المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مجتهد في العقليات مصيب، فإن أراد مطابقة الاعتقاد للمعتقد (1)، - شرح مختصر أصول الفقه للجراعي - جـ ٣

[الجراعي]

فهرس الكتاب

- ‌[تعريف المطلق]

- ‌[الفرق بين المطلق والنكرة]

- ‌[تعريف المقيّد]

- ‌[مراتب المقيَّد]

- ‌[أقسام حمل المطلق على المقيّد]

- ‌[حكم حمل المطلق علي المقيّد إذا كان بالمفهوم]

- ‌[إذا اتحد الحكم واختلف السبب]

- ‌[المطلق من الأسماء]

- ‌[تعريف المجمل]

- ‌[الإجمال في المفرد]

- ‌[الإجمال في المركب]

- ‌[الإجمال في عموم المقتضى]

- ‌مطلب: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان

- ‌[تعريف المبين]

- ‌[البيان بالأضعف]

- ‌[تأخير البيان عن وقت الحاجة]

- ‌[تعريف الظاهر]

- ‌[حكم الظاهر]

- ‌[المؤول]

- ‌[التأويلات البعيدة]

- ‌[مطلب: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة]

- ‌[مفهوم المخالفة]

- ‌[أقسام المفاهيم]

- ‌[النسخ]

- ‌[وقوع النسخ]

- ‌ لا يجوز على الله البداء

- ‌[بيان الغاية المجهولة هل هي نسخ

- ‌[النسخ قبل التمكن من الفعل]

- ‌[نسخ إيقاع الخبر]

- ‌[النسخ إلى غير بدل]

- ‌[النسخ بأثقل]

- ‌[أنواع النسخ من حيث المنسوخ]

- ‌[نسخ الكتاب والسنة بمثلها]

- ‌[نسخ القرآن بالسنة المتواترة]

- ‌[الإجماع لا يُنسَخ ولا يُنسَخ به]

- ‌[نسخ الفحوى والنسخ بها]

- ‌[نسخ حكم المنطوق يستلزم نسخ حكم الفرع أم لا

- ‌[حكم النسخ قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[حكم الزيادة غير المستقلة على النص]

- ‌[نسخ جزء من العبادة ليس نسخًا لجميعها]

- ‌[معرفة الله لا تنسخ]

- ‌[طرق معرفة النسخ]

- ‌[شروط النسخ]

- ‌[تعريف القياس]

- ‌[شروط حكم الأصل]

- ‌تنبيهان:

- ‌[شروط علة الأصل]

- ‌[شروط الفرع]

- ‌[مسالك العلة]

- ‌[تقسيمات القياس]

- ‌ الأسئلة الواردة على القياس

- ‌تنبيهات:

- ‌[تقسيمات الاجتهاد]

- ‌[شروط المجتهد]

- ‌[تجزؤ الاجتهاد]

- ‌[المسألة الظنية]

- ‌[تقليد المفضول]

- ‌[لا يجوز تتبع الرخص]

- ‌[تعريف الترجيح]

- ‌[الترجيح من جهة السند]

- ‌[الترجيح بالخارج]

- ‌[الترجيح بالقياس]

- ‌[الترجيح بحكم الأصل]

الفصل: مجتهد في العقليات مصيب، فإن أراد مطابقة الاعتقاد للمعتقد (1)،

مجتهد في العقليات مصيب، فإن أراد مطابقة الاعتقاد للمعتقد (1)، فجمع بين النقيضين؛ كحدوث العالم وقدمه، ولا يريده عاقل، وإن أراد عدم الإثم فمحتمل (2).

ثم اختلف النقل عن الجاحظ والعنبري منهم من أطلق ذلك فيشمل سائر الكفار والضُّلَّال ومنهم من شرط الإسلام وهذا هو اللائق بهما (3).

لنا: إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف على قتل الكفار وقتالهم، وعلى أنهم من أهل النار يدعونهم بذلك إلى النجاة (4)، ولا يفرقون بين معاند ومجتهد، وليس تكليفهم نقيض اجتهادهم بحال، بل ممكن، غايته منافٍ لما تعوَّدوه (5).

[المسألة الظنية]

قوله: مسألة: المسألة الظنية الحق فيها -عند الله- واحد، وعليه دليل فمن أصابه فمصيب وإلا فمخطئ مثاب عليه على اجتهاده عند الأكثر (6)،

لنا (7): {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} (8) فتخصيصه دليل اتحاد الحق

(1) انظر: الإحكام للآمدي (4/ 178).

(2)

انظر: التلخيص للجويني (3/ 335).

(3)

انظر: تشنيف المسامع للزركشي (4/ 585).

(4)

انظر: الإحكام للآمدي (4/ 178).

(5)

انظر: أصول ابن مفلح (4/ 1485).

(6)

مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (165).

(7)

أدلة القائلين: أن الحق عند الله واحد.

(8)

سورة الأنبياء (79). وسبب النزول: "دخل رجلان على داود عليه السلام =

ص: 424

وإصابته. ولا نص وإلا لما اختلفا، أو ذكر فنقل، ولأنه ورث النبوة بعده (1).

وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر)(2)، وقال الأشعري (3)

= وعنده ابنه سليمان، أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الحرث: إنَّ هذا انفلتت غنمه ليلًا فوقعت في حرثي فلم تبق فيه شيئًا، فقال: لك رقاب الغنم، فقال سليمان: أوَ غير ذلك، ينطلق أصحاب الكرم بالغنم فيصيبون من ألبانها ومنافعها ويقوم أصحاب الغنم على الكرم، حتى إذا كانت كليلة نفشت فيه، دفع هؤلاء إلى هؤلاء غنمهم، ودفع هؤلاء إلى هؤلاء كرمهم، فقال داود: القضاء ما قضيت، وحكم بذلك". ووجه الدلالة: أن داود قضى باجتهاده، ولسليمان قضى باجتهاده، لأنه لو كان هناك نص ما اختلفا في الحكم فهما مصيبان.

العدة لأبي يعلى (5/ 1550). انظر: فتح القدير للشوكاني (3/ 598).

(1)

هذا جواب آخر ذكره أبو الخطاب في التمهيد لأبي الخطاب (4/ 316)، فقال:"وخطّأه معللًا بقوله: لأن داود عليه السلام كان النبي والوحي ينزل عليه، وسليمان بعده صار نبيًا، ولهذا قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [النمل: 16] فكيف يعلم بالوحي من ليس بنبي، ولا ينزل عليه، لا يعلم به من أنزل إليه" اهـ.

وانظر: أصول ابن مفلح (4/ 1494)، التحبير للمرداوي (8/ 3944).

(2)

الحديث متفق عليه من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله قال (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر واحد). انظر: صحيح البخاري مع فتح الباري لابن حجر (13/ 318)، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب: أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ برقم (7352)، ومسلم (3/ 134) كتاب الأقضية، باب: بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ برقم (15).

(3)

نُقل عن أبي الحسن الأشعري القولان: الأول: أن كل مجتهد مصيب. والثاني: أن الحق واحد. جاءت النسبة إليه في شرح اللمع للشيرازي (2/ 1048)، =

ص: 425

والقاضي أبو بكر (1) وأبو يوسف (2) ومحمد بن الحسن (3) وابن سريج (4)"كل مجتهد مصيب"(5).

= والبرهان للجويني (2/ 861)، الإحكام للآمدي (4/ 184) والتحبير للمرداوي (8/ 3932)، ولكن الذي صرَّح به الباقلاني عن شيخه أبو الحسن الأشعري أنه قال: والذي مال إليه أبي الحسن الأشعري رحمه الله أنَّ كل مجتهد مصيب. انظر: التلخيص للإمام الجويني (3/ 340).

