الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الوظائف الخارجة عن حضرة الخلافة لأرباب السيوف الإمارة على الجهاد، والإمارة على الحج وغيرها.
ومن الوظائف الخارجة عن الحضرة لأرباب الأقلام ولاية قضاء النواحي، والحسبة بها إلى غير ذلك من ولايات زعماء الذمة وغيرهم.
الحالة الثانية
ما صار إليه الأمر بعد انتقال الخلافة إلى الديار المصرية عند استيلاء التتار على بغداد لما بايع الملك الظاهر بيبرس البندقداريّ في سنة تسع وخمسين وستمائة «المستنصر بن الظاهر» أوّل الخلفاء بمصر على ما تقدم ذكره وكتب له عهد عنه بالسلطنة من إنشاء القاضي محي الدين بن عبد الظاهر، «1» وعمل له السلطان الدّهاليز «2» وآلات الخلافة ورتب له الجمدارية «3» ، واستخدم له عسكرا عظيما وجهزه إلى بغداد للاستيلاء عليها فقتله التتار على ما تقدّم.
ثم لما بايع الظاهر «1» أيضا الإمام «الحاكم بأمر الله» ثاني خلفائهم أيضا في سنة تسع وخمسين وستمائة على ما تقدّم ذكره، بقي مدّة، ثم أشركه معه في الدّعاء في الخطبة على المنابر في سنة ست وستين وستمائة، إلا أنه منعه من التصرف والدخول والخروج. ولم يزل كذلك إلى أن ولي السلطنة الملك الأشرف «خليل ابن المنصور قلاوون» فأطلق سبيله، وأسكنه في الكبش على القرب من الجامع الطّولونيّ؛ وكان يخطب أيام الجمع بجامع القلعة إلى أن ولي السلطنة الملك المنصور حسام الدّين لاجين، فأباح له التصرف والركوب إلى حيث شاء؛ وبقي الأمر على ذلك إلى أن ولي الخلافة «المستعصم بالله» أبو العباس أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان المرّة الثانية بعد موت الملك الناصر محمد بن قلاوون، ففوّض إليه السلطان نظر المشهد النفيسيّ «2» واستقرّ بأيدي الخلفاء إلى الآن.
والذي استقرّ عليه حال الخلفاء بالديار المصرية أن الخليفة يفوّض الأمور العامة إلى السلطان، ويكتب له عنه عهد بالسلطنة ويدعى له قبل السلطان على المنابر إلا في مصلّى السلطان خاصة في جامع مصلاه بقلعة الجبل المحروسة، ويستبد السلطان بما عدا ذلك: من الولاية والعزل وإقطاع الإقطاعات حتى للخليفة نفسه، ويستأثر بالكتابة في جميع ذلك.
قلت: ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن قبض على السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق بالشام في أوائل سنة خمس عشرة وثمانمائة على ما تقدّم ذكره، فاستقل الإمام «المستعين بالله» خليفة العصر بأمر الخلافة: من الكتابة على العهود ومناشير الإقطاعات، والتقاليد، والتواقيع، والمكاتبات وغيرها، وأفرد
بالدعاء على المنابر، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم والطرز «1» على ما تقدّم ذكره في الكلام على ترتيب الخلفاء، وهيئته في لبسه عند ركوبه المدينة في المواكب أو غيرها.
فعمامته مدوّرة لطيفة عليها رفرف من خلفه تقدير نصف ذراع في ثلث ذراع مرسل من أعلى عمامته إلى أسفلها، وفوق ثيابه كاملية «2» ضيقة الكمّ مفرّجة الذيل من خلف وتحتها قباء ضيق الكمّ.
أما تقليده السلطان السلطنة، فالذي رأيته في بعض التواريخ في عهد الإمام الحاكم بأمر الله أبى العباس أحمد بن أبي الربيع سليمان، إلى السلطان الملك المنصور أبي بكر بن الملك الناصر محمد بن قلاوون بعد مبايعة الحاكم المذكور عند موت أبيه في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة: أنه طلع القضاة والأمراء إلى القلعة واجتمعوا بدار العدل، وجلس الخليفة على الدرجة الثالثة من التخت، وعليه خلعة خضراء، وعلى رأسه طرحة سوداء مرقومة بالبياض، وخرج السلطان من القصر إلى الإيوان من باب السرّ على العادة، فقام له الخليفة والقضاة والأمراء، وجاء السلطان فجلس على الدرجة الأولى من التخت دون الخليفة، ثم قام الخليفة فقرأ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ
«3» إلى آخر الآية، وأوصى السلطان بالرفق بالرعية، وإقامة الحق، وإظهار شعائر الإسلام ونصرة الدّين؛ ثم قال:«فوّضت إليك جميع أمر المسلمين، وقلّدتك ما تقلدته من أمور الدين» . ثم قرأ: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ
«4» إلى آخر الآية، ثم أتي الخليفة بخلعة سوداء وعمامة
سوداء مرقومة الطرف بالبياض، فألبسها السلطان وقلّده سيفه، ثم أتي بالعهد المكتوب عن الخليفة للسلطان فقرأه القاضي علاء الدين بن فضل الله «1» كاتب السر إلى آخره، فلما فرغ من قراءته، تناوله الخليفة فكتب عليه ما صورته- فوّضت إليه ذلك- وكتب- أحمد بن عم محمد صلى الله عليه وسلم وكتب القضاة الأربعة شهادتهم بالتولية، ثم أتي بالسماط على العادة.
وأخبرني من حضر تقليد السلطان الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق عن الإمام المتوكل على الله أبي الفتح محمد المشار إليه فيما تقدّم: أنه حضر الخليفة وشيخ الإسلام سراج الدين البلقينيّ «2» ، والقضاة «3» الأربعة وأهل العلم، وأمراء الدولة إلى مقعد بالإصطبلات السلطانية يعرف بالحرّاقة، وجلس الخليفة في صدر المكان على مقعد مفروش له، ثم أتى السلطان وهو يومئذ حدث، فجلس بين يديه، وسأله شيخ الإسلام عن بلوغه الحلم فأجاب بالبلوغ، فخطب الخليفة خطبة، ثم خاطب السلطان بتفويض الأمر إليه على نحو ما تقدّم ذكره، ثم أتي الخليفة بخلعة سوداء وعمامة سوداء مرقومة فوقها طرحة سوداء مرقومة، ثم جلس الخليفة في مكانه الذي كان جالسا فيه، ونصب للسلطان كرسيّ إلى جانب مقعد الخليفة فجلس عليه، وجلس الأمراء والقضاة حوله على قدر منازلهم، وقد استقرت جائزة تقليد السلطنة للخليفة ألف دينار مع قماش سكندري.
أما حضوره بمجلس السلطان في عامة الأيّام، عند حضوره إلى السلطان لسلام أو مهمّ أو غير ذلك، فقد أخبرني بعض جماعة الخليفة أن الإمام المتوكل المتقدّم ذكره كان إذا حضر إلى مجلس السلطان الظاهر، قام له، وربما مشى إليه خطوات وجلس على طرف المقعد وأجلس الخليفة إلى جانبه.