المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لا بد من تأخر الناسخ حتى يكون مطابقًا لحدِّه، لأنه - شرح مختصر أصول الفقه للجراعي - جـ ٣

[الجراعي]

فهرس الكتاب

- ‌[تعريف المطلق]

- ‌[الفرق بين المطلق والنكرة]

- ‌[تعريف المقيّد]

- ‌[مراتب المقيَّد]

- ‌[أقسام حمل المطلق على المقيّد]

- ‌[حكم حمل المطلق علي المقيّد إذا كان بالمفهوم]

- ‌[إذا اتحد الحكم واختلف السبب]

- ‌[المطلق من الأسماء]

- ‌[تعريف المجمل]

- ‌[الإجمال في المفرد]

- ‌[الإجمال في المركب]

- ‌[الإجمال في عموم المقتضى]

- ‌مطلب: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان

- ‌[تعريف المبين]

- ‌[البيان بالأضعف]

- ‌[تأخير البيان عن وقت الحاجة]

- ‌[تعريف الظاهر]

- ‌[حكم الظاهر]

- ‌[المؤول]

- ‌[التأويلات البعيدة]

- ‌[مطلب: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة]

- ‌[مفهوم المخالفة]

- ‌[أقسام المفاهيم]

- ‌[النسخ]

- ‌[وقوع النسخ]

- ‌ لا يجوز على الله البداء

- ‌[بيان الغاية المجهولة هل هي نسخ

- ‌[النسخ قبل التمكن من الفعل]

- ‌[نسخ إيقاع الخبر]

- ‌[النسخ إلى غير بدل]

- ‌[النسخ بأثقل]

- ‌[أنواع النسخ من حيث المنسوخ]

- ‌[نسخ الكتاب والسنة بمثلها]

- ‌[نسخ القرآن بالسنة المتواترة]

- ‌[الإجماع لا يُنسَخ ولا يُنسَخ به]

- ‌[نسخ الفحوى والنسخ بها]

- ‌[نسخ حكم المنطوق يستلزم نسخ حكم الفرع أم لا

- ‌[حكم النسخ قبل أن يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[حكم الزيادة غير المستقلة على النص]

- ‌[نسخ جزء من العبادة ليس نسخًا لجميعها]

- ‌[معرفة الله لا تنسخ]

- ‌[طرق معرفة النسخ]

- ‌[شروط النسخ]

- ‌[تعريف القياس]

- ‌[شروط حكم الأصل]

- ‌تنبيهان:

- ‌[شروط علة الأصل]

- ‌[شروط الفرع]

- ‌[مسالك العلة]

- ‌[تقسيمات القياس]

- ‌ الأسئلة الواردة على القياس

- ‌تنبيهات:

- ‌[تقسيمات الاجتهاد]

- ‌[شروط المجتهد]

- ‌[تجزؤ الاجتهاد]

- ‌[المسألة الظنية]

- ‌[تقليد المفضول]

- ‌[لا يجوز تتبع الرخص]

- ‌[تعريف الترجيح]

- ‌[الترجيح من جهة السند]

- ‌[الترجيح بالخارج]

- ‌[الترجيح بالقياس]

- ‌[الترجيح بحكم الأصل]

الفصل: لا بد من تأخر الناسخ حتى يكون مطابقًا لحدِّه، لأنه

لا بد من تأخر الناسخ حتى يكون مطابقًا لحدِّه، لأنه رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متراخٍ عنه، بخلاف ما إذا كان مقترنًا به فإنه تخصيص (1)، لأنه إخبار بأنَّ المخصِّص لم يرده المخاطب أولًا (2).

قوله: والتعارض، فلا نسخ إن أمكن الجمع (3).

أي: ويعتبر التعارض أيضًا للنسخ، فإن أمكن الجمع بين الأدلة فلا نسخ، لعدم الحاجة إليه.

قوله: ومن قال: نسخ صوم عاشوراء برمضان، فالمراد وافق نسخ عاشوراء فرض رمضان، فحصل النسخ معه لا به، والله تعالى أعلم.

