الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الثانية في حالة التركيب والفصل والوصل
واعلم أن الأصل فصل الكلمة من الكلمة، لأن كل كلمة تدل على معنى غير معنى الكلمة الأخرى، فكما أن المعنيين متميزان فكذلك اللفظ المعبّر عنهما يكون متميزا. وكذلك الخط النائب عن اللفظ يكون متميزا بفصله عن غيره.
ويستثنى من ذلك مواضع كتبت على خلاف الأصل:
(منها) أن تكون الكلمتان كشيء واحد؛ وذلك في أربعة مواضع:
الموضع الأوّل- أن تكون الكلمتان قد ركّبتا تركيب مزج
، مثل: بعلبك، ليدل على أن التركيب الذي يعتبر «1»
فيه وصل الكلمة بالأخرى هو تركيب المزج، وهو أن يتحد مدلول اللفظين، بخلاف ما إذا ركبتا تركيب إسناد، نحو: زيد قائم، أو تركيب إضافة، نحو: غلام زيد، أو تركيب بناء لم يتحد فيه مدلول اللفظين، نحو: خمسة عشر، وصباح مساء، وبين بين، وحيص بيص، فإن هذا كله يكتب مفصولا لا تخلط فيه كلمة بأخرى.
الموضع الثاني- أن تكون إحدى الكلمتين لا يبتدأ بها في اللفظ
، نحو الضمائر البارزة المتصلة، ونون التوكيد، وعلامة التأنيث والتثنية والجمع في لغة أكلوني البراغيث، وغير ذلك مما لا يمكن أن يبتدأ به، فكل هذا يكتب متصلا وإن كان من كلمتين.
الموضع الثالث- أن تكون إحدى الكلمتين لا يوقف عليها
، وذلك ما كان نحو باء الجرّ، وفاء العطف، ولام التأكيد، وفاء الجزاء، فإن هذه الحروف لا يوقف عليها، فلما امتزجت في اللفظ امتزجت في الخط فتكتب متصلة، وإن كانت في الحقيقة كلمتين.
الموضع الرابع- أن تكون الكلمة مع الأخرى كشيء واحد
في حال ما
فاستصحب لها الاتصال غالبا، مثل: بعلبك، إذا أعرب إعراب المضاف والمضاف إليه، فإن هذا الإعراب يقتضي أن تفصل إحدى الكلمتين من الأخرى، لأن الإعراب قد فصلهما. أما إذا أعرب إعراب ما لا ينصرف فلا يصح فيه الفصل أصلا، لأنّ اللفظ الثاني منتهى الاسم، فهو مفرد في المعنى وفي اللفظ.
وكتبوا لئلّا مهموزة وغير مهموزة بالياء (وكان القياس أن تكتب بالألف) كما تكتب لأن إذا كانت اللام مكسورة بالألف فكذلك إذا زيدت عليها لا، إلا أن الناس اتبعوا رسم المصحف، وكذلك لئن فعلت كذا تكتبه بالياء اتباعا للمصحف، وإن كان القياس أن يكتب بالألف. وسيأتي الكلام على وصل لا بإن فيما بعد إن شاء الله تعالى.
(ومنها) توصل من الجارّة وهي المكسورة الميم بما بعدها بعد حذف النون منها على ما تقدّم في موضعين:
الموضع الأوّل- توصل بمن المفتوحة الميم مطلقا، سواء كانت موصولة، نحو: أخذت الدرهم ممّن أخذته منه، أو موصوفة كما في المثال المذكور فإنها فيه تحتمل المعنيين جميعا، أو استفهامية، نحو: ممّن أنت؟ أو شرطية، نحو: ممّن تأخذ درهما آخذ منه، وإنما وصلت بها لأجل اشتباههما خطاّ إذ لو كتبتا من من لكانتا مشتبهتين في الصورة، فأدغمت نون من في ميم من ونزّلت منزلة المدغم في الكلمة الواحدة، فلم يجعل له صورة بل حذف مع كتبه متصلا، وقد تقدّم الكلام على ذلك في الحذف. هذا هو المشهور الراجح.
وقال الأستاذ ابن عصفور: إن كانت من استفهامية، كتبت مفصولة على قياس ما هو من المدغمات على حرفين.
الموضع الثاني- توصل بعد حذف النون أيضا بما، إذا كانت موصولة، نحو: عجبت مما عجبت منه، أو استفهامية، نحو: ممّ هذا الثوب؟ أو زائدة كما
في قوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا
«1»
. أما إذا كانت شرطية، نحو: من ما تأخذ آخذ، أو موصوفة، نحو: أكلت من ما أكلت منه، فإن القياس يقتضي أن تكون مفصولة.
وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: إذا كانت ما غير استفهامية، كتبت من معها، وقضيته أنها لا تكتب متصلة إلا في حالة الاستفهام فقط، وتكتب منفصلة فيما عداها.
