس يصح لعانه كالناطق في قذفه ولعانه.
انظر الكافي لابن عبد البر (2/ 287)، وروضة الطالبين للنووي (7/ 9)، والمغني لابن قدامة (11/ 23)، والإنصاف للمرداوي (9/ 238).
بالإجماع (1) بخلاف شهادته فإن فيها خلاف (2).
الوجه الثاني: حكم الأصل الثابت بالقرآن أو تواتر السنة، راجح على حكم الأصل الثابت بآحاد السنة، كما أن القرآن ومتواتر السنة مُقدَّمان على آحادها فكذلك الأصول الثابتة بها.
الوجه الثالث: حكم الأصل الثابت بمطلق النص راجح على حكم الأصل الثالت بالقياس، كما يقدم مطلق النص على القياس. والمراد بمطلق النص كل ما شمله اسم من تواتر وآحاد صحيح وحسن مما يسوغ العمل به شرعًا.
الوجه الرابع: إذا تعددت الأصول في أحد القياسين ولم يتعدّد في الآخر، فإنّ ما تعددت أصوله مرجَّح على الآخر؛ لأن كثرة الأصول تدل على العموم فيرجح لحصول غلبة الظن بكثرة الأصول خلافًا للجويني حيث حُكِيَ عنه أن أحد القياسين لا يُرجح بكثرة الأصول.
الوجه الخامس: القياس على أصل بأن على عمومه لم يخص راجح على القياس على أصل مخصوص، كما أنّ العام الباقي على عمومه راجح على العام المخصوص (3).
(1) انظر: التحبير للمرداوي (8/ 4227).
(2)
الخلاف في شهادة الأخرس عند العلماء على قولين: الأول: عدم جواز الشهادة من الأخرس نص عليه الإِمام أحمد وأصحاب الرأي، والثاني: ما ذهب إليه مالك، والشافعي بأن شهادته تقبل إذا فهمت إشارته لأنها تقوم مقام مظنه، فكذلك شهادته. انظر: الكافي لابن عبد البر (2/ 464)، روضة الطالبين للنووي (9/ 100)، المغني لابن قدامة (14/ 180).
(3)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (7/ 713)، والتحبير للمرداوي (8/ 4229).
قوله: وأما الثاني، فتقدم العلَّة المجمع عليها على غيرها، والمنصوصة على المستنبطة، والثابتة علِّيَّتِها تواترًا على الثابتة علِّيَّتِها آحادًا، والمناسِبةُ على غيرها، والناقلة على المقرِّرة، والحاظرة على المبيحة، ومُسقِطة الحدِّ، وموجبة العتق، والأخف حكمًا على خلاف فيه كالخبر، والوصْفيّة -للاتفاق عليها- على الاسمية، والمردودة إلى أصل قاس الشرع عليه على غيره، كقياس الحجّ على الدَّيْن والقُبْلة على المضمضة، والمطَّردة على غيرها إن قيل بصحتها، والمنعكسة على غيرها إن اشترط العكس (1).
يرجح القياس من جهة علَّتِه عن وجوه:
أحدها: ترجح العلة المجمع عليها على غير المجمع عليها، بمعنى إذا ظهر في [الأصل](2) الواحد وصفانِ مناسبان، وقد أجمع على التعليل بأحدهما، واختلف في التعليل بالآخر، فالتعليل بالوصف المجمع عليه. راجح لقوة [مستنده](3) وهو الإجماع (4).
(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (172).
(2)
طمس يصعب قراءته، والمثبت من شرح مختصر الروضة.
(3)
هكذا في المخطوط، وفي شرح مختصر الروضة "مستندها".
(4)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 716)، والتحبير للمرداوي (8/ 4230)، وشرح جمع الجوامع مع حاشية البناني (2/ 376)، وتيسير التحرير لأمير بادشاه (4/ 87)، ورجّح البيضاوي والأرموي والفتوحي ما ثبتت علته بالنص. انظر: التحصيل لأبي بكر الأرموي (2/ 272)، وشرح المنهاج للأصفهاني (2/ 813)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 715).