هذا جواب عن سؤال مقدَّر، تقديره: أنتم قلتم: يعتبر للنسخ التعارض، فلِم قلتم: نُسخ عاشوراء برمضان؟ ولا شك أنه غير معارض له، فقال المصنف: من قال: نُسخ، ما مراده النسخ حقيقة، إنما مراده أنَّ نسخ عاشوراء وافق رمضان، لا أنَّه نُسِخ به، وإنما حصل عنده، والله تعالى أعلم.

[تعريف القياس]

قوله: القياس لغة: التقدير، نحو: قستُ الثّوب بالذراع،

(1) انظر: البحر المحيط للزركشي (4/ 78)، والتحبير للمرداوي (4/ 1328).

(2)

انظر: أصول ابن مفلح (3/ 115).

(3)

مختصر أصول الفقه لابن اللحام ص (142).

ص: 186

والجراحةَ بالمِسْبار، وشرعًا: حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما (1).

القياس أحد أصول الأدلة وهو ميزان العقول (2)، ومعناه لغة: التقدير والتسوية، نحو: قست الثوب بالذراع، أي: قدّرته به (3)، وقست الجراحة بالمسبار، وهو شيء يشبه الميل يتعرف به عمق الجرح (4)، وفي حديث الشعبي (5) أنه قضى بشهادة القائس مع يمين المشجوج، القَيَّاس الذي يقيس الشّجَّة (6) ويتعرف غورها بإدخاله ذلك الميل فيها، ويقول: قست الشيء بغيره وعلى غيره

(1) المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (142).

(2)

يشير المصنف إلى أهمية القياس ومنزلته، وقد أفاض في ذلك إمام الحرمين. كما في: البرهان للجويني (2/ 485). وانظر: رفع الحاجب لابن السبكي (4/ 136)، والتحبير للمرداوي (7/ 3115)، وشرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 5).

(3)

انظر: مادة "قيس" في: مختار الصحاح للرازي ص (369)، ولسان العرب لابن منظور (6/ 187).

(4)

انظر مادة "سبر" في: فقه اللغة للثعالبي ص (219)، مختار الصحاح للرازي ص (187)، لسان العرب لابن منظور (4/ 340).

(5)

حديث الشعبي: أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 174)، كتاب الشهادات. والشعبي هو: عامر بن شراحيل الشعبي، أبو عمرو، ثقة مشهور، فقيه فاضل من الثالثة، قال مكحول:"ما رأيت أفقه منه"، مات بعد المائة، وله نحو ثمانين. انظر: تقريب التهذيب ص (287).

(6)

الشُّجَّة: -بضم الشين وكسرها- تقول: شجَّه يشجه، وهي الجراحة إذا كانت في الوجه أو الرأس. انظر: مختار الصحاح للرازي ص (139)، المصباح المنير للفيومي ص (116)، أنيس الفقهاء للقونوي (293). قال في المطلع للبعلي ص (366):"وقد يستعمل في غير ذلك من الأعضاء".

ص: 187

أقيس وأقوس قوسًا وقياسًا في اللغتين (1) إذا قدرته على مثاله.

فالقياس في اللغة يدل على معنى التسوية على العموم، لأنه نسبة وإضافة بين شيئين، ولهذا يقال: فلان يقاس بفلان، أي: يساويه ولا يساويه (2).

(1) القياس: مصدر سماعي وقياسي. أما السماعي: من قاس يقيس، قَيْسًا، وقِيَاسًا من باب (باع). وسماعيًا: قاس، أقوس قوسًا من باب (قال). انظر مادة "قوس" في: الصحاح للجوهري (3/ 967)، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 40)، ومادة "قيس" في لسان العرب لابن منظور (6/ 187).