(1)

انظر: البرهان للجويني (2/ 861)، والتلخيص للجويني (3/ 340).

(2)

نسبه إليه الجريني في التلخيص: (3/ 340). وأمَّا ترجمته فهو: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، أبو يوسف صاحب أبي حنيفة، أخذ عنه الفقه، تولى القضاء في زمن المهدي، توفي سنة 182 هـ. له كتاب الخراج. انظر: الجواهر المضية للقرشي (2/ 220)، والفوائد البهية للكنوي ص (225).

(3)

هذا القول لمحمد بن الحسن نقله عنه العلماء ومنهم الإمام الجويني في التلخيص: (3/ 340)، وقال السمعاني: وقال محمد بن الحسن في كتاب الطلاق: "إذا تلاعن الزوجان ثلاثًا ففَرَّق القاضي بينهما نفذ قضاؤه، وقد أخطأ السنّة". حتى قال السمعاني: "فجعل قضاءه في حقه صوابًا، مع قوله: إنه مخطئ الحق عند الله تعالى" اهـ. قواطع الأدلة للسمعاني (5/ 18) وانظر في: ميزان الاعتدال للسمرقندي ص (735). وأمَّا ترجمته فهو: محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الكوفي، أخذ الفقه عن أبي حنيفة وأبي يوسف، وسمع من مالك والشافعي، بحرٌ من بحور العلم في الفقه والأصول واللغة، دوّن مذهب الإمام أبي حنيفة، توفي بالرّي 189 هـ. من مصنفاته: الجامع الصغير، والجامع الكبير، المبسوط في فروع الفقه، والحجة على أهل المدينة، وله رواية لموطأ مالك. مصادر الترجمة: الجواهر المضية للقرشي (1/ 243)، والفوائد البهية للكنوي ص (163).

(4)

جاءت النسبة إليه في المنخول للزركشي (458)، وتشنيف المسامع للزركشي (4/ 587)، والبحر المحيط للزركشي (6/ 255).

(5)

القول الثاني وهو مذهب جمهور المتكلمين والغزالي في المستصفى =

ص: 426

اختلفوا؛ فقال الأوّلان (1): حكم الله تعالى تابع لظنّ المجتهد، فما ظنّه كان حكم الله في حقه (2).

= وأكثر المعتزلة: كأبي الهذيل، وأبي علي، وأبي هاشم، والمريسي والأصم. انظر: شرح العمد (2/ 235، 238)، التلخيص:(3/ 337)، المستصفى للغزالي (2/ 361)، التحصيل لأبي بكر الأرموي (2/ 290). واختلف النقل عن الإمامين أبي حنيفة والشافعي -رحمهما الله- في المسألة، أما الحنفية فسبب اختلافهم ما نُقل عن الإمام أبي حنيفة أنه قال - ليوسف بن خالد السمتي توفي 189 هـ-:"كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد". قال البخاري في كشف الأسرار: "فبيَّن أن الذي أخطأ في ما عند الله مصيبٌ"، والذي قرره البزدوي في أصوله أن رأي الإمام أبي حنيفة أنّ المجتهد يخطئ ويصيب. انظر: أصول السرخسي (2/ 91)، بديع النظام لابن الساعاتي (2/ 683)، كشف الأسرار للبخاري (4/ 24)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (4/ 202).

قال الجويني في التلخيص: (3/ 338): "وأما الشافعي رحمه الله فليس له في المسألة نصٌّ .... حتى قال: ولكن اختلفت النقلة عنه والمستنبطون من قضايا كلامه"، ونقل الغزالي أيضًا القول باختلاف الرواية عن الإمام الشافعي في المستصفى. وذكر الإمام الشيرازي في شرح اللمع للشيرازي (2/ 1046):"أن الحق في قول واحدٍ من المجتهدين هو المنصوص عليه للشافعي في القديم والجديد، وليس له قولٌ سواه". قال ابن السمعاني في قواطع الأدلة للسمعاني (5/ 19) في بيان مذهب الشافعي: "أن الحق عند الله عز وجل واحد، والناس مأمورون بطلبه، مكلفون إصابته، فإذا اجتهدوا وأصابوا حُمدوا وأجروا، وإن أخطؤوا عذروا ولم يأثموا إلا أن يقصروا في أسباب الطلب" حتى قال: "وهذا هو مذهب الشافعي، وهو الحق، وما سواه باطلٌ". وقال الجويني في التلخيص. (3/ 340): "والصحيح من مذهب الشافعي أن المصيب واحد". انظر: الرسالة للشافعي (487) وإبطال الاستحسان للشافعي (7/ 474)، - قواطع الأدلة للسمعاني (5/ 19)، شرح اللمع للشيرازي (2/ 1046)، البحر المحيط للزركشي (6/ 241).

(1)

الأشعري والباقلاني.

(2)

ذكره الزركشي في تشنيف المسامع للزركشي (4/ 587).

ص: 427

وقال الباقون (1): مقالة تسمى بالأشبه (2)، ثم القائلون بالأشبه (3)؛ يعبرون عنه بأن المجتهد: مُصيبٌ في اجتهاده؛ مخطئ في الحكم. أي: إذا صادف خلاف ما لو حكم لم يحكم إلا به، وربما قالوا: مخطئ انتهاءً لا ابتداءً. والجمهور على الأول وهو: أن المصيب واحد (4).

ثم اختلفوا (5): هل عليه أمارة أم هو كدفين (6) يصيبه من شاء الله ويخطئه من شاء؟ والصحيح: أنَّ عليه أمارة (7)، وإذا

(1) أبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وابن سريج.

(2)

مقالة الأشبه: وهي أنّ في كل حادثة أمرًا، ما لو حكم الله لم يحكم إلا به. قال في المنخول للغزالي ص (458):"وهذا حكم الله على الغيب". انظر: شرح العمد للبصري (2/ 238)، التلخيص للجويني (3/ 382)، تشنيف المسامع للزركشي (4/ 587)، البحر المحيط للزركشي (6/ 255).

(3)

ذكره الزركشي في تشنيف المسامع للزركشي (4/ 587).

(4)

نقل أنه قول الجمهور الإمام الجويني في البرهان للجويني (2/ 861)، والآمدي في الإحكام للآمدي (4/ 183). قال المرداوي في التحبير (8/ 3943):"وهو الصحيح" وعزاه إلى الأكثر. انظر: أصول السرخسي (2/ 91)، والمنخول للغزالي (451)، والتحصيل لأبي بكر الأرموي (2/ 291)، وتشنيف المسامع للزركشي (4/ 588)، والبحر المحيط للزركشي (6/ 241)، والتمهيد للأسنوي (531)، وأصول ابن مفلح (4/ 1494)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 489).

(5)

القائلون: إن لله في الواقعة حكمًا معينًا. انظر: البحر المحيط للزركشي (6/ 257).

(6)

الآمدي في الإحكام للآمدي (4/ 183)، وتشنيف المسامع للزركشي (4/ 588)، البحر المحيط للزركشي (6/ 256).

(7)

قال الزركشي في البحر المحيط للزركشي (6/ 256): "وهو قول أكثر الفقهاء والأئمة الأربعة، وكثير من المتكلمين". انظر: شرح العمد للبصري (2/ 238)، والمستصفى للغزالي (254)، والإحكام للآمدي (4/ 183)، وتشنيف المسامع للزركشي (4/ 588)، والتمهيد للأسنوي ص (533).

ص: 428

قلنا: بأن عليه أمارة، فهل المجتهد مكلف بإصالة الحق أو لا؟ لأنَّ الإصابة ليست في وسعه، والصحيح الأول، فإذا قلنا: إنه مكلَّفٌ بالإصابة فهل يأثم إذا أخطأ أم له أجر؟ والصحيح: عدم الإثم كما تقدم (1).

