الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي شماليّ هذه المدينة بلدة صغيرة تعرف بالعزيزية، يقال إنها كانت منزلة العزيز وزير الملك، وهناك مكان على القرب منها يعرف بزليخا، وفي غربيّها إلى الشّمال في سفح جبل مصر الغربيّ سجن يوسف عليه السلام، وإلى جانبه مسجد موسى عليه السلام، وعلى القرب من السّور المقدّم ذكره مسجد يعقوب عليه السلام.
ويقال: إن النيل كان تحت هذا السّور، وهناك مكان يعرف بالمقياس إلى الآن.
القاعدة الثانية- مدينة «الإسكندرية»
نسبة إلى الإسكندر بن فيلبس المقدوني ملك اليونان المقدّم ذكره.
وقد ذكر القضاعي: أنه كان بها عدة عجائب، من أعجبها المنارة «1» ، وهي منارة مبنية بالحجر والرصاص ارتفاعها في الهواء ثلاثمائة ذراع كل ذراع ثلاثة أشبار، وقيل أربعمائة ذراع، وقيل مائة وثمانون ذراعا، وقيل بالحجر «2» لغلبة الجير فيه، وعلى رأسها مرآة من أخلاط يرى فيها من حضر إليها على بعد؛ وتهتدي بها المراكب السائرة إلى الإسكندرية إذ برها منخفض لا جبال فيها، تحرق بشعاعها ما أرادوا إحراقه من المراكب الواصلة، احتال عليها النصارى في أوائل الإسلام في خلافة الوليد بن عبد الملك الأمويّ فكسروها «3» ، وتداعى هدم المنارة شيئا فشيئا إلى أوساط المائة الثامنة فاستؤصلت وبقي أثرها.
(ومنها) الملعب الذي كانوا يجتمعون فيه في يوم من السنة ثم يرمون بكرة فلا تقع في حجر أحد إلا ملك مصر؛ وإن حضر فيه ألف ألف من الناس كان كل منهم ناظرا في وجه صاحبه، وإن قريء كتاب، سمعوه جميعا، أو أتي بنوع من اللعب رأوه عن آخرهم لا يتظالمون فيه بأكثر من مراتب العلية والسّفلة.
وكان من غريب هذا الملعب أن عمرو بن العاص رضي الله عنه حضر فيه في الجاهلية في يوم لعب الكرة فوقعت الكرة في حجره، وهم لا يعرفونه، فتعجب القوم منه وقالوا: ما رأينا هذه الكرة كذبت قطّ إلا هذه المرة، فاتفق أن ملكها في الإسلام. و (عمود السّواري)«1» الذي بظاهر الإسكندرية الآن أحد عمد هذا الملعب، وهو عمود عظيم يرمي الرجل القويّ السهم عن قوس قويّ فلا يبلغ رأسه.
(ومنها) عمودا الإعياء، وهما عمودان ملقيان وراء كل منهما جبل حصباؤه كصبر «2» الجمار يقبل العييّ بسبع حصيات حتّى يستلقي على أحدهما، ثم يرمي وراءه بالسبع ويقوم ولا يلتفت، ويمضي لطلبته فلا يحسّ بشيء من تعبه.
(ومنها) القبة الخضراء «3» ، وهي قبة ملبسة نحاسا كأنه ذهب إبريز لا يبليه القدم ولا تخلقه الدهور.
(ومنها) المسلّتان «4» ، وهما جبلان «5» قائمان على سرطانات نحاس في
أركانهما كل ركن على سرطان، فلو أراد مريد أن يدخل تحتها شيئا إلى الجانب الآخر لفعل.
قال ابن الأثير في «عجائب المخلوقات» : وهاتان المسلّتان إحداهما في الركن الشرقي من البلد، والثانية ببعض البلد، وهما عمودان مربّعان من حجر أحمر، وعرض قواعدهما من الجهات الأربع أربعون شبرا، طول كل واحدة منهما خمس قامات، وأعلاها مستدقّ، وعرض «1» قاعدتهما من الجهات الأربع أربعون شبرا. ويقال: إن عليهما مكتوب بالسريانية: «أنا يعمر بن شدّاد، بنيت هذه المدينة وأردت أن أجعل فيها من الآثار المعجزة، والعجائب الباهرة، فأرسلت البتون بن مرة العاديّ ومقدام بن يعمر بن أبي رغال الثمودي إلى جبل بريم الأحمر، فاقتطعوا منه حجرين وحملاهما على أعناقهما، فانكسرت ضلع البتون، فوددت أن أهل مملكتي كانوا فداء له، فأقامهما القطن بن حازم «2» المؤتفكي في يوم السعادة» .
وقد قيل فيها: إنها إرم ذات العماد، ولم تزل عامرة إلى الفتح الإسلامي، فلما فتحها «3» عمرو بن العاص كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
«أما بعد. فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية، وأربعة آلاف حمّام، وأربعون ألف يهودي عليهم الجزية، وأربعمائة ملهى للملوك» «4» . ويقال: إنه وجد فيها أربعة آلاف بقّال يبيعون البقل،