(2)

يتناول العلماء في معنى القياس ثلاثة أقوال: الأول: ما ذهب إليه الآمدي والأسنوي، وابن قدامة، أن القياس في اللغة حقيقة في التقدير مجاز في المساواة. ولهذا يقال: فلان يقاس بفلان ولا يقاس به، أي: يساويه ولا يساويه، وهو المختار عند الجراعي؛ لأنه ذكره واكتفى به، وهو خلاف الجمهور. الثاني: أن القياس مشترك لفظي بين التقدير والمساواة والمجموع بينهما؛ لأن لفظ القياس استعمل في (التقدير) وفي (المساواة) والأصل في الاستعمال الحقيقة. الثالث: أن القياس مشترك معنوي بين التقدير والمساواة. فهو حقيقة في التقدير وتحته فردان: الأول: طلب معرفة مقدار الشيء. مثل: قست الثوب بالذراع؛ والثاني: التسوية في مقدار الشيء. مثل: قست النعل بالنعل. فصار التقدير كليّ تحته فردان، وهو يصدق عليهما صدق الإنسان على أفراده، فهو مشترك معنوي وهذا قول الكمال ابن الهمام، والذي عليه أكثر العلماء وهو الصواب؛ لأن القياس إما أن يكون حقيقة في التقدير، مجاز في المساواة أو هو مشترك لفظي، أو مشترك معنوي. والقاعدة عند العلماء: أن الأمر إذا دار بين الاشتراك اللفظي والمعنوي قُدّم الاشتراك المعنوي، لاحتياج الاشتراك اللفظي إلى قرينة تبين المراد، وإذا دار الأمر بين الحقيقة والمجاز قدمت الحقيقة، لأن المجاز يحتاج إلى قرينة. فإذا انتفى الاشتراك اللفظي والمجاز، تبين أن لفظ القياس مشترك معنوي. والخلاف هنا معنوي. =

ص: 188

وأما حده شرعًا، فقيل: هو حَمل فرع على أصل في حكم، بجامع بينهما (1)، كحمل النبيذ -وهو الفرع- على الخمر -وهو الأصل- في التحريم، -وهو حكم الأصل- بجامع بينهما، وهو الوصف المناسب (2) لأن يترتب الحكم عليه في نظر الشارع، وهو هنا الإسكار الذي هو علة لتحريم الخمر، ونعني بالحمل: الإلحاق والتسوية -بين الفرع والأصل- في الحكم (3).

لا يقال: الأصل والفرع لا يعرفان إلا بعد معرفة حقيقة القياس، فأخذهما في تعريفه دور (4).

= انظر: روضة الناظر لابن قدامة (3/ 797)، الإحكام للآمدي (3/ 183)، شرح مختصر ابن الحاجب للإيجي (2/ 204)، البلبل للطوفي (190)، رفع الحاجب لابن السبكي (4/ 135)، الإبهاج شرح المنهاج (3/ 3)، تيسير التحرير لأمير بادشاه (3/ 263)، البحر المحيط للزركشي (5/ 6)، إرشاد الفحول للشوكاني (2/ 125)، نبراس العقول. عيسى منون (9)، الصالح في مباحث القياس. د. السيد صالح عوض ص (5).

(1)

التعريف الأول من تعريفات القياس عند المصنف. وهو قريب من تعريف القاضي أبي يعلى، وأبي الخطاب، وابن قدامة والآمدي، وابن الحاجب، وابن السبكي، وهذا التعريف عند من يرى أن القياس دليل شرعي وليس من فعل المجتهد. انظر: العدة لأبي يعلى (1/ 174)، التمهيد لأبي الخطاب (1/ 24)، روضة الناظر لابن قدامة (3/ 797)، الإحكام للآمدي (3/ 183)، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (166)، نهاية السول في شرح منهاج الوصول للأسنوي (4/ 2)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 218)، والتحبير للمرداوي (7/ 3117)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 6)، نبراس العقول للشيخ عيسى منون ص (37).

(2)

سيأتي كلام المصنف عنه في ص (192).

(3)

شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 219)، التحبير للمرداوي (7/ 3117).

(4)

هذا الاعتراض ذكره المصنف متابعةً للطوفي في شرح مختصر الروضة للطوفي (2/ 219). وانظر: الإحكام للآمدي (3/ 186)، نهاية السول في شرح منهاج الوصول للأسنوي (4/ 2)، التحبير للمرداوي (7/ 3117).