الثاني: تُرجَّح العلَّة المنصوصة عليها من الشارع على العلة التي استنبطها المجتهد؛ لأن نص الشارع أولى من اجتهاد المجتهد، لعصمة النص دونه، كتعليل منع بيع الرطب بالتمر بأنه جنس ربوي بيع ببعضه فينقض عن حقّه، فيتفاضلان في حال المآل والادِّخار، أشبه الحنطة بالدقيق، فإنه أرجح من تعليه، جواز بيعه بوجود التماثل في الحال من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على معنى التعليل الأول بقوله:(أينقص الرطب إذا يبس؟ ) فكانت أولى من المستنبطة.
الثالث: تُرجّح العلة التي ثبتت عليتها بالتواتر على التي ثبتت عليتها بالآحاد كما قلنا: بتقديم التواتر على الآحاد في الأخبار (1).
الرابع: تُرجّح العلة المناسبة على غير المناسبة، لاختصاص المناسبة بزيادة القبول في العقول، وهذا ثابتًا فيها إذا كانت العلتان منصوصتين أو مستنبطتين، أمّا إن كانت إحداها منصوصة والأخرى مستنبطة، فالمنصوصة مقدّمة ولو لم تكن مناسِبة وكذلك إن كانت المتواترة غير مناسبة، والثابتة بالآحاد مناسبة فإن الثابتة بالآحاد مُقدّمَة مطلقًا (2).
الخامس: تُرجّح العلة الناقلة عن حكم الأصل على العلة المقرِّرة عليه كما سبق في الخبر الناقل مع المقرِّر (3).
(1) انظر ص (148).
(2)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 717).
(3)
انظر ص (353).
السادس: تُرجّح العلة الحاظرة أي: التي توجب الحظر، على التي توجب الإباحة.
السابع: تُرجّح مُسقِطة الحدِّ على موجبته، وموجبة العتق على نافيته والتي هي أخفّ حكمًا على التي هي أثقل حكمًا، على خلافٍ في ذلك كلّه، كما سبق (1) في نظيره في الأخبار، لأن العِلَل مستفادة من النصوص فتتبعها في الخلاف والوِفاق في ذلك ونحوه، وهذا إذا تساوتا في النص والاستنباط، أما إن كانت إحداهما منصوصة والأخرى مستنبطة، فالمنصوصة مقدمة كما تقدم (2)؟
الثامن: تُقدَّم العلة الوصفية للاتفاق عليها على الاسمية، لأن التعليل بالأوصاف متفق عليه بخلاف التعليل بالأسماء، كتعليل الربا في البُرّ بكونه مكيلًا أو مطعومًا، فإنه مقدم على التعليل بكونه بُرًّا، وفي الذهب بكونه موزونًا، فإنه مقدم على التعليل بكونه ذهبًا.
التاسع: العلَّة المردودة إلى أصل قال الشرع عليه، راجحةٌ على غيرها، كقياس النبي صلى الله عليه وسلم الحج على دين الآدمي في حديث الخثعمية، والقُبْلة على المضمضة في حديث عمر رضي الله عنه.
فلو قال قائل: الحج عن المعضوب لا يجزئ بالقياس على الصلاة، والقبلة تُفَطّر الصائم؛ لأنها نوع استمتاع بالقياس على الوطء، لقلنا: القياس على ما قاس عليه الشارع أولى؛ لأنه أعلم بالأحكام ومصالحها من مفاسدها.
(1) انظر ص (354).
(2)
انظر ص (145).
العاشر: العلّة المطَّرَدة تُرجّح على غير المطّردة إن قيل بصحة غير المطردة، لأن غير المطردة وهي المنتقصة بصورة فأكثر إن لم يقل بصحتها لم تُعارض المطردة حتى تحتاج إلى ترجيح، وإن قلنا بصحتها فاجتمعت هي والمطردة، فالمطردة راجحة لأن ظنّ العلّيّة فيها أغلب، ولأنها متفق عليها والمنتقضَة مختلفٌ فيها.