قوله: مسألة: تعادل دليلين قطعيين محال اتفاقًا. (2)

التعادل بين القطعيين ممتنع عقليَّين [كانا أم نقليَّين](3) لاستلزام كل منهما نقيض الآخر (4).

قوله: وكذا [ظنيَّين](5) فيجتهد ويقف إلى أن يتبيَّنه، عند أصحابنا، وأكثر الشافعية. وقال قوم، وحُكي روايةً عن أحمد: يجوز تعادُلهما، فعليه يُخيَّر في الأخذِ بأيهما شاء (6).

أمَّا تقابل الإمارات الظنيَّة وتعادلهما (7) فمحال عند أحمد (8)،

(1) انظر ص (302).

(2)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (165).

(3)

طمسٌ بسبب البلل، ويصعب القراءة، وقد أثبتها هكذا ليستقيم المعنى.

(4)

نقل الاتفاق ابن الحاجب في منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (215)، وشرح مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 298)، وابن مفلح في أصوله (4/ 1501).

(5)

في المخطوط "الظنيين" والصواب ما أثبته لأنه الذي اتفقت عليه جميع نسخ المختصر، وأثبته د. بقا في المطبوع.

(6)

مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (165).

(7)

صورة المسألة: إذا تعارض عند المجتهد دليلان، ولم يترجح أحدهما على الآخر، وتحيَّر فماذا يفعل؟ انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 998).

(8)

انظر: تهذيب الأجوبة لابن حامد ص (100)، والعدة لأبي يعلى (5/ 1610)، والتمهيد لأبي الخطاب (4/ 357)، وروضة الناظر لابن قدامة (3/ 998)، =

ص: 429

والكرخي (1)، وجماعة من الشافعية (2)، لأنه يقتضي التخيير بين الحكمين، والإجماع على بطلانه فعلى هذا لا تعارض في أدلَّة الشرع مرَّ عند الشيخ (3)، وإنما هذا لعجز المجتهد فيلزمه التوقف إلى أن يتبيَّن له الترجيح (4).

لأنه لا يمكنه العمل بهما جميعًا، لأنه (5) يقتضي الجمع بين النقيضين النفي والإثبات، والتحليل والتحريم، وهو باطل، وإن عمل بأحدهما دون الآخر فهو ترجيح بدون مرجح فتعيَّن الوقف إلى ظهور جواز التعادل يُخير في الأخذ بأيهما شاء (6).

لأن (7) التوقف إمَّا أن يكون لا إلى غاية أو إلى غاية،

= والمسودة لآل تيمية ص (449)، وأصول ابن مفلح (4/ 1501)، والتحبير للمرداوي (8/ 3952)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 490).

(1)

انظره: في الأقوال الأصولية للإمام أبي الحسن الكرخي د. حسين الجبوري ص (121).

(2)

انظر: التبصرة للشيرازي ص (510)، والمستصفى للغزالي (2/ 379).

(3)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 998).

(4)

يشير المصنف إلى القول الأول في المسألة وهو أن المجتهد يجب عليه التوقف حتى يجد المرجح. وهذا مذهب الحنابلة وبعض الحنفية، وهو مذهب أكثر الشافعية. انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1610)، والتبصرة للشيرازي ص (510)، وروضة الناظر لابن قدامة (3/ 998)، والإحكام للآمدي (4/ 201)، وكشف الأسرار للبخاري (4/ 76)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 617).

(5)

حجة القائلين بالتوقف.

(6)

يشير المصنف إلى القول بالتخيير وهو مذهب الباقلاني كما في التلخيص الجويني (3/ 391).

(7)

هذه حجة القائلين بالتخيير.

ص: 430

والأوَّل: باطل؛ لأنه تعطيل للواقعة عن حكم، وربما لم يكن الحكم قابلًا للتأخير.

والثاني: أيضًا باطل؛ لأنَّ غاية التوقف إما مجهولةٌ أو معلومة، والأوَّل: ممتنع، لأنه يوقع الجهالة في أحكام الشرع، وليس شأنها ذلك، والثاني باطل أيضًا، لأن ظهور المرجح ليس إلى المجتهد، فلا يصح أن تكون غاية التوقف معلومة، وإذا انتفى التوقف إلى غاية وإلى غير غاية تعيَّن التخيير، وهو: أن يعمل بأيِّ الدليلين شاء.

وأيضًا: فإن الشرع قد ورد بالتخيير فينبغي أن لا يكون ممتنعًا ها هنا. أَما ورود الشرع به ففي صور:

منها: المزكِّي إذا كان عنده مئتان من الإبل، فإنه يُخيَّر بين أن يُخرج عنها أربع حِقاق، أو خمس بنات لبون (1)، ومنها: خصال الكفارة، فإنه يُخيَّر بين العتق والإطعام والكسوة (2).

وقد يجاب عن الأول: بأن التوقف إنما هو لِيتبيَّن له المرجِّح ولا يلزم منه جواز التخيير، وعن الباقي بأن التخيير في الصورة المذكورة قام دليله شرعًا بخلاف التخيير في محل النزاع

(1) لأنه قد وجد مقتضى إخراج الحِقائق وبنات اللبون، ففي كل أربعين من الإبل بنت لبون، وفي كل خمسة حِقّةٌ. كما وود في الصحيح من حديث أنس الطويل: إن أبا بكر كتب فرائض الصدقة الحديث. انظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 619).

(2)

قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89].

ص: 431

فإنه لم يقم دليله شرعًا (1).

قوله: مسألة: ليس للمجتهد أن يقول في شيء واحد، في وقت واحد قولين متضادَّيْن عند عامة العلماء (2). ونُقل عن الشافعي أنه ذكر في سبع عشرة مسألة فيها قولان. واعتُذِر عنه بأعذار فيها نظر (3).

أما كونه ليس ذلك فلأن اعتقادهما محال (4)، وأما الذي نقل عن الشافعي فمنه قوله في المسترسل من اللحية قولان: وجوب الغسل وعدمه (5)، واعتذر عنه بأشياء، منها أنه قيل: المراد للعلماء.

ورُدَّ: حكاهما على أنه قوله، ولهذا ذكرها أصحابه له، واختلفوا في المختار.

وقيل: معنى القولين التخيير بين الحكمين أو الشك.

رد: التخيير قوله واحد، والشك ليس قولًا.

(1) انظر: البلبل في أصول الفقه ص (239)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 618).

(2)

انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1610)، والتلخيص للجويني (3/ 411)، التمهيد لأبي الخطاب (4/ 357)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1004)، شرح العضد مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 299)، شرح تنقيح الفصول للقرافي ص (419)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 621).

(3)

مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (165).

(4)

انظر: أصول ابن مفلح (4/ 1505)، والتحبير للمرداوي (8/ 3955).

(5)

قال الشافعي: "وأحبُّ أن يُمرّ الماء على جميع ما سقط من اللحية عن الوجه، وإن لم يفعل، فأمرَّه على ما علا الوجه، ففيها قولان؛ أحدهما لا يجزيه، لأنّ اللحية تَنْزِل وجهًا. والآخر يجزيه إذا أمرَّه على ما علا الوجه منه" اهـ. انظر: الأم للإمام الشافعي (1/ 109).

ص: 432

وقيل: تعارض عنده الدليلان فقال بمقتضاهما على شريطة الترجيح (1).