ص: 189

لأنَّا نقول: إنما نعني بالفرع صورة أريد إلحاقها بالأخرى في الحكم، لوجود العلة الموجبة للحكم فيهما، وبالأصل: الصورة الملحق بها، فلا يلزم دور من كون لفظ الفرع والأصل يشعرُ أن لا يكون هذا فرعٌ وذاك أصلٌ، إلا بكون هذا مقيسًا على ذاك (1)، ويرد على هذا قياس العكس (2) عند من سماه قياسًا، فإنه لا مساواة بين أصله وفرعه (3) لا في اللغة ولا في الحكم، لكن الذي في التمهيد (4) أنه لا يسمى قياسًا؛ قال: وسماه بعض الحنفية قياسًا (5) مجازًا (6)، وقيل: القياس: إثبات مثل حكم في غير محله لمُقْتَضٍ مُشتَرَك بينهما (7)، كإثبات مثل تحريم الخمر في النبيذ للإسكار، وقيل: هو تعديه حكم المنصوص عليه إلى غيره بجامع مشترك كتعدية تحريم التفاضل في البر المنصوص عليه إلى غيره.

[](8).

(1) التحبير للمرداوي (7/ 3120).

(2)

قياس العكس: إثبات نقيض حكم معلوم، في معلوم آخر لوجود نقيض علته فيه. انظر: منتهى السول في علم الأصول للآمدي ص (3/ 1).

(3)

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 222)، والتحبير للمرداوي (7/ 3119).

(4)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (3/ 360).

(5)

انظر: أصول السرخسي (2/ 363)، وفواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 248).

(6)

انظر: التمهيد لأبي الخطاب (3/ 359).

(7)

وهذا التعريف هو في معنى التعريف السابق، ولم أجده إلا عند الطوفي.

انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (2/ 218).

(8)

يوجد طمس بمقدار صفحة وهي 131/ أ، والأغلب أنها في الشرح فقط دون المتن، يتضح ذلك من عدم نقص المتن، وهي في تعريف القياس.

ص: 190

مما ليس منصوصًا عليه كالأرز ونحوه بجامع الكيل في الجنس مثلا، وتعدية تحريم الخمر المنصوص عليه إلى النبيذ بجامع الإسكار (1)، ويخرج عن هذا الحد القياس على الفرع المقيس حيث جوزناه كقياس الذرة على الأرز المقيس على البر إذ الأرز ليس منصوصًا عليه وهذه التعريفات المذكورة معانيها إن لم تكن متساوية فهي [متقاربة](2).

قوله: وأركانه الأصل والفرع وحكم الأصل والوصف الجامع (3).

الأصل: هو الواقعة التي يقصد تعدية حكمها إلى الفرع (4)، والفرع (5): يسمى صورة محل النزاع،

(1) انظر: شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 219).

(2)

ما بين المعقوفتين جاء في المخطوط: "متعارضة"، والمثبت من شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 219)، وهو الذي يستقيم به المعنى.

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (142).

(4)

الأصل في اللغة: له تعريفات كثيرة وارتضى المصنف: ما يبنى عليه غيره حسًّا أو عقلًا. انظر: شرح المختصر في أصول الفقه للجراعي، القسم الأول ص (46). وفي الاصطلاح له إطلاقات كثيرة انظر: شرح مختصر أصول الفقه للجراعي، القسم الأول ص (48)، ويراد بها في باب القياس -عند الجمهور- الصورة المقيس عليها. وهو: الذي يقاس عليه الفرع بالوصف الجامع بينهما. انظر: المستصفى للغزالي (1/ 5)، التمهيد لأبي الخطاب (1/ 5)، روضة الناظر لابن قدامة (1/ 60)، الإحكام للآمدي (3/ 191)، التحصيل لأبي بكر الأرموي (1/ 5)، الحاصل (1/ 6)، شرح العضد على ابن الحاجب (1/ 25)، البحر المحيط للزركشي (1/ 17).