الحادي عشر: العلة المنعكسة راجحَةٌ على غير المنعكسة إن اشترط العكس في العلل، قد سبق أن اطراد العلّة هو استمرار حكمها في جميع محالَّها، وأما انعكاسها فهو انتفاء الحكم لانتفائها.
واختلف في الانعكاس هل هو شرط في صحتها أو لا؟ فإن لم يشترط لم ترجح المنعكسة على غير المنعكسه؛ لأن شرط الصحة موجود فيها وهو الاطراد، ووجود الانعكاس كالعدم لأنه غير مشترط، وإن قلنا: يشترط رجحت المنعكسة على غيرها لانتفاء الحكم عند إنتفائها يدل على زيادة في اختصاصها بالتأثير فتصير كالحدِّ مع المحدود، ويقدم المنعكس فيه على غيره.
مثاله: قولنا في جريان القصاص بين الرجل والمرأة في الأطراف من أجرى القصاص بينهما في النفس أجرى بينهما (1) في الأطراف كالحرَّيْن، أولى من قولهم: إنهما يختلفان في بدل النفس فلا يجري القصاص بينهما في الأطراف، كالمسلم مع المستأمن فإنه لا تأثير لقولهم: يختلفان في بدل النفس فإن العبدين وإن تساويا في القيمة، لا يجري القصاص بينهما (2).
(1) طمس في المخطوط بسبب البلل وما أثبته من المسودة لآل تيمية.
(2)
انظر المثال في المسودة لآل تيمية ص (384).
قوله: والقاصرة والمتعدية سيان في ثالث (1).
قد سبق (2) الخلاف في القاصرة، هل هي علة صحيحة في نفسها أم لا؟
فإن قلنا: ليست صحيحةً لم تُعارض المتعدية (3).
وإن قلنا: بصحتها فاجتمعت مع المتعدِّية، وفيها أقوال:
أحدها: [أنهما سواء في الحكم](4) لا رُجحان لأحدهما على الأخرى (5)، لقيام الدليل على صحة كل منهما، كما تقدم.
الثاني: القاصرة أرجح (6) لوجهين:
أحدهما: أنها مطابقة للنص في موردها لم تجاوزه، بخلاف المتعدية لزيادتها على النص، وما طابق النص كان أولى.
الوجه الثاني: أمْنُ صاحبها من الخطأ لأنه لا يحتاج إلى التعليل بها في غير محل النص كالمتعدية، فربما أخطأ بالوقوع
(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (172).
(2)
انظر ص (145).
(3)
فلا ترجيح.
(4)
طمس في المخطوط، بسبب البلل، والمثبت من شرح مختصر الروضة للطوفي.
(5)
القول بالتسوية ذهب إليه الفخر إسماعيل وغيره، نُسِب القول إليه في المسودة لآل تيمية ص (378)، وأصول ابن مفلح (8/ 1614).
(6)
تقديم العلة القاصرة هو مذهب أبو إسحاق الإسفرائيني وغيره من الشافعية وهو الذي رجحه الغزالي في المستصفى. انظر: المستصفى للغزالي (2/ 377)، والبحر المحيط للزركشي (6/ 182).
في بعض مثارات الغلط في القياس، وما أُمِن فيه من الخطأ، أولى مما كان عُرضةً له (1).
القول الثالث: المتعدية أرجح (2)[لكثرة](3) فوائدها، كالتعليل في الذهب والفضة بالوزن فيتعدى الحكم إلى كل موزون، كالحديد والنحاس، بخلاف التعليل بالثَّمنيَّة أو النقدية فلا يتعداها.
قوله: ويُقدّم الحكم الشرعي أو اليقيني على الوصف الحسِّي والإثباتي عند قومٍ، وقيل الحق التسوية (4).