أمَّا لو أطلق وبيَّن قوله منها -كما فعله الإمام أحمد- جاز (2)، لأنه قال في رواية أبي الحارث:"إذا أخَّرَت المرأة الصلاة إلى آخر وقتها، فحاضت قَبْل خروج الوقت، ففيه قولان: أحد القولين: لا قضاءَ عليها، لأنَّ لها أن تُؤخِّر إلى آخر الوقت. والقول الآخر: أنَّ الصلاة قد وجبت عليها بدخول الوقت فعليها القضاء. وهو أعجب القولين إليَّ"(3)؛ ذكره أبو بكر (4) في: "زاد المسافر"(5) قال عبد العزيز: وبهذا أقول (6)، يعني وجوب القضاء عليها.

قوله: وإذا نصَّ المجتهد على حُكمَين مُختلفين في مسألة في

(1) انظر: الاعتذارات عن قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى في التبصرة للشيرازي ص (511)، وشرح اللمع للشيرازي (2/ 1075)، والإحكام للآمدي (4/ 201)، والإبهاج لابن السبكي (3/ 202)، وجمع الجوامع للتاج السبكي (2/ 402).

(2)

هذا جواب عن سؤال مقدّر مفاده: فإنه ورد عن الإمام أحمد في المسألة الواحدة قولان. انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1620).

(3)

انظر هذه الرواية في العدة لأبي يعلى (5/ 1620).

(4)

انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1622). والمراد به أبو بكر بن عبد العزيز بن أحمد، المعروف بغلام الخلال.

(5)

كتاب زاد المسافر: لغلام الخلال، ينقل فيه فقه الإمام أحمد والروايات عنه، ذكر الطوفي في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 627) أنه: وفي مقدمته سمى الرواة عن أحمد أصحاب المسائل. انظر: المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد للشيخ بكر أبو زيد (1/ 122، 457).

(6)

نسبه إليه الطوفي في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 627).

ص: 433

وقتين، فمذهَبه آخرُهما -إِنْ عُلِم التاريخ- وإلا فأشبههما بأصوله وقواعِدِ مذهبه، وأقربُهما إلى الدليل الشرعي، وقيل: كلاهما مذهب له، وفيه نظر (1).

إذا نصّ المجتهد على حكمين مختلفين في مسألة في وقتين -كالقولين للشافعي والروايتين لأحمد- فإن عُلِم التاريخ، فالثاني مذهبه، وهو ناسخ للأول، اختاره في التمهيد (2)، والروضة (3)، والعدة (4)، وذكره ظاهر كلام أحمد: الخلَّال (5) وصاحبه (6) كَنَصَّيْن، ولأنه الظاهر.

قال أحمد: "إذا رأيت ما هو أقوى أخذت به وتركت القول الأول"(7)، فمن ذلك قوله -في المتيمم يجد الماء في الصلاة-:"كنت أقول: يمضي في صلاته ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث على أن يخرج"(8).

وقوله: "كنت أقول: من قال بخلق القرآن لا يكفر، ثم نظرت فإذا القرآن من علم الله، ومن زعم أن علم الله مخلوق

(1) انظر: المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (165).

(2)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 370، 371).

(3)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1012).

(4)

انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1607).

(5)

المراد به أبو بكر الخلّال.

(6)

المراد به أبو بكر عبد العزيز غلام الخلَّال.

(7)

جاءت هذه الرواية في أصول ابن مفلح (3/ 1508)، والتحبير للمرداوي (8/ 3961).

(8)

انظر: هذه الرواية في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 624).

ص: 434

فهو كافر" (1) وجزم بهذا القول الآمدي (2) وغيره (3).

وقيل: الأول مذهبه أيضًا (4)، اختاره ابن حامد (5) وغيره (6)، لأن الاجتهاد لا يُنْقَض بالاجتهاد (7)، وفيه نظر.

لأنه إن أراد أنه تجوز الفتيا والعمل بكل واحد منهما فممنوع، لاستلزامه كون الشيء الواحد حرامًا لا حرامًا في حال واحد، وذلك محالٌ لأنه جمع بين النقيضين. وإن أراد أن ما حصل بالأول من حكم وعبادة لا يبطل فليس بمحل النزاع، إذ الخلاف إنما هو فيما إذا تغير اجتهاده. هل يبقى الأول مذهبًا له أم لا؟ وقد بيّنا أنه لا يبقى مذهبًا له (8)، والله تعالى أعلم.

وإنْ جَهِل التاريخ فمذهبه أقربهما إلى كتابٍ، أو سنةٍ،

(1) انظر هذه الرواية في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 624).

(2)

جزم الآمدي بالقول بأنه إذا علم التاريخ فتنصيصه على الحكم الأخير، يلزم منه رجوعه عن الحكم المنصوص عليه أولًا. انظر الإحكام للآمدي (4/ 202).

(3)

انظر: أصول ابن مفلح (4/ 1508)، والتحبير للمرداوي (8/ 3961).

(4)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1013).

(5)

قال ابن حامد في تهذيب الأجوبة ص (101): "فالمذهب فيه أنَّا ننسب إليه من ذلك نص ما نقل عنه في الموضعين، ولا نسقط من الروايات شيئًا قلَّت أم كثرت، وتكون كل رواية كأنها عريَّة عن غيرها". اهـ. وانظر: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي لابن حمدان (102).

(6)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 370)، والمسودة لآل تيمية ص (527)، وأصول ابن مفلح (4/ 1508).

(7)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1013).

(8)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1014).

ص: 435

أو إجماعٍ، أو أثرٍ، أو قواعدَ الإمام، أو عوائده، ومقاصده، وأصوله، وتصرفاته لمذهبه، لأنه إذًا يكون بأحد الحكمين معنى من هذه المعاني اقتضى رجحانه، والأخذ بالراجح متعين، كما إذا ترجَّح أحد النصين الشرعيين بأحد مرجحاته (1).

قوله: مسألة: مذهب الإنسان ما قاله أو ما جرى مجراه من تنبيه أو غيره، وإلا لم تجز نسبته إليه، ولنا. وجهان في جواز نسبته إليه من جهة القياس، أو فعله، أو المفهوم (2).

إذا قال الإنسان شيئًا فهو مذهبٌ له، وكذلك ما جرى مجرى قوله مما دل سياق كلامه عليه [وقوّته](3) وإيمائه وتنبيهه (4)، كقول أحمد -في العراة-: فيهم اختلاف إلا أن إمامهم يقوم وسطهم (5)، وعاب على من قال: يقعد الإمام، فدلَّ على أن مذهبه أن الإمام العريان يصلي قائمًا، وإن لم يقله ولا جرى مجرى قوله، لم يجز نسبته إليه.

ثم إن قِيس على كلامه فهل هو مذهب له؟ كما اختاره

(1) انظر: صفة الفتوى لابن حمدان ص (89).

(2)

مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

(3)

انظر: تهذيب الأجوبة لابن حامد ص (49)، المسودة لآل تيمية ص (524)، وأصول ابن مفلح (4/ 1509)، والتحبير للمرداوي (8/ 3963).

(4)

انظر: تهذيب الأجوبة لابن حامد ص (49)، المسودة لآل تيمية ص (524)، وأصول ابن مفلح (4/ 1509)، والتحبير للمرداوي (8/ 3963).

(5)

انظر: مسائل الإمام برواية ابنه عبد الله ص (63)، وتهذيب الأجوبة لابن حامد ص (47).

ص: 436

الأثرم (1)، والحربي (2)، وابن حامد (3)، أم لا كما اختاره الخلّال وصاحبه (4) وجهان (5).