قال الشيخ أثير الدين أبو حيّان رحمه الله: والأوّل أصح لأنّ علة الوصل في ممن مفقودة في مما، وهي التباس اللفظين خطّا.
(ومنها) توصل عن بما بعدها بعد حذف النون منها على ما تقدّم، في موضعين:
الموضع الأوّل- توصل بمن الموصولة غالبا، نحو: رويت عمّن رويت عنه، ويجوز فصلها، فتفصل عن من من وتثبت النون في عن، وأما من غير الموصولة، فالقياس فصلها، فتكتب في الاستفهام عن من تسأل؟ وفي الشرط، عن من ترض أرض عنه، فتفصل عن من من على ما مرّ.
وزعم ابن قتيبة أن عن من تكتب موصولة بكل حال، سواء الموصولة وغيرها كما تكتب عمّ وعما موصولة من أجل الإدغام. وزعم غيره أنه لا يؤثر الإدغام في ذلك لأنهما كلمتان إلا في نحو: عما قليل، لزيادتها.
الموضع الثاني- توصل بما الاستفهامية، كما في قوله تعالى: عَمَّ يَتَساءَلُونَ
«2»
وتحذف الألف من ما على ما تقدّم في الحذف.
(ومنها) توصل مع بما إذا كانت زائدة، وتقطع إذا كانت موصولة، قاله ابن قتيبة.
(ومنها) توصل في بمن في موضعين:
الموضع الأوّل- توصل بمن الاستفهامية دائما، نحو قولك: فيمن تفكر؟
ولكن لا تحذف الياء منها كما حذفت النون من عن ومن، إذ لا إدغام هنا.
الموضع الثاني- توصل بما إذا كانت موصولة في الغالب، نحو: فكّرت فيما فكّرت فيه، ولا تسقط الياء على ما مرّ. ويجوز في هذه الحالة فصلها، فتفصل «في» عن «ما» . وتكتب على هذه الصورة «في ما» . وكذلك توصل بما إذا كانت استفهامية، نحو قوله تعالى: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها
«1»
ولا تحذف ياؤها كما تقدّم.
أما مع إذا اتصلت بما أو بمن، فإنها تكتب منفصلة. قاله ابن قتيبة.
قال بعض النحاة: أظنّ سبب ذلك قلة الاستعمال، وإلا فما الفرق بين مع وبين في. قال: وقد يمكن أن يفرق بينهما في الاسمية، فإن في لا تكون إلا حرفا، ومع إن تحرّكت كانت اسما، وإن سكنت، فخلاف والأصح الاسمية، وأيضا فإنها تنفصل مما بعدها.
(ومنها) توصل الحروف النواصب للاسم، الروافع للخبر، إذا دخلت على ما الزائدة نحو: إنما وكأنما وليتما، فتكتب إنّ وكأنّ وليت متصلات بما، نحو: إنما فعلت كذا، وإنما كلّمت أخاك، وإنما أنا أخوك، وكأنما وجهه قمر، وليتما هذا الشيء لي، ونحو ذلك. فإن كانت ما موصولة، كتبت مفصولة، نحو:
إنّ ما قلت لحقّ، وكأنّ ما حدّثت صحيح، وليت ما لك لي. على أنه قد جاء في القرآن كثير من ذلك متصلا. وزعم بعضهم أنه لم يأت في القرآن مفصولا إلا قوله تعالى في الأنعام: إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ
«2»
. وقد كتبوا في المصحف:
إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ
«1»
في الطور وغيره متصلا، وكذلك: إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ
«2»
. مع رفع كيد ونصبه، وإن كانت ما موصولة في الموضعين.
(ومنها) توصل قلّ بما إذا دخلت عليها، نحو: قلّما أتيتك مائة مرة.
(ومنها) توصل إن الشرطية بلا إذا دخلت عليها بعد حذف النون، نحو:
إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ
«3» .
(ومنها) توصل إن الشرطية بما إذا جاءت بعدها بعد حذف النون، نحو:
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً
«4»
. وإنما حذفت النون في هذه وما قبلها لإدغامها كما في مما وعّما ونحوه.
(ومنها) توصل أين بما، نحو: يْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ
. لأن ما إذا دخلت على أين صارت جازمة إذ تقول: أين تكون أكون، فترفع النون، فإذا دخلت عليها ما، قلت: أينما تكن أكن فجزمت، فصارت أين وما كأنها كلمة واحدة. فإن كانت ما موصولة، فصلت نحو: أين ما اشتريت، تريد أين الذي اشتريت.
ولم يصلوا متى بما بل كتبوها منفصلة عنها، إذ لو وصلت للزم قلب الياء ألفا كما في ختام، فتكتب متام فيتعذّر إدراكها.