(5)

الفرع في اللغة: أعلى الشيء. انظر: القاموس المحيط للفيروزآبادي (746). =

ص: 191

وحكم الأصل: هو الحكم (1) الشرعي الخاص بالأصل، والوصف الجامع: هو العلة (2) الجامعة التي يشترك فيها الملحق والملحق به، وأما حكم الفرع فهو ثمرة

= واصطلاحًا: ما حمل على الأصل بعلة مستنبطة منه، كالنبيذ. انظر: تعريفات الفرع اصطلاحًا في: العدة لأبي يعلى (1/ 175)، الإحكام للآمدي (3/ 193)، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (167).

(1)

الحكم في اللغة: القضاء، وأصله المنع، يقال: حكمت عليه بكذا إذا منعته نقيضه. انظر: مادة "حكم" في: المصباح المنير للفيومي ص (56). وفي الاصطلاح كما عند الجمهور: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع. والمراد به في باب القياس: هو الحكم في الأصل المقيس عليه. انظر: المستصفى للغزالي (1/ 355)، الإحكام للآمدي (1/ 195)، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (32)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 231).

(2)

العِلَّة لغة: تأتي بمعانٍ أشهرها معنيان: الأول: ما تقتضي تغيير المحل، ومن ذلك سمى المرض علّة، لأنها تغير حال المريض من حالة إلى أخرى، والثاني: من العلل، وهو معاودة الشرب مرةً بعد مرة، فتفيد التكرار والدوام. انظر: مادة "علل" في المصباح المنير للفيومي ص (162)، الصحاح (4/ 40). والمعنيان منطبقان على العلّة في الاصطلاح، ففي المعنى الأول: أن وصف الإسكار بالنسبة للخمر يقتضي تغيير حكم الفرع وهو النبيذ لوجود العلة فيه من الإباحة إلى الحرمة، بتأثير الوصف في الحكم، فتنقله من الأصل إلى الفرع، كما يتغير حال المريض من الصحة إلى المرض. وعلى المعنى الثماني: أن المجتهد يُعاود النظر في استخراج العلة مرة بعد مرة. وفي الاصطلاح: تطلق على معانٍ كثيرة: الراجح منها: أنّ العلّة وصف ظاهر منضبط معرف للحكم. شرح مختصر ابن اللحام للجراعي، القسم الأول ص (336)، وانظر: العدة لأبي يعلى (1/ 175)، المحصول للرازي (3/ 135)، الإحكام للآمدي (3/ 52)، منتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (50)، نهاية السول للأسنوي (4/ 54)، التحبير للمرداوي (7/ 3177).

ص: 192

القياس، وليس من أركانه؛ لأنه متوقف على القياس وركن الشيء لا يتوقف.

قوله: فالأصل عند الأكثر محلّ الحكم المشبه [به](1)، وقيل: دليله، وقيل: حكمه، قال بعض أصحابنا: الأصل [يقع](2) على الجميع (3).

الأصل على القول الأول، الأعيان الستة الثابت تحريم التفاضل فيها في الربا في حديث عبادة (4)، لأنّ الأصل ما كان حكم الفرع مقتبسًا منه ومردود إليه، وذلك إنما يتحقق في نفس الأعيان الستة، وهذا القول ذكره الآمدي عن الفقهاء (5)، وعلى القول الثاني: الأصل: هو النصّ الدالّ على تحريم التفاضل في الأعيان الستة لا نفس الأعيان، لأن النص هو الذي ينبني عليه التحريم، والأصل: ما بنى عليه غيره، وحُكِي هذا عن

(1) ساقطة من المخطوط، والمثبت من المختصر المطبوع، وهو في جميع المخطوطات.

(2)

هكذا في المختصر في أصول الفقه لابن اللحام، وقد جاءت في المخطوط "يقطع" وهو غير صحيح.

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (142).

(4)

انظر: صحيح مسلم (3/ 1210) كتاب المساقاة، باب الصرف وبيع الذهب بالذهب برقم (80). بلفظ (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، .... ) الحديث. وأما ترجمته فهو: عبادة بن الصامت الأنصاري، أبو الوليد، صحابي ممن شهد بيعة العقبة، توفي سنة 34 هـ. انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (2/ 355).

(5)

بذل النظر للإسمندي ص (582)، وروضة الناظر لابن قدامة (3/ 650)، والإحكام للآمدي (3/ 192)، ومنتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (167).