وكذا إن فعل شيئًا فهل هو مذهبه؟ كما اختاره ابن حامد (6) وأكثر الأصحاب (7)، لأن العلماء ورثة الأنبياء في العلم والتبليغ والهداية والاتباع، فلا يجوز أن يأتي بما لا دليل له عنده حذرًا

(1) جاءت النسبة له في تهذيب الأجوبة لابن حامد ص (49)، وانظر: المسودة لآل تيمية ص (524). والأثرم: هو أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الأثرم، إمام حافظ، جليل القدر، ممن نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة، مات بعد 260 هـ. انظر: طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/ 66)، والمقصد الأرشد لابن مفلح (1/ 161).

(2)

وفي نسبة هذا القول إليه نظر: فإنّ مذهبه في هذه المسألة عدم الجواز من جهة القياس كما صرَّح بذلك ابن حامد في تهذيب الأجوبة ص (36)، وانظر المسودة لآل تيمية ص (524). وأما ترجمته فهو: إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم الحربي، محدث وفقيه من الناقلين المسائل عن الإمام أحمد، توفي سنة (285 هـ). ومن مصنفاته: غريب الحديث، والمناسك وهو مطبوعان. مصادر الترجمة: طبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/ 86)، وتذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 584).

(3)

انظر: تهذيب الأجوبة لابن حامد ص (36).

(4)

انظر نسبة القول إلى الخلّال وغلامه عبد العزيز في تهذيب الأجوبة لابن حامد ص (36)، والمسودة لآل تيمية ص (524)، والتحبير للمرداوي (8/ 3966).

(5)

وهناك وجه ثالث: وهو إنْ بَيَّن العلة ونص عليها، فمذهبه في كل مسألة وجدت فيها تلك العلة، كمذهبه فيما نص عليه، وإن لم يبيّن العلة فلا، وإن أشبهتها. ذكره ابن قدامة في روضة الناظر ص (242)، والتحبير للمرداوي (8/ 3967)، وذكره ابن مفلح في الفروع (1/ 70).

(6)

انظر: تهذيب الأجوبة لابن حامد ص (45).

(7)

وهو الصحيح من مذهب الحنابلة كما نصر عليه المرداوي في التحبير (8/ 3964)، وانظر: صفة الفتوى لابن حمدان ص (103)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (19/ 152).

ص: 437

من الضلال والإضلال، سِيَّما مع الدِّين والورع، وترك الشبهة، أو: لا يجوز ذلك عليه سهوًا أو نسيانًا أو جهلًا أو تهاونًا، فإن ذلك جائز عليه لعدم الوحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم في المسألة (1) - وجهان.

وكذا إذا فهم من كلامه شيء فهل هو مذهب له؟ كما اختاره الخرقي (2) وابن حامد (3) وإبراهيم الحربي (4)، لأن التخصيص من الأئمة لا يكون إلا لفائدة، وليس هنا سوى اختصاص محل النطق بالحكم المنطوق [به، وإلا كان تخصيصه به عبثًا ولغوًا.

والثاني لا] (5) اختاره أبو بكر بن جعفر (6)، لأنَّ كلامه قد يكون خاص بسؤال سائل أو حالة خرج الكلام له مخرج الغالب فلا يكون مفهومه بخلافه في المسألة (7) - وجهان.

قوله: مسألة: لا يُنْقَض الحكم في الاجتهاديَّات منه ولا من غيره اتفاقًا، للتسلسل (8).

(1) انظر: صفة الفتوى لابن حمدان ص (103).

(2)

جاءت النسبة إليه في صفة الفتوى لابن حمدان ص (102)، والتحبير للمرداوي (8/ 3964).

(3)

انظر: تهذيب الأجوبة لابن حامد ص (49).

(4)

جاءت النسبة إليه في صفة الفتوى لابن حمدان ص (102)، والتحبير للمرداوي (8/ 3964).

(5)

ما بين المعقوفتين فيه صعوبة في القراءة، والمثبت من كتاب صفة الفتوى لابن حمدان فقد نقل منه المصنف هذه العبارات ص (103).

(6)

جاءت النسبة إليه في صفة الفتوى لابن حمدان ص (103)، والتحبير للمرداوي (8/ 3964).

(7)

انظر: المسألة في صفة الفتوى لابن حمدان ص (102).

(8)

مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

ص: 438

إذا اجتهد في مسألة من مسائل الاجتهاد، فأدَّاه اجتهاده إلى شيء، ثم بعد ذلك اجتهد فأدَّاه اجتهاده إلى غير الأول، فإن الأول لا ينقض بالثاني (1) -سواء كان الأول منه أو من غيره- لأن الاجتهاد لا يُنْقض بالاجتهاد (2)، ولأننا إذا نقضنا الأول بالثاني، قد يَنْتقض الثاني بالثالث، والثالث بالرابع وهلم جرَّا فيتسلسل الأمر ولا يوثق باجتهاد، وتفوت مصلحة نصب الحاكم، وهو فصل الخصومات (3).

هذا ما لم يكن مخالفًا لقاطع، فإن خالف قاطعًا فإنه ينقض اتفاقًا (4).

(1) نقض الاجتهاد: هو إبطاله بعد وجوده، وهذا مما يحتاجه القاضي والمفتي، ولنقض الاجتهاد حالتان: الحالة الأولى: أن يكون الاجتهاد الثاني مستندًا إلى دليل متفق عليه من نص أو إجماع أو قياس جلي أو قواعد شرعية، فحكم الاجتهاد الأول أن ينقض بالثاني. الحالة الثانية: أن يكون الاجتهاد الثاني مستندًا إلى دليل ظني، مثل الاجتهاد الأول، فحكم النقض يختلف باختلاف الاجتهاد لنفسه أو لغيره، وما أشار إليه المصنف أنه لا ينقض أراد به نقض الاجتهاد مطلقًا. انظر: نقض الاجتهاد دراسة أصولية د. أحمد بن محمد العنقري.

(2)

هذا هو قول الجمهور ونقل الاتفاق عليه الآمدي وابن الحاجب، وانظر: المستصفى للغزالي (2/ 384)، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 300)، الإحكام للآمدي (4/ 203)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 684)، أصول ابن مفلح (4/ 1510)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (2/ 234)، غاية السول إلى علم الأصول لابن المبرد (434)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 504)، وفواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 395).

(3)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 685)، والتحبير للمرداوي (8/ 3972).

(4)

انظر: الإحكام للآمدي (4/ 203)، والتحبير للمرداوي (8/ 3973)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 505).

ص: 439

قوله: مسألة: وحكمه بخلاف اجتهاده باطل ولو قلد غيره، وذكره الآمدي (1) اتفاقًا. وفي إرشاد ابن أبي موسى: لا (2).

لأن المجتهد إذا أدَّاه اجتهاده إلى شيء لزمه العمل به، فإذا حكم بخلافه فقدحكم بشيء يعتقد بطلانه فكان باطلًا سواء قلد غيره أو لا (3).

وقال ابن أبي موسى في الإرشاد: "والمدلول على ضربين

إلى أن قال: وما كان منها مختلفًا في تأويله لزم العمل فيه بما دلَّت الدلالة على صحته وأدَّان لله تعالى بأنَّ الحقَّ فيه، ولا يَسعه العدول عنه إلى غيره، ولا أن يحكم [بخلافه](4)، وإن كان مذهبًا لغيره؛ لأنه يرى أنّه غيرُ صحيح، ويعتقد أن الحق [في سواه](4)، ومتى فعل ذلك [كان عاصيًا](4) عادلًا عن الحق، آثمًا مستحقًا للوعيد، وإن [كنّا](4) لا ننقض [حكمه](4) كما ننقضه إذا خالف المنصوصات، لوجود الخلاف في المدلولات، غير أن الله أتعالى يعلم فيه، (4) أنه اتبع الهوى، وحكم بما يرى أن الحق في غيره (5).

