الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بأحسن زينة. وكان هناك مائة سبع مع مائة سبّاع، إلى غير ذلك من الأحوال الملوكية التي يطول شرحها.
هذا مع تقهقر الخلافة وانحطاط رتبتها يومئذ. ولم تزل الخلافة قائمة على ترتيب واحد في النفقة والجرايات والمطابخ وإقامة العساكر إلى آخر أيام الراضي بالله.
فلما ولي المتّقي لله، تقاصر أمر الخلافة وتناقص، وقنع الخلفاء من الخلافة بالدعاء على المنابر وضرب اسمهم على الدنانير والدراهم، وربما خطب الواحد منهم بنفسه، ومع ذلك فكان الخليفة هو الذي يولّي أرباب الوظائف من القضاة وغيرهم، وتكتب عنه العهود والتقاليد وغيرها لا يشاركه في ذلك سلطان.
وأما شعار الخلافة:
فمنها «الخاتم» : والأصل فيه ما ثبت في الصحيح «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قيل له: إن الملوك لا يقرأون كتابا غير مختوم فاتّخذ خاتما من ورق، وجعل نقشه محمد رسول الله» فلما توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لبسه أبو بكر بعده ثم لبسه عمر بعد أبي بكر، ثم لبسه عثمان بعد عمر، فوقع منه في بئر فلم يقدر عليه.
واتخذ الخلفاء بعد ذلك خواتيم، لكل خاتم نقش يخصه، وبقي الأمر على ذلك إلى انقراض الخلافة من بغداد.
ومنها «البردة» «1» وهي بردة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان الخليفة يلبسها في المواكب.
قال ابن الأثير: «1» وهي شملة مخطّطة، وقيل كساء أسود مربّع فيه صغر؛ وقد اختلف في وصولها إلى الخلفاء.
فحكى الماورديّ «2» في الأحكام السلطانية عن أبان بن تغلب «3» أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان وهبها لكعب بن زهير حين امتدحه بقصيدته التي أوّلها: «بانت سعاد» «4» فاشتراها منه معاوية. والذي ذكره غيره أن كعبا لم يسمح ببيعها لمعاوية، وقال: لم أكن لأوثر بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. فلما مات كعب اشتراها معاوية من ورثته بعشرة آلاف درهم.
وحكى الماوردي أيضا عن حمزة بن ربيعة أن هذه البردة كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أعطاها لأهل أيلة «5» أمانا لهم، فأخذها منهم عبد الله بن خالد بن أبي أوفى وهو عامل من قبل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أميّة وبعث بها إليه، وكانت في
خزانته حتّى أخذت بعد قتله. وقيل اشتراها أبو العبّاس السفّاح، أوّل خلفاء بني العبّاس بثلاثمائة دينار.
ومنها «القضيب» : وهو عود كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يأخذه بيده.
قال الماورديّ: وهو من تركة النبيّ صلى الله عليه وسلم التي هي صدقة.
قلت: وكان القضيب والبردة المتقدّما الذكر عند خلفاء بني العبّاس ببغداد إلى أن انتزعهما السلطان سنجر السّلجوقيّ «1» من المسترشد بالله، ثم أعادهما إلى المقتفي عند ولايته في سنة خمس وثلاثين وخمسمائة. والذي يظهر أنها بقيت عندهم إلى انقضاء الخلافة من بغداد سنة ست وخمسين وستمائة فإن مقدار ما بينهما مائة وإحدى وعشرون سنة، وهي مدة قريبة بالنسبة إلى ما تقدم من مدتهما.
ومنها «ثياب الخلافة» : وقد ذكر السلطان عماد الدين صاحب حماة «2» في تاريخه في الكلام على ترجمة الملك السعيد إسماعيل أحد ملوك بني أيوب باليمن أنه كان به هوج فادّعى أنه من بني أمية ولبس ثياب الخلافة، ثم قال: وكان طول الكم يومئذ عشرين شبرا، فيحتمل أنه أراد زمن بني أمية، وأنه أراد زمن بني أيوب.
ومنها «اللون» في الأعلام والخلع ونحوها.
وكان شعار بني أمية من الألوان الخضرة، فقد حكى صاحب حماة عن الملك السعيد إسماعيل المتقدم ذكره: أنه حين ادّعى الخلافة وأنه من بني أميّة لبس الخضرة؛ وهذا صريح في أنه شعارهم.
أما بنو العباس فشعارهم السّواد؛ وقد اختلف في سبب اختيارهم السّواد فذكر القاضي الماورديّ في كتابه «الحاوي الكبير» في الفقه: أن السبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم حنين ويوم الفتح عقد لعمه العبّاس رضي الله عنه راية سوداء.
وحكى أبو هلال العسكريّ «1» في كتابه «الأوائل» : أن سبب ذلك أن مروان ابن محمد آخر خلفاء بني أميّة حين أراد قتل إبراهيم بن محمد العبّاسيّ أوّل القائمين من بني العبّاس بطلب الخلافة قال لشيعته: لا يهولنكم قتلي، فإذا تمكنتم من أمركم فاستخلفوا عليكم أبا العبّاس يعني السّفّاح؛ فلما قتله مروان، لبس شيعته عليه السّواد، فلزمهم ذلك وصار شعارا لهم.
ومن غريب ما وقع مما يتعلق بذلك ما حكاه ابن سعيد في «المغرب» «2» أن الظافر الفاطميّ «3» أحد خلفاء مصر لما قتله وزيره عباس، بعث نساء الخليفة شعورهن طيّ الكتب إلى الصالح طلائع بن رزيك «4» ، وهو يومئذ وال بمنية بني خصيب «5» ، فحضر إليهم وقد رفع تلك الشعور على الرماح، وأقام الرايات السود
إظهارا للحرب على الظافر، ودخل القاهرة على ذلك، فكان ذلك من الفأل العجيب، وهو أن مصر انتقلت إلى بني العباس بعد خمسة عشرة سنة، ورفعت راياتهم السّود بها.
وأما تولية الملوك عن الخلفاء، فكان الحال فيه مختلفا باعتبار السلطان بحضرة الخلافة وغيره، فإن كان الذي يوليه الخليفة هو السلطان الذي بحضرة الخلافة، كبني بويه وبني سلجوق وغيرهم، فقد حكى ابن الأثير وغيره أن السلطان طغرلبك بن ميكائيل السّلجوقيّ لما تقلد السلطنة عن «القائم بأمر الله» «1» في سنة تسع وأربعين وأربعمائة، جلس له الخليفة على كرسيّ ارتفاعه عن الأرض نحو سبعة أذرع، وعليه البردة، ودخل عليه طغرلبك في جماعة، وأعيان بغداد حاضرون، فقبّل طغرلبك الأرض ويد الخليفة، ثم جلس على كرسيّ نصب له، ثم قال رئيس الرؤساء وزير الخليفة عن لسان الخليفة:«إن أمير المؤمنين قد ولّاك جميع ما ولّاه الله تعالى من بلاده، وردّ إليك أمر عباده، فاتق الله فيما ولّاك، واعرف نعمته عليك» ثم خلع على طغرلبك سبع جبّات سود بزيق واحد «2» ، وعمامة سوداء، وطوّق بطوق من ذهب، وسوّر بسوارين من ذهب وأعطى سيفا بغلاف من ذهب، ولقبه الخليفة، وقريء عهده عليه فقبل الأرض ويد الخليفة ثانيا وانصرف، وقد جهّز له فرس من إصطبلات الخليفة بمركب من ذهب مقندس فركب وانصرف إلى داره، وبعث إلى الخليفة خمسين ألف دينار، وخمسين مملوكا من