(ومنها) توصل حيث أيضا بما، نحو: وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ*
«5»
. كما تقدّم في أين.
(ومنها) توصل كل بما المصدرية، إذا دخلت عليها، نحو: كلّما جئتني
أحسنت إليك. فإن كانت نكرة منعوتة كتبت مفصولة، نحو: كلّ ما تفعل حسن، وكلّ ما كان منك حسن.
قال ابن قتيبة: وكلّ من مقطوعة على كل حال ومكان.
(ومنها) توصل هل بلا، وتحذف إحدى اللامين على هذه الصورة (هلّا فعلت) وتقطعها من بل، فتكتب (بل لا تفعل) .
قال ابن قتيبة: والفرق بينهما أنّ لا إذا دخلت على هل تغير معناها، فكأنها معها كلمة واحدة؛ وإذا دخلت على بل لم تغير المعنى تقول: بل تفعل، وبل لا تفعل، كما تقول: كي تفعل، وكي لا تفعل.
(ومنها) توصل بين بما الزائدة، نحو: بينما أنا جالس، وبينما أنا أمشي.
(ومنها) توصل أيّ بما إذا كانت ما زائدة كما في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ
»
وكما تقول: أيّما الرجلين لقيت فأكرم. فإن كانت ما موصولة قطعت فتكتب أيّ ما تراه أوفق، أيّ ما عندك أفضل، مقطوعة.
(ومنها) يوصل يوم وحين بإذ من قولك يومئذ وحينئذ، وكان القياس الفصل، على ما تقدّم في الهمزة.
(ومنها) توصل لئن ولئلّا وإن كان كل منهما كلمتين، إذ الأصل لإن ولأنّ لا وقد تقدّم بيان كتابتها بالياء دون الألف، لكونهم جعلوه مع ما بعده كالشيء الواحد.
(ومنها) توصل أن المفتوحة بلا إذا دخلت عليها بعد حذف النون على أحد الأقوال فتكتب على هذه الصورة (ألّا)(والثاني) : تفصل منها وتثبت النون، فتكتب على هذه الصورة:(أن لا يقوم) . و (الثالث) : يفصّل بين أن تكون مخفّفة عن الثقيلة، فتكتب مفصولة نحو: علمت أن لا يقوم زيد، وعلمت أن لا ضرر
عندك، التقدير أنه لا يقوم وأنه لا ضرر عندك ولذلك ثبتت في قوله تعالى: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ
«1»
أو ناصبة للفعل «2»
فتقدّر كتبها متصلة على اللفظ وتحذفها في الخط، نحو: يعجبني ألّا تقوم، وهو قول الأخفش وابن قتيبة واختيار ابن السيّد. (والرابع) : التفصيل بين أن تدغم بغنّة، فتكتب منفصلة، أو بغير غنّة فينوى الاتصال وتحذف خطّا، ويروى عن الخليل، واستحسنه بعض الشيوخ:
وقد وقع في القرآن مواضع متصلة ومواضع منفصلة فيجب اتباعها اقتداء بالسلف. وقد وقع في المصحف وصل مواضع القياس فصلها، فجب وصلها في المصحف اتباعا لرسمه، وتوصل في غيره في الغالب أو في بعض الأحوال.
(ومنها) وصلت بئس بما في موضعين:
أحدهما- بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ
«3»
في البقرة.
والثاني- بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي
«4»
في الأعراف.
(ومنها) وصلت نعم بما للإدغام. وحكى ابن قتيبة فيه الفصل والوصل.
(ومنها) وصلت إن بلم مع حذف النون للإدغام في قوله تعالى: فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ
«5»
في هود، بخلاف التي في القصص «6»
فإنها كتبت مفصولة بإثبات النون.
(ومنها) وصلت أن بلن مع حذف النون للإدغام في سورة الكهف في قوله:
َّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً
«7» .
(ومنها) وصلت أم بمن في نحو قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ
«1» .
قال محمد بن عيسى: «2»
كل ما في القرآن من ذكر أم فهو موصول إلا أربعة مواضع:
في النساء: أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
«3»
. وفي التوبة: أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ
«4»
وفي الصّافّات: أَمْ مَنْ خَلَقْنا
«5»
وفي فصّلت: أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً
«6» .
(ومنها) وصلت كي بلا في نحو: كيلا ولكيلا في أربعة مواضع في المصحف: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ
«7»
في آل عمران. ولِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً
«8»
في الحج. ولِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ
«9»
في الأحزاب. ولِكَيْلا تَأْسَوْا
«10»
في الحديد وما عداها فهو مقطوع كما في أوّل الأحزاب.
ووجه ابن قتيبة في المقطوع بأنك تقول: أتيتك كي تفعل وكي لا تفعل، كما تقول: حتّى تفعل وحتّى لا تفعل فيختلف المعنى بالنفى والإثبات فيه.