قوله: مسألة: إذا نكح مقلِّدٌ بفتوى مجتهد، ثم تغير اجتهاد مقلِّدِه لم تحرم عند أبي الخطاب (6) والمقدسي (7) خلافًا لقوم (8).

(1) انظر: الإحكام للآمدي (4/ 203).

(2)

انظر: مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

(3)

انظر: الإحكام للآمدي (4/ 201).

(4)

ما بين المعقوفات طمس يصعب قراءته، وقد أثبته من كتاب الإرشاد لابن أبي موسى.

(5)

انظر: الإرشاد لابن أبي موسيا ص (486).

(6)

التمهيد لأبي الخطاب (4/ 409)، وانظر: أصول ابن مفلح (4/ 1513)، والتحبير للمرداوي (8/ 3979).

(7)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1015).

(8)

مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

ص: 440

أمَّا عدم التحريم فلأن عمله بفتواه كالحكم (1) وعند الشافعية (2)، وبعض علمائنا (3) يَحرُم كالتقليد في القبلة في أثناء صلاته احتمال وجهين (4).

قوله: مسألة: إذا حدثت مسألة لا قول فيها، فَلِلْمجتهد الاجتهاد فيها والفتوى والحكم، وهل هذا أفضل أم التوقف؟ أم توقفه في الأصول؟ فيه أوجه لنا، وبعضهم ذكر الخلاف في الجواز. يؤيد المنع ما ذكره إمامنا:"إيَّاك أن تتكلم في مسألة ليمس لك فيها إمام"(5)(6).

الطريقة الأول: ذكرها بعضهم (7) عن ابن حامد (8).

والثانية: ذكرها ابن حمدان. وجه الجواز قوله عليه السلام: (إذا اجتهد الحاكم دأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر). وهو عام وعلى هذا درج السلف والخلف.

ولأن الحاجة داعية إلى ذلك، لكثرة الوقائع والحاجة إلى معرفة أحكامها شرعًا، مع قلة النصوص بالنسبة إليها.

(1) وحكم الحاكم لا يُنْقض. انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 649).

(2)

انظر: الإحكام للآمدي (4/ 203).

(3)

كابن حمدان في صفة الفتوى لابن حمدان ص (30)، وانظر المغني لابن قدامة (10/ 274).

(4)

انظر: صفة الفتوى لابن حمدان ص (30).

(5)

هذه الرواية جاءت عن الميموني نقلها عنه ابن حامد في تهذيب الأجوبة لابن حامد ص (17)، وابن حمدان في صفة الفتوى لابن حمدان ص (105)، وابن تيمية في المسودة لآل تيمية ص (543).

(6)

مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

(7)

انظر: المسودة لآل تيمية ص (450).

(8)

وهو الجواز بالحكم في الحادثة وإن لم يحكم فيها قبله.

ص: 441

ووجه المنع: أنَّ السلف من الصحابة وغيرهم، كانوا يتدافعون المسائل والفتوى وكل واحد [ودَّ أن أخاه كفاه](1) هي، ونعلم أنهم لو اجتهدوالظهر لهم الحق في المسألة لأهليتهم (2).

ووجه الثالث: وهو جوازه في الفروع دون الأصول، أن الخطر في الأصول أعظم وترك الخوض فيها أسلم، والمخطئ في أكثرها كافر أو فاسق، بخلاف الفروع.

قوله: التقليد في اللغة: جعل الشيء في الحنث، وشرعًا: قبول قول الغير من غير حجّة (3).

التقليد في اللغة: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به (4)، ويسمى ذلك قلادة، والجمع قلائد (5)، قال تعالى:{وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} (6)، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الخيل:(لا تُقَلِّدوها الأوتار)(7)(8).

(1) ما بين المعقوفتين مما يصعب قراءته بسبب البلل، وهو المثبت في صفة الفتوى لابن حمدان.

(2)

انظر: صفة الفتوى لابن حمدان ص (103)، وانظر المسألة في المسودة لآل تيمية ص (450، 543)، وأصول ابن مفلح (4/ 1529)، والتحبير للمرداوي (8/ 4005).

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

(4)

انظر مادة "قلد" في معجم مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 19).

(5)

انظر مادة "قلد" في المصباح المنير للفيومي ص (196).

(6)

سورة المائدة (2).

(7)

الأوتار: جمع وِتْر وهو: الثّأر والجناية. انظر: غريب اللغة لابن الأثير (5/ 148). وقيل: أوتار: جمع جمع وَتَر القوس، والنهي الوارد لاعتقادهم أن تقليد الخيل بالأوتار يمنع عنها العين. انظر: مادة "قلد" في لسان العرب لابن منظور (36613).

(8)

الحديث رواه جابر بن عبد الله مرفوعًا بلفظ (الخيل معقود بنواصيها الخير =

ص: 442

ثم يُستعمل في تفويض الأمر إلى الشخص استعارة؛ كأنه ربط الأمر بعنقه، كما قال لقيط الإيادي (1):

وقلدوا أمركم لله دركم

رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعًا (2)

وهو في عرف الفقهاء: قَبُول قول الغير من غير حجة (3) أخْذًا من هذا المعنى، فلا يسمى الأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع تقليدًا؛ لأن ذلك هو الحجة في نفسه (4).

قوله: مسألة: يجوز التقليد في الفروع عند الأكثر، خلافًا

= إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها، قلِّدوها ولا تقلِّدوها الأوتار). أخرجه أحمد في مسنده (3/ 352)، والطبراني في الأوسط (9/ 453)، قال في مجمع الزوائد للهيثمي (5/ 259):"رواه الطبراني ورجاله ثقات، ورجال أحمد ثقات".

(1)

لقيط الإيادي هو: لقيط بن يعمر (وقيل: معمر) ابن خارجة الإيادي، شاعر جاهلي فحل مُقلٌّ، له نُتفٌ من الشعر، من أهل الحيرة، اتصل بكسرى "سابور" فكان من أخص مترجميه. قتله كسرى بعد أن قطع لسانه بسبب تحذيره لقومه بقصيدته اليتيمة. انظر ترجمته في الأغاني لأبي الفرج (22/ 355)، والشعر والشعراء لابن قتيبة (1/ 129).

(2)

هذا البيت من قصيدته التي كتب بها إلى قومه يحذرهم فيها غزو كسرى ومطلعها:

يا دار عمرة من مُحتلّها الجَرَعا

هاجت لي الهَمَّ والأحزان والوَجَعا

ولم يلتفت قومه إلى تحذيره، فغزاهم كسرى فقتلهم. انظر: الأغاني لأبي فرج الأصفهاني (22/ 358)، والشعر والشعراء لابن قتيبة (1/ 130).

(3)

هذا تعريف أبو الخطاب. انظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 395).

(4)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1017).

ص: 443

لبعض القدرية (1).

قال أبو الخطاب إجماعًا (2). فالحجة فيه الإجماع، ولأن المجتهد في الفروع: إِمَّا مصيب، وإِمَّا مخطئ متاب غير مأثوم، فلهذا أجاز التقليد فيها، بل وجب على العامي ذلك.

وذهب بعض القدرية (3) إلى أن العامة يلزمهم النظر في الدليل في الفروع، وهو باطل بإجماع الصحابة، فإنهم كانوا يفتون العامة، ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد، وذلك معلوم بالضرورة. وتكليفهم (4) رتبة الاجتهاد يؤدي إلى انقطاع الحرث والنسل، وتعطيل الحِرَف والصنائع، فلم يبق إلا سؤال العلماء (5)، وقد قال الله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (6).

قوله: مسألة: لا تقليد فيما علم كونه من الدين ضرورة، كالأركان الخمسة لاشتراك الكل فيها (7).

(1) مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

(2)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 1399)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1018)، والإحكام للآمدي (19714)، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 306)، والمسودة لآل تيمية ص (458).