اعلم: أن النُّسخ اختلفت (5) في هذا الموضع ففي بعض النسخ ذكر هكذا وفي بعض النسخ زيادة ذكرها عند تعليل المسألة قبلها (6): ومنها: أنه لما ذكر القول بأن المتعدية أرجح، قال: فعلى هذا (7)، يقدم الأكثر فروعًا على
(1) انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 720).
(2)
القول بترجيح العلة المتعدية على القاصرة اختيار القاضي أبي يعلى وأبي الخطاب وأكثر الحنابلة وبعض الشافعية. انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1533)، والتمهيد لأبي الخطاب (4/ 243)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 721)، والبحر المحيط للزركشي (6/ 182)، شرح المحلى على جمع الجوامع (2/ 377).
(3)
طمس في المخطوط، بسب البلل والمثبت هو الذي يستقيم المعنى به، وهو الموجود في شرح مختصر الروضة للطوفي.
(4)
المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (171).
(5)
المصنّف ينبّه على اختلاف النسخ كما سبق في ص (345)، والمراد نسخ ابن اللحام.
(6)
انظر: الصفحة السابقة.
(7)
أي: على ترجيح العلة المتعدية.
الأقل (1).
مثاله: لو قدرنا -في البر- أن المطعومات أكثر؛ علّلنا بالطّعم لأنه حينئذٍ يكونُ أكثر فروعًا، ولو قدرنا أن المكيلات أكثر؛ علّلنا بالكيل لأنه حينئذٍ يكون أكثر فروعًا (2).
ومنها (3) تُرجَّح ذات الوصف (لكثرة)(4) فروعها، على ذات الوصفين. لأن ما توقف على وصف واحد أكثر فروعًا مما توقف على وصفين فأكثر (5).
ومنها قوله: ولا مدخل للكلام في القاصرة والمتعدية في ترجيح الأقيسة (6)، وإنما فائدته إمكان القياس، لأن القاصرة لا تتعدى محلها حتى يقاس عليها، كالثمنية في [النقد](7) فحيث قلنا بما لم يمكن القياس، وإن قلنا بالمتعدية أمكن القياس فهذا فائدتهما والله أعلم.
وهذا على الزيادة في بعض النسخ فلنرجع إلى الكلام على ما هو في الأصل.
(1) انظر: التبصرة للشيرازي ص (488)، المسودة لآل تيمية ص (378)، شرح تنقيح الفصول للقرافي، التحبير للمرداوي (8/ 4280)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 724).
(2)
انظر المثال في: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 721).
(3)
أي: ومن الترجيح بكثيرة الفروع.
(4)
عبارةُ غير مقروءة، والمثبت من شرح مختصر الروضة.
(5)
انظر: التبصرة للشيرازي ص (489)، والتمهيد لأبي الخطاب (4/ 235)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 722)، والبحر المحيط للزركشي (6/ 184)، والتحبير للمرداوي (8/ 4242).
(6)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 723).
(7)
عبارةُ غير مقروءة، والمثبت من شرح مختصر الروضة للطوفي.
فنقول: إذا تعارض قياسان [والجامع](1) في أحدهما حكم شرعي وفي الآخر وصف حسّي، أو الجامع في أحدهما حكم سلبي، وفي الآخر حكم إثباتي فالحكم الشرعي مقدّم على الوصف الحسّي، لأن القياس طريقٌ شرعي لا حسّي فكان الاعتماد فيه على [الأحكام](2) الشرعية أولى من الاعتماد على الأوصاف الحسِّية (3)، وكذلك الاعتماد على الحكم السلبي مقدّم على الثبوتي، لأنه أوفق للأصل، إذ الأصل عدَم الأشياء كلها، هذا اختيار الآمدي (4).