ص: 193

المتكلمين (1) وعلى الثالث الأصل: هو الحكم الثابت في الأعيان الستة لأن الأصل ما انبنى عليه غيره، وكان العلم به موصلًا إلى العلم بغيره أو الطرق (2)، وهذه الخاصية موجودة في حكم الأعيان الستة فكان هو الأصل. قال ابن قاضي الجبل: والنزاع لفظي لصحة إطلاق الأصل على كل منها (3)، وإنما كان كذلك لأن حكم الأعيان الستة إذا كان مينيًا عليها من حيث إنها محل له فهي أصل له، وهو أصل لحكم الأرز لكونه مبنيًّا عليه، وأصل الأصل فتكون الأعيان الستة أيضًا [أصلًا](4) لحكم الأرز، وأيضًا إذا كان حكم الأعيان الستة مبنيًّا على النصوص من حيث إنه مستفاد منه فيكون النص أصلًا له، وهو أصل لحكم الأرز، وأصل الأصل أصل، فيكون النص أيضًا أصلًا لحكم الأرز، والحاصل رجوع الخلاف لما هو أصل بالذات (5) أو بالعرض.

قوله: والفرع المحل المشبه، وقيل: حكمه (6).

(1) انظر: الوصول إلى علم الأصول لابن برهان (2/ 226)، والإحكام للآمدي (3/ 191)، وشرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 229)، وأصول ابن مفلح (3/ 1194)، والتحبير للمرداوي (7/ 3139).

(2)

انظر: المحصول للرازي (5/ 16)، الإحكام للآمدي (3/ 192)، التحصيل من المحصول للإرموي (2/ 857)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 219).

(3)

جاءت النسبة إلى ابن قاضي الجبل في شرح الكوكب لابن النجار (4/ 14).

(4)

هكذا تبدو في المخطوط.

(5)

الذّات: عرفه المصنف في القسم الأول من شرح المختصر ص (125): أنه هو الذي يدخل في حقيقة جزئياته كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان والفرس. اهـ

(6)

مختصر أصول الفقه لابن اللحام (142).

ص: 194

الخلاف في الفرع (1) تابع للخلاف في الأصل، فمن قال: الأصل محلّ الحكم المشبه به كالأعيان، قال الفرع: المحل المشبّه كالرز، ومن قال الأصل: حكمها وهو التحريم، قال الفرع: الحكم وهو التحريم في الأرز، وهو لفظي أيضًا (2)؛ ولا يُتصور القول: بأن الفرع دليل حكمه، كما قيل في الأصل؛ لأن دليل الفرع هو القياس.

قوله: والعلة والحكم مضى ذكرهما (3).

قد استوفي الكلام عليهما في [ما مضى](4) فلا حاجة إلى إعادته (5).

(1) الخلاف في الفرع على قولين: الأول: مذهب جمهور العلماء: أن الفرع هو المحل الذي لم ينص على حكمه. الثاني: مذهب المتكلمين وابن قاضي الجبل: أن الفرع هو حكم الصورة المقيسة.

انظر: العدة لأبي يعلى (1/ 175)، وبذلك النظر للإسمندي ص (581)، ومنتهى السول والأمل لابن الحاجب ص (167)، الإحكام للآمدي (3/ 192)، نهاية السول للأسنوي (4/ 54)، شرح مختصر الروضة للطوفي (3/ 230)، أصول ابن مفلح (3/ 1194)، التحبير للمرداوي (1/ 28)، شرح الكوكب المنير لابن النجار (4/ 15)، فواتح الرحموت لابن عبد الشكور (2/ 248).

(2)

أشار إلى ذلك في التحبير للمرداوي (7/ 3142).

(3)

المختصر في أصول الفقه لابن اللحام ص (142).

(4)

ما بيت المعقوفتين جاء في المخطوط "معنى"، والصواب ما أثبته لأنه الذي يستقيم به المعنى.

(5)

العلة ذكرها المصنف في القسم الأول من شرح مختصر أصول الفقه للجراعي ص (336).

أما الحكم، فانظر ص (262).

ص: 195