(3)

نقله أبو الخطاب في التمهيد لأبي الخطاب (4/ 399) وقال: إنهم بعض معتزلة بغداد. وانظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 652).

(4)

أي: العامة.

(5)

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1019)، وصفة الفتوى لابن حمدان ص (53).

(6)

سورة الأنبياء: آية (7).

(7)

مختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

ص: 444

والأركان الخمسة: الشهادتان، الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، ولا شك أَنَّ هذه ونحوها قد اشتهرت ونُقِلت نقلًا متواترًا، وشارك العامة العلماء في ذلك فلا وجه للتقليد (1).

قوله: ولا في الأحكام الأصولية الكلية، كمعرفة الله تعالى ووحدانيته وصحة الرسالة ونحوها (2).

لا يجوز التقليد في معرفة الله تعالى والتوحيد والرسالة. ذكره القاضي (3).

وابن عقيل (4) وأبو الخطاب، وذكره عن عامة العلماء (5)، وأجازه العنبري (6) وغيره، وبعض الشافعية (7).

لنا: أمره - تعالى - بالتفكر والتدبر والنظر (8). وفي "صحيح ابن حبان" لما نزل في "آل عمران": {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ

(1) انظر: العدة لأبي يعلى (4/ 1225)، والتمهيد لأبي الخطاب (4/ 396)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 652).

(2)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (166).

(3)

انظر: العدة لأبي يعلى (4/ 1217).

(4)

انظر: الواضح لابن عقيل (5/ 237).

(5)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 396).

(6)

جاءت النسبة إليه في التبصرة للشيرازي ص (401)، والإحكام للآمدي (4/ 223).

(7)

انظر: الإحكام للآمدي (4/ 223)، وشرح المحلى على جمع الجوامع (2/ 402).

(8)

انظر الدليل في أصول ابن مفلح (4/ 1533)، والتحبير للمرداوي (8/ 4024)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (536).

ص: 445

وَالْأَرْضِ} .... الآيات (1). قال: (ويل لمن قرأهن ولم يتدبرهن، ويل له، ويل له)(2).

والإجماع على وجوب معرفة الله تعالى، ولا تحصل بتقليد، لجواز كذب المخبر واستحالة حصوله لمن قَلَّد في حدث العالم، ولمن قَلَّد في قدمه، ولأن التقليد لو أفاد علمًا: فإمَّا بالضرورة - وهو باطل - أو النظر، فيستلزم الدليل، والأصل عدمه. والعلم يحصل بالنظر، واحتمال الخطأ لعدم تمام مراعاة القانون الصحيح.

ولأنه ذمَّ التقليد بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} (3) وهي فيما يطلب العلم، فلا يلزم الفروع، ولأنه يلزم الشارع لقوله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (4) فيلزمنا لقوله: {فَاتَّبِعُوهُ} (5).

قوله: قال القرافي: ولا في أصول الفقه (6)(7).

قوله: مسألة: إذا أدى اجتهاد المجتهد إلى حكم لم يجز له التقليد إجماعًا (8).

(1) سورة آل عمران (190 - 195).

(2)

انظر: الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (2/ 386)، كتاب الرقائق، باب: التوبة من حديث عائشة رضي الله عنها بنحو هذا اللفظ.

(3)

سورة الزخرف (22).

(4)

سورة محمد (19).

(5)

ورد في سورة الأنعام (155، 153)، ولعل المراد به {وَاْتَّبِعُوُهُ} سورة الأعراف (158)؛ لأن المقصود في الآية اتباع الرسول.

(6)

انظر: نفائس الأصول للقرافي (1/ 161).

(7)

هكذا اكتفى المصنف بذكر المسألة ولم يتعرض لها بشرح. انظر: المختصر في أصول الففه لابن اللحام ص (167).

(8)

مختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (167).

ص: 446

إذا اجتهد فأدَّاه اجتهاده إلى شيء، لم يجز له التقليد (1)، لأن فرضه الاجتهاد وقد وجد، فلا يعدل عنه بعد وجوده.

واعلم أن هذه المسألة في جواز [الإقدام هي للمستدل](2) والتي تقدمت في قوله: "وحكمه، بخلاف اجتهاده باطل في العمل". فالحاصل أن [الإقدام] لا يجوز قولًا واحدًا، وأنه لو أقدم وعَمِل: هل هو باطل أو لا؟ في المسألة قولان تقدما (3).

قوله: وإن لم يجتهد فلا يجوز له أيضًا مطلقًا خلافًا لقوم، وقيل: يجوز مع ضيق الوقت. وقيل: ليعمل لا ليفتي، وقيل: لمن هو أعلم منه، وقيل: من الصحابة (4).

وأما إذا لم يجتهد فمذهب أحمد لا اجتهاد، ولا يجوز له التقليد أيضًا (5)؛ لأنه تمكن من الاجتهاد فهو بمنزلة ما لو اجتهد.

(1) صورة المسألة: إذا فرغ المجتهد في مسألة معينة، وغلب على ظنه الحكم فيها، فلا يجوز له تقليد غيره، ويترك ما توصل إليه، حكى الاتفاق عليه ابن قدامة والآمدي وغيرهما. انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1008)، والإحكام للآمدي (4/ 240)، وأصول ابن مفلح (4/ 1515)، والتحبير للمرداوي (8/ 3987).

(2)

ما بين المعقوفتين غير واضح في المخطوط، والذي أثبته هو الذي ظهر لي بعد التأمل.

(3)

انظر ص (314).

(4)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (167).

(5)

تحرير النزاع في المسألة: ذكر المصنف عدم جواز التقليد بعد الاجتهاد، أما إذا لم يجتهد المجتهد بعْدُ فهل له تقليد غيره أم لا؟ انظر: العدة لأبي يعلى (4/ 1229)، والتبصرة للشيرازي ص (403)، والتمهيد لأبي الخطاب (4/ 408)، وأصول ابن مفلح (4/ 1515)، والتحبير للمرداوي (8/ 3987).

ص: 447

وقيل: جوَّزه [

] (1) الاجتهاد ما وجد فهو بمنزلة من ليس من أهل الاجتهاد.

وقيل: يجوز مع ضيق الوقت (2)؛ لأنه إذا أخّر حتى يجتهد خرج الوقت فجاز له التقليد؛ محافظةً على الوقت.

وقيل: يجوز ليعمل لا ليفتى، لأن العمل قاصرٌ في حق نفسه بخلاف الفتيا (3).

وقيل: يجوز لمن هو أعلم منه لأنه أقرب إلى إصابة الحق (4)، وقيل: يجوز لمن هو أعلم إذا كان من الصحابة (5)، لأن الصحابة لهم مزيَّة، برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ليست لغيرهم.

قوله: مسألة: للعامي أن يقلَّد من عَلِم أو ظنَّ أهليته للاجتهاد بطريق ما، دون من عَرَفَه بالجهل اتفاقًا فيهما، أما من

(1) كلمة غير واضحة في المخطوط.

(2)

هذا القول في المجتهد قبل أن يجتهد في المسألة، وضاق عليه الوقت وخشي أن يفوت الوقت لو اشتغل بالاجتهاد فيجوز له التقليد، وهذا قول ابن سريج.

انظر: اللمع للشيرازي ص (126)، والتبصرة للشيرازي ص (404)، والإحكام للآمدي (4/ 204)، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الفتاوى (20/ 204)، خلافًا لمذهب أحمد فإنه لا يجوز للمجتهد التقليد مع ضيق الوقت، ولا سعته. انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1008).

(3)

انظر: أصول ابن مفلح (4/ 1516)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 517).