ويقدم الثبوتي عند الحنفي وأصحابه (5)، والروضة للاحتياط، لإفادتها حكمًا شرعيًّا (6). وقيل: هما سواء. الحكم الشرعي مع الوصف الحسّي والحكم السلبي مع الثبوتي لأن الدليل لما قام على عليّة كل واحد من الأمرين [ثبتت عِلّيته](7) والظن لا يتفاوت بشيء مما ذكرنا، فاستويا لعدم ما يَصلُح مُرجّحًا، وأبو الخطاب يرجّح العلّة الحكميّة (8)، والقاضي يُرجِّح الحِسِّية (9).
(1) عبارةُ غير مقروءة، والمثبت من شرح مختصر الروضة للطوفي.
(2)
عبارةُ غير مقروءة، والمثبت من شرح مختصر الروضة للطوفي.
(3)
شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 723).
(4)
انظر: الإحكام للآمدي (4/ 278).
(5)
انظر: تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/ 96)، وفواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 325).
(6)
انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1041).
(7)
عبارةُ غير مقروءة، والمثبت من شرح مختصر الروضة للطوفي.
(8)
التمهيد لأبي الخطاب (4/ 230).
(9)
العدة لأبي يعلى (5/ 1531).
قوله، والمؤثر على الملائم، والملائم على الغريب (1).
لأن قوّتهما في أنفسهما على هذا الترتيب (2).
قوله: والمناسب على الشبهي (3).
إذا دارت علة القياسِ بين وصفٍ مناسبٍ وشبهي، قُدّم المناسب؛ لأنه متّفق عليه، والمصلحة ظاهرة فيه بخلاف الشَّبهي فيهما (4).
قوله: وتفاصيل الترجيح كثيرة، فالضابط فيه أنه متى اقترن بأحد الطرفين أمرٌ نقليٌّ أو اصطلاحيٌّ عام، أو خاص، أو قرينة عقلية، أو لفظية، أو حالية، وأفاد ذلك زيادة ظن، رُجّح به (5).
تفاصيل الترجيح كثيرة غير ما ذكر لأن مثارات الظنون التي يحصل بها الترجيح كثيرة جدًّا، فحصرها يبعد.
فالقاعدة الكُّلِّيَّة في الترجيح: أنه متى اقترن بأحد الدليلين المتعارضين أمرٌ نقلي -كآية أو خبر أو اصطلاحي: كعرف أو عادة- فإن كان عامًّا كان ذلك أو خاصًا، أو قرينة عقلية أو لفظية أو حالية وأفاد ذلك زيادة ظنٍّ رُجّح به، لما ذكرنا من أَنَّ رجحان الدليل هو الزيادة في قوته، وظن إفادته المدلول، وذلك أمر حقيقي لا يختلف في نفسه، وإن اختلفت مداركه.
(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (172).
(2)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 725).
(3)
المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (172).
(4)
انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 725).
(5)
المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (172).
قوله: وقد حصل بهذا بيان الرجحان من جهة القرائن (1).
هذا اعتذار عن ترك التصريح بالقسم الثالث من أقسام الترجيح القياسي، وهو الترجيح بالقرائن؛ لأنه كان ذكر أنّ الترجيح القياسي: إمّا من جهة أصل القياس أو علته أو قرينة عاضدة له، وذكر القسمين الأوّلين وهما الترجيح من جهة الأصل والعلة، وبَقِيَ الترجيح من جهة القرينة لم يصرِّح بذكره تفصيلًا كالقسمين قبله، لكن ذكره إجمالًا في القاعدة الكلية المذكورة للترجيح بقوله: أو قرينة عقلية، أو لفظية، أو حالية.
تم الكتاب
والحمد لله الواحد الوهاب حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
نقله من خط مصنّفه العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن رحيم البقاعي الحنبلي غفر الله له ذنوبه وستر عيوبه، وفرغ من كتابته ثامن عشر شهر ذي القعدة الحرام من شهور سنة ثمان وسبعون. أحسن الله نقصها، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته ورضي الله تعالى عن أصحاب رسول الله أجمعين.
* * *
(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (171).