(4)

انظر: الإحكام للآمدي (4/ 204)، ونسبه الآمدي للإمام أحمد، وهذه النسبة أنكرها الطوفي في شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 63) بقوله:"وما حكاه عن أحمد، من جواز تقليد العالم للعالم غير معروف عندنا" اهـ.

انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1008)، والتحبير للمرداوي (3988).

(5)

انظر: الإحكام للآمدي (4/ 204).

ص: 448

جهل حاله فلا يقلده أيضًا خلافًا لقوم (1).

يجوز للعامي أن يقلد من علمه أهلًا للاجتهاد، وكذا من ظنه أهلًا لذلك (2) بأي طريق يوصل إليه (3) بخلاف من عَرَفه بالجهل (4)، فإنه لا يجوز له تقليده.

إما من جهل (5) فالجمهور: أنه يقلده لأن التقليد إنما يكون للمجتهد، والاجتهاد لم يتحقق في هذا فلم يجز تقليده (6)، وقيل: يجوز، لأن عدم الاجتهاد لم يتحقق.

(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (167).

(2)

نقل الاتفاق للآمدي في الإحكام (4/ 232)، وابن مفلح في أصوله (4/ 1543)، وانظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 403)، وشرح اللمع للشيرازي (2/ 1033)، وروضة الناظر لابن قدامة (3/ 1021)، وشرح تنقيح الفصول للقرافي ص (442)، والمسودة لآل تيمية ص (464)، والتحبير للمرداوي (8/ 4535).

(3)

ذكر العلماء من هذه الطرق: انتصابه للفتيا بمشهد من أعيان العلماء، أو أخذ الناس عنه واجتماعهم لسؤاله، أو ما يظهر من عليه من سمات الدين والورع والفضل والتقوى والعدالة، أو يُخبر عدلٌ عنه بأنه عالم. انظر: التمهيد لأبي الخطاب (4/ 403)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 663)، وفواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 404).

(4)

انظر: المستصفى للغزالي (2/ 395)، وصفة الفتوى لابن حمدان ص (11)، وروضة الناظر لابن قدامة (10213).

(5)

صورة المسألة: إذا جهل العامي حال الشخص الذي يسأله، بمعنى لا جهالة ولا علم، فهل يجوز تقليده، حكى المصنف الخلاف. انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1022)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 664).

(6)

رجَّح الآمدي في الإحكام (4/ 232) أن هذا هو المذهب الحق، وانظر قول الجمهور في روضة الناظر لابن قدامة (3/ 1022)، وأصول ابن مفلح (4/ 1543)، التحبير للمرداوي (8/ 4039)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 544).

ص: 449

قوله: مسألة: وفي لزوم تكرار النظر عند تكرار الواقعة أقوال. ثالثها: يلزمه إن لم يذكر طريق الاجتهاد (1).

أحدها: يلزم. لأنه قد يظهر له في هذا الاجتهاد ما لم يظهر له أولًا (2).

والثاني: لا (3). لأنه قد اجتهد لها أولًا فلا يجتهد لها ثانيًا.

والثالث: أنْ يُذكر طريق الاجتهاد، فلا يلزمه؛ لأنه قد عرف طريقه، وإن لم يُذْكر، يلزمه، لاحتمال أن يظهر له ولم يظهر قبل ذلك (4).

قوله: مسألة: لا يجوز خلو العصر عن مجتهد عند أصحابنا وجوزه آخرون (5).

وجه الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله) رواه البخاري (6).

(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (167).

(2)

انظر: العدة لأبي يعلى (4/ 1228)، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 307)، وصفة الفتوى لابن حمدان ص (37)، وأصول ابن مفلح (4/ 1551).

(3)

انظر: الإحكام للآمدي (4/ 233)، وشرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 357)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 554).

(4)

مذهب التفصيل اختاره الآمدي وأبي الخطاب. انظر: الإحكام للآمدي (4/ 233)، والتمهيد لأبي الخطاب (4/ 394)، وانظر: شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 554).

(5)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (167).

(6)

الحديث متفق عليه. انظر: فتح الباري لابن حجر (13/ 293)، كتاب الاعتصام، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) =

ص: 450

وأيضًا: التفقّه فرض كفايةٍ، ففي تركه اتفاق الأمة على باطل (1).

ووجه الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم "يَبْقَ عالم" (2) اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا) رواه البخاري ومسلم (3).

وأجيب عن الثاني: بأنه فرضٌ عند إمكانه، فإذا مات العلماء لم يمكن (4).

قال بعض علمائنا (5): ويتوجه أنه مراد أصحابنا، فلا اختلاف، لقوله صلى الله عليه وسلم:

(لا تقوم الساعة حتى لا يبقى في الأرض من

= عن معاوية رضي الله عنه بألفاظ مختلفة. انظر: الأحاديث بأرقام (71، 3116، 3640، 3641، 7312، 7460). ومسلم عن المغيرة وثوبان (3/ 1523)، في كتاب الأمارة، باب لا تزال طائفة من أمتي برقم (170، 171).

(1)

انظر: أصول ابن مفلح (4/ 1552).

(2)

ذكر المصنف العبارة على إحدى روايات الصحيح، قال ابن حجر في الفتح (1/ 195):"هو بفتح الياء والقاف"، وأما رواية الأصيلي والمعتمدة في الصحيح:"بضم أوله وكسر القاف، وعالمًا منصوبًا".

(3)

متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. انظر: فتح الباري لابن حجر (1/ 194)، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم برقم (100). ومسلم (4/ 2081)، كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه برقم (8).

(4)

انظر الدليل عند الآمدي في الإحكام (4/ 233)، وابن مفلح في أصوله (4/ 1553)، والتحبير للمرداوي (8/ 4066).

(5)

المراد به ابن مفلح. كما في أصوله (4/ 1553).

ص: 451

يقول الله الله) (1). وقوله: (إن الله يبعث ريحًا فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته) رواه مسلم (2).

مسألة: ذكر القاضي (3) وأصحابه (4): لا يجوز أن يفتي إلا مجتهد. وقيل: يجوز فتيا من ليس بمجتهد بمذهب مجتهد إن كان مطّلعًا على المأخذ، أهلًا للنظر (5). وقيل: عند عدم المجتهد. وقيل: يجوز مطلقًا (6).

ووجه الأول: هو عدم الجواز، إِنَّ غير المجتهد لا يعرف الصواب وضده، فهو كالأعمى الذي لا يقلد البصير فيما يعتبر له البصر لأنه بفقد البصر لا يعرف الصواب وضده، {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)} (7).

(1) أخرجه مسلم (1/ 131) من حديث أنس رضي الله عنه، كتاب الإيمان، باب ذهاب الإيمان آخر الزمان برقم (148).

(2)

انظر: صحيح مسلم (1/ 109) كتاب الإيمان، باب في الريح التي تكون قرب القيامة برقم (117) من حديث أبي هريرة أنه قال (إن الله يبعث ريحًا من اليمن ألين من الحرير، فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته).

(3)

انظر: العدة لأبي يعلى (5/ 1594).

(4)

كابن عقيل، وابن مفلح. انظر: الواضح لابن عقيل (5/ 421)، والمسودة لآل تيمية (515)، وأصول ابن مفلح (4/ 1555)، والتحبير للمرداوي (8/ 4071).

(5)

القول الثاني هو مذهب الجمهور. انظره في: الإحكام للآمدي (23614)، والبحر المحيط للزركشي (6/ 306)، وأصول ابن مفلح (4/ 1555)، ورفع الحاجب للسبكي (4/ 601)، والتحبر للمرداوي (8/ 4073).

(6)

مختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (167).

(7)

سورة المطففين (4، 5).

